![Photo: الشرع لايفرق بين متماثلين ولايجمع بين نقيضين ____________________________ قال جل وعلا ______ {وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} _________________ -قال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب في "كشف الشبهات" تعليقآ علي الآيه "كفَّرهم بكلمة مع كونهم في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يجاهدون معه ويصلُّون معه ويزكُّون ويحجُّون ويوحدون" - قال شيخ الإسلام ابن تيمية:تعليقآ علي الآيه إنَّ من سبَّ الله ورسولَه طوعًا بغير كَرْه، بل من تكلَّم بكلمات الكفر طائعًا غير مُكْرَهٍ، ومنِ استهزأ بالله وآياته ورسوله فهو كافرٌ باطنًا وظاهرًا، وإِنَّ من قال: إِنَّ مثل هذا قد يكون في الباطن مؤمنًا بالله وإِنَّما هو كافرٌ في الظَّاهر، فإنَّه قال قولاً معلومُ الفساد بالضَّرورة من الدِّين، وقد ذكر الله كلماتِ الكفَّار في القرآن وحكم بكفرهم واستحقاقهم الوعيد بها". "مجموع الفتاوى" 7/557. -قال القاضي أبو بكرٍ بن العربيّ المالكيّ "أحكام القرآن" 2/976: تعليقآ علي الآيه "لا يخلو أَنْ يكونَ ما قالوه من ذلك جدًّا أو هَزْلاً، وهو - كيفما كان - كفرٌ، فإِنَّ الهزلَ بالكفرِ كفرٌ، لا خلاف فيه بين الأمَّة. فإِنَّ التَّحقيق أخو الحقّ والعلم، والهزلَ أخو الباطل والجهل. قال علماؤنا: انظر إلى قوله: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَال أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ} [البقرة: 67]". -قال الكِيا الهرَّاسي – الشافعيّ - في "أحكام القرآن" تعليقآ علي الآيه "فيه دلالةٌ على أنَّ اللاَّعب والخائض سواءٌ في إظهار كلمة الكفر على غير وجه الإكراه، لأَنَّ المنافقين ذكروا أَنَّهم قالوا ما قالوه لَعِبًا، فأخبر الله تعالى عن كفرهم باللَّعِب بذلك، ودلَّ أنَّ الاستهزاءَ بآياتِ الله تعالى كفرٌ". -قال أبو محمد بن حزم في "الفصل" 3/244:تعليقآ علي الآيه "فنصَّ تعالى على أَنَّ الاستهزاء بالله تعالى أو بآياته أو برسولٍ من رسله كفرٌ مخرجٌ عن الإيمان ولم يقل تعالى في ذلك إِنِّي علمت أَنَّ في قلوبكم كفرًا، بل جعلهم كفارًا بنفس الاستهزاء. ومنِ ادَّعى غير هذا فقد قوَّل الله تعالى ما لم يقُلْ وكذب على الله تعالى" -قال ابن الجوزيّ - الحنبلي -: تعليقآ علي الآيه "وقوله: {قَدْ كَفَرْتُمْ} أي: قد ظهر كفركم بعد إظهارِكم الإيمان، وهذا يدلُّ على أَنَّ الجدَّ واللعِبَ في إظهار كلمة الكفر سواء". "زاد المسير" 3/465. -قال أبو بكر أحمد بن عليٍّ الجصَّاص – الحنفيّ تعليقآ الآيه -: "فيه الدّلالة على أنَّ اللاعبَ والجادَّ سواءٌ في إظهار كلمة الكفر على غير وجه الإكراه؛ لأَنَّ هؤلاء المنافقين ذكروا أَنَّهم قالوا ما قالوه لعِبًا فأخبر الله عن كفرِهم باللعِبِ". ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فقد اجمعت الامة علي كفر من سب الله اوسب نبيه ولايقبل منه عذر بجهل ولاتأويل ولاتقليد قال إسحاق بن راهويه (قد أجمع المسلمون على أن من سب الله عز وجل أو سب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو دفع شيئاً مما أنزل الله أو قتل نبياً من أنبياء الله؛ أنَّه كافر، وإن كان مقراً بكل ما أنزل الله). وقال ابن المنذر (أجمع عوام أهل العلم على أنَّ من سب النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ القتل). قال القاضي عياض (ولا نعلم خلافاً على استباحة دمه - يعني ساب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - بين علماء الأمصار وسلف الأمة، وقد ذكر غير واحد الإجماع على قتله وتفكيره). وقال تقي الدين السبكي (أمَّا ساب النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فالإجماع منعقدٌ على أنَّه كفر، والاستهزاء به كفر). وقال شيخ الإسلام ابن تيميه (إنَّ سب الله أو سب رسوله؛ كفر، ظاهراً وباطناً، وسواءٌ كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلاً له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين؛ بأنَّ الإيمان قول وعمل). وقال أيضاً (وقد اتفقت نصوص العلماء من جميع الطوائف؛ على أن التنقص له صلى الله عليه وآله وسلم؛ كفرٌ، مُبيح للدم). -قال شيخ الإسلام عند كلامه على قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ . قال ( ..فإذا ثبت أن رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم والجهر بالقول يخاف منه أن يكفر صاحبه وهو لا يشعر ويحبط عمله بذلك، وأنه مظنة لذلك وسبب فيه، فمن المعلوم أن ذلك لما ينبغي له من التعزير والتوقير والتشريف والتعظيم والإجلال ولما أن رفع الصوت قد يشتمل على أذى له واستخفاف به، وإن لم يقصد الرافع ذلك، فإذا كان الأذى والاستخفاف الذي يحصل في سوء الأدب من غير قصد صاحبه يكون كافرا، فالأذى والاستخفاف المقصود المتعمد كفر بطريق الأولى ) . وقال بعد أن ذكر جملة من الأحاديث في كفر المنتقص من النبي صلى الله عليه وسلم ( وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كفر كفر بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافرا إذ لا يقصد الكفر أحد " إلا ما شاء الله " ) . وإذا كان الإنسان قد يخرج من الإسلام دون أن يقصد الخروج منه فما معنى التوقف عن التكفير حتى تنتفي موانعه؟ وقال رحمه الله في معرض حديثه عن سب النبي صلى الله عليه وسلم ( والغرض هنا أنه كما أن الردة تتجرد عن السب فكذلك تتجرد عن قصد تبديل الدين وإرادة التكذيب بالرسالة، كما تجرد كفر إبليس عن قصد التكذيب بالربوبية وإن كان عدم هذا القصد لا ينفعه، كما لا ينفع من قال الكفر ألا يقصد الكفر) . أما اشتراط قصد الكفر في التكفير فهذا يقتضي كما قال ابن الوزير في " إيثار الحق على الخلق" ألا يكون شيء من الأفعال والأقوال كفرا إلا مع الاعتقاد حتى قتل الأنبياء والاعتقاد من السرائر المحجوبة فلا يتحقق كفر كافر قط إلا بالنص الخاص في شخص شخص" كما هو اعتقاد غلاة الارجاء وقد جاء في حديث طارق بن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( دخل الجنة رجل في ذباب، دخل النار رجل في ذباب قالوا وكيف ذلك يا رسول الله قال ( مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجاوزه أحد حتى يقرب له شيئا فقالوا لأحدهما قرب، قال ليس عندي شيء أقرب، قالوا له قرب ولو ذبابا، فقرب ذبابا فخلوا سبيله فدخل النار وقالوا للآخر قرب فقال ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله عز وجل فضربوا عنقه فدخل الجنة ) . فهذا الرجل لم يقصد عبادة غير الله بل قرب الذباب لينجو بنفسه ولم يكن يدري أن فعله ذلك يدخله النار. ولذلك قال محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد: ( فيه مسائل.. التاسعة: كونه دخل النار بذلك الذباب الذي لم يقصده بل فعله تخلصا من شرهم، الحادية عشرة: أن الذي دخل النار مسلم لأنه لو كان كافرا لم يقل " دخل النار في ذباب" ) . قال عبد الرحمن بن حسن ( وفي هذا الحديث التحذير من الوقوع في الشرك وأن الإنسان قد يقع فيه وهو لا يدري أنه من الشرك الذي يوجب النار) . بل نُقل الاجماع ليس فحسب علي كفر الساب بل علي كُفر من شك في كفره وعذابه قال محمد بن سحنون (أجمع العلماء على أن شاتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المنتقص له؛ كافر، والوعيد جار عليه بعذاب الله، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه كَفَر). فنقول لاهل العذر بالجهل ، هل ذكر اهل العلم التعريف واقامة الحجة واستيفاء شروط وموانع فيما سبق .وهو شاهد ماذكر اعلاه فان قالوا لا قلنا لهم نقضتم منهجكم بانفسكم لان هذا اصل مطرد ولادليل علي تخصيص كفر عن كفر في اصل الدين والشرك الاكبر فمن فعل الكفر والشرك الاكبر فهو كافر لقوله تعالي " إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ " وقال عن المسيح أنه قال : " مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ " فمن خص ذلك الوعيد بالمعاند فقط وأخرج الجاهل والمتأول والمقلد فقد شاق الله ورسوله وخرج عن سبيل المؤمنين ، فالمدعي أن مرتكب الكفر متأولاً أو مجتهدًا مخطئًا أو مقلدًا أو جاهلاً ، معذور ، مخالف للكتاب والسنة بلا شك ، مع أنه لابد أن ينقض أصله، فلو طرد أصله كفر بلا ريب كما لو توقف في تكفير من شك في رسالة محمد أو شك في البعث أو غير ذلك من أصول الدين والشاك جاهل ، والجهل ليس بعذر". قال الحافظ ابن حجر بعد ذكر حديث الخوارج ( وفيه أن من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه ومن غير أن يختار دينا على دين الإسلام، وأن الخوارج شر الفرق المبتدعة من الأمة المحمدية ومن اليهود والنصارى) . وقد نقل رحمه الله عن ابن جرير الطبري أنه قال في تهذيب الآثار بعد أن ساق الأحاديث في الخوارج "فيه الرد على قول من قال لا يخرج أحد من الإسلام من أهل القبلة بعد استحقاقه حكمه إلا بقصد الخروج منه عالما فإنه مبطل لقوله في الحديث ( يقولون الحق ويقرأون القرآن ويمرقون من الإسلام ولا يتعلقون منه بشيء) ." فكيف لاتعذرون من سب النبي اوشك في رسالته او اشرك معه احد في الرسالة وتعذرون من شك في الوهية الله او اشرك معه احد غيره وصرف له اي نوع من انواع العبادات التي لاتصرف الا لله !! _________________ يقول أبو بطين - رحمه الله - حاكيًا عن شيخ الإسلام ابن تيمية : " لقد جزم - رحمه الله - في مواضع كثيرة بكفر من فعل ما ذكرت من أنواع الشرك وحكى إجماع المسلمين على ذلك ، ولم يستثن الجاهل ونحوه ، وقال الله تعالى : " إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ " وقال عن المسيح أنه قال : " مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ " فمن خص ذلك الوعيد بالمعاند فقط وأخرج الجاهل والمتأول والمقلد فقد شاق الله ورسوله وخرج عن سبيل المؤمنين ، فالمدعي أن مرتكب الكفر متأولاً أو مجتهدًا مخطئًا أو مقلدًا أو جاهلاً ، معذور ، مخالف للكتاب والسنة بلا شك ، مع أنه لابد أن ينقض أصله، فلو طرد أصله كفر بلا ريب كما لو توقف في تكفير من شك في رسالة محمد أو شك في البعث أو غير ذلك من أصول الدين والشاك جاهل ، والجهل ليس بعذر". __________ وهذا استدلال قاطع وحاسم أنه لا فرق بين شرك وشرك ، ولا بين كفر وكفر في تخصيصه بالجهل من عموم الوعيد ، وإن محاولة التفريق بين إنكار البعث والشك في قدرة الله وعلمه وإهانة المقدسات والشرك بالله في العبادة وبين وبين العذر بالجهل في دعاء غير الله اوالاستغاثه به اوصرف اي نوع من انواع العبادات التي هي حق لله الي غيره تفريق باطل ، فقد علم من دين الله بالضرورة أنه لا فرق بين كفر وكفر إذا كان أكبر إلا في التغليظ بمعنى أنه يوجد كفر مجرد وكفر مغلظ وكلاهما كفر ، والقول بأن المشرك مسلم ، فرية عظيمة ومشاقة لله ورسوله ، لأن معنى ذلك أن من مات على الشرك الأكبر يكون قد مات مسلمًا ولقي الله بدين قُبِلَ منه والله يقول : " وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ " والدين عند الله هو الإسلام ، والإسلام هو التوحيد وإفراد الله بالعبادة وعدم الشرك به ، فإذا كان من مات على الشرك قد مات على دين يُقْبَلُ منه فمعنى هذا أن الله سبحانه وتعالى قد أذن بالشرك ، وأذن أن يعبد معه غيره ؛ وهذا باطل وافتراءعلي الله وما ترتب عليه فهو باطل مثله والله يقول : " وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ " والإمام البخاري و شرَّاح الصحيح لم يفرقوا بين كفر وشرك بل جعلوه كله شيئًا واحدًا كما ذكر ذلك الإمام أبو بطين في الانتصار لحزب الله الموحدين ، فيقول : " فإن كان مرتكب الشرك الأكبر معذورًا لجهله ، فمن هو الذي لا يعذر ، ولازم هذه الدعوى أنه ليس لله حجة على أحد إلا المعاند ، ولازم هذا أنه لا يكفر جهلة اليهود ولا النصارى ولا الذين يسجدون للشمس والقمر والأصنام لجهلهم" - وهو ايضآ لزام ملزم لاهل الاعذر فان خصوا المعاند فقط بالكفر فاين الدليل علي التخصيص فمن اهل الكفر من عاند والمعاند الذي يعلم أن هذا كفر فيأتيه ، وهذا محل وفاق أنه كافر مرتد عن الإسلام إن كان في أصله هو منتسب إلى الإسلام ، [ والكافر ] وهناك ايضآ الجاهل وهذا هو الأكثر في الكفار والمشركين الذين بُعث فيهم النبي أنهم كانوا جهالاً ، بمعنى أنهم تلبَّسوا بالشرك الأكبر ومع ذلك لا يَعْلَمُون أنه شَرْكٌ أو أنهم لا يعلمون حكمه حينئذٍ نقول : هذا يُعتبر من الأمور التي يُنَزّل عليها الحكم مباشرةً ، ولو كان جاهلاً ، بل أكثر المشركين كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وكذلك تلميذه ابن القيم أنهم من هذا النوع وهم الجهال الذين حكم عليهم الباري جل وعلا بكفرهم وهو ما ذكره رحمه الله تعالى في الطبقة السابعة عشرة في (( طريق الهجرتين )) خَصّه لهذا النوع وكما اخبر ابن القيم وحكي هذا ايضآ الشيخ ابابطين رحمه الله " فإن كان مرتكب الشرك الأكبر معذورًا لجهله ، فمن هو الذي لا يعذر ، ولازم هذه الدعوى أنه ليس لله حجة على أحد إلا المعاند ، ولازم هذا أنه لا يكفر جهلة اليهود ولا النصارى ولا الذين يسجدون للشمس والقمر والأصنام لجهلهم" ولازم هذه الدعوة أنه ليس لله حجة على أحدٍ إلا المعاند مع أن صاحب هذه الدعوة لا يمكنه طرد أصله بل لا بد أن يتناقض . ولابد أن يُفَصِّل ، وكل من فَصَّل فقد تَنَاقَضَ ، ؟ لأن النصوص التي يستدل بها عامة ، فإذا استثنى يحتاج إلى نصٍّ وليس عنده نص ، وإنما يعمل الرأي وماتهواه نفسه فحسب ، قال تعالي ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ﴾ [ الإسراء : 15] هذا عام يشمل اليهود والنصارى والمجوس وعباد الأوثان وغيرهم ، فإذا استثنى حينئذٍ نقول : إيتِ بمخصص . وليس عنده مخصص ، فإذا عَمَّمَ حينئذٍ يبقى عنده إشكال وهو أنه سيعذر بعض من لم تبلغه الدعوة من اليهود والنصارى ، فإذا كان كذلك حيئنذٍ مرق من الإسلام ان كان قد عرفه ودخل فيه. إذًا لا بد أن يقع في تناقض ، وهو أنه يُنَزِّل الحكم على بعضٍ دون بعض ، وكل من فصَّل اوخصص فليس عنده دليل البتة ، لأن النصوص حينئذٍ تكون عامة ﴿ رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ ﴾ [ النساء : 165] وقوله تعالي ،للناس يدخل فيه ؟ اليهود والنصارى .. إلى آخره ويدخل فيه المسلم المرتد .. إلى آخره حينئذٍ النصوص عامة فكيف يستثني ؟ فإذا قال : العذر بالجهل . لا يُعذر بالجهل من كان كافرًا أصليًّا وإنما مسألتنا في الذي تلبَّس بالشرك قلنا النصوص عامة : إيتِ بمخصص . حينئذٍ نقول : هذا يعتبر تناقضًا إما أنك تنزل الحكم الذي نزلته على اليهودي المعين والنصراني المعين الذي لم تبلغه الدعوة حينئذٍ نزلت عليه الحكم بالكفر مع أنه لم تتحق الشروط وتنتفي الموانع باعتبار زعمه ، فحينئذٍ نَزَّل الحكم وهو الكفر ، يلزمك أن تُنَزّله على من تلبّس بالشرك ممن ينتسبون للاسلام في أصل دعواه ، أو بالعكس ، إذا عَذَرْتَ المسلم إذا وقع في الشرك الأكبر وذبح لغير الله واستغاث بغير الله وفعل ما فعله المشركون الأوائل وعذرته بالجهل وحكمت له بالإسلام يلزمك كذلك في المعين اليهودي وبالمعين النصراني إن فَرَّقْتَ قلنا : قد أخطأت . حينئذٍ إما هذا وإما ذاك . إذًا لازم دعوى من يَعْذِرُ بالجهل وهو لازم ملزم أن يطرد أصله لعموم النصوص باعتبار ما يستدل به هو ، فإذا فصَّل حينئذٍ نقول : هذا التفصيل نقَضًا لقاعدتك ، وهي العذر بالجهل لأن النصوص تعتبر حينئذٍ عامة ، وكثيرٌ ممن يميل إلى هذا القول يقع في تناقض و خلط من حيث يشعر ، بل بعضهم قد استثنى اليهود والنصارى وعَذَر بعضهم هذا لاشك في كفره بل لا شك في كفر من لم يكفره ، لأن اليهود والنصارى على جهة العموم وعلى جهة الأفراد بإجماع أهل العلم من المعلوم من الدين بالضرورة أنهم كفار ، حينئذٍ إذااستثنى بعضهم وقال: هذالم تبلغه الدعوةفنحكم عليه بكونه ليس كافرًا ، فحينئذٍ كيف يجعل له الأحكام هل تنزل الأحكام الكفرية أم لا ؟ هل يصلى عليه ؟ هل يُحكم بإسلامه ؟ هل نرجع إلى الفطرة ؟ .. إلى آخره نقول : هذا محل إشكال لا جواب عنده إلا أن يجعل هذه المسألة خاصةً بالمسلم الذي قد وقع في الشرك وهذا تناقض كما ذكرنا ، بل ذكر ابن القيم في الطبقات أطفال اليهود والنصارى وماحكمهم ؟ يعني هذا طفل ولد عمره شهر ومات أبوه يهودي وأمه يهودية ما حكمه في الإسلام مسلم أم كافر ؟ كافر ، [ إذًا هل ] إذا حكم عليه بكونه كافر وقطعًا سيحكم عليه بأنه كافر ، إذًا هل أقمت عليه الحجة ؟ مات مباشرة بعد أن خرج من رحم أمه مات مباشرةً نصلي عليه أو لا ؟ لا نصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين .. إلى آخر الأحكام المترتبة على كفره ، سيحكم بكفره كيف حكمت بكفره مع كونك لم تقم الحجة عليه ، هل تحققت الشروط وانتفت الموانع ؟ الجواب : لا قطعًا . لأنه جاهل ، هل يشك أحد عنده رائحة عقل أن هذا جاهل ؟ لا ، إذًا وُجِد الجهل ووُجِد الحكم ، وُجد الجهل ووُجدالحكم ، حينئذٍ نقول : هذا الذي تنفيه عن غيره قد تحقق ، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا ، ما دام أنه قد أثبتَ الكفر وهو الحكم الشرعي على هذا النوع مع حكمك بكونه جاهلاً قد حصل عندك شيء من التعارض والتناقض وطردت اصلك فحينئذ يلزمك إعذار أهل الفترات أو بعضهم لجهلهم ، وهذا خلاف الإجماع . ويلزمك إعذار جهلة المنافقين وعوامهم ، وهذا خلاف إجماع السلف ويلزمك إعذار كل من أنكر ربوبية الله جهلاً ، وهذا خلاف إجماع السلف. ويلزمك إعذار من أنكر علم الله جهلاً أو تأويلاً ، وهذا خلاف إجماع السلف . ويلزمك إعذار من عطل أسماء الله أو صفاته جهلاً من الجهمية وهذا خلاف إجماع السلف . إذا كان الله سبحانه قد أقام الحجة على مشركي قريش وغيرهم بدين إبراهيم مع ندرة من كان على علم به أو ببعضه، فنجى الله سبحانه من سعى لطلبه وأدرك بعضه، وعذب من لم يسع في طلبه ومات على شركه، فكيف يعذر الناس بالجهل في بلاد تنتسب للاسلام ومع كثرة العلماء وانتشار العلم وظهور شعائر الدين. وكتاب الله بين ايديهم يقرؤونه ويتلي عليهم ليل نهار . - هذا وقد تواترت النصوص الشرعية القرآنية على بيان أن من الكفار من لا يفقه كتاب الله ، ولا بيان رسوله ، ويموت يوم يموت وهو شاك في قضايا الإيمان بهذا الطرح الذي طرحه الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويظن أنه على الهدى ، قال تعالى : " قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً " (الكهف : 103 - 104 ) . هذا برهان جلي ، وبيان إلهي يدفع من اشترط إزالة الشبهة التي تتعلق بأذهان الكافرين لإقامة الحجة . فلو كان هذا صحيحاً لصح عذر من قال الله تعالى فيهم: " إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ "(الأعراف :30) وكذلك من حكى الله تعالى عن عدم فهمهم للحق أو معرفتهم به فقال : " وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً . إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلا ً "( الفرقان:41 - 42 ) سبحان الله هل هناك سوء فهم للحق ، وتلبيس فيه بمثل ذلك حتى يقول : " إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا " ، فلعمر الحق لو صح اشتراط الفهم ورفع الشبهة في مقام الحجة للمشركين لصح بيقين عذر هؤلاء الضالين , ولكنا وجدنا الحق سبحانه وتعالى يقول معقباً على كلامهم : " وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلا ً " بل إن الله تعالى يقرر بوضوح يقطع ألسنة المخالف لنا في هذه القضية , يقرر سبب كفر أكثر المشركين بقوله تعالى : " بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ " (الأنبياء :24) فهل بعد بيان الله من بيان ؟ وهل خرست ألسن الأفَّآكين ؟ وهل كشف عوار المشركين؟ اللهم فاشهد … . إن من اشترط قيام الحجة ، وفهمها كما يفهمها المؤمن وقطع جميع الشبه حولها ،كما يشترطه اليوم علماء الطواغيت وأدعياء العلم أصحاب العذر بالجهل ، فقد أتى بعظيمة في الدين ، ولزمه عذر اليهود والنصارى اليوم يقيناً ، لأن كل عاقل يعلم أن الحجة لم تقم عليهم بهذا التحديد الذي حدده .. فجماهيرهم مقلدون تابعون ، يجهلون دلائل القرآن المجيد لإعراضهم عنه فضلاً عما يبثه فيهم أئمة الضلال من الأحبار والرهبان من شبه حول القرآن ودلائله ، فهلَّا عذر اليهود والنصارى بجهلهم على مذهبه ؟؟ ومن العجب أننا لما عارضنا بعضهم بأمر اليهود والنصارى قالوا : إننا كَفَّرنا اليهود والنصارى لأن النصوص القطعية في الكتاب والسنة دلت على كفر من دان بدينهم ، قلت : وكذلك النصوص القطعية في الكتاب والسنة دلت على كفر من شَرَّع شرعة من دون شرع الله يتصرف بها في جزء من كون الله وقضى بها بين العباد في دمائهم وأموالهم وأعراضهم ، وكذلك دلت على كفر من تحاكم إلى غير شرع الله ، وكذلك دلت على كفر من توجه بالنسك لغير ذات الله تعالى ، أو استنصر غير الله أو استرزقه من الأموات ، فلم عذرتم هؤلاء ولم تعذروا هؤلاء ؟؟ فبأي سلطان ودليل يفرق بين من أشرك من المنتسبين لدين محمد صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، وكلاهما نقض التوحيد ؟؟ أم أن الله تعالى جعل القرآن حجة مجرده على اليهود والنصارى وليس حجة على من أشرك ممن يدعي الإسلام إلا بشرح ابن تيمية وابن القيم وابن حزم وغيرهم من العلماء ، أم هو الهوى والتحكم بالباطل ؟؟!! أريد أن أقول : إن الاعتراض عليهم هنا بشرك اليهود والنصارى هو في ذاته حجة ملزمة ، ولا انفكاك منها ، إلا أن يُحَكِّموا محض الهوى والتلذذ ، وإني أعلم جيداً أنه لولا بقية من الحياء عند بعضهم لحكموا بعذر اليهود والنصارى وأنهم ليسوا كفاراً مشركين إلا من بعد إقامة الحجة الرسالية الغيبية على كل رجل وامرأة بالكتاب والسنة وتفسير الأئمة المشهورين ، وبيان فساد ما عندهم من شبه ، وإبطال ما يموه به أحبارهم ورهبانهم على الحق وأهله ؟ أليس كذلك ؟ نبؤوني بعلم إن كنتم صادقين . _______________ فهذا كتاب الله تعالى ينطق بالحق انه لا عذر لأحد فعل الكفر ومات عليه في الآخرة ولكن من رحمته انه حكم بعذر واحد لا ثاني له وهو الإكراه فمن فعل الكفر مكرها فهذا معذور في الدنيا والآخرة قال تعالى: مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (النحل:106) , ولم يجعل الله سبحانه مطلق الإكراه وإنما قيده في نفس النص بعدم انشراح الصدر. فمن قال بالعذر سوى الإكراه فهو من المتخرصين القائلين على الله تعالى بغير علم ممن حكم الله تعالى عليه بقوله: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (الأنعام:21). إن العذر بالجهل في عبادة غير الله تعالى, يخالف أصل الرسالة التي بعث بها الله سبحانه وتعالى خاتم رسله عليه الصلاة والسلام وهي أنه سبحانه جعل هذه الرسالة رحمة للعالمين بقوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (الأنبياء:107), فإذا كان العذر ثابتا للمشرك بجهله فإن غالب المشركين جاهلون وعند دعوتهم للإسلام فإن غالبهم يرفضونه لجهلهم ويترتب عليه أن ينتفي العذر بإرسال الرسول عليه الصلاة والسلام ويحق عليهم كلمة ربنا أنهم من أصحاب النار أي المخلدون فيها وهذا مناقض للرحمة إذ الرحمة تقتضي إبقاؤه على جهله رحمة به حتى يكون معذورا عند ربه ولا يكون من المعذبين وابقاء الجاهل على جهله خير له وأرحم من دعوته إن كان سيترتب على دعوته رفضه للدعوة ويتفرع على ذلك التكليف بما لا يطاق في حال ثبات التكليف بالدعوة وهو العلم المسبق بمن يقبل الدعوة ممن يرفضها وهذا علم غيب لا يعلمه إلا الله وإذا علمنا من يقبل الدعوة ومن يرفضها انتفى عموم الرسالة الثابت بقوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون (سبأ:28), وقوله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (الأعراف:158), وهذا كله تناقض وضرب الكتاب بعضه ببعض و نفي لأصل الرسالة هذا إن كان القائلون بالعذر يقصدون العذر عند الله تعالى يوم القيامة, وإن كانوا يقصدون العذر في الدنيا فهذا يستوي فيه المكلفون جميعا ومما لا خلاف فيه ويسقط قولهم بذلك , أما إذا كانوا يتكلمون بالعذر ولا يدرون متعلقه أفي الدنيا أم في الآخرة فهم ممن قال فيهم سبحانه وتعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ (الحج:8), وقوله تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (الإسراء:36), وإذا كانوا يقصدون العذر في الدنيا والآخرة فكفى بذلك افتراءاً على الله تعالى, وإن كانوا يقصدون صورة من صور الجهل فهذا تقييد لا يُقبل إلا بنص محكم من الكتاب والسنة, لأن مسألة العذر هي من مسائل أصل الدين التي يجب أن يرد فيها نص محكم من القرآن والسنة ولا تترك للاجتهاد لأنها تتعلق بإرادة الله تعالى وأفعاله من حيث الثواب والعقاب وهذا لا يملكه إلا الله تعالى ولا يبينه إلا هو سبحانه وليس من اختصاص البشر. ___________________________ جزء من مقال "رسالة الي العاذر بالجهل "](http://fbcdn-sphotos-b-a.akamaihd.net/hphotos-ak-frc3/t1.0-9/s403x403/1797360_663649393682100_3586073977840571590_n.jpg)
قال جل وعلا
______
{وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}
_________________
-قال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب في "كشف الشبهات"تعليقآ علي الآيه
"كفَّرهم بكلمة مع كونهم في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يجاهدون معه ويصلُّون معه ويزكُّون ويحجُّون ويوحدون"
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية:تعليقآ علي الآيه
إنَّ من سبَّ الله ورسولَه طوعًا بغير كَرْه، بل من تكلَّم بكلمات الكفر طائعًا غير مُكْرَهٍ، ومنِ استهزأ بالله وآياته ورسوله فهو كافرٌ باطنًا وظاهرًا، وإِنَّ من قال: إِنَّ مثل هذا قد يكون في الباطن مؤمنًا بالله وإِنَّما هو كافرٌ في الظَّاهر، فإنَّه قال قولاً معلومُ الفساد بالضَّرورة من الدِّين، وقد ذكر الله كلماتِ الكفَّار في القرآن وحكم بكفرهم واستحقاقهم الوعيد بها". "مجموع الفتاوى" 7/557.
-قال القاضي أبو بكرٍ بن العربيّ المالكيّ "أحكام القرآن" 2/976:
تعليقآ علي الآيه
"لا يخلو أَنْ يكونَ ما قالوه من ذلك جدًّا أو هَزْلاً، وهو - كيفما كان - كفرٌ، فإِنَّ الهزلَ بالكفرِ كفرٌ، لا خلاف فيه بين الأمَّة. فإِنَّ التَّحقيق أخو الحقّ والعلم، والهزلَ أخو الباطل والجهل. قال علماؤنا: انظر إلى قوله: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَال أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ} [البقرة: 67]".
-قال الكِيا الهرَّاسي – الشافعيّ - في "أحكام القرآن"
تعليقآ علي الآيه
"فيه دلالةٌ على أنَّ اللاَّعب والخائض سواءٌ في إظهار كلمة الكفر على غير وجه الإكراه، لأَنَّ المنافقين ذكروا أَنَّهم قالوا ما قالوه لَعِبًا، فأخبر الله تعالى عن كفرهم باللَّعِب بذلك، ودلَّ أنَّ الاستهزاءَ بآياتِ الله تعالى كفرٌ".
-قال أبو محمد بن حزم في "الفصل" 3/244:تعليقآ علي الآيه
"فنصَّ تعالى على أَنَّ الاستهزاء بالله تعالى أو بآياته أو برسولٍ من رسله كفرٌ مخرجٌ عن الإيمان ولم يقل تعالى في ذلك إِنِّي علمت أَنَّ في قلوبكم كفرًا، بل جعلهم كفارًا بنفس الاستهزاء. ومنِ ادَّعى غير هذا فقد قوَّل الله تعالى ما لم يقُلْ وكذب على الله تعالى"
-قال ابن الجوزيّ - الحنبلي -: تعليقآ علي الآيه
"وقوله: {قَدْ كَفَرْتُمْ} أي: قد ظهر كفركم بعد إظهارِكم الإيمان، وهذا يدلُّ على أَنَّ الجدَّ واللعِبَ في إظهار كلمة الكفر سواء". "زاد المسير" 3/465.
-قال أبو بكر أحمد بن عليٍّ الجصَّاص – الحنفيّ تعليقآ الآيه
-: "فيه الدّلالة على أنَّ اللاعبَ والجادَّ سواءٌ في إظهار كلمة الكفر على غير وجه الإكراه؛ لأَنَّ هؤلاء المنافقين ذكروا أَنَّهم قالوا ما قالوه لعِبًا فأخبر الله عن كفرِهم باللعِبِ".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقد اجمعت الامة علي كفر من سب الله اوسب نبيه ولايقبل منه عذر بجهل ولاتأويل ولاتقليد
قال إسحاق بن راهويه (قد أجمع المسلمون على أن من سب الله عز وجل
أو سب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو دفع شيئاً مما أنزل الله أو قتل نبياً من أنبياء الله؛ أنَّه كافر، وإن كان مقراً بكل ما أنزل الله).
وقال ابن المنذر (أجمع عوام أهل العلم على أنَّ من سب النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ القتل).
قال القاضي عياض (ولا نعلم خلافاً على استباحة دمه - يعني ساب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - بين علماء الأمصار وسلف الأمة، وقد ذكر غير واحد الإجماع على قتله وتفكيره).
وقال تقي الدين السبكي (أمَّا ساب النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فالإجماع منعقدٌ على أنَّه كفر، والاستهزاء به كفر).
وقال شيخ الإسلام ابن تيميه (إنَّ سب الله أو سب رسوله؛ كفر، ظاهراً وباطناً، وسواءٌ كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلاً له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين؛ بأنَّ الإيمان قول وعمل).
وقال أيضاً (وقد اتفقت نصوص العلماء من جميع الطوائف؛ على أن التنقص له صلى الله عليه وآله وسلم؛ كفرٌ، مُبيح للدم).
-قال شيخ الإسلام عند كلامه على قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ . قال ( ..فإذا ثبت أن رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم والجهر بالقول يخاف منه أن يكفر صاحبه وهو لا يشعر ويحبط عمله بذلك، وأنه مظنة لذلك وسبب فيه، فمن المعلوم أن ذلك لما ينبغي له من التعزير والتوقير والتشريف والتعظيم والإجلال ولما أن رفع الصوت قد يشتمل على أذى له واستخفاف به، وإن لم يقصد الرافع ذلك، فإذا كان الأذى والاستخفاف الذي يحصل في سوء الأدب من غير قصد صاحبه يكون كافرا، فالأذى والاستخفاف المقصود المتعمد كفر بطريق الأولى ) .
وقال بعد أن ذكر جملة من الأحاديث في كفر المنتقص من النبي صلى الله عليه وسلم ( وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كفر كفر بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافرا إذ لا يقصد الكفر أحد "إلا ما شاء الله " ) .
وإذا كان الإنسان قد يخرج من الإسلام دون أن يقصد الخروج منه فما معنى التوقف عن التكفير حتى تنتفي موانعه؟
وقال رحمه الله في معرض حديثه عن سب النبي صلى الله عليه وسلم ( والغرض هنا أنه كما أن الردة تتجرد عن السب فكذلك تتجرد عن قصد تبديل الدين وإرادة التكذيب بالرسالة، كما تجرد كفر إبليس عن قصد التكذيب بالربوبية وإن كان عدم هذا القصد لا ينفعه، كما لا ينفع من قال الكفر ألا يقصد الكفر) .
أما اشتراط قصد الكفر في التكفير فهذا يقتضي كما قال ابن الوزير في "إيثار الحق على الخلق"ألا يكون شيء من الأفعال والأقوال كفرا إلا مع الاعتقاد حتى قتل الأنبياء والاعتقاد من السرائر المحجوبة فلا يتحقق كفر كافر قط إلا بالنص الخاص في شخص شخص"كما هو اعتقاد غلاة الارجاء
وقد جاء في حديث طارق بن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( دخل الجنة رجل في ذباب، دخل النار رجل في ذباب قالوا وكيف ذلك يا رسول الله قال ( مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجاوزه أحد حتى يقرب له شيئا فقالوا لأحدهما قرب، قال ليس عندي شيء أقرب، قالوا له قرب ولو ذبابا، فقرب ذبابا فخلوا سبيله فدخل النار وقالوا للآخر قرب فقال ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله عز وجل فضربوا عنقه فدخل الجنة ) .
فهذا الرجل لم يقصد عبادة غير الله بل قرب الذباب لينجو بنفسه ولم يكن يدري أن فعله ذلك يدخله النار.
ولذلك قال محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد: ( فيه مسائل.. التاسعة: كونه دخل النار بذلك الذباب الذي لم يقصده بل فعله تخلصا من شرهم، الحادية عشرة: أن الذي دخل النار مسلم لأنه لو كان كافرا لم يقل "دخل النار في ذباب" ) .
قال عبد الرحمن بن حسن ( وفي هذا الحديث التحذير من الوقوع في الشرك وأن الإنسان قد يقع فيه وهو لا يدري أنه من الشرك الذي يوجب النار) .
بل نُقل الاجماع ليس فحسب علي كفر الساب بل علي كُفر من شك في كفره وعذابه
قال محمد بن سحنون (أجمع العلماء على أن شاتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المنتقص له؛ كافر، والوعيد جار عليه بعذاب الله، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه كَفَر).
فنقول لاهل العذر بالجهل ، هل ذكر اهل العلم التعريف واقامة الحجة واستيفاء شروط وموانع فيما سبق .وهو شاهد ماذكر اعلاه
فان قالوا لا
قلنا لهم نقضتم منهجكم بانفسكم لان هذا اصل مطرد ولادليل علي تخصيص كفر عن كفر في اصل الدين والشرك الاكبر
فمن فعل الكفر والشرك الاكبر فهو كافر لقوله تعالي
"إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ "وقال عن المسيح أنه قال : "مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ "
فمن خص ذلك الوعيد بالمعاند فقط وأخرج الجاهل والمتأول والمقلد فقد شاق الله ورسوله وخرج عن سبيل المؤمنين ، فالمدعي أن مرتكب الكفر متأولاً أو مجتهدًا مخطئًا أو مقلدًا أو جاهلاً ، معذور ، مخالف للكتاب والسنة بلا شك ، مع أنه لابد أن ينقض أصله، فلو طرد أصله كفر بلا ريب كما لو توقف في تكفير من شك في رسالة محمد أو شك في البعث أو غير ذلك من أصول الدين والشاك جاهل ، والجهل ليس بعذر".
قال الحافظ ابن حجر بعد ذكر حديث الخوارج ( وفيه أن من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه ومن غير أن يختار دينا على دين الإسلام، وأن الخوارج شر الفرق المبتدعة من الأمة المحمدية ومن اليهود والنصارى) . وقد نقل رحمه الله عن ابن جرير الطبري أنه قال في تهذيب الآثار بعد أن ساق الأحاديث في الخوارج "فيه الرد على قول من قال لا يخرج أحد من الإسلام من أهل القبلة بعد استحقاقه حكمه إلا بقصد الخروج منه عالما فإنه مبطل لقوله في الحديث ( يقولون الحق ويقرأون القرآن ويمرقون من الإسلام ولا يتعلقون منه بشيء) ."
فكيف لاتعذرون من سب النبي اوشك في رسالته او اشرك معه احد في الرسالة وتعذرون من شك في الوهية الله او اشرك معه احد غيره وصرف له اي نوع من انواع العبادات التي لاتصرف الا لله !!
_________________
يقول أبو بطين - رحمه الله - حاكيًا عن شيخ الإسلام ابن تيمية : "لقد جزم - رحمه الله - في مواضع كثيرة بكفر من فعل ما ذكرت من أنواع الشرك وحكى إجماع المسلمين على ذلك ، ولم يستثن الجاهل ونحوه ، وقال الله تعالى : "إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ "وقال عن المسيح أنه قال : "مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ "فمن خص ذلك الوعيد بالمعاند فقط وأخرج الجاهل والمتأول والمقلد فقد شاق الله ورسوله وخرج عن سبيل المؤمنين ، فالمدعي أن مرتكب الكفر متأولاً أو مجتهدًا مخطئًا أو مقلدًا أو جاهلاً ، معذور ، مخالف للكتاب والسنة بلا شك ، مع أنه لابد أن ينقض أصله، فلو طرد أصله كفر بلا ريب كما لو توقف في تكفير من شك في رسالة محمد أو شك في البعث أو غير ذلك من أصول الدين والشاك جاهل ، والجهل ليس بعذر".
__________
وهذا استدلال قاطع وحاسم أنه لا فرق بين شرك وشرك ، ولا بين كفر وكفر في تخصيصه بالجهل من عموم الوعيد ، وإن محاولة التفريق بين إنكار البعث والشك في قدرة الله وعلمه وإهانة المقدسات والشرك بالله في العبادة وبين وبين العذر بالجهل في دعاء غير الله اوالاستغاثه به اوصرف اي نوع من انواع العبادات التي هي حق لله الي غيره تفريق باطل ، فقد علم من دين الله بالضرورة أنه لا فرق بين كفر وكفر إذا كان أكبر إلا في التغليظ بمعنى أنه يوجد كفر مجرد وكفر مغلظ وكلاهما كفر ، والقول بأن المشرك مسلم ، فرية عظيمة ومشاقة لله ورسوله ، لأن معنى ذلك أن من مات على الشرك الأكبر يكون قد مات مسلمًا ولقي الله بدين قُبِلَ منه
والله يقول : "وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ "
والدين عند الله هو الإسلام ، والإسلام هو التوحيد وإفراد الله بالعبادة وعدم الشرك به ، فإذا كان من مات على الشرك قد مات على دين يُقْبَلُ منه فمعنى هذا أن الله سبحانه وتعالى قد أذن بالشرك ، وأذن أن يعبد معه غيره ؛ وهذا باطل وافتراءعلي الله وما ترتب عليه فهو باطل مثله
والله يقول : "وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ "
والإمام البخاري و شرَّاح الصحيح لم يفرقوا بين كفر وشرك بل جعلوه كله شيئًا واحدًا
كما ذكر ذلك الإمام أبو بطين في الانتصار لحزب الله الموحدين ،
فيقول : "فإن كان مرتكب الشرك الأكبر معذورًا لجهله ، فمن هو الذي لا يعذر ، ولازم هذه الدعوى أنه ليس لله حجة على أحد إلا المعاند ، ولازم هذا أنه لا يكفر جهلة اليهود ولا النصارى ولا الذين يسجدون للشمس والقمر والأصنام لجهلهم"
- وهو ايضآ لزام ملزم لاهل الاعذر فان خصوا المعاند فقط بالكفر فاين الدليل علي التخصيص
فمن اهل الكفر من عاند والمعاند الذي يعلم أن هذا كفر فيأتيه ، وهذا محل وفاق أنه كافر مرتد عن الإسلام إن كان في أصله هو منتسب إلى الإسلام ، [ والكافر ]
وهناك ايضآ الجاهل وهذا هو الأكثر في الكفار والمشركين الذين بُعث فيهم النبي أنهم كانوا جهالاً ، بمعنى أنهم تلبَّسوا بالشرك الأكبر
ومع ذلك لا يَعْلَمُون أنه شَرْكٌ أو أنهم لا يعلمون حكمه حينئذٍ نقول : هذا يُعتبر من الأمور التي يُنَزّل عليها الحكم مباشرةً ، ولو كان جاهلاً ، بل أكثر المشركين كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وكذلك تلميذه ابن القيم أنهم من هذا النوع وهم الجهال الذين حكم عليهم الباري جل وعلا بكفرهم وهو ما ذكره رحمه الله تعالى في الطبقة السابعة عشرة في (( طريق الهجرتين )) خَصّه لهذا النوع
وكما اخبر ابن القيم وحكي هذا ايضآ الشيخ ابابطين رحمه الله "فإن كان مرتكب الشرك الأكبر معذورًا لجهله ، فمن هو الذي لا يعذر ، ولازم هذه الدعوى أنه ليس لله حجة على أحد إلا المعاند ، ولازم هذا أنه لا يكفر جهلة اليهود ولا النصارى ولا الذين يسجدون للشمس والقمر والأصنام لجهلهم"
ولازم هذه الدعوة أنه ليس لله حجة على أحدٍ إلا المعاند مع أن صاحب هذه الدعوة لا يمكنه طرد أصله بل لا بد أن يتناقض . ولابد أن يُفَصِّل ، وكل من فَصَّل فقد تَنَاقَضَ ، ؟ لأن النصوص التي يستدل بها عامة ، فإذا استثنى يحتاج إلى نصٍّ وليس عنده نص ، وإنما يعمل الرأي وماتهواه نفسه فحسب ،
قال تعالي
﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ﴾ [ الإسراء : 15] هذا عام يشمل اليهود والنصارى والمجوس وعباد الأوثان وغيرهم ، فإذا استثنى حينئذٍ نقول : إيتِ بمخصص . وليس عنده مخصص ، فإذا عَمَّمَ حينئذٍ يبقى عنده إشكال وهو أنه سيعذر بعض من لم تبلغه الدعوة من اليهود والنصارى ، فإذا كان كذلك حيئنذٍ مرق من الإسلام ان كان قد عرفه ودخل فيه.
إذًا لا بد أن يقع في تناقض ، وهو أنه يُنَزِّل الحكم على بعضٍ دون بعض ، وكل من فصَّل اوخصص فليس عنده دليل البتة ، لأن النصوص حينئذٍ تكون عامة
﴿ رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ ﴾ [ النساء : 165] وقوله تعالي ،للناس يدخل فيه ؟ اليهود والنصارى .. إلى آخره ويدخل فيه المسلم المرتد .. إلى آخره حينئذٍ النصوص عامة فكيف يستثني ؟
فإذا قال : العذر بالجهل . لا يُعذر بالجهل من كان كافرًا أصليًّا وإنما مسألتنا في الذي تلبَّس بالشرك قلنا النصوص عامة : إيتِ بمخصص . حينئذٍ نقول : هذا يعتبر تناقضًا إما أنك تنزل الحكم الذي نزلته على اليهودي المعين والنصراني المعين الذي لم تبلغه الدعوة حينئذٍ نزلت عليه الحكم بالكفر مع أنه لم تتحق الشروط وتنتفي الموانع باعتبار زعمه ، فحينئذٍ نَزَّل الحكم وهو الكفر ، يلزمك أن تُنَزّله على من تلبّس بالشرك ممن ينتسبون للاسلام في أصل دعواه ، أو بالعكس ، إذا عَذَرْتَ المسلم إذا وقع في الشرك الأكبر وذبح لغير الله واستغاث بغير الله وفعل ما فعله المشركون الأوائل وعذرته بالجهل وحكمت له بالإسلام يلزمك كذلك في المعين اليهودي وبالمعين النصراني إن فَرَّقْتَ قلنا : قد أخطأت . حينئذٍ إما هذا وإما ذاك . إذًا لازم دعوى من يَعْذِرُ بالجهل وهو لازم ملزم أن يطرد أصله لعموم النصوص باعتبار ما يستدل به هو ، فإذا فصَّل حينئذٍ نقول : هذا التفصيل نقَضًا لقاعدتك ، وهي العذر بالجهل لأن النصوص تعتبر حينئذٍ عامة ، وكثيرٌ ممن يميل إلى هذا القول يقع في تناقض و خلط من حيث يشعر ، بل بعضهم قد استثنى اليهود والنصارى وعَذَر بعضهم هذا لاشك في كفره بل لا شك في كفر من لم يكفره ، لأن اليهود والنصارى على جهة العموم وعلى جهة الأفراد بإجماع أهل العلم من المعلوم من الدين بالضرورة أنهم كفار ، حينئذٍ
إذااستثنى بعضهم وقال: هذالم تبلغه الدعوةفنحكم عليه بكونه ليس كافرًا ، فحينئذٍ كيف يجعل له الأحكام هل تنزل الأحكام الكفرية أم لا ؟ هل يصلى عليه ؟ هل يُحكم بإسلامه ؟ هل نرجع إلى الفطرة ؟ .. إلى آخره نقول : هذا محل إشكال لا جواب عنده إلا أن يجعل هذه المسألة خاصةً بالمسلم الذي قد وقع في الشرك وهذا تناقض كما ذكرنا ، بل ذكر ابن القيم في الطبقات أطفال اليهود والنصارى وماحكمهم ؟ يعني هذا طفل ولد عمره شهر ومات أبوه يهودي وأمه يهودية ما حكمه في الإسلام مسلم أم كافر ؟ كافر ، [ إذًا هل ] إذا حكم عليه بكونه كافر وقطعًا سيحكم عليه بأنه كافر ، إذًا هل أقمت عليه الحجة ؟ مات مباشرة بعد أن خرج من رحم أمه مات مباشرةً نصلي عليه أو لا ؟ لا نصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين .. إلى آخر الأحكام المترتبة على كفره ، سيحكم بكفره كيف حكمت بكفره مع كونك لم تقم الحجة عليه ، هل تحققت الشروط وانتفت الموانع ؟
الجواب : لا قطعًا .
لأنه جاهل ، هل يشك أحد عنده رائحة عقل أن هذا جاهل ؟ لا ، إذًا وُجِد الجهل ووُجِد الحكم ، وُجد الجهل ووُجدالحكم ، حينئذٍ نقول : هذا الذي تنفيه عن غيره قد تحقق ، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا ، ما دام أنه قد أثبتَ الكفر وهو الحكم الشرعي على هذا النوع مع حكمك بكونه جاهلاً قد حصل عندك شيء من التعارض والتناقض وطردت اصلك فحينئذ
يلزمك إعذار أهل الفترات أو بعضهم لجهلهم ، وهذا خلاف الإجماع .
ويلزمك إعذار جهلة المنافقين وعوامهم ، وهذا خلاف إجماع السلف
ويلزمك إعذار كل من أنكر ربوبية الله جهلاً ، وهذا خلاف إجماع السلف.
ويلزمك إعذار من أنكر علم الله جهلاً أو تأويلاً ، وهذا خلاف إجماع السلف .
ويلزمك إعذار من عطل أسماء الله أو صفاته جهلاً من الجهمية وهذا خلاف إجماع السلف .
إذا كان الله سبحانه قد أقام الحجة على مشركي قريش وغيرهم بدين إبراهيم مع ندرة من كان على علم به أو ببعضه، فنجى الله سبحانه من سعى لطلبه وأدرك بعضه، وعذب من لم يسع في طلبه ومات على شركه، فكيف يعذر الناس بالجهل في بلاد تنتسب للاسلام ومع كثرة العلماء وانتشار العلم وظهور شعائر الدين. وكتاب الله بين ايديهم يقرؤونه ويتلي عليهم ليل نهار .
- هذا وقد تواترت النصوص الشرعية القرآنية على بيان أن من الكفار من لا يفقه كتاب الله ، ولا بيان رسوله ، ويموت يوم يموت وهو شاك في قضايا الإيمان بهذا الطرح الذي طرحه الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويظن أنه على الهدى ، قال تعالى : "قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً " (الكهف : 103 - 104 ) .
هذا برهان جلي ، وبيان إلهي يدفع من اشترط إزالة الشبهة التي تتعلق بأذهان الكافرين لإقامة الحجة . فلو كان هذا صحيحاً لصح عذر من قال الله تعالى فيهم:
"إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ "(الأعراف :30) وكذلك من حكى الله تعالى عن عدم فهمهم للحق أو معرفتهم به فقال : "وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً . إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلا ً
"( الفرقان:41 - 42 )
سبحان الله هل هناك سوء فهم للحق ، وتلبيس فيه بمثل ذلك حتى يقول : "إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا "، فلعمر الحق لو صح اشتراط الفهم ورفع الشبهة في مقام الحجة للمشركين لصح بيقين عذر هؤلاء الضالين , ولكنا وجدنا الحق سبحانه وتعالى يقول معقباً على كلامهم : "وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلا ً "بل إن الله تعالى يقرر بوضوح يقطع ألسنة المخالف لنا في هذه القضية , يقرر سبب كفر أكثر المشركين بقوله تعالى : "بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ " (الأنبياء :24)
فهل بعد بيان الله من بيان ؟ وهل خرست ألسن الأفَّآكين ؟ وهل كشف عوار المشركين؟ اللهم فاشهد … .
إن من اشترط قيام الحجة ، وفهمها كما يفهمها المؤمن وقطع جميع الشبه حولها ،كما يشترطه اليوم علماء الطواغيت وأدعياء العلم أصحاب العذر بالجهل ، فقد أتى بعظيمة في الدين ، ولزمه عذر اليهود والنصارى اليوم يقيناً ، لأن كل عاقل يعلم أن الحجة لم تقم عليهم بهذا التحديد الذي حدده ..
فجماهيرهم مقلدون تابعون ، يجهلون دلائل القرآن المجيد لإعراضهم عنه فضلاً عما يبثه فيهم أئمة الضلال من الأحبار والرهبان من شبه حول القرآن ودلائله ، فهلَّا عذر اليهود والنصارى بجهلهم على مذهبه ؟؟
ومن العجب أننا لما عارضنا بعضهم بأمر اليهود والنصارى قالوا : إننا كَفَّرنا اليهود والنصارى لأن النصوص القطعية في الكتاب والسنة دلت على كفر من دان بدينهم ، قلت : وكذلك النصوص القطعية في الكتاب والسنة دلت على كفر من شَرَّع شرعة من دون شرع الله يتصرف بها في جزء من كون الله وقضى بها بين العباد في دمائهم وأموالهم وأعراضهم ، وكذلك دلت على كفر من تحاكم إلى غير شرع الله ، وكذلك دلت على كفر من توجه بالنسك لغير ذات الله تعالى ، أو استنصر غير الله أو استرزقه من الأموات ، فلم عذرتم هؤلاء ولم تعذروا هؤلاء ؟؟
فبأي سلطان ودليل يفرق بين من أشرك من المنتسبين لدين محمد صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، وكلاهما نقض التوحيد ؟؟ أم أن الله تعالى جعل القرآن حجة مجرده على اليهود والنصارى وليس حجة على من أشرك ممن يدعي الإسلام إلا بشرح ابن تيمية وابن القيم وابن حزم وغيرهم من العلماء ، أم هو الهوى والتحكم بالباطل ؟؟!!
أريد أن أقول : إن الاعتراض عليهم هنا بشرك اليهود والنصارى هو في ذاته حجة ملزمة ، ولا انفكاك منها ، إلا أن يُحَكِّموا محض الهوى والتلذذ ، وإني أعلم جيداً أنه لولا بقية من الحياء عند بعضهم لحكموا بعذر اليهود والنصارى وأنهم ليسوا كفاراً مشركين إلا من بعد إقامة الحجة الرسالية الغيبية على كل رجل وامرأة بالكتاب والسنة وتفسير الأئمة المشهورين ، وبيان فساد ما عندهم من شبه ، وإبطال ما يموه به أحبارهم ورهبانهم على الحق وأهله ؟ أليس كذلك ؟ نبؤوني بعلم إن كنتم صادقين .
_______________
فهذا كتاب الله تعالى ينطق بالحق انه لا عذر لأحد فعل الكفر ومات عليه في الآخرة ولكن من رحمته انه حكم بعذر واحد لا ثاني له وهو الإكراه فمن فعل الكفر مكرها فهذا معذور في الدنيا والآخرة قال تعالى: مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (النحل:106) , ولم يجعل الله سبحانه مطلق الإكراه وإنما قيده في نفس النص بعدم انشراح الصدر. فمن قال بالعذر سوى الإكراه فهو من المتخرصين القائلين على الله تعالى بغير علم ممن حكم الله تعالى عليه بقوله: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (الأنعام:21).
إن العذر بالجهل في عبادة غير الله تعالى, يخالف أصل الرسالة التي بعث بها الله سبحانه وتعالى خاتم رسله عليه الصلاة والسلام وهي أنه سبحانه جعل هذه الرسالة رحمة للعالمين بقوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (الأنبياء:107), فإذا كان العذر ثابتا للمشرك بجهله فإن غالب المشركين جاهلون وعند دعوتهم للإسلام فإن غالبهم يرفضونه لجهلهم ويترتب عليه أن ينتفي العذر بإرسال الرسول عليه الصلاة والسلام ويحق عليهم كلمة ربنا أنهم من أصحاب النار أي المخلدون فيها وهذا مناقض للرحمة إذ الرحمة تقتضي إبقاؤه على جهله رحمة به حتى يكون معذورا عند ربه ولا يكون من المعذبين وابقاء الجاهل على جهله خير له وأرحم من دعوته إن كان سيترتب على دعوته رفضه للدعوة ويتفرع على ذلك التكليف بما لا يطاق في حال ثبات التكليف بالدعوة وهو العلم المسبق بمن يقبل الدعوة ممن يرفضها وهذا علم غيب لا يعلمه إلا الله وإذا علمنا من يقبل الدعوة ومن يرفضها انتفى عموم الرسالة الثابت بقوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون (سبأ:28), وقوله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (الأعراف:158), وهذا كله تناقض وضرب الكتاب بعضه ببعض و نفي لأصل الرسالة هذا إن كان القائلون بالعذر يقصدون العذر عند الله تعالى يوم القيامة, وإن كانوا يقصدون العذر في الدنيا فهذا يستوي فيه المكلفون جميعا ومما لا خلاف فيه ويسقط قولهم بذلك , أما إذا كانوا يتكلمون بالعذر ولا يدرون متعلقه أفي الدنيا أم في الآخرة فهم ممن قال فيهم سبحانه وتعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ (الحج:8), وقوله تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (الإسراء:36), وإذا كانوا يقصدون العذر في الدنيا والآخرة فكفى بذلك افتراءاً على الله تعالى, وإن كانوا يقصدون صورة من صور الجهل فهذا تقييد لا يُقبل إلا بنص محكم من الكتاب والسنة, لأن مسألة العذر هي من مسائل أصل الدين التي يجب أن يرد فيها نص محكم من القرآن والسنة ولا تترك للاجتهاد لأنها تتعلق بإرادة الله تعالى وأفعاله من حيث الثواب والعقاب وهذا لا يملكه إلا الله تعالى ولا يبينه إلا هو سبحانه وليس من اختصاص البشر.
___________________________
جزء من مقال "رسالة الي العاذر بالجهل "