Quantcast
Channel: الخلافة الاسلامة على منهج المهدي
Viewing all 589 articles
Browse latest View live

الأوراق الشخصية والحكم فيها

$
0
0




الأوراق الشخصية والحكم فيها

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ….
اللهم لأسهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا .
وبعد :
فهذه الرسالة المختصرة هى عن موضوع الأوراق الشخصية والحكم فيها بالنسبة للمسلم فى ديار الحرب وهذه الأوراق المتمثلة فى جواز السفر والبطاقة الشخصية ورخصة القيادة وكتيب العائلة ونحوها والتى اشتهرت فى زماننا وشاعت وأصبح لابد للمرء من عملها فى الواقع المعاصر حتى يعرف كل إنسان بشخصيته وصورته والبينات الأخرى المتعلقة به كمكان إقامته وطول قامته وفصيلة دمه ….الخ
ونسال الله التوفيق والسداد وان ييسر لنا فى بيان وتوضيح هذا الأمر انه ولى ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين .
اولاً : هل عمل الأوراق يدخل في الأمور التنظيمية أم التشريعية ؟وهذا سؤال مهم وهو بيت القصيد فى هذه المسالة وللجواب عن هذا السؤال نرجع إلى أحكام الشريعة المتمثلة في الكتاب والسنة والاستسقاء من معينهما .
عندما رجعنا إلى شريعتنا الغراء وجدنا أن النهى والكفر والظلم هو فى تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحله سبحانه وهذا الجانب يتعلق بربوبية الله تعالى هذا أمر والأمر الأخر الذي يشمله النهى هو في تغيير أحكام الله تعالى في القضاء والحدود وهذا الجانب يتعلق بألوهية الله تعالى وهما بالتالى يدخلان في تشريع الله رب العالمين فان من تعدى على أي جانب منهن فقد تعدى على حق الله تعالى سواء في استحلال الحرام أو العكس أو في الحكم والقضاء الذي قرره الله تعالى والتعدى على اى منهما هو التعدى على سلطان الله فى الأرض لان الله هو الذى يشرع للبشر لأمشرع غيره وهو الذى يضع الأحكام والعقوبات للبشر ولأيضعها غيره ومن تلقى من غيره فقد ضل وكفر وأشرك وجعل مع الله رب آخر والها آخر والدليل على أن من تلقى التشريع التحريم والتحليل من دون الله أو مع الله فقد أشرك في ربوبيته سبحانه كما قال تعالى:﴿اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لاإله إلا هو سبحانه عما يشركون ﴾ .
وتفسيره صلى الله عليه وسلم لهذه الآية لعدى بن حاتم الطائى بأنهم أطاعوا أحبارهم ورهبانهم فى تحريم الحلال وتحليل الحرام ،،،
وكذلك قوله تعالى:﴿ وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لايطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون وقالوا ما فى بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا ون يكن ميتة فهم فيه شركاء سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين ﴾ .
وقوله تعالى:﴿قل ارايتم ما انزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل ألله أذن لكم أم على تفترون ﴾ .
وقوله تعالى:﴿ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ﴾ .
إلى غير ذلك من الآيات الكريمة .........
ويتبع ذلك أيضا ما حرمه الرسول بأمر من الله تعالى كحرمة أكل لحم الحمر الأهلية وكل ذى ناب ومخلب من السباع وهو ماجاء ت به السنة المطهرة .
أما الجانب الأخر وهو الذى يتعلق بالألوهية وهو الحكم والقضاء
كقوله تعالى ذكره :﴿ان الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين ﴾ .
وقوله ايضأ :﴿اله الحكم وهو أسرع الحاسبين ﴾
وقوله تعالى:﴿ان الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه لك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾ .
قال الشنقيطى فى تفسيره لهذه الآية الكريمة من سورة يوسف :(فان الشرك فى الحكم كالشرك فى العبادة سواء بدليل قوله تعالى: ﴿ان الحكم إلا لله أمر الا تعبدوا الا اياه ﴾أه .
وقوله تعالى : ﴿أفغير الله أبتغى حكما وهو الذى أنزل اليكم الكتاب مفصلا﴾ .
وكقوله تعالى :﴿والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب ﴾.
قال القرطبى رحمه الله : أى ليس يتعقب حكمه أحد بنقص ولا تغيير " .
وكقوله تعالى:﴿ولا يشرك فى حكمه أحدا ﴾ .
وقوله أيضا:﴿أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله ﴾.
وبعد سرد هذه الآيات الكريمات من كتاب الله تعالى يتبين أن أمر الأوراق الشخصية كالبطاقة الشخصية والرخص ونحوها ليست أمورا تشريعية لأنها لم تحلل حراما وتحرم حلالا أو تضع أحكاما تفصل نزاعا ونحو ذلك .
ولكن يأتى التشريع من ورآها ،أى أنها فى ذاتها إبتدا أمور تنظيمية لو فعلها المسلم فى دار الحرب لاحرج عليه "وأن كانت فى ديار الإسلام أولى "أما إذا لم يقوم بعملها فهذا سيعاقب بقانون الطاغوت ويقع فى التشريع أو الحكم أو كلاهما ،إذا أكتشف أنه لم يقوم بعمل البطاقة الشخصية أو لجواز سفره فى حالة تسلله مثلا فيعاقب بالغرامة المالية أو الحبس ،
= وكمثال لتوضيح ما نحن فيه نأخذ أمر الإشارة الضوئية فى حالة المرور بالمركبة أو السيارة وهو أمر تنظيمى وضعه جهاز المرور .
فهو فى ذاته ليس تشريعا يحلل أو يحرم بل هى حركة تنظيم للسير حتى لا يحدث التصادم بين السيارات أما إذا خالفها أى أنسان فهنا سيعاقب ويقع فى التشريع والحكم إذا ما خرج فى الضوء الأحمر وأصاب سيارة مسرعة فدمرها أوقتل سائقها أو قتل شخصا مارا....
فالمسلم لا يجعل نفسه يخالف هنا حتى يقع فى الحكم والتشريع أى سدا للذريعة لو وقف عند حد الأمر التنظيمى لا يتعداه لاحرج ..
= ولنأخذ كمثال أخر لتوضيح ما نحن فيه وهو أمر الدخول فى الجوار وهو ما يسمى بمفهوم اليوم طلب اللجوء كما يحدث فى أكثر دول العالم تقريبا ..
فإن أصل هذا الأمر لأبأس فيه وهو مباح في شريعة الإسلام وقد فعله رسول الله وكان يعرض نفسه على القبائل العربية لتحميه حتى يبلغ رسالة ربه ودخل فى جوار العدى بن مطعم وهو من مشركى مكة وكذلك فعل بعض الصحابة رضوان الله عليهم كعثمان بن مظعون رضى الله عنه فقد كان فى جوار الوليد بن المغيرة حتى ترك بعد ذلك جواره ،وغيره رضى الله عنهم أجمعين مثل جعفر رضى الله عنه وأصحابه لما دخلوا فى جوار النجاشي في الحبشة .
واليوم تعمل بهذا المبدأ أكثر دول العالم كما قلنا ولكن بمسمى أخر وهو اللجوء السياسي وينقسم إلى أنساني وديني وسياسي ولكل دولة قوانين بهذا اللجوء على سبيل المثال تقر الدولة الإنجليزية أو الدنمركية أو الهولندية أو الفرنسية بوضع قانون اللجوء السياسي وهو حق إنساني لحماية اللجىء وتمتعه بالتالى بحقه فى العيش وحفظ كرامته كإنسان وهو مطلق ،في كل فرد إنسانى ذكر أم أنثى أسود أم أبيض يلجأ لهذه الدول "باختصار"
وهو بند فى قانون حقوق الإنسان وراءه مواد أخرى ومن بينها :
"فى حالة إذا ما رفضت الدولة طلب اللجىء فى حصوله على اللجوء هنا يسمح لطالب اللجوء بأن يتقدم بشكوى إلى المحكمة ضد الدولة نفسها ويخصص له محامى "وهنا يدخل مقدم اللجوء فى التحاكم والوقوع فى أحكام الجاهلية وينتقل من أمر أجازه الشرع وهو طلب الجوار إلى أمر آخر وهو التحاكم والقضاء بغير شريعة الله تعالى ،فعلى المسلم هنا التوقف ويجعل الأمر عند حد طلب اللجوء لا يتعداه وهو طلب الجوار أو الدخول فى الجوار حتى يجعل الله له مخرجا بتغير الحال مثلا ،أو لجوء إلى دولة أخرى .
ثانيا :ما الذى تحتوى عليه الأوراق الشخصية ؟
ولنأخذ كمثال البطاقة الشخصية فهى تحتوى على بيانات خاصة بحامل البطاقة منها :

الاسم ،،،،،،،،،أسم الأب ..............
أسم الجد......... اللقب .............
أسم الأم بالكامل ....................
الدين...........والجنس .............
تاريخ ومكان الميلاد ................
البلدية المسجل بها "المحافظة "...............
الحالة الاجتماعية ...............عنوان السكن .............
المهنة ..........جهة العمل ...........فصيلة الدم ........
الأوصاف .
القامة العينان العلامات رقم البطاقة وتاريخ صدورها
...... ...... ........ ........ ..................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فعند النظر إلى هذه البينات يتبين بأنها معلومات عادية عن شخص حامل البطاقة كأمر تنظيمى يحصر عدد سكان المدينة وكذلك معرفة أسمه كاملا وصورته إذا وجد ميتا ومشوها ،أو حريقا مثلا ،أو ضائعا بفقد عقله وخاصة فى الدول ذات الكثافة السكانية الهائلة كالهند والصين ونحوها .
وكذلك في حالة أصابته في حادث ما وإسعافه معرفة فصيلة دمه من بينات البطاقة ،وكذلك تميز شخصيته من من يشبهه في الاسم أو الأوصاف .
ومعرفة جهة عمله وسكنه حتى يمكن الاتصال به سريعا أو بأهله إذا أصيب حامل البطاقة بأى نازلة .
ثم لنلقى نظرة على رخصة القيادة أيضا ،فأن بيناتها شبيهة ببينات البطاقة الشخصية هذا من جهة ومن جهة أخرى ما الغرض من وضع الرخصة وما الذي يفعله الشخص للحصول عليها ؟
أولا: الغرض من وضع رخصة القيادة .
وهو ضبط سائق السيارة بسن معينة حتى يمكنه تحمل مسؤلية قيادة السيارة وحتى لأتحدث فوضى وتسيب من قيادة الصبيان والأحداث .
ثانيا : ما الذي يفعله الشخص للحصول عليها .
يقوم بتعبئة بيناته الشخصية فى نموذج معد لذلك بعد أن يضيف إليها ورقة نوعية فصيلة الدم ثم يتأكد من سلامة نظره بعمل امتحان سريع له وكذلك امتحان أخر سريع فى إشارات المرور"وهى كما قلنا علامات تنظيمية ".
وأخيرا يقوم بآخر اختبار له وهو قيادة السيارة إلى الأمام وإلى الخلف حتى يتبين بأنه قادر على القيادة الصحيحة ،فرخصة القيادة إذن هى خلاصة بأن هذا السائق عاقل بالغ غير معاق ولا أعمى ولا ضعيف النظر ،حتى تكون القيادة سليمة ولا تسبب فى الحوادث وأذى الآخرين وزهق أرواحهم وهو أمر تنظيمى ولا يخالف شرع الإسلام ولكن لو لم يقوم الشخص بعمل رخصة القيادة وتعرض لحملة تفتيش أو بوابة مرور وهو يقود إحدى السيارات فهنا سيقع فى المسألة القانونية والتحاكم .
ويكون هو المسبب فى ذلك لنفسه كما سبق وأن بينا ذلك ،والله الهادى لما فيه الصواب .
ثالثا :هل عمل الأوراق الشخصية يدخل فى تعظيم الطاغوت أو تكثير سواد المشركين ؟
أولا:عند التأمل فيما يقع فيه المسلم من تعظيم الكفار أو شعائرهم وبالنظر إلى أحكام الشريعة المطهرة تجد أن تعظيم الطاغوت أو الكافرين أو شعائرهم تقع بإحدى أمرين من حيث الظاهر :
الأمر الأول :أن يصرح المكلف بلسانه على أنه يعظم الطاغوت أو الكفار أو شعاراتهم .
الأمر الثانى :بأن يقوم بفعل ما يدل على تعظيمه للطاغوت أو الكفار أو شعاراتهم كأن يضع علاماتهم على صدره أو رأسه ،أو يقبلها أو يركع أو يسجد لهم أو لعلاماتهم وشعاراتهم أو ينتصر لهم ،أو يقاتل دونهم إلى غير ذلك من الأمور الظاهرة المعروفة عند المسلمين والتى بها يكفر المسلم إذا فعلها والعياذ بالله من ذلك .
* أما مجرد حمل شعار الطاغوت أو الكافرين أو صورهم مثل الموجودة على جواز السفر والرخص والبطاقات والأوراق النقدية وبعض الوثائق الأخرى منها لا يدل على التعظيم .
"قال ابن عباس رضى الله عنهما فى سورة الكهف عن الفتية المؤمنين عند قوله تعالى :
﴿ وكذلك أعثرنا عليهم ﴾ أى أن القوم عرفوا الفتية بصورة الملك دقيانوس التى كانت مضروبة على النقود فى ذلك الزمان "القرطبى .
وهذا الملك الطاغية كان يأمر الناس بعبادة الأصنام ومع هذا لم يضير الفتية شيئا ولم يقدح فى إيمانهم مجرد حملهم لصورته فى النقود والتعامل بها وكذلك كان المسلمين فى الصدر الأول يتعاملون بمثل هذه النقود سواء دنانير أم دراهم وكانت مضروبة عليها صور ورموز ملوك الروم وكسرى إلى أن غيروا هذه النقود برموز وأرقام عربية أسلامية .
ثانيا :هل عمل الأوراق الشخصية يدخل فى تكثير السواد ؟
من دراستنا لعقيدة التوحيد والعمل بها والحمد لله رب العالمين ولجانب الولاء والبراء خاصة فى مثل هذا الواقع المعاصر ،يتبين بأن قضية تكثير السواد مرتبطة مع الولاء فإن كان تكثير السواد للمسلمين فهو من الولاء لهم أو العكس فإن كان تكثير السواد للمشركين فهو من الولاء لهم ،لكن ماهو تكثير السواد أو الذى يكون به الولاء للمشركين والكافرين ويكون به المرء كافرا؟
فإن تكثير السواد الذى يكون به الولاء للكافرين ويصبح به المرء كافرا والمسلم مرتدا والعياذ بالله من ذلك ؛هو فى انضمام المسلم إلى جند الطاغوت وشرطته وحزبه والانتساب إلى مجالس الأمة "البرلمانات "والخوض فيها وكذلك المؤتمرات التي تقرر مقولات الطاغوت إلى غير ذلك من الكفريات الظاهرة المعروفة عند كل المسلمين ،وحتى لو قال الشخص سواء مرتدا أم كافرا إنى لا أعين الطاغوت أو الكافرين ولم أكثر سوادهم بل أقف وقوف دون أي عمل لهم أو إنى أظهر لهم التقية ونحو ذلك من الألفاظ التى لا تغنى عن الحق شيئا وهى ليست بعذر ،فإن مجرد الوقوف معهم والانضمام إلى أحزاب الكافرين هو نفسه تكثير سواد لهم ولو لم يعمل لهم أي عمل ولم يقاتل معهم .
جاء فى تفسير القرطبى رحمه الله عند قوله تعالى ذكره : ﴿أو ادفعوا ﴾ "فقال ابن جريج :كثروا سوادنا وإن لم تقاتلوا معنا ،فيكون دفعا للعدو ،فإن السواد إذا حصل دفع العدو ،قال عون بن مالك :رأيت يوم القادسية عبد الله بن أم مكتوم وعليه درع يجر أطرافها،وبيده راية سوداء،فقيل له "أليس"قد أنزل الله عذرك ؟قال :بلى ولكنى أكثر"سواد"المسلمين بنفسى ،وروى عنه أنه قال :فكيف بسوادى فى سبيل الله ".أه وقال ابن كثير رحمه الله فى نفي هذه الآية :
"أو ادفعوا "قال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك وأبو صالح والحسن والسدى :يعنى كثروا سواد المسلمين "أه ،
فهذه هى الأمور الظاهرة من تكثير السواد التي يكفر بها المسلم والعياذ بالله ،وهى كما تبين فى حالة القتال والنفير أو الانخراط فى الجيش والشرطة وكل عمل يقرب من الطاغوت ويحميه أو الانضمام إلى المحافل أو المجالس أو المؤتمرات ونحوها التى تقر بشرع الطاغوت وتتحاكم إليه وما فى معناها .
قال الإمام العلامة أحمد البيضاوى المالكى المتوفى 1241 هـ فى شرحه لتفسير الجلالين عند قوله تعالى فى سورة القصص آية 17 :﴿فلن أكون ظهيرا للمجرمين ﴾
(فلن أكون )جواب شرط قدره بقوله (إن عصمتنى ) وأراد بمظاهرة المجرمين صحبة فرعون وانتظامه فى جماعته وتكثير سواده "أهـ الجزء السابع المجلد 3 ص 43 .
وأما مجرد عمل الأوراق الشخصية فى هذا الواقع فلا يدخل فى تكثير السواد لأن الأصل في هذا الشأن هو القانون التنظيمي كما تبين ولأيدل عمل الأوراق بمفرده على تكثير السواد وحتى وأن دل على تكثير سواد المواطنين فى الدولة نفسها ،ولكنه ليس تكثير السواد الذى يكفر صاحبه ويكون قد خلع ربقة الإسلام من عنقه ويكون به الولاء للطاغوت والكافرين والله أعلم وأحكم .
وأخيرا :
فلو تورع المسلم فى هذه الديار عن عمل الأوراق الشخصية فله ذلك =وإن كان قد يضيق على نفسه فى أمر له فيه سعة =ولكن لأينكر على إخوانه المسلمين ويكفرهم بمجرد دخولهم في الفعل التنظيمي.
ونسأل الله رب العالمين أن يعز الإسلام والمسلمين ولا يجعلهم يحتاجوا للمشركين حتى في الأمور التنظيمية ويظهر دولة الإسلام التي تحكم بشريعة الله في كل جزئية وتضع القوانين التنظيمية مثل ما كان عليه سلف هذه الأمة الصالح آمين آمين .
والله أعلم وأحكم وهو الهادى إلى سواء السبيل والحمد لله رب العالمين وصلى اللهم على نبينا محمدا وعلى آله وصحبه وسلم الطيبين الطاهري

مناقب الشيخ (العلامة) ابن عثيمين

$
0
0
Photo: ‎مناقب الشيخ (العلامة) ابن عثيمين  كان شديد الحرص على الألفة والإئتلاف في دين آل سعود ، ولا يرى الفرقة والخروج عليهم ولو رأى كفراً بواحاً ، ويرى السمع والطاعة وإن تأمر عليهم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ، وضرب ظهرهم وأخذ مالهم ، ماأقام فيهم حكم الطاغوت وكان شديد الولاء لآل سعود داباً على عرضهم ، محرضاً على الدخول في طاعتهم والسلوك في سلك ولايتهم ، ينكر ويندد بكل من خلع يد من طاعتهم وكفرهم ، قابضاً وعاضاً بنواجده على قوائم عرشهم ، حتى كاد يحطمها  ولايرى أن دخول أل سعود منظمة الأمم المتحدة (( هُبل الأكبر )) وافتخارهم بذلك وأنهم من الدول السباقة لذلك ، والتزامهم بميثاقها وبنودها الكفرية ، وهيكليتها المشتملة على مجلس الأمن الذي تعتبر قراراته ملزمة للدول الأعضاء ، ومحكمتها ( محكمة الظلم الدولية ) القائمة على فض المنازعات الدولية بحكم الطاغوت ، لايرى كل هذا مناقضاَ للإسلام وإقراراً بحكم الطاغوت ، الواجب الكفر به وعدم الإحتكام إليه بل ربما يرى أن المصلحة الشرعية تقتضي ذلك !!  وكذلك لا يرى أن حكام مايُسمَّى بالعالم الإسلامي خارجين عن الملة ، بل هم في كفر دون كفر ، وما لم يستحلوا !! ، وليس بالكفر الذي يذهب إليه الخوارج الذين يكفرون هؤلاء الحكام  نعم والحق يُقال أنه كفّر بعض الطواغيت وشهد عليهم أنهم خرجوا من دين الله وحادّوا الله ورسوله الأول طاغوت العراق صدّام لمّا هدد أمن دولة التوحيد وعقر دار الإسلام بزعمهم ، خرجت الفتاوى تترادف في تكفيره الثاني طاغوت ليبيا القذافي خرجت الفتاوى وأُلفت الكتب ، والرد الشافي على مفتريات القذافي ، وبُينت حقيقته وفضحوا فكره وأنه كافر ضال زنديق عدو الله ولكن قبلها كان هذا القذافي قد سب أسياده وعلمائهم وقال عنهم أنهم أعداء الله وأنهم خنازير الجزيرة ووصفهم بأوصاف مزرية وقال أنه يجب أن يحرر بيت الله من أيديهم  كان الشيخ العلامة ابن عثيمين حريصاً على الإستزادة في طاعة ولي أمره باذلاً وسعه في ذلك ، ولكنه مع إجتهاده هذا وحرصه لم يكن بدرجة تفوق فضيلة الشيخ بن باز الوزير ، والذي هو بمنزلة هامان من فرعون ، فقد فاجأ هذا البن باز  الجميع ليعلن بجدارة سبقه بالحضوة في هذا المضمار، فقد أخرج فتوى لبس الصليب الشهيرة والتى يُجوز فيها لولي الأمر لبس الصليب إذا رأى وإقتضت المصلحة ذلك ، فحينها سلم له العتيمين وغيره رأية السبق فكان أحق بها وأهلها  هذه بعض مناقب العتيمين في دين أولياءه  ولكي لانظلم الناس ولانبخسهم حقهم ، يجب ذكر أن ابن عثيمين كان يحفظ الكثير من العلوم الشرعية ، وكان يؤلف بعض الرسائل والشروح المفيدة لطلبة العلم ، ويعقد حلقات العلم في النحو والتفسير وأصول الفقه وغيرها ، وكان محافظاً على السنن حاثاً على التمسك بها في زمن غربة التمسك بالسنن !!  وقد بيّن الله لنا الميزان الذي توزن به الأمور في حادثة مماثلة وهي أن بعض أهل مكة إفتخروا بأعمال وقربات كانوا يعملونها لله ، وهي إكرام ضيوف الله وحجيج بيته بأن يضعوا العسل مع الماء لسقيا ضيوف الله ، وكانوا يكسون بيت الله الحرام ويعمرونه ، فلمّا إفتخروا بذلك على المسلمين أنزل الله فيهم { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِر } الآية  وكذلك نقول لمن كانت له أعمال يزعم أنه يقدمها لله : أجعلت أعمالك هذه مع إيمانك بالطاغوت ، كمن آمن بالله وكفر بالطاغوت وخلع يده من طاعته وتبرأ منه ومن عابديه !!؟ { لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ }  والعلم الشرعي لما لا يعمل به المرء يكون حاله كحال من قال الله فيهم : { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }  وقال عن جزاء جريمة من كتم الحق وآثر الحياة الدنيا واشترى بآيات الله ثمناً قليلاً { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ } { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ }  وأمثال هؤلاء لايُطلق عليهم علماء ، إلا بقصد أنهم علماء بدين مَلكهم ومايتطلبه ، أو على سبيل التهكم ، لأن أصل العلم خشية الله وتقواه ، ومن لم يأت بالأصل لايُقال عنه أنه متقي أو عالم ، إلا أن يأت بأساسه ، ثم يتدرج بعد ذلك في مراتبه  قال معاذ بن جبـل ـ سيد العلماء ـ : يُنادى يوم القيامة : أين المتقون ؟ فيقومون في كنف من الرحمن لا يحتجب منهم ولا يستتر قالوا له : من المتقون ؟ قال : " قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان وأخلصوا لله بالعبادة "  قال الله تعالى في الحديث القدسي : " أنا أهل التقوى فمن اتقاني فلم يجعل معي إلها آخر فأنا أهل أن غفر له "   منقول .‎
كان شديد الحرص على الألفة والإئتلاف في دين آل سعود ، ولا يرى الفرقة والخروج عليهم ولو رأى كفراً بواحاً ، ويرى السمع والطاعة وإن تأمر عليهم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ، وضرب ظهرهم وأخذ مالهم ، ماأقام فيهم حكم الطاغوت
وكان شديد الولاء لآل سعود داباً على عرضهم ، محرضاً على الدخول في طاعتهم والسلوك في سلك ولايتهم ، ينكر ويندد بكل من خلع يد من طاعتهم وكفرهم ، قابضاً وعاضاً بنواجده على قوائم عرشهم ، حتى كاد يحطمها

ولايرى أن دخول أل سعود منظمة الأمم المتحدة (( هُبل الأكبر )) وافتخارهم بذلك وأنهم من الدول السباقة لذلك ، والتزامهم بميثاقها وبنودها الكفرية ، وهيكليتها المشتملة على مجلس الأمن الذي تعتبر قراراته ملزمة للدول الأعضاء ، ومحكمتها ( محكمة الظلم الدولية ) القائمة على فض المنازعات الدولية بحكم الطاغوت ، لايرى كل هذا مناقضاَ للإسلام وإقراراً بحكم الطاغوت ، الواجب الكفر به وعدم الإحتكام إليه
بل ربما يرى أن المصلحة الشرعية تقتضي ذلك !!

وكذلك لا يرى أن حكام مايُسمَّى بالعالم الإسلامي خارجين عن الملة ، بل هم في كفر دون كفر ، وما لم يستحلوا !! ، وليس بالكفر الذي يذهب إليه الخوارج الذين يكفرون هؤلاء الحكام

نعم والحق يُقال أنه كفّر بعض الطواغيت وشهد عليهم أنهم خرجوا من دين الله وحادّوا الله ورسوله
الأول طاغوت العراق صدّام لمّا هدد أمن دولة التوحيد وعقر دار الإسلام بزعمهم ، خرجت الفتاوى تترادف في تكفيره
الثاني طاغوت ليبيا القذافي خرجت الفتاوى وأُلفت الكتب ، والرد الشافي على مفتريات القذافي ، وبُينت حقيقته وفضحوا فكره وأنه كافر ضال زنديق عدو الله
ولكن قبلها كان هذا القذافي قد سب أسياده وعلمائهم وقال عنهم أنهم أعداء الله وأنهم خنازير الجزيرة ووصفهم بأوصاف مزرية وقال أنه يجب أن يحرر بيت الله من أيديهم

كان الشيخ العلامة ابن عثيمين حريصاً على الإستزادة في طاعة ولي أمره باذلاً وسعه في ذلك ، ولكنه مع إجتهاده هذا وحرصه لم يكن بدرجة تفوق فضيلة الشيخ بن باز الوزير ، والذي هو بمنزلة هامان من فرعون ، فقد فاجأ هذا البن باز الجميع ليعلن بجدارة سبقه بالحضوة في هذا المضمار، فقد أخرج فتوى لبس الصليب الشهيرة والتى يُجوز فيها لولي الأمر لبس الصليب إذا رأى وإقتضت المصلحة ذلك ، فحينها سلم له العتيمين وغيره رأية السبق فكان أحق بها وأهلها

هذه بعض مناقب العتيمين في دين أولياءه

ولكي لانظلم الناس ولانبخسهم حقهم ، يجب ذكر أن ابن عثيمين كان يحفظ الكثير من العلوم الشرعية ، وكان يؤلف بعض الرسائل والشروح المفيدة لطلبة العلم ، ويعقد حلقات العلم في النحو والتفسير وأصول الفقه وغيرها ، وكان محافظاً على السنن حاثاً على التمسك بها في زمن غربة التمسك بالسنن !!

وقد بيّن الله لنا الميزان الذي توزن به الأمور في حادثة مماثلة وهي أن بعض أهل مكة إفتخروا بأعمال وقربات كانوا يعملونها لله ، وهي إكرام ضيوف الله وحجيج بيته بأن يضعوا العسل مع الماء لسقيا ضيوف الله ، وكانوا يكسون بيت الله الحرام ويعمرونه ، فلمّا إفتخروا بذلك على المسلمين أنزل الله فيهم
{ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِر } الآية

وكذلك نقول لمن كانت له أعمال يزعم أنه يقدمها لله : أجعلت أعمالك هذه مع إيمانك بالطاغوت ، كمن آمن بالله وكفر بالطاغوت وخلع يده من طاعته وتبرأ منه ومن عابديه !!؟
{ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ }

والعلم الشرعي لما لا يعمل به المرء يكون حاله كحال من قال الله فيهم :
{ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }
{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }

وقال عن جزاء جريمة من كتم الحق وآثر الحياة الدنيا واشترى بآيات الله ثمناً قليلاً
{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ }
{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ }

وأمثال هؤلاء لايُطلق عليهم علماء ، إلا بقصد أنهم علماء بدين مَلكهم ومايتطلبه ، أو على سبيل التهكم ، لأن أصل العلم خشية الله وتقواه ، ومن لم يأت بالأصل لايُقال عنه أنه متقي أو عالم ، إلا أن يأت بأساسه ، ثم يتدرج بعد ذلك في مراتبه

قال معاذ بن جبـل ـ سيد العلماء ـ : يُنادى يوم القيامة : أين المتقون ؟ فيقومون في كنف من الرحمن لا يحتجب منهم ولا يستتر قالوا له : من المتقون ؟ قال : "قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان وأخلصوا لله بالعبادة "

قال الله تعالى في الحديث القدسي : "أنا أهل التقوى فمن اتقاني فلم يجعل معي إلها آخر فأنا أهل أن غفر له "

منقول .

تركي البنغلي وجنود الطاغوت

$
0
0


ﻫﺬﺍ ﻟﻤﻦ ﻳﻘﻮﻝ ﺃﻥ ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ﻭﺍﻟﺸﺎﻡ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺼﺮﺓ و ﻟﺎ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﻛﻠﺎﻫﻤﺎ ﻳﺤﻤﻠﺎﻥ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺃﻡ ﻣﻌﺎﺭﻛﻬﻢ ﻓﻬﻲ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻛﺮﺳﻲ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻟﺎ ﻏﻴﺮ

السلام عليكم إخوتي الكرام..

هل مسألة تنزيل حكم الكفر على أفراد الشرطة والجيش مسألة خلافية؟ يعني القول بتكفيرهم طائفة دون تكفيرهم عينا مستساغا ومعتبرا شرعا؟

السائل: حمزة حمزة

المجيب: اللجنة الشرعية في المنبر

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..

أخي السائل:

نعم؛ إن الحكم على أفراد الجيوش والشرطة مسألة خلافية, أما ما نقله بعض المعاصرين من حكاية الإجماع على تكفير أعيان العساكر فلا يُسلم له في ذلك.

وقد رد الشيخ أبو يحيى الليبي رحمه الله على الدكتور سيد إمام دعوى الإجماع في ذلك, فقام بتأليف كتاباً في ذلك أسماه: "نظرات في الإجماع القطعي".

قال رحمه الله في مقدمته: "بل وادعى إجماع الصحابة القطعي على ذلك حتى حكم على من خالفه في هذا الحكم بالكفر ومشاقة سبيل المؤمنين ومفارقة جماعتهم كما سيأتي كلامه في ثنايا هذا البحث إن شاء الله.

فمما دفعنا للكتابة في هذا الموضوع ومناقشة هذا الدليل –أعني الإجماع المذكور– أن هذا من النصيحة التي تعد من أهم قواعد هذا الدين وأسسه التي بها يحفظ على أصوله ، إذ هي جزء من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي من البر والتقوى التي أمر الله عباده أن يتعاونوا عليها".اهـ [ص 3]. والله أعلم.
أجابه، عضو اللجنة الشرعية :
الشيخ أبو همام بكر بن عبد العزيز الأثري

هل المرجئة كفار؟ بأي قول يكفرون؟

$
0
0

Photo: ‎هل المرجئة كفار؟ بأي قول يكفرون؟  إسم الإرجاء يطلق على من حقق الإسلام وهو الاستسلام لله تعالى وترك الاستسلام لغيره واعتقد أن هذا هو أصل دين الإسلام بحيث يحكم على من لم يحققه بأنه لم يحقق الإسلام وعمل بهذا الأصل هذا يكون مسلما سواء سمي مرجئا أم غير ذلك لكن هذا المسلم قد يقع في بدع تخالف عقيدة السلف فيكون مبتدعا، فالمرجئة مبتدعة ليسوا كفارا ومن كفر غلاة المرجئة إنما كفرهم لمخالفتهم النصوص التي تدل على أن الإيمان قول وعمل واعتقاد وهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:   الفئة الأولى هم مرجئة الفقهاء الذين يعتقدون أن الأعمال ليست من الإيمان والإيمان فقط القول والاعتقاد مع اعتقادهم بأن الإسلام لا يصح إلا بالبراءة من الشرك ظاهرا وباطنا والحكم من خالف أمر الله ونهيه كمن يشرب الخمر أنه آثم مستحق للعقوبة في الدنيا والآخرة.  والفئة الثانية من المرجئة هم الكرامية الذين يعتقدون أن الإيمان هو القول مع إقرارهم بجميع ما يقر به المسلمون من حقيقة الإسلام لكنهم يخالفون نصوص الكتاب والسنة في إخراج العمل والاعتقاد من الإيمان مع اعتقادهم بحقيقة العمل والاعتقاد.   والفئة الثالثة هم غلاة المرجئة وهم الجهمية الذين يقولون أن الإيمان هو التصديق وهؤلاء نقل عن السلف تكفيرهم وسبب تكفيرهم ليس جهلهم بحقيقة الإسلام فهم يعتقدون أن من فعل الكفر ظاهرا لا يكون مسلما ظاهرا ومن فعل الكفر باطنا لا يكون مؤمنا ولكن خطأهم الذي كفرهم أهل العلم هو قولهم بأن الإيمان هو التصديق والقول الثاني هو قول لعدم التلازم بين الظاهر والباطن فمن فعل الكفر الظاهر يقولون أنه كافر ظاهرا وإذا كان يعتقده باطنا يكون كافر باطنا، لكن لو فعله ظاهرا لا يلزم أنه كافر باطنا ويقيسون هذا على حال المكره وحال الحاكم إذا حكم فإنو ظاهرا يكون حكمو معمول به لكن باطنا قد لا يكون وافق الحق.  وهؤلاء هم المبتدعة الذين كانوا في زمن أهل العلم، أما في عصرنا هذا فما يسمونهم مرجئة ليسوا بمسلمين أصلا لأنهم لا يجتنبون الشرك ويعتقدون أن من عبد غير الله يكون مسلما ويصح الإسلام مع عدم البراءة من الشرك.  فالحكم بالإسلام والشرك غير متعلق بالأسماء إنما متعلق بالاعتقاد فمن سمي مرجئا وهو يعبد غير الله لا يكون مسلما ولا يعني تسميته مرجئا أنه يعتقد عقيدة الإرجاء التي حكم أهل العلم على أهلها بأنهم مبتدعة. فالأباضية من الخوارج كو أن أهل العلم يحكمون عليهم بأنهم مبتدعة لا كفار لكن في زمن علماء الدعوة النجدية جمع الأباضية بين الشرك في القبور وتعطيل أسماء الله وصفاته.  قال الشيخ سليمان بن سحمان: (ومن العجب أنو ذكر الخوارج وأنهم من أىل البدع وأنهم دانوا بشر المذاهب وأنهم جاءوا بأعظم فرية فإذا قال بعض الإخوان بكفر أباضية أهل هذا الزمان لأنهم زادوا في الشر على مذهب أوائلهم وأسلافهم وعلى مذهب الخوارج بانتحال مذهب المعتزلة وأنهم على اعتقاد عباد القبور في الذبح لغير الله .. .. وهذا أيضا من جهله وغباوته فإن تكفير الأباضية خصوصا أباضية هذا الزمان ممكن متجه لأنهم ليسوا على مذهب أوائلهم بل ازداد شرىم كوفرىم فإنهم في هذه الأزمنة جهمية على مذهب أهل الاعتزال في زعمهم أن الله لا يرى في الآخرة وعلى معتقد عباد القبور في دعاء الأولياء والصالحين والذبح للجن مع إنكارهم للشفاعة والميزان وعذاب القبر ونعيمه وغير ذلك مما أحدثوه في الدين وخرجوا به عن جماعة المسلمين وقد اشتهر أمرهم وظهر خبرىم وما هم عليه في ساحل عمان وباطنه وقد بلغتهم الدعوة وقامت عليهم الحجة منذ أزمان متطاولة لا ينكر ذلك إلا مكابر فالكلام والخصام الواقع في أباضية هذا الزمان لا في الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله عنو ومن على مذىبهم ممن جاء بعدىم فمن غالط بالكلام في الخوارج الذين خرجوا على علي وجعل حكم هؤلاء الذين كانوا بهذا الساحل على ما وصفنا حكم الخوارج المتقدمين فهو مشبه ملبس يمزج الحق بالباطل ومع هذا التلبيس يزعم أن من كفر هؤلاء على هذه الصفة التي ذكرنا لزمه تكفير جميع الصحابة رضي الله عنهم لا سيما علي بن أبي طالب لأنهم ما كفروا الخوارج ثم لو سلمنا أنهم على مذىب الخوارج لم يجاوزوه إلى غيره لم يلزم من ذلك تكفير الصحابة كما قدمنا.  وقد حكى شيخ الإسلام في الفتاوى في تكفير الخوارج ونحوهم عن مالك قولين وعن الشافعي كذلك وعن أحمد أيضا روايتين وأبو الحسن الأشعري وأصحابو لهم قولان والخلاف فيهم مشهور فعلى قول هذا الجاهل أنه يلزم من كفرهم على الرواية الثانية عن أحمد و على القول الثاني عن مالك وعن الشافعي تكفير أصحاب رسول الله لأنهم ما كفروا الخوارج وعلى القول الأول يلزم من لم يكفرهم تضليل من كفرىم من العلماء أو تكفيره...)  وقال بعض علماء الدعوة النجدية : (وأما الأباضية في هذه الأزمان فليسوا على طريقة الماضين من أسلافهم والذي يبلغنا أنهم على دين عباد القبور وانتحلوا أمورا كفرية لا يتسع ذكرها هنا ومن كان بهذه المثابة فلا شك في كفره فلا يقول بإسلامهم إلا إنسان مصاب في عقله ودينه.)  فما يسمونه اليوم مرجئة أو رافضة لم يحققوا أصل دين الإسلام الذي حققه المرجئة المتقدمون ولا الرافضة المتقدمون وإن كان الرافضة ظهر فيهم الشرك في زمن الصحابة وأهل العلم لكن لم يكن جميع الرافضة يشركون بالله أما في عصرنا هذا فإن الشرك أصبح هو دين هذه الطوائف‎
إسم الإرجاء يطلق على من حقق الإسلام وهو الاستسلام لله تعالى وترك الاستسلام لغيره واعتقد أن هذا هو أصل دين الإسلام بحيث يحكم على من لم يحققه بأنه لم يحقق الإسلام وعمل بهذا الأصل هذا يكون مسلما سواء سمي مرجئا أم غير ذلك لكن هذا المسلم قد يقع في بدع تخالف عقيدة السلف فيكون مبتدعا، فالمرجئة مبتدعة ليسوا كفارا ومن كفر غلاة المرجئة إنما كفرهم لمخالفتهم النصوص التي تدل على أن الإيمان قول وعمل واعتقاد وهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:

الفئة الأولى هم مرجئة الفقهاء الذين يعتقدون أن الأعمال ليست من الإيمان والإيمان فقط القول والاعتقاد مع اعتقادهم بأن الإسلام لا يصح إلا بالبراءة من الشرك ظاهرا وباطنا والحكم من خالف أمر الله ونهيه كمن يشرب الخمر أنه آثم مستحق للعقوبة في الدنيا والآخرة.

والفئة الثانية من المرجئة هم الكرامية الذين يعتقدون أن الإيمان هو القول مع إقرارهم بجميع ما يقر به المسلمون من حقيقة الإسلام لكنهم يخالفون نصوص الكتاب والسنة في إخراج العمل والاعتقاد من الإيمان مع اعتقادهم بحقيقة العمل والاعتقاد.

والفئة الثالثة هم غلاة المرجئة وهم الجهمية الذين يقولون أن الإيمان هو التصديق وهؤلاء نقل عن السلف تكفيرهم وسبب تكفيرهم ليس جهلهم بحقيقة الإسلام فهم يعتقدون أن من فعل الكفر ظاهرا لا يكون مسلما ظاهرا ومن فعل الكفر باطنا لا يكون مؤمنا ولكن خطأهم الذي كفرهم أهل العلم هو قولهم بأن الإيمان هو التصديق والقول الثاني هو قول لعدم التلازم بين الظاهر والباطن فمن فعل الكفر الظاهر يقولون أنه كافر ظاهرا وإذا كان يعتقده باطنا يكون كافر باطنا، لكن لو فعله ظاهرا لا يلزم أنه كافر باطنا ويقيسون هذا على حال المكره وحال الحاكم إذا حكم فإنو ظاهرا يكون حكمو معمول به لكن باطنا قد لا يكون وافق الحق.

وهؤلاء هم المبتدعة الذين كانوا في زمن أهل العلم، أما في عصرنا هذا فما يسمونهم مرجئة ليسوا بمسلمين أصلا لأنهم لا يجتنبون الشرك ويعتقدون أن من عبد غير الله يكون مسلما ويصح الإسلام مع عدم البراءة من الشرك.

فالحكم بالإسلام والشرك غير متعلق بالأسماء إنما متعلق بالاعتقاد فمن سمي مرجئا وهو يعبد غير الله لا يكون مسلما ولا يعني تسميته مرجئا أنه يعتقد عقيدة الإرجاء التي حكم أهل العلم على أهلها بأنهم مبتدعة. فالأباضية من الخوارج كو أن أهل العلم يحكمون عليهم بأنهم مبتدعة لا كفار لكن في زمن علماء الدعوة النجدية جمع الأباضية بين الشرك في القبور وتعطيل أسماء الله وصفاته.

قال الشيخ سليمان بن سحمان: (ومن العجب أنو ذكر الخوارج وأنهم من أىل البدع وأنهم دانوا بشر المذاهب وأنهم جاءوا بأعظم فرية فإذا قال بعض الإخوان بكفر أباضية أهل هذا الزمان لأنهم زادوا في الشر على مذهب أوائلهم وأسلافهم وعلى مذهب الخوارج بانتحال مذهب المعتزلة وأنهم على اعتقاد عباد القبور في الذبح لغير الله .. .. وهذا أيضا من جهله وغباوته فإن تكفير الأباضية خصوصا أباضية هذا الزمان ممكن متجه لأنهم ليسوا على مذهب أوائلهم بل ازداد شرىم كوفرىم فإنهم في هذه الأزمنة جهمية على مذهب أهل الاعتزال في زعمهم أن الله لا يرى في الآخرة وعلى معتقد عباد القبور في دعاء الأولياء والصالحين والذبح للجن مع إنكارهم للشفاعة والميزان وعذاب القبر ونعيمه وغير ذلك مما أحدثوه في الدين وخرجوا به عن جماعة المسلمين وقد اشتهر أمرهم وظهر خبرىم وما هم عليه في ساحل عمان وباطنه وقد بلغتهم الدعوة وقامت عليهم الحجة منذ أزمان متطاولة لا ينكر ذلك إلا مكابر فالكلام والخصام الواقع في أباضية هذا الزمان لا في الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله عنو ومن على مذىبهم ممن جاء بعدىم فمن غالط بالكلام في الخوارج الذين خرجوا على علي وجعل حكم هؤلاء الذين كانوا بهذا الساحل على ما وصفنا حكم الخوارج المتقدمين فهو مشبه ملبس يمزج الحق بالباطل ومع هذا التلبيس يزعم أن من كفر هؤلاء على هذه الصفة التي ذكرنا لزمه تكفير جميع الصحابة رضي الله عنهم لا سيما علي بن أبي طالب لأنهم ما كفروا الخوارج ثم لو سلمنا أنهم على مذىب الخوارج لم يجاوزوه إلى غيره لم يلزم من ذلك تكفير الصحابة كما قدمنا.

وقد حكى شيخ الإسلام في الفتاوى في تكفير الخوارج ونحوهم عن مالك قولين وعن الشافعي كذلك وعن أحمد أيضا روايتين وأبو الحسن الأشعري وأصحابو لهم قولان والخلاف فيهم مشهور فعلى قول هذا الجاهل أنه يلزم من كفرهم على الرواية الثانية عن أحمد و على القول الثاني عن مالك وعن الشافعي تكفير أصحاب رسول الله لأنهم ما كفروا الخوارج وعلى القول الأول يلزم من لم يكفرهم تضليل من كفرىم من العلماء أو تكفيره...)

وقال بعض علماء الدعوة النجدية : (وأما الأباضية في هذه الأزمان فليسوا على طريقة الماضين من أسلافهم والذي يبلغنا أنهم على دين عباد القبور وانتحلوا أمورا كفرية لا يتسع ذكرها هنا ومن كان بهذه المثابة فلا شك في كفره فلا يقول بإسلامهم إلا إنسان مصاب في عقله ودينه.)

فما يسمونه اليوم مرجئة أو رافضة لم يحققوا أصل دين الإسلام الذي حققه المرجئة المتقدمون ولا الرافضة المتقدمون وإن كان الرافضة ظهر فيهم الشرك في زمن الصحابة وأهل العلم لكن لم يكن جميع الرافضة يشركون بالله أما في عصرنا هذا فإن الشرك أصبح هو دين هذه الطوائف


افْتِرَاءُ الْجَاهِلِ الطَّالِح عَلَى النَّجَاشِي الْعَبْد الصَّالِح ..« زَعْمُهُم أَنَّهُ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللهُ !! »

$
0
0
Photo: ‎افْتِرَاءُ الْجَاهِلِ الطَّالِح عَلَى النَّجَاشِي الْعَبْد الصَّالِح ..  « زَعْمُهُم أَنَّهُ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللهُ !! » _______________________  وهذه شبهة كثير ما يوردها أهلُ الأهواء ودعاة التدرج كذا أفراخ المرجئة ومخانيث الجهمية فقالوا: إنَّ النجاشي لم يحكم بما أنزل الله تعالى بعد أن أسلم وبقي على ذلك إلى أن مات ومع هذا فقد سماه النبيّ صلى الله عليه وسلم عبداً صالحاً وصلى عليه وأمر أصحابه بالصلاة عليه ..   وسنرد عليها إن شاء الله..  -أولاً: يلزم المحتج بهذه الشبهة المتهافتة قبل كلِّ شيءٍ أن يثبت لنا بنصٍ صحيحٍ صريحٍ قطعي الدلالة أنَّ النجاشي لم يحكم بما أنزل الله بعد إسلامه.. فقد تتبعتُ أقاويلهم من أولها إلى أخرها.. فما وجدتُ في جعبتهم إلا استنباطات ومزاعم جوفاء لا يدعمُها دليلٌ صحيحٌ ولا برهانٌ صادقٌ، وقد قال تعالى: {قل هاتوا بُرهانكم إن كنتم صادقين} [البقرة: 111]. فإذا لم يأتوا بالبرهان على ذلك فليسوا من الصادقين بل هم من الكاذبين.. ولله ذر من قال :  والدعاوى ما لم يقيموا عليها *** بـينـات أصحابها أدعـياء..!!  - ثانياً: إنَّ مِن المسَلَّم به بيننا وبين خصومنا أنَّ النجاشي قد مات قبل اكتمال التشريع.. فهو مات قطعاً قبل نزول قوله تعالى: {اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكمُ الإسلام ديناً...} [المائدة: 3]. إذ نزلت هذه الآية في حَجة الوداع، والنجاشي مات قبل الفتح بكثير كما ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله وغيره.. فالحكمُ بما أنزل الله تعالى في حقه آنذاك؛ أن يحكم ويتبع ويعمل بما بلغه من الدين، لأن النذارة في مثل هذه الأبواب لابد فيها من بلوغ القرآن قال تعالى: {وأُوحِيَ إليَّ هذا القرآن لأُنذركم به ومن بلغ..} [الأنعام: 19]. ولم تكن وسائل النقل والاتصال في ذلك الزمان كحالها في هذا الزمان إذ كانت بعض الشرائع لا تصل للمرء إلا بعد سنين وربما لا يعلم بها إلا إذا شدَّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرحال... فالدينُ ما زال حديثاً والقرآنُ لا زال يتنزل والتشريعُ لم يكتمل... ويدل على ذلك دلالةً واضحة.. ما رواه البخاريُّ وغيره عن عبد الله بن مسعود أنه قال: «كنا نُسلِّم على النبيّ صلى الله عليه وسلم في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلَّمنا عليه، فلم يرد علينا، وقال: إنَّ في الصلاة شغلاً».. فإذا كان الصحابة الذين كانوا عند النجاشي بالحبشة مع العلم أنهم كانوا يعرفون العربية ويتتبعون أخبار النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يبلغهم نسخ الكلام والسلام في الصلاة مع أنَّ الصلاة أمرها ظاهر لأنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يُصلي بالنّاس خمسَ مراتٍ في اليوم والليلة... فكيف بسائر العبادات والتشريعات والحدود التي لا تتكرر كتكرر الصلاة؟؟. فهل يستطيع أحدٌ من هؤلاء الذين يدينون بشرك الديمقراطية اليوم أن يزعم أنه لم يبلغه القرآن والإسلام أو الدين حتى يَقيس باطله بحال النجاشي قبل اكتمال التشريع... ؟؟؟  - ثالثاً: إذا تقرر هذا فيجب أن يُعلم أنَّ النجاشي قد حكم بما بلغه مما أنزل الله تعالى، ومَنْ زعم خلافَ هذا، فلا سبيل إلى تصديقه وقبول قوله إلا ببرهان {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} [البقرة: 111].. وكلُّ ما يذكره المستدلون بقصته يدلُ على أنَّه كان حاكماً بما بلغه مما أنزله الله تعالى آنذاك...  1- فمما كان يجبُ عليه آنذاك من اتباع ما أنزل الله: «تحقيق التوحيد والإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبأنَّ عيسى عبدُ الله ورسوله»... وقد فعل. انظر ذلك فيما يستدل به القوم.. رسالته التي بعثها إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم.. ذكرها عمر سليمان الأشقر في كُتيّبه: «حكم المشاركة في الوزارة والمجالس النيابية».  2- وكذا بيعتَه للنبيّ صلى الله عليه وسلم والهجرة، ففي الرسالة المشار إليها آنفاً يذكر النجاشي: «أنه قد بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايع ابنٌ له جعفر وأصحابه وأسلم على يديه لله ربِّ العالمين، وفيها أنه بعثَ إليه بابنه أريحا بن الأصحم ابن أبجر، وقوله: إنْ شئتَ أن آتيك فعلتُ يا رسول الله فإنني أشهدُ أنَّ ما تقولُ حق». فلعلَّه مات بعد ذلك مباشرة، أو لعلَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يُرِدْ منه ذلك آنذاك... كلُّ هذه أمور غير ظاهرة ولا بينة في القصة فلا يحل الجزم بشيء منها والاستدلال به، فضلاً عن أن يُناطح به التوحيد وأصولُ الدين!!!.  3- وكذا نصرةُ النبيّ صلى الله عليه وسلم ودينه وأتباعه، فقد نصر النجاشي المهاجرين إليه وآواهم وحقّق لهم الأمن والحماية، ولم يخذلهم أو يُسلمهم لقريش، ولا ترك نصارى الحبشة يتعرضون لهم بسوء رغم أنهم كانوا قد أظهروا معتقدهم الحق في عيسى عليه السلام... بل ورد في الرسالة الأخرى التي بعثها إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم (وقد أوردها عمر الأشقر في كتابه المذكور صفحة 73) أنه بعث بابنه ومعه ستين رجلاً من أهل الحبشة إلى النبي صلى الله عليه وسلم... وكلُّ ذلك نصرةٌ له واتباعٌ وتأييد.. ومع هذا فقد تهوّر عمر الأشقر فجزم في كتابه المذكور (ص73) أنَّ النجاشي لم يحكم بشريعة الله وهذا كما عرفتَ كذبٌ وافتراءٌ على ذلك الموحِّد.. بل الحق أن يُقال إنه حكم بما بلغه مما أنزل الله آنذاك، ومن زعم خلافه فلا يُصدق إلا ببرهانٍ صحيحٍ قطعيّ الدلالة، وإلا كان من الكاذبين {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}. وهو لم يأتِ على دعواه هذه بدليلٍ صحيحٍ صريح، لكن تتبّع واحتطب من كتب التاريخ بليلٍ أموراً ظنها أدلة.. والتواريخ معروفٌ حالها... يقول القحطاني الأندلسي  - في نونيته:- لا تـقـبلـن من التــوارخ كـلـمـا * * * جـمـع الـرواة وخــط كـلَّ بـنـانِ اروِ الحديث المنتقى عن أهله * * * سيما ذوي الأحلام والأسنانِ فيقال له ولمن تابَعَه: «أثبتوا العرش ثم انقشوا»..  - رابعاً: إنَّ الصورة في قصة النجاشي لحاكم كان كافراً ثم أسلم حديثاً وهو في منصبه، فأظهر صدق إسلامه بالاستسلام الكامل لأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بأنْ يُرسل إليه ابنه وبرجال من قومه ويبعثُ معهم إليه يستأذنه بالهجرة إليه ويظهرُ نصرتَه ونصرةَ دينه وأتباعه، بل ويظهرُ البراءة مما يُناقضه من معتقده ومعتقد قومه وآبائه... ويُحاول أن يطلب الحق ويتعلم الدين وأن يُسدد ويُقارب إلى أن يلقى الله على هذه الحال وذلك قبل اكتمال التشريع وبلوغه إليه كاملاً... هذه هي الصورة الحقيقية الواردة في الأحاديث والآثار الصحيحة الثابتة في شأنه.. ونحن نتحدى مخالفينا في أن يثبتوا غيرها.. لكن بدليل صريحٍ صحيحٍ أما التواريخ فلا تُسمن ولا تُغني من جوع وحدها دون إسناد... أما الصورة المستدلّ لها والمقيسة عليه فهي صورةٌ خبيثةٌ مختلفةٌ كلَّ الاختلاف، إذ هي صورةُ فِئامٍ من النَّاس ينتسبون إلى الإسلام دون أن يتبرؤوا مما يُناقضه، بل ينتسبون إليه وإلى ما يُناقضه في الوقت نفسه ويفتخرون بذلك، فما تبرؤوا من دين الديمقراطية كما برِئ النجاشي من دين النصرانية، كلا.. بل ما فتِئُوا يمدحونها ويُثنون عليها ويسوّغونها للنَّاس ويدعونهم إلى الدخول في دينها الفاسد.. ويجعلون من أنفسهم أرباباً وآلهةً يُشرِّعون للنَّاس من الدين ما لم يأذن به الله.. بل ويُشاركون معهم في هذا التشريع الكفري الذي يتمُ وِفقاً لبنود الدستور الوضعي ومن يتواطأ معهم على دينهم الكفري من نواب أو وزراء أو غيرهم من الشعوب... ويُصِرُّون على هذا الشرك ويتشبثون به بل ويذمون من حاربه أو عارضه أو طعن فيه وسعى لهدمه... وهذا كلُّه بعد اكتمال الدين، وبلوغهم القرآن بل والسنَّة والآثار.. ------- فبالله عليك يا مُنصف كائناً من كُنتَ، أيصحُ أنْ تُقاس هذه الصورةُ الخبيثةُ المنتنةُ المظلمةُ مع ما جمعَتْهُ من الفوارق المتشعّبة.. بصورةِ رجلٍ حديث عهد بالإسلام يطلب الحق ويتحرى نُصرته قبل اكتمال التشريع وبُلوغه إليه كاملاً.. شتان شتان بين الصورتين والحالين... والله ما اجتمعا ولن يتلاقيا * * * حتى تشيبَ مفارقُ الغربانِ نعم قد يجتمعان ويستويان لكن ليس في ميزان الحق.. بل في ميزان المطففين ممن طمس الله على أبصارهم فدانوا بدين الديمقراطية المناقضِ للتوحيد والإسلام. {ويلٌ للمطففين. الذين إذا اكتالوا على النَّاس يستوفون. وإذا كالوهم أو وزنوهم يُخسرون. ألا يظن أُولئك أنهم مبعوثون. ليومٍ عظيم} [المطفّفين: 1-5]  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‎
وهذه شبهة كثير ما يوردها أهلُ الأهواء ودعاة التدرج كذا أفراخ المرجئة ومخانيث الجهمية فقالوا: إنَّ النجاشي لم يحكم بما أنزل الله تعالى بعد أن أسلم وبقي على ذلك إلى أن مات ومع هذا فقد سماه النبيّ صلى الله عليه وسلم عبداً صالحاً وصلى عليه وأمر أصحابه بالصلاة عليه ..

وسنرد عليها إن شاء الله..

-أولاً: يلزم المحتج بهذه الشبهة المتهافتة قبل كلِّ شيءٍ أن يثبت لنا بنصٍ صحيحٍ صريحٍ قطعي الدلالة أنَّ النجاشي لم يحكم بما أنزل الله بعد إسلامه.. فقد تتبعتُ أقاويلهم من أولها إلى أخرها.. فما وجدتُ في جعبتهم إلا استنباطات ومزاعم جوفاء لا يدعمُها دليلٌ صحيحٌ ولا برهانٌ صادقٌ، وقد قال تعالى: {قل هاتوا بُرهانكم إن كنتم صادقين} [البقرة: 111]. فإذا لم يأتوا بالبرهان على ذلك فليسوا من الصادقين بل هم من الكاذبين.. ولله ذر من قال :

والدعاوى ما لم يقيموا عليها *** بـينـات أصحابها أدعـياء..!!

- ثانياً: إنَّ مِن المسَلَّم به بيننا وبين خصومنا أنَّ النجاشي قد مات قبل اكتمال التشريع.. فهو مات قطعاً قبل نزول قوله تعالى: {اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكمُ الإسلام ديناً...} [المائدة: 3]. إذ نزلت هذه الآية في حَجة الوداع، والنجاشي مات قبل الفتح بكثير كما ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله وغيره.. فالحكمُ بما أنزل الله تعالى في حقه آنذاك؛ أن يحكم ويتبع ويعمل بما بلغه من الدين، لأن النذارة في مثل هذه الأبواب لابد فيها من بلوغ القرآن قال تعالى: {وأُوحِيَ إليَّ هذا القرآن لأُنذركم به ومن بلغ..} [الأنعام: 19]. ولم تكن وسائل النقل والاتصال في ذلك الزمان كحالها في هذا الزمان إذ كانت بعض الشرائع لا تصل للمرء إلا بعد سنين وربما لا يعلم بها إلا إذا شدَّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرحال... فالدينُ ما زال حديثاً والقرآنُ لا زال يتنزل والتشريعُ لم يكتمل... ويدل على ذلك دلالةً واضحة.. ما رواه البخاريُّ وغيره عن عبد الله بن مسعود أنه قال: «كنا نُسلِّم على النبيّ صلى الله عليه وسلم في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلَّمنا عليه، فلم يرد علينا، وقال: إنَّ في الصلاة شغلاً».. فإذا كان الصحابة الذين كانوا عند النجاشي بالحبشة مع العلم أنهم كانوا يعرفون العربية ويتتبعون أخبار النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يبلغهم نسخ الكلام والسلام في الصلاة مع أنَّ الصلاة أمرها ظاهر لأنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يُصلي بالنّاس خمسَ مراتٍ في اليوم والليلة... فكيف بسائر العبادات والتشريعات والحدود التي لا تتكرر كتكرر الصلاة؟؟. فهل يستطيع أحدٌ من هؤلاء الذين يدينون بشرك الديمقراطية اليوم أن يزعم أنه لم يبلغه القرآن والإسلام أو الدين حتى يَقيس باطله بحال النجاشي قبل اكتمال التشريع... ؟؟؟

- ثالثاً: إذا تقرر هذا فيجب أن يُعلم أنَّ النجاشي قد حكم بما بلغه مما أنزل الله تعالى، ومَنْ زعم خلافَ هذا، فلا سبيل إلى تصديقه وقبول قوله إلا ببرهان {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} [البقرة: 111].. وكلُّ ما يذكره المستدلون بقصته يدلُ على أنَّه كان حاكماً بما بلغه مما أنزله الله تعالى آنذاك...

1- فمما كان يجبُ عليه آنذاك من اتباع ما أنزل الله: «تحقيق التوحيد والإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبأنَّ عيسى عبدُ الله ورسوله»... وقد فعل. انظر ذلك فيما يستدل به القوم.. رسالته التي بعثها إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم.. ذكرها عمر سليمان الأشقر في كُتيّبه: «حكم المشاركة في الوزارة والمجالس النيابية».

2- وكذا بيعتَه للنبيّ صلى الله عليه وسلم والهجرة، ففي الرسالة المشار إليها آنفاً يذكر النجاشي: «أنه قد بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايع ابنٌ له جعفر وأصحابه وأسلم على يديه لله ربِّ العالمين، وفيها أنه بعثَ إليه بابنه أريحا بن الأصحم ابن أبجر، وقوله: إنْ شئتَ أن آتيك فعلتُ يا رسول الله فإنني أشهدُ أنَّ ما تقولُ حق». فلعلَّه مات بعد ذلك مباشرة، أو لعلَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يُرِدْ منه ذلك آنذاك... كلُّ هذه أمور غير ظاهرة ولا بينة في القصة فلا يحل الجزم بشيء منها والاستدلال به، فضلاً عن أن يُناطح به التوحيد وأصولُ الدين!!!.

3- وكذا نصرةُ النبيّ صلى الله عليه وسلم ودينه وأتباعه، فقد نصر النجاشي المهاجرين إليه وآواهم وحقّق لهم الأمن والحماية، ولم يخذلهم أو يُسلمهم لقريش، ولا ترك نصارى الحبشة يتعرضون لهم بسوء رغم أنهم كانوا قد أظهروا معتقدهم الحق في عيسى عليه السلام... بل ورد في الرسالة الأخرى التي بعثها إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم (وقد أوردها عمر الأشقر في كتابه المذكور صفحة 73) أنه بعث بابنه ومعه ستين رجلاً من أهل الحبشة إلى النبي صلى الله عليه وسلم... وكلُّ ذلك نصرةٌ له واتباعٌ وتأييد..
ومع هذا فقد تهوّر عمر الأشقر فجزم في كتابه المذكور (ص73) أنَّ النجاشي لم يحكم بشريعة الله وهذا كما عرفتَ كذبٌ وافتراءٌ على ذلك الموحِّد.. بل الحق أن يُقال إنه حكم بما بلغه مما أنزل الله آنذاك، ومن زعم خلافه فلا يُصدق إلا ببرهانٍ صحيحٍ قطعيّ الدلالة، وإلا كان من الكاذبين {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}. وهو لم يأتِ على دعواه هذه بدليلٍ صحيحٍ صريح، لكن تتبّع واحتطب من كتب التاريخ بليلٍ أموراً ظنها أدلة.. والتواريخ معروفٌ حالها...
يقول القحطاني الأندلسي - في نونيته:-
لا تـقـبلـن من التــوارخ كـلـمـا * * * جـمـع الـرواة وخــط كـلَّ بـنـانِ
اروِ الحديث المنتقى عن أهله * * * سيما ذوي الأحلام والأسنانِ
فيقال له ولمن تابَعَه: «أثبتوا العرش ثم انقشوا»..

- رابعاً: إنَّ الصورة في قصة النجاشي لحاكم كان كافراً ثم أسلم حديثاً وهو في منصبه، فأظهر صدق إسلامه بالاستسلام الكامل لأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بأنْ يُرسل إليه ابنه وبرجال من قومه ويبعثُ معهم إليه يستأذنه بالهجرة إليه ويظهرُ نصرتَه ونصرةَ دينه وأتباعه، بل ويظهرُ البراءة مما يُناقضه من معتقده ومعتقد قومه وآبائه... ويُحاول أن يطلب الحق ويتعلم الدين وأن يُسدد ويُقارب إلى أن يلقى الله على هذه الحال وذلك قبل اكتمال التشريع وبلوغه إليه كاملاً... هذه هي الصورة الحقيقية الواردة في الأحاديث والآثار الصحيحة الثابتة في شأنه.. ونحن نتحدى مخالفينا في أن يثبتوا غيرها.. لكن بدليل صريحٍ صحيحٍ أما التواريخ فلا تُسمن ولا تُغني من جوع وحدها دون إسناد...
أما الصورة المستدلّ لها والمقيسة عليه فهي صورةٌ خبيثةٌ مختلفةٌ كلَّ الاختلاف، إذ هي صورةُ فِئامٍ من النَّاس ينتسبون إلى الإسلام دون أن يتبرؤوا مما يُناقضه، بل ينتسبون إليه وإلى ما يُناقضه في الوقت نفسه ويفتخرون بذلك، فما تبرؤوا من دين الديمقراطية كما برِئ النجاشي من دين النصرانية، كلا.. بل ما فتِئُوا يمدحونها ويُثنون عليها ويسوّغونها للنَّاس ويدعونهم إلى الدخول في دينها الفاسد.. ويجعلون من أنفسهم أرباباً وآلهةً يُشرِّعون للنَّاس من الدين ما لم يأذن به الله.. بل ويُشاركون معهم في هذا التشريع الكفري الذي يتمُ وِفقاً لبنود الدستور الوضعي ومن يتواطأ معهم على دينهم الكفري من نواب أو وزراء أو غيرهم من الشعوب... ويُصِرُّون على هذا الشرك ويتشبثون به بل ويذمون من حاربه أو عارضه أو طعن فيه وسعى لهدمه... وهذا كلُّه بعد اكتمال الدين، وبلوغهم القرآن بل والسنَّة والآثار..
-------
فبالله عليك يا مُنصف كائناً من كُنتَ، أيصحُ أنْ تُقاس هذه الصورةُ الخبيثةُ المنتنةُ المظلمةُ مع ما جمعَتْهُ من الفوارق المتشعّبة.. بصورةِ رجلٍ حديث عهد بالإسلام يطلب الحق ويتحرى نُصرته قبل اكتمال التشريع وبُلوغه إليه كاملاً.. شتان شتان بين الصورتين والحالين...
والله ما اجتمعا ولن يتلاقيا * * * حتى تشيبَ مفارقُ الغربانِ
نعم قد يجتمعان ويستويان لكن ليس في ميزان الحق.. بل في ميزان المطففين ممن طمس الله على أبصارهم فدانوا بدين الديمقراطية المناقضِ للتوحيد والإسلام.
{ويلٌ للمطففين. الذين إذا اكتالوا على النَّاس يستوفون. وإذا كالوهم أو وزنوهم يُخسرون. ألا يظن أُولئك أنهم مبعوثون. ليومٍ عظيم} [المطفّفين: 1-

نقض شبهــة الاســتدلال بحديث حاطب

$
0
0


شبهة : أن حاطب رضي الله عنه ظاهر كفار مكة ومع ذلك لم يكفره النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا يدل على أن المظاهرة ومناصرة الكفار ليست كفراً !!!.

والجواب عن هذه الشبهة:
_______________

أنه لا يحتج مبطل على باطله بدليل من الكتاب أو السنة إلا وكان في ذلك الدليل ما ينقض باطله ويبين فساده – كما ذكر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله – وسنذكر ما يدل على نقيض مرادهم من هذا الدليل نفسه، ويتبين هذا من وجوه:

الوجه الأول:
------------
أن هذا الدليل من أصرح الأدلة على كفر المظاهر وارتداده عن دين الإسلام، وهذا يظهر من ثلاثة أمور في هذا الحديث:

الأمر الأول: قول عمر في هذا الحديث: دعني أضرب هذا المنافق، وفي رواية: فقد كفر، وفي رواية: بعد أن قال الرسول صلى الله عليه وسلم: أوليس قد شهد بدراً ؟. قال عمر: بلى ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك.
فهذا يدل على أن المتقرر عند عمر رضي الله عنه والصحابة أن مظاهرة الكفار وإعانتهم كفر وردة عن الإسلام، ولم يقل هذا الكلام إلا لما رأى أمراً ظاهره الكفر.

الأمر الثاني: إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لما فهمه عمر، ولم ينكر عليه تكفيره إياه، وإنما ذكر عذر حاطب.

الأمر الثالث: أن حاطباً رضي الله عنه قال: وما فعلت ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام. وهذا يدل على أنه قد تقرّر لديه أيضاً أن مظاهرة الكفار (كفر وردة ورضا بالكفر)، وإنما ذكر حقيقة فعله.

الوجه الثاني:
------------
أن حاطباً رضي الله عنه إنما أعان الرسول صلى الله عليه وسلم على أعدائه، وناصره بنفسه، وماله، ولسانه، ورأيه، في جميع غزواته، وشهد معه بدراً، والحديبية، وأهلها في الجنة قطعاً، وأعان الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة أيضاً; فقد خرج فيها غازياً مع المسلمين بنفسه وماله لحرب المشركين، ولم تقع منه مناصرة للكفار على المسلمين مطلقاً; لا بنفس، ولا مال، ولا لسان، ولا رأي، وله من السوابق ما عرفه كل مطلع.
ومع هذا كله:
فإنه لما كاتب المشركين يخبرهم بخروج النبي صلى الله عليه وسلم - ولم يكن ذلك منه مظاهرة لهم ولا مناصرة; لأنه سيقاتلهم بنفسه مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد تيقن من الانتصار – فقد اتهمه عمر بالنفاق، وسأله الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ونفى هو عن نفسه الكفر والردة، ونزل فيه قرآناً يتلى إلى يوم القيامة وهو قوله تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ…الآيات)) (الممتحنة:1).
وهذا من أعظم الدلائل على أن من ناصر الكفار بنفسه أو بماله أو بلسانه أو برأيه ونحو ذلك فقد ارتد عن دين الإسلام والعياذ بالله.

الوجه الثالث:
-------------
أن رسالة حاطب رضي الله عنه لكفار مكة ليست من المظاهرة والإعانة لهم على المسلمين في شيء، فقد روى بعض أهل المغازي كما في (الفتح 7/520) أن لفظ الكتاب: (أما بعد، يا معشر قريش، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءكم بجيش كالليل، يسير كالسيل، فوالله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز له وعده، فانظروا لأنفسكم والسلام). وليس في هذا ما يفهم منه أنه مظاهرة ومناصرة لهم، بل هو قد عصى الرسول صلى الله عليه وسلم بكتابته لهم، وهي معصية كبيرة كفرتها عنه سوابقه.

الوجه الرابع:
------------
أن فعل حاطب رضي الله عنه اختلف فيه هل هو كفر أو لا ؟.
فإن قيل هو كفر: فهذا دليل على أن إفادة الكفار بمثل هذا الأمر اليسير كفر، فهو تنبيه على أن ما فوقه من المناصرة بالنفس أو المال أو غير ذلك كفر من باب أولى.

وإن قيل ليس بكفر: فإنما يكون هكذا لأنه في حقيقة فعله ليس مناصراً للكفار ولا مظاهراً لهم على المسلمين، ومع هذا فهو بريد للكفر وطريق إليه مع عدم وجود صورة المناصرة للكفار لما سبق في الوجه الأول، فلا يستدل بهذه الصورة على مسألتنا هذه، ولا تقدح في هذا الأصل.

الوجه الخامس:
---------------
أن حاطباً رضي الله عنه إنما فعل ذلك متأولاً أن كتابه لن يضر المسلمين، وأن الله ناصر دينه ونبيه حتى وإن علم المشركون بمخرجه إليهم، وقد جاء في بعض ألفاظ الحديث أن حاطباً قال معتذراً (قد علمت أن الله مظهر رسوله ومتم له أمره).
وقد أخرج البخاري رحمه الله قصة حاطب في كتاب (استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم) في (باب ما جاء في المتأولين).
وقد قال الحافظ في (الفتح 8/634): ”وعذر حاطب ما ذكره، فإنه صنع ذلك متأولاً ألاّ ضرر فيه").
ففرق كبير بين ما فعله وهو موقن بأن الكفار لن ينتفعوا من كتابه في حربهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين من ظاهرهم وأعانهم بما ينفعهم في حربهم على الإسلام وأهله !!.

الوجه السادس:
-------------
أن يقال للمستدل بهذا الحديث على عدم كفر المظاهر:
هل هذا الحديث يدل على أن جميع صور مظاهرة الكفار ومناصرتهم ليست كفراً وردة ؟.

فإن قال: نعم، فقد خرق الإجماع، ولا سلف له، فلا كلام معه.
وإن قال: لا.
فيقال: فما الصور التي يكفر بها المظاهر للكفار.
فأي صورة يذكرها يقدح فيها بحديث حاطب هذا، وأي جواب له على هذا القدح، فهو جوابنا عليه هنا.
فإذا كان هذا قد يظن في مثل صورة عمل حاطب رضي الله عنه مع أنه قد خرج غازياً مع الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه وماله مناصراً له ومظاهراً له على أعدائه المشركين، ولم يظاهر الكفار ولم ينصرهم بنفس ولا مال، ولكن احتمل عمله هذا فقيل فيه ما قيل، فكيف بمن ظاهر الكفار فعلاً وظاهرهم وأعانهم على المسلمين، لا شك أنه أولى بالأحكام المذكورة في هذا الحديث.
__________

-الاجمـــــاع
-------------
-قال ابن حزم في المحلى (11/138): ”صح أن قوله تعالى ((وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)) إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين“.

-قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمهم الله: (الدرر 8/326) – بعد كلام له عن وجوب معاداة الكفار والبراءة منهم:- ”فكيف بمن أعانهم، أو جرهم على بلاد أهل الإسلام، أو أثنى عليهم، أو فضلهم بالعدل على أهل الإسلام، واختار ديارهم ومساكنتهم وولايتهم وأحب ظهورهم، فإن هذا ردة صريحة بالاتفاق ،
قال الله تعالى ((وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ))“.

-وقال الشيخ عبد الله بن حميد (الدرر 15/479): ”وأما التولي: فهو إكرامهم، والثناء عليهم، والنصرة لهم والمعاونة على المسلمين، والمعاشرة، وعدم البراءة منهم ظاهراً، فهذا ردة من فاعله، يجب أن تجرى عليه أحكام المرتدين، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة المقتدى بهم“.

هل أقمت عليه الحجــة ؟ يبادر مرجئة العصر أي رجل سمعوه يكفر أي كافر بقولهم المشهور المنشور: هل أقمت عليه الحجة ؟!

$
0
0
Photo: ‎شبهــات وردود  ـــــــــــــــــــــ  هل أقمت عليه الحجــة ؟               يبادر مرجئة العصر أي رجل سمعوه يكفر أي كافر بقولهم المشهور المنشور: هل أقمت عليه الحجة ؟! ______________________  فنقول :   أولاً : من الذي يُقيم الحجة ؟ أهو المفتي والقاضي فحسب أم هو المسلم العالم بالأمر الذي سيتكلم فيه : لا شك ولا ريب أنه المسلم الذي يعلم ما يتكلم فيه، وقد قال الأصوليون : " من علم حجة على من لم يعلم " . قال من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع التي حضرها بشر كثير : ( ليبلغ الشاهد الغائب ) فلنا أن نسأل هنا سؤال: هل كل من حضر هذه الخطبة من المفتين والقضاة ؟ وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم  ( بلغوا عني ولو آية ) [ أخرجه البخاري ] وقال أيضاً : ( نضر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه ) [ أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم )فبهذه الأحاديث وغيرها الكثير، يتضح للمسلم اللبيب أنه لا يشترط في الذي يقيم الحجة أن يكون كأحمد بن حنبل أو كأحمد ابن تيمية !  قال الإمام عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين في معرض كلامه في الرد على الأخ إبراهيم بن عجلان في بعض هفواته فقال : وقولك : حتى تقوم عليه الحجة الإسلامية من إمام أو نائبه، معناه أن الحجة الإسلامية لا تقبل إلا من إمام أو نائبه، وهذا خطأ فاحش، لم يقله أحد من العلماء، بل الواجب على كل أحد قبول الحق، ممن قاله كائناً من كان . أهـ [ الدرر السنية 10/ 394 ]  أيها القارئ لك أن تتصور كم ابن عجلان في هذه الأزمان، والله المستعان .  ثانياً : إن قيام الحجة غير فهمها، بل لا يلزم فهم الحجة وإنما اللازم بلوغ الحجة: قال الله تعالى : ( ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنةً أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً وإن يروا كل آيةٍ لا يُؤمنوا بها ) [ الأنعام : 25 ] وقال تعالى( إنا جعلنا على قُلوبِهم أكنةً أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبدا ) [ الكهف : 57 ] ومعلوم أن الفقه هو الفهم . قال قتادة : يسمعون بآذانهم ولا يعون منه شيئاً كمثل البهيمة التي تسمع النداء ولا تدري ما يقال لها . أهـ   وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب مفتاح دار السعادة في قوله تعالى :  ( وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كُنا في أصحاب الجحيم  ) : فهذا السمع المنفي عنهم سمع الفهم والفقه ، وقوله تعالى : ( ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم  ) أي لأفهمهم ، والسمع هنا سمع فهم ، وإلاَّ فسمع الصوت حاصل لهم ، وبه قامت حجة الله عليهم.أهـ [ 1/81 ]  قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : ولكن أصل الإشكال أنكم لم تُفرقوا بين قيام الحجة وبين فهم الحُجة ، فإن أكثر الكُفار والمُنافقين من المسلمين لم يفهموا حُجة الله مع قيامها عليهم ، كما قال تعالى : ( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلاَّ كالأنعام بل هم أضل سبيلا ) [ الفرقان : 44 ] . وقيام الحجة نوع وبلوغها نوع وقد قامت عليهم ، وفهمهم إياها نوع آخر ، وكفرهم ببلوغها إياهم وإن لم يفهموها ، إن أشكل عليكم ذلك فانظروا قوله صلى الله عليه وسلم في الخوارج : ( أينما لقيتموهم فاقتلوهم ) وقوله : ( شر قتلى تحت أديم السماء ) مع كونهم في عصر الصحابة ، ويحقر الإنسان عمل الصحابة معهم ، ومع إجماع الناس : أن الذي أخرجهم من الدين هو التشدد والغلو والاجتهاد ، وهم يظنون أنهم يُطيعون الله وقد بلغتهم الحجة ولكن لم يفهموها.أهـ [ الدرر السنية 10/93 ]  وقال الشيخ سليمان بن سحمان في كشف الشبهتين ص 91 : قال شيخنا الشيخ عبد اللطيف رحمه الله : وينبغي أن يُعلم الفرق بين قيام الحُجة وفهم الحُجة ، فإن من بلغته دعوة الرُسل فقد قامت عليه الحجة إذا كان على وجه يمكن معه العلم ، ولا يُشترط في قيام الحجة أن يفهم عن الله ورسوله ما يفهمه أهل الإيمان والقبول والانقياد لما جاء به الرسول .  فأفهم هذا يكشف عنك شُبُهات كثيرة في مسألة قيام الحجة ، قال الله تعالى : ( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلاَّ كالأنعام بل هم أضل سبيلا ) [ الفرقان : 44 ] وقال تعالى : ( وختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غِشاوة ولهم عذابٌ عظيم  ) [ البقرة : 7 ] ، انتهى   قلت : ومعنى قوله رحمه الله تعالى: إذا كان على وجه يمكن معه العلم ، فمعناه : أن لا يكون عديم العقل والتمييز كالصغير والمجنون ، أو يكون ممن لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يُترجم له ، ونحو هؤلاء ، فمن بلغته رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبلغه القرآن فقد قامت عليه الحُجة . أهـ   وقال المشائخ عبد الله وإبراهيم أبناء الشيخ عبد اللطيف وسليمان بن سحمان : وأما قوله : - أي أحد المجادلين عن المشركين  - وهؤلاء ما فهموا الحجة ؛ فهذا مما يدل على جهله   ، وأنه لم يُفرق بين فهم الحجة وبلوغ الحجة ، ففهمها نوع وبلوغها نوع آخر، فقد تقوم الحجة على من لم يفهمها . أهـ [ الدرر السنية 10/433 ]  وقال الشيخ محمد بن ناصر بن معمر في كتاب النبذة الشريفة النفيسة : فكل من بلغه القرآن فليس بمعذور فإن الأصول الكبار التي هي أصل دين الإسلام قد بينها الله ووضحها وأقام بها الحجة على عباده ، وليس المراد بقيام الحجة أن يفهمها الإنسان فهماً جلياً كما يفهمها من هداه الله ووفقه وانقاد لأمره ، فإن الكفار قد قامت عليهم حجة الله مع إخباره بأنه جعل على قلوبهم أكنةً أن يفقهوا كلامه ، فقال : ( وجعلنا على قلوبهم أكنةً أن يفقهوه وفي آذنهم وقراً ) [ الأنعام : 25 ] …  والآيات في هذا المعنى كثيرة ، يخبر سبحانه أنهم لم يفهموا القرآن ولم يفقهوه وأنه عاقبهم بجعل الأكنة على قلوبهم والوقر في آذانهم وأنه ختم على قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم ، فلم يعذرهم مع هذا كله بل حكم بكفرهم . أهـ   وهنا نسأل مرجئة العصر ومن لف لفهم عن فاعل الكفر ورؤوس الطواغيت الذين يجادلون عنهم ويمارون دون تكفيرهم : هل بلغهم القرآن أم لم يبلغهم ؟ ثالثاً : هل تقام الحجة في المسائل الواضحات   قال الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم إلى الإخوان ، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد : ما ذكرتم من قول الشيخ : كل من جحد كذا وكذا ، وقامت عليه الحجة ؛ وأنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم هل قامت عليهم الحجة ، فهذا من العجب ، كيف تشكون في هذا وقد أوضحته لكم مراراً ؟! فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام والذي نشأ ببادية بعيدة ، أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف فلا يُكفَّر حتى يُعرَّف ، وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه فإن حُجة الله هي القرآن ، فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحُجة . أهـ [ الدرر السنية 10/93 ]  وقال الشيخ عبد الله أبا بطين : معلقاً على قول ابن تيميه في معرض ردّه على الذي يدعي أن شيخ الإسلام ابن تيميه وابن القيم يقولان أن من فعل هذه الأشياء ـ أي الشرك ـ لا يُطلق عليه أنه كافر مُشرك حتى تقوم عليه الحُجة ، قال : إن من فعل شيئاً من هذه الأمور الشركية لا يُطلق عليه أنه كافر مشرك حتى تقوم عليه الحجة الإسلامية فهو لم يقل ذلك في الشرك الأكبر وعبادة غير الله ونحوه من الكفر ، وإنما قال هذا في المقالات الخفية كما قدمنا من قوله : وهذا إذا كان في المقالات الخفية فقد يُقال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها . فلم يجزم بعدم كفره وإنما قد يُقال ، لكن يقع ذلك في طوائف منهم في أمور  يعلم العامة والخاصة بل اليهود والنصارى يعلمون أن محمداً بُعث بها وكفَّر من خالفها من عبادة الله وحده لا شريك له ونهيه عن عبادة غيره فإن هذا أظهر شعائر الإسلام . ومثل أمره بالصلوات الخمس، ومثل معاداة المشركين وأهل الكتاب، ومثل تحريم الفواحش والربا والميسر ..  يعني فهذا لا يمكن أن يُقال لم تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها . أهـ [ مجموعة الرسائل والمسائل النجدية ج 4  القسم الثاني ص 474 ، 475 ] ______________  والقول ( بأن فاعل الشرك الأكبر لا يكفر إلا بعد البيان ) إن كان حقاً وصدقاً وقاعدة في صلب هذه الشريعة الغرَّاء، لكان مقتضى ذلك أن يكون عليها العمل في تطبيقاتها الجزئية. فإذا خرجت التطبيقات الجزئية عن مقتضى هذا العموم سقط ادعاء كون ذلك قاعدة في العمل وسقط ادعاء صدق القول بها؛ وذلك كالحال الذي ادعاه اليهود في مواجهة القرآن الكريم، وكيف ردَّ الله تعالى عليهم بما يسقط ادعاءهم ويثبت كذبه، وذلك في وقوله تعالى:  " وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ اللّهُ عَلَىَ بَشَرٍ مّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىَ نُوراً وَهُدًى لّلنّاسِ " الأنعام:91  فادعاؤهم الكاذب بأن:" مَآ أَنزَلَ اللّهُ عَلَىَ بَشَرٍ مّن شَيْءٍ " سقط بإثبات قضية جزئية يعلمون صدقها وإيمانهم بها، وذلك حين رد عليهم فقال: " قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىَ" وهي التوراة، وقد كانوا يؤمنون بها. قال ابن كثير رحمه الله: سلبهم العام بإثبات قضية جزئية موجبة ( مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىَ )وهو التوراة الذي قد علمتم وكل أحد علم أن الله قد أنزلها على موسي ابن عمران نوراً وهدي للناس أ.هـ.  فهكذا كل من ادَّعى قاعدة في أي أمر من الأمور، وادَّعى فيها ما يدعي:  - إذا لم يأت عليها بالدليل الصادق.  - وإذا لم تنقاد لها قضاياها الجزئية.  كان ذلك من الدليل القاطع للخصومة بأن هذا القول لا هو أصل ولا هو قاعدة.  وهذا القول أو الادعاء بأن: ( فاعل الكفر أو الشرك الأكبر لا يحكم بكفره إلا بعد البيان ).  يلزم للقول بصدقه وادعاء التقعيد له أو اعتباره حاكما على أفعال وأقوال الشرك الأكبر أن يتأيد ذلك بالدليل الصريح الواضح من نصوص القرآن والسنة، وهو ما يعجز عنه أصحاب هذا القول يقيناً، وغاية ما لديهم أقوال لبعض العلماء قد وضعوها في غير مواضعها لتعلقها بأصحاب الكبائر العملية من زنا أو سرقة أو خلافه، أو بأصحاب الكبائر الاعتقادية البدعية لأهل البدع والأهواء، وحيث قد عُلم أن أحد أصول أهل السنة الكبار ( أنا لا نكفر المعين منهم إلا باستحلال ما جنت يداه من معاص) ، ( وأن البدع العقائدية من جنس هذه الذنوب والمعاصي ) وصاحب البدعة الاعتقادية قد دخل في حكم هذا الأصل الكبير من أصول أهل الإيمان من أنه لا يكفر إلا باستحلال ما دخل فيه، ولا يعلم ذلك عنه إلا بالبيان، ولذا قيل عن أهل الكبائر الاعتقادية أن الفعل كفر والفاعل لا يكفر إلا بعد البيان الذي يثبت به استحلاله لهذه الكبيرة، وهو أمر غير مجمع عليه عند علماء السنة؛ حيث أن كثير من أهل السنة لا تكفر صاحب البدعة المخطئ لا قبل البيان ولا بعده كالإمام الخطابي، وكما صرح بذلك الإمام البغوى في شرح السنة، وغيره كثير.  فسوء الفهم عن الله وعن الرسول وعن علماء الأمة والسلف الصالح هو أصل كل ضلالة نشأت على أيدي أدعياء العلم فنسأل الله تعالى العفو والعافية. ومن جانب آخر: أن القضايا الكلية والجزئية الكثيرة والعديدة بما لا يحصى والمنصوص عليها بنصوص الذكر الحكيم وسنة سيد المرسلين وقضايا الخلفاء الراشدين والصحابة الكرام الطيبين والأئمة الأعلام، بخلاف هذا الذي ادعوا فيه مثل هذه القاعدة، بل قد قطعت بأن مرتكب الشرك الأكبر يكفر بمجرده، بل ولعله لا يشعر بكفره إذا لم يشعر بخطورة فعله، وهو ما ذكره السلف في تفسير قوله تعالى:  " يَـَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنّصَارَىَ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلّهُمْ مّنكُمْ فَإِنّهُ مِنْهُمْ إِنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ " المائدة:51. قال القرطبي رحمة الله في ذلك: " وَمَن يَتَوَلّهُمْ مّنكُمْ فَإِنّهُ مِنْهُمْ " أي هو مشرك مثلهم؛ لأن من رضي بالشرك فهو مشرك أ.هـ‎
شبهــات وردود
ـــــــــــــــــــــ

هل أقمت عليه الحجــة ؟

يبادر مرجئة العصر أي رجل سمعوه يكفر أي كافر بقولهم المشهور المنشور: هل أقمت عليه الحجة ؟!
______________________

فنقول :

أولاً : من الذي يُقيم الحجة ؟ أهو المفتي والقاضي فحسب أم هو المسلم العالم بالأمر الذي سيتكلم فيه :
لا شك ولا ريب أنه المسلم الذي يعلم ما يتكلم فيه، وقد قال الأصوليون : "من علم حجة على من لم يعلم " .
قال من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع التي حضرها بشر كثير : ( ليبلغ الشاهد الغائب ) فلنا أن نسأل هنا سؤال: هل كل من حضر هذه الخطبة من المفتين والقضاة ؟
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم ( بلغوا عني ولو آية ) [ أخرجه البخاري ]
وقال أيضاً : ( نضر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه ) [ أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم )فبهذه الأحاديث وغيرها الكثير، يتضح للمسلم اللبيب أنه لا يشترط في الذي يقيم الحجة أن يكون كأحمد بن حنبل أو كأحمد ابن تيمية !

قال الإمام عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين في معرض كلامه في الرد على الأخ إبراهيم بن عجلان في بعض هفواته فقال : وقولك : حتى تقوم عليه الحجة الإسلامية من إمام أو نائبه، معناه أن الحجة الإسلامية لا تقبل إلا من إمام أو نائبه، وهذا خطأ فاحش، لم يقله أحد من العلماء، بل الواجب على كل أحد قبول الحق، ممن قاله كائناً من كان . أهـ [ الدرر السنية 10/ 394 ]

أيها القارئ لك أن تتصور كم ابن عجلان في هذه الأزمان، والله المستعان .

ثانياً : إن قيام الحجة غير فهمها، بل لا يلزم فهم الحجة وإنما اللازم بلوغ الحجة:
قال الله تعالى : ( ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنةً أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً وإن يروا كل آيةٍ لا يُؤمنوا بها ) [ الأنعام : 25 ]
وقال تعالى( إنا جعلنا على قُلوبِهم أكنةً أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبدا ) [ الكهف : 57 ] ومعلوم أن الفقه هو الفهم . قال قتادة : يسمعون بآذانهم ولا يعون منه شيئاً كمثل البهيمة التي تسمع النداء ولا تدري ما يقال لها . أهـ

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب مفتاح دار السعادة في قوله تعالى : ( وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كُنا في أصحاب الجحيم ) : فهذا السمع المنفي عنهم سمع الفهم والفقه ، وقوله تعالى : ( ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ) أي لأفهمهم ، والسمع هنا سمع فهم ، وإلاَّ فسمع الصوت حاصل لهم ، وبه قامت حجة الله عليهم.أهـ [ 1/81 ]

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : ولكن أصل الإشكال أنكم لم تُفرقوا بين قيام الحجة وبين فهم الحُجة ، فإن أكثر الكُفار والمُنافقين من المسلمين لم يفهموا حُجة الله مع قيامها عليهم ، كما قال تعالى : ( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلاَّ كالأنعام بل هم أضل سبيلا ) [ الفرقان : 44 ] .
وقيام الحجة نوع وبلوغها نوع وقد قامت عليهم ، وفهمهم إياها نوع آخر ، وكفرهم ببلوغها إياهم وإن لم يفهموها ، إن أشكل عليكم ذلك فانظروا قوله صلى الله عليه وسلم في الخوارج : ( أينما لقيتموهم فاقتلوهم ) وقوله : ( شر قتلى تحت أديم السماء ) مع كونهم في عصر الصحابة ، ويحقر الإنسان عمل الصحابة معهم ، ومع إجماع الناس : أن الذي أخرجهم من الدين هو التشدد والغلو والاجتهاد ، وهم يظنون أنهم يُطيعون الله وقد بلغتهم الحجة ولكن لم يفهموها.أهـ [ الدرر السنية 10/93 ]

وقال الشيخ سليمان بن سحمان في كشف الشبهتين ص 91 : قال شيخنا الشيخ عبد اللطيف رحمه الله : وينبغي أن يُعلم الفرق بين قيام الحُجة وفهم الحُجة ، فإن من بلغته دعوة الرُسل فقد قامت عليه الحجة إذا كان على وجه يمكن معه العلم ، ولا يُشترط في قيام الحجة أن يفهم عن الله ورسوله ما يفهمه أهل الإيمان والقبول والانقياد لما جاء به الرسول .

فأفهم هذا يكشف عنك شُبُهات كثيرة في مسألة قيام الحجة ، قال الله تعالى : ( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلاَّ كالأنعام بل هم أضل سبيلا ) [ الفرقان : 44 ] وقال تعالى : ( وختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غِشاوة ولهم عذابٌ عظيم ) [ البقرة : 7 ] ، انتهى

قلت : ومعنى قوله رحمه الله تعالى: إذا كان على وجه يمكن معه العلم ، فمعناه : أن لا يكون عديم العقل والتمييز كالصغير والمجنون ، أو يكون ممن لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يُترجم له ، ونحو هؤلاء ، فمن بلغته رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبلغه القرآن فقد قامت عليه الحُجة . أهـ

وقال المشائخ عبد الله وإبراهيم أبناء الشيخ عبد اللطيف وسليمان بن سحمان : وأما قوله : - أي أحد المجادلين عن المشركين - وهؤلاء ما فهموا الحجة ؛ فهذا مما يدل على جهله ، وأنه لم يُفرق بين فهم الحجة وبلوغ الحجة ، ففهمها نوع وبلوغها نوع آخر، فقد تقوم الحجة على من لم يفهمها . أهـ [ الدرر السنية 10/433 ]

وقال الشيخ محمد بن ناصر بن معمر في كتاب النبذة الشريفة النفيسة : فكل من بلغه القرآن فليس بمعذور فإن الأصول الكبار التي هي أصل دين الإسلام قد بينها الله ووضحها وأقام بها الحجة على عباده ، وليس المراد بقيام الحجة أن يفهمها الإنسان فهماً جلياً كما يفهمها من هداه الله ووفقه وانقاد لأمره ، فإن الكفار قد قامت عليهم حجة الله مع إخباره بأنه جعل على قلوبهم أكنةً أن يفقهوا كلامه ، فقال : ( وجعلنا على قلوبهم أكنةً أن يفقهوه وفي آذنهم وقراً ) [ الأنعام : 25 ] …

والآيات في هذا المعنى كثيرة ، يخبر سبحانه أنهم لم يفهموا القرآن ولم يفقهوه وأنه عاقبهم بجعل الأكنة على قلوبهم والوقر في آذانهم وأنه ختم على قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم ، فلم يعذرهم مع هذا كله بل حكم بكفرهم . أهـ

وهنا نسأل مرجئة العصر ومن لف لفهم عن فاعل الكفر ورؤوس الطواغيت الذين يجادلون عنهم ويمارون دون تكفيرهم : هل بلغهم القرآن أم لم يبلغهم ؟
ثالثاً : هل تقام الحجة في المسائل الواضحات

قال الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى الإخوان ، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد : ما ذكرتم من قول الشيخ : كل من جحد كذا وكذا ، وقامت عليه الحجة ؛ وأنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم هل قامت عليهم الحجة ، فهذا من العجب ، كيف تشكون في هذا وقد أوضحته لكم مراراً ؟! فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام والذي نشأ ببادية بعيدة ، أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف فلا يُكفَّر حتى يُعرَّف ، وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه فإن حُجة الله هي القرآن ، فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحُجة . أهـ [ الدرر السنية 10/93 ]

وقال الشيخ عبد الله أبا بطين : معلقاً على قول ابن تيميه في معرض ردّه على الذي يدعي أن شيخ الإسلام ابن تيميه وابن القيم يقولان أن من فعل هذه الأشياء ـ أي الشرك ـ لا يُطلق عليه أنه كافر مُشرك حتى تقوم عليه الحُجة ، قال : إن من فعل شيئاً من هذه الأمور الشركية لا يُطلق عليه أنه كافر مشرك حتى تقوم عليه الحجة الإسلامية فهو لم يقل ذلك في الشرك الأكبر وعبادة غير الله ونحوه من الكفر ، وإنما قال هذا في المقالات الخفية كما قدمنا من قوله : وهذا إذا كان في المقالات الخفية فقد يُقال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها .
فلم يجزم بعدم كفره وإنما قد يُقال ، لكن يقع ذلك في طوائف منهم في أمور يعلم العامة والخاصة بل اليهود والنصارى يعلمون أن محمداً بُعث بها وكفَّر من خالفها من عبادة الله وحده لا شريك له ونهيه عن عبادة غيره فإن هذا أظهر شعائر الإسلام . ومثل أمره بالصلوات الخمس، ومثل معاداة المشركين وأهل الكتاب، ومثل تحريم الفواحش والربا والميسر ..

يعني فهذا لا يمكن أن يُقال لم تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها . أهـ [ مجموعة الرسائل والمسائل النجدية ج 4 القسم الثاني ص 474 ، 475 ]
______________

والقول ( بأن فاعل الشرك الأكبر لا يكفر إلا بعد البيان ) إن كان حقاً وصدقاً وقاعدة في صلب هذه الشريعة الغرَّاء، لكان مقتضى ذلك أن يكون عليها العمل في تطبيقاتها الجزئية. فإذا خرجت التطبيقات الجزئية عن مقتضى هذا العموم سقط ادعاء كون ذلك قاعدة في العمل وسقط ادعاء صدق القول بها؛ وذلك كالحال الذي ادعاه اليهود في مواجهة القرآن الكريم، وكيف ردَّ الله تعالى عليهم بما يسقط ادعاءهم ويثبت كذبه، وذلك في وقوله تعالى:
"وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ اللّهُ عَلَىَ بَشَرٍ مّن شَيْءٍ
قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىَ نُوراً وَهُدًى لّلنّاسِ "الأنعام:91

فادعاؤهم الكاذب بأن:"مَآ أَنزَلَ اللّهُ عَلَىَ بَشَرٍ مّن شَيْءٍ "سقط بإثبات قضية جزئية يعلمون صدقها وإيمانهم بها، وذلك حين رد عليهم فقال: "قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىَ"وهي التوراة، وقد كانوا يؤمنون بها.
قال ابن كثير رحمه الله: سلبهم العام بإثبات قضية جزئية موجبة ( مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىَ )وهو التوراة الذي قد علمتم وكل أحد علم أن الله قد أنزلها على موسي ابن عمران نوراً وهدي للناس أ.هـ.
فهكذا كل من ادَّعى قاعدة في أي أمر من الأمور، وادَّعى فيها ما يدعي:
- إذا لم يأت عليها بالدليل الصادق.
- وإذا لم تنقاد لها قضاياها الجزئية.
كان ذلك من الدليل القاطع للخصومة بأن هذا القول لا هو أصل ولا هو قاعدة.
وهذا القول أو الادعاء بأن: ( فاعل الكفر أو الشرك الأكبر لا يحكم بكفره إلا بعد البيان ).
يلزم للقول بصدقه وادعاء التقعيد له أو اعتباره حاكما على أفعال وأقوال الشرك الأكبر أن يتأيد ذلك بالدليل الصريح الواضح من نصوص القرآن والسنة، وهو ما يعجز عنه أصحاب هذا القول يقيناً، وغاية ما لديهم أقوال لبعض العلماء قد وضعوها في غير مواضعها لتعلقها بأصحاب الكبائر العملية من زنا أو سرقة أو خلافه، أو بأصحاب الكبائر الاعتقادية البدعية لأهل البدع والأهواء، وحيث قد عُلم أن أحد أصول أهل السنة الكبار ( أنا لا نكفر المعين منهم إلا باستحلال ما جنت يداه من معاص) ، ( وأن البدع العقائدية من جنس هذه الذنوب والمعاصي ) وصاحب البدعة الاعتقادية قد دخل في حكم هذا الأصل الكبير من أصول أهل الإيمان من أنه لا يكفر إلا باستحلال ما دخل فيه، ولا يعلم ذلك عنه إلا بالبيان، ولذا قيل عن أهل الكبائر الاعتقادية أن الفعل كفر والفاعل لا يكفر إلا بعد البيان الذي يثبت به استحلاله لهذه الكبيرة، وهو أمر غير مجمع عليه عند علماء السنة؛ حيث أن كثير من أهل السنة لا تكفر صاحب البدعة المخطئ لا قبل البيان ولا بعده كالإمام الخطابي، وكما صرح بذلك الإمام البغوى في شرح السنة، وغيره كثير.
فسوء الفهم عن الله وعن الرسول وعن علماء الأمة والسلف الصالح هو أصل كل ضلالة نشأت على أيدي أدعياء العلم فنسأل الله تعالى العفو والعافية.
ومن جانب آخر: أن القضايا الكلية والجزئية الكثيرة والعديدة بما لا يحصى والمنصوص عليها بنصوص الذكر الحكيم وسنة سيد المرسلين وقضايا الخلفاء الراشدين والصحابة الكرام الطيبين والأئمة الأعلام، بخلاف هذا الذي ادعوا فيه مثل هذه القاعدة، بل قد قطعت بأن مرتكب الشرك الأكبر يكفر بمجرده، بل ولعله لا يشعر بكفره إذا لم يشعر بخطورة فعله، وهو ما ذكره السلف في تفسير قوله تعالى:
"يَـَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنّصَارَىَ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ
وَمَن يَتَوَلّهُمْ مّنكُمْ فَإِنّهُ مِنْهُمْ إِنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ "المائدة:51.
قال القرطبي رحمة الله في ذلك: "وَمَن يَتَوَلّهُمْ مّنكُمْ فَإِنّهُ مِنْهُمْ "أي هو مشرك مثلهم؛ لأن من رضي بالشرك فهو مشرك أ.هـ

رد عادية أهل التجهم والارجـــاء

$
0
0

Photo: ‎رد عادية أهل التجهم والارجـــاء  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  الرد علي من استدل بالمتشابه وترك المحكم من كلام الامام المجدد بن عبدالوهاب رحمه الله   قال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن رحمه الله ________________________________  (وأما كلام الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله تعالى على هذه المسألة(وهي تمسك اهل الاهواء بالمتشابه من كلام الائمة ) فكثير جداً، فنذكر من ذلك شيئاً يسيراً، لأن المسألة وفاقية والمقام مقام اختصار، فلنذكر من كلامه ما يُنبهك على الشبه التي أستدل بها من ذكرنا في الذي يعبد قبة الكواز(وهي عمدة اهل الجهل القائلين بالعذر بالجهل )، وأن الشيخ توقف في تكفيره، ونذكر أولاً مساق الجواب وما الذي سيق لأجله، وهو أن الشيخ محمد رحمه الله ومن حكى عنه هذه القصة يذكرون ذلك معذرة له عن ما يدعيه خصومه عليه من تكفير المسلمين، وإلاَّ فهي نفسها دعوى لا تصلح أن تكون حجة، بل تحتاج إلى دليل وشاهد من القرآن والسنة، ومن فتح الله بصيرته وعوفي من التعصب وكان ممن اعتنى ببيان هذه المسألة بياناً شافياً، وجزم بكفر المُعين في جميع مصنفاته، ولا يتوقف في شيء منها) .اهـ عقيدة الموحدين، رسالة: (حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة) ص 179.  ويقول الشيخ إسحاق جوابًا على هذه الشبهة : " والجواب عن قوله في العابد لقبة الكواز أو " عبد القادر " لجهله لأنه لم يستثن جاهلاً ولا غيره وهذه طريقة القرآن ، تكفير من أشرك بالله ، وتوقفه - رحمه الله - في بعض الأجوبة يُحمل أنه لأمر من الأمور ، فيالله العجب كيف يترك قول الشيخ في جميع المواضع مع دليل الكتاب والسنة وأقوال شيخ الإسلام وابن القيم كما في قوله : ومن بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة ، ويقبل في موضع واحد مع الإجحاف"اهـ  فانظر كيف صرف الكلام ولم يتكلف تأويله بأي تأويل كما يقوله من ينسب للشيخ القول بالعذر ، وهذا من الشيخ إسحاق يدل على وضوح مذهب جده الإمام عنده ولو قال بغير ذلك لكان مخالفة لصريح كلام الإمام المتواتر عنه وعن أولاده.  ويقول الشيخ إسحاق أيضًا موضحًا هذه الشبهة : " وتوقفه أي الإمام المجدد - رحمه الله - في بعض الأجوبة يُحمل على أنه لأمر من الأمور وأيضًا فإنه كما ترى توقف مرة كما في قوله وأما من أخلد إلى الأرض فلا أدري ما حاله ، فيالله العجب كيف يترك قول الشيخ في جميع المواضع مع دليل الكتاب والسنة وأقوال شيخ الإسلام وابن القيم كما في قوله : " من بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة " ولم يشترط الفهم ولا التعريف ويقبل في موضع واحد مع الإجمال وهكذا أهل الزيغ يتبعون المتشابه والمجمل ويتركون المحكم المفصل .اهـ  - قال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن النجدي:  "ولا نقول إلا كما قال مشائخنا: الشيخ محمد بن عبد الوهاب.. وحفيده في رده على العراقي وكذلك هو قول أئمة الدين قبلهم، ومن المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن المرجع في مسائل أصول الدين إلى الكتاب والسنة، وإجماع الأمة، وما عليه الصحابة، وليس المرجع في ذلك إلى عالم بعينه، فمن تقرر عنده هذا الأصل تقرراً لا يدفعه شبهة وأخذ بشراشير قلبه، هان عليه ما قد يراه من الكلام المتشابه في بعض مصنفات الأئمة؛ إذ لا معصوم إلا النبي صلى الله عليه وسلم، ومسألتنا هذه في عبادة الله وحده لا شريك له، وأن من عبد مع الله غيره فقد أشرك الشرك الأكبر الذي ينقل عن الملة –هي أصل الأصول وبها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وأقام الحجة على الناس بالرسول والقرآن؛ وهكذا تجد الجواب في مسائل الدين في هذا الأصل عند تكفير من أشرك بالله، فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل –ولا يذكرون التعريف في مسائل الأصول؛ إنما يذكرون التعريف في المسائل الخفية التي يخفي دليلها على بعض المسلمين؛ كمسائل نازع بها بعض أهل البدع كالمرجئة، أو مسألة خفية كالصرف والعطف، وكيف يعرّفون عباد القبور وهم ليسوا بمسلمين؟" المجموعة المحمودية: (ص15-16) الرسالة الثانية للشيخ إسحاق. ط/ الرياض. _____________  وحفيده وتلميذه عبدالرحمن بن حسن أشار إلى أن هذه المواضع المشتبهة كانت في ابتداء دعوته وكان يداري ويقول ( الله خير من زيد) ولا يمكنه إلا ذلك ، وابنه الشيخ إسحاق قال لمن احتج بهذه المواضع: أنت مثل الذباب لا يقع إلا على الجرح ..كما في رسالته في تكفير المعين  _____________  ومن كلام الشيخ مايناقض هذا ويدحضه في اكثر من موضع   مثل ان قال في   " الذين يتوقفون في تكفير المشركين ومن عادى التوحيد وأهله "  "فأنتم كمن أفتى بانتقاض وضوء من بزغ منه مثل رأس الإبرة من البول وزعم أن من يتغوط ليلاً ونهارًا وأفتى الناس أن ذلك لا ينقض وتبعوه على ذلك حتى يموت أنه لا ينقض وضوءه ، وتذكرون أني أكفرهم بالموالاة وحاشا وكلا ؛ ولكن أقطع أن كفر من عبد قبة أبي طالب لا يبلغ عُشر كفر المويس وأمثاله كما قال تعالى : " لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ "  الشاهد قوله : " ولكن أقطع أن كفر من عبد قبة أبي طالب" فقد صرح بكفر من عبد قبة أبي طالب بل قطع بكفره ، وإن كان كفره أقل من كفر من حارب وقاتل أهل التوحيد مثل المويس وأصحابه كما استدل بالآية لكن حكم عليهم جميعًا بالكفر وقطع بذلك ، وإن كان هناك كفر أغلظ من كفر لكن الجميع كفر ، والكفر ملة واحدة مثل الذين لم يقاتلوا هم كفار والذين قاتلوا أشد كفرًا منهم ، وقد استدل بالآية على ذلك وهذا من فقه - رحمه الله .  الثاني: " فمن عبد الله ليلاً ونهارًا ثم دعا نبيًا أو وليًا عند قبره ، فقد اتخذ إلهين اثنين ولم يشهد أن لا إله إلا الله ، لأن الإله هو المدعو كما يفعل المشركون اليوم عند قبر الزبير أو عبد القادر وغيرهم"   الشاهد قوله : " كما يفعل المشركون عند قبر عبد القادر " فسماهم مشركين ولم يسمهم مسلمين طيبين جاهلين لا يعلمون فلا يكفرون ، بل قال الشيخ إنهم كفار ولا إشكال في ذلك إلا عند أعمى القلب.  الثالث: قال " وهذا صريح واضح في كلام ابن القيم الذي ذكرت ، وفي كلام الشيخ ابن تيمية الذي أزال عنك الإشكال في كفر من عبد الوثن الذي على قبر يوسف وأمثاله ودعاهم في الشدائد والرخاء ، وليس في كلامي هذا مجازفة ، بل أنت تشهد به عليهم ولكن إذا أعمى الله القلب فلا حيلة فيه" نعوذ بالله من العمى ومن الحور بعد الكور فصدق الإمام فليس في كلامه مجازفة بل هو الحق والصواب.  الرابع: قال في المسألة الثانية والعشرين مصرحًا بكفر من عبد الصنم الذي على قبر عبد القادر : " فلما رأوني آمر الناس بما أمرهم به نبيهم أن لا يعبدوا إلا الله وأن من دعا عبد القادر فهو كافر وعبد القادر منه بريء " اهـ  فهل تجد أصرح من هذا؟ فهذه أربعة مواضع واضحة من كلام الشيخ يصرح فيها تصريحًا ظاهرًا بكفر من عبد قبة عبد القادر والكواز وغيرهم ، وهذه المواضع كما ترى ليست محتملة ولا فيها كلام مشتبه ، ولكن أهل الزيغ تركوا كل هذا المحكم البين الواضح الصريح من كلام الشيخ وتمسكوا بالمتشابه في موضع واحد في مناط معين ، لفقه معين ، لواقع معين ، مع أن الكلام واضح في الرسالة في تكفير المعين ، لكن هكذا أهل الزيغ والضلال في كل زمان ومكان ، ولا ندري ما هو قولهم على هذه الأدلة الصريحة من كلام الشيخ هل سيجدون لهم مخرجًا؟ فليس لهم إلا واحدة من اثنتين : إما أن يدَّعوا الجهل ويقولوا لم نعلم كلام الشيخ هذا ولم نقف عليه من قبل ولم نعرف له قولاً آخر وهذا هو الجهل المركب والتعالم والقول بلا علم ، وإما يقولوا بالتأويل وصرف هذا الكلام عن ظاهره وتحميله ما لا يحتمل ويأتوا بشبهات فوق شبهات ليحرفوا هذا الكلام عن مواضعه دفاعًا عن المشركين ، بل ويرددون الجمل والكلمات بدون تحقيق ولا تثبت مثل الرعاع .  _____________________  وفي ( منهاج التأسيس والتقديس فى الرد على شبهات داوود ابن جرجيس للشيخ العلامه عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن اّل الشيخ صفحه 89)  ذكر الشيخ عبداللطيف رحمه الله قول الشيخ المجدد رحمه الله  في الرسالة التي ارسلها  الى محمد ابن عيد وفيها   " ( وأنا لا نكفر إلا من كفره الله ورسوله من المشركين عباد الأصنام كالذين يعبدون الصنم الذى على قبر عبد القادر والصنم الذى على قبر أحمد البدوى وأمثالهما ؛؛ أما الذين اّمنوا بالله وكتبه ورسله واليوم الاّخر وجاهدوا فى الله حق جهاده فهم أخواننا فى الدين وأن لم يهاجروا إلينا فكيف نكفر هؤلاء ؟؟؟ سبحانك هذا بهتان عظيم )اهـ   وهذا بالطبع ينقض ماذكروه أوحرفوه من كلام الشيخ رحمه الله .ويرد عاديتهم في نحورهم   واعلم اخيرآ  ان أكثر من يلبس على الناس في تكفير المعين وعدم عذر جاهل التوحيد ومرتكب الشرك الاكبر  يتقي بأقوال الرجال ويبني دينه عليها وهذه علامة الإفلاس؛ لأن أقوال الرجال ضعيفة تحتاج إلى أن يحتج لها لا أن يحتج بها كماذكر اعلاه الشيخ اسحاق بن عبدالرحمن قائلآ عن مثل ذلك (وإلاَّ فهي نفسها دعوى لا تصلح أن تكون حجة، بل تحتاج إلى دليل وشاهد من القرآن والسنة) .  ويجب أن يُعرف الحق أولاً ثم توزن الأقوال به، فالرجال يُعرفون بالحق وليس الحق هو الذي يُعرف بالرجال _كما قال عليَّ رضي الله عنه_ والرجال إنما هم أدلاء على الطريق فإذا رأيت أنوار المدينة لم تحتج للأدلاء قال تعالى : (فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ، والناس في الرجال طرفان ووسط فمنهم من ترك اتباع الصحابة ومن اتبعهم بإحسان واعتمد على فهمه القاصر ، ومنهم من اتخذ العلماء أرباباً من دون الله ، والوسط أن يُستدل بهم على الطريق فإن زاغ حكيم أو زل لزمت الحق فإن على الحق نوراً _كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه_ .  وهؤلاء العاذرون  ديدنهم ومبلغ حجتهم المتشابه من كلام الائمة وخاصة الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب ، فنأتيهم بكلام له واضح غاية الوضوح في عدم العذر بالجهل فتقابل القولان فتساقطا حتى يعلم الناسخ من المنسوخ منهما ونرجع للأدلة،وأيضاً نأتيهم بكلام من هو أجل وبالأدلة الواضحة. فلا تغني عنهم بضاعتهم شيئاً؛ وإنما هم كما قال الأول :  ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا * سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا  وقد يداري العالم ولا يداهن، والمنقول إلينا لا يُدرى هل هو من قديم كلامه أو من حديثه. فيأتي بكلام مجمل يحتمل معنيين لظرفٍ يمر به ، ولم يعلم أنه سيتخذ ديناً للجهال ؛ ولأجل هذه المعاني وغيرها كره أحمد وغيره كتابة فتاواه. __________________________  وأقوال الرجال أهون ما يقف في وجه الحق الواضح .‎

الرد علي من استدل بالمتشابه وترك المحكم من كلام الامام المجدد بن عبدالوهاب رحمه الله 

قال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن رحمه الله
________________________________

(وأما كلام الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله تعالى على هذه المسألة(وهي تمسك اهل الاهواء بالمتشابه من كلام الائمة ) فكثير جداً، فنذكر من ذلك شيئاً يسيراً، لأن المسألة وفاقية والمقام مقام اختصار، فلنذكر من كلامه ما يُنبهك على الشبه التي أستدل بها من ذكرنا في الذي يعبد قبة الكواز(وهي عمدة اهل الجهل القائلين بالعذر بالجهل )، وأن الشيخ توقف في تكفيره، ونذكر أولاً مساق الجواب وما الذي سيق لأجله، وهو أن الشيخ محمد رحمه الله ومن حكى عنه هذه القصة يذكرون ذلك معذرة له عن ما يدعيه خصومه عليه من تكفير المسلمين، وإلاَّ فهي نفسها دعوى لا تصلح أن تكون حجة، بل تحتاج إلى دليل وشاهد من القرآن والسنة، ومن فتح الله بصيرته وعوفي من التعصب وكان ممن اعتنى ببيان هذه المسألة بياناً شافياً، وجزم بكفر المُعين في جميع مصنفاته، ولا يتوقف في شيء منها) .اهـ عقيدة الموحدين، رسالة: (حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة) ص 179.

ويقول الشيخ إسحاق جوابًا على هذه الشبهة : "والجواب عن قوله في العابد لقبة الكواز أو "عبد القادر "لجهله لأنه لم يستثن جاهلاً ولا غيره وهذه طريقة القرآن ، تكفير من أشرك بالله ، وتوقفه - رحمه الله - في بعض الأجوبة يُحمل أنه لأمر من الأمور ، فيالله العجب كيف يترك قول الشيخ في جميع المواضع مع دليل الكتاب والسنة وأقوال شيخ الإسلام وابن القيم كما في قوله : ومن بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة ، ويقبل في موضع واحد مع الإجحاف"اهـ

فانظر كيف صرف الكلام ولم يتكلف تأويله بأي تأويل كما يقوله من ينسب للشيخ القول بالعذر ، وهذا من الشيخ إسحاق يدل على وضوح مذهب جده الإمام عنده ولو قال بغير ذلك لكان مخالفة لصريح كلام الإمام المتواتر عنه وعن أولاده.

ويقول الشيخ إسحاق أيضًا موضحًا هذه الشبهة :
"وتوقفه أي الإمام المجدد - رحمه الله - في بعض الأجوبة يُحمل على أنه لأمر من الأمور وأيضًا فإنه كما ترى توقف مرة كما في قوله وأما من أخلد إلى الأرض فلا أدري ما حاله ، فيالله العجب كيف يترك قول الشيخ في جميع المواضع مع دليل الكتاب والسنة وأقوال شيخ الإسلام وابن القيم كما في قوله : "من بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة "ولم يشترط الفهم ولا التعريف ويقبل في موضع واحد مع الإجمال وهكذا أهل الزيغ يتبعون المتشابه والمجمل ويتركون المحكم المفصل .اهـ

- قال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن النجدي:

"ولا نقول إلا كما قال مشائخنا: الشيخ محمد بن عبد الوهاب.. وحفيده في رده على العراقي وكذلك هو قول أئمة الدين قبلهم، ومن المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن المرجع في مسائل أصول الدين إلى الكتاب والسنة، وإجماع الأمة، وما عليه الصحابة، وليس المرجع في ذلك إلى عالم بعينه، فمن تقرر عنده هذا الأصل تقرراً لا يدفعه شبهة وأخذ بشراشير قلبه، هان عليه ما قد يراه من الكلام المتشابه في بعض مصنفات الأئمة؛ إذ لا معصوم إلا النبي صلى الله عليه وسلم، ومسألتنا هذه في عبادة الله وحده لا شريك له، وأن من عبد مع الله غيره فقد أشرك الشرك الأكبر الذي ينقل عن الملة –هي أصل الأصول وبها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وأقام الحجة على الناس بالرسول والقرآن؛ وهكذا تجد الجواب في مسائل الدين في هذا الأصل عند تكفير من أشرك بالله، فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل –ولا يذكرون التعريف في مسائل الأصول؛ إنما يذكرون التعريف في المسائل الخفية التي يخفي دليلها على بعض المسلمين؛ كمسائل نازع بها بعض أهل البدع كالمرجئة، أو مسألة خفية كالصرف والعطف، وكيف يعرّفون عباد القبور وهم ليسوا بمسلمين؟"المجموعة المحمودية: (ص15-16) الرسالة الثانية للشيخ إسحاق. ط/ الرياض.
_____________

وحفيده وتلميذه عبدالرحمن بن حسن أشار إلى أن هذه المواضع المشتبهة كانت في ابتداء دعوته وكان يداري ويقول ( الله خير من زيد) ولا يمكنه إلا ذلك ، وابنه الشيخ إسحاق قال لمن احتج بهذه المواضع:
أنت مثل الذباب لا يقع إلا على الجرح ..كما في رسالته في تكفير المعين

_____________

ومن كلام الشيخ مايناقض هذا ويدحضه في اكثر من موضع 
مثل ان قال في 

"الذين يتوقفون في تكفير المشركين ومن عادى التوحيد وأهله "

"فأنتم كمن أفتى بانتقاض وضوء من بزغ منه مثل رأس الإبرة من البول وزعم أن من يتغوط ليلاً ونهارًا وأفتى الناس أن ذلك لا ينقض وتبعوه على ذلك حتى يموت أنه لا ينقض وضوءه ، وتذكرون أني أكفرهم بالموالاة وحاشا وكلا ؛ ولكن أقطع أن كفر من عبد قبة أبي طالب لا يبلغ عُشر كفر المويس وأمثاله كما قال تعالى : "لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ "
الشاهد قوله : "ولكن أقطع أن كفر من عبد قبة أبي طالب"فقد صرح بكفر من عبد قبة أبي طالب بل قطع بكفره ، وإن كان كفره أقل من كفر من حارب وقاتل أهل التوحيد مثل المويس وأصحابه كما استدل بالآية لكن حكم عليهم جميعًا بالكفر وقطع بذلك ، وإن كان هناك كفر أغلظ من كفر لكن الجميع كفر ، والكفر ملة واحدة مثل الذين لم يقاتلوا هم كفار والذين قاتلوا أشد كفرًا منهم ، وقد استدل بالآية على ذلك وهذا من فقه - رحمه الله .

الثاني: "فمن عبد الله ليلاً ونهارًا ثم دعا نبيًا أو وليًا عند قبره ، فقد اتخذ إلهين اثنين ولم يشهد أن لا إله إلا الله ، لأن الإله هو المدعو كما يفعل المشركون اليوم عند قبر الزبير أو عبد القادر وغيرهم" 

الشاهد قوله : "كما يفعل المشركون عند قبر عبد القادر "فسماهم مشركين ولم يسمهم مسلمين طيبين جاهلين لا يعلمون فلا يكفرون ، بل قال الشيخ إنهم كفار ولا إشكال في ذلك إلا عند أعمى القلب.

الثالث: قال "وهذا صريح واضح في كلام ابن القيم الذي ذكرت ، وفي كلام الشيخ ابن تيمية الذي أزال عنك الإشكال في كفر من عبد الوثن الذي على قبر يوسف وأمثاله ودعاهم في الشدائد والرخاء ، وليس في كلامي هذا مجازفة ، بل أنت تشهد به عليهم ولكن إذا أعمى الله القلب فلا حيلة فيه"نعوذ بالله من العمى ومن الحور بعد الكور فصدق الإمام فليس في كلامه مجازفة بل هو الحق والصواب.

الرابع: قال في المسألة الثانية والعشرين مصرحًا بكفر من عبد الصنم الذي على قبر عبد القادر : "فلما رأوني آمر الناس بما أمرهم به نبيهم أن لا يعبدوا إلا الله وأن من دعا عبد القادر فهو كافر وعبد القادر منه بريء "اهـ

فهل تجد أصرح من هذا؟ فهذه أربعة مواضع واضحة من كلام الشيخ يصرح فيها تصريحًا ظاهرًا بكفر من عبد قبة عبد القادر والكواز وغيرهم ، وهذه المواضع كما ترى ليست محتملة ولا فيها كلام مشتبه ، ولكن أهل الزيغ تركوا كل هذا المحكم البين الواضح الصريح من كلام الشيخ وتمسكوا بالمتشابه في موضع واحد في مناط معين ، لفقه معين ، لواقع معين ، مع أن الكلام واضح في الرسالة في تكفير المعين ، لكن هكذا أهل الزيغ والضلال في كل زمان ومكان ، ولا ندري ما هو قولهم على هذه الأدلة الصريحة من كلام الشيخ هل سيجدون لهم مخرجًا؟ فليس لهم إلا واحدة من اثنتين : إما أن يدَّعوا الجهل ويقولوا لم نعلم كلام الشيخ هذا ولم نقف عليه من قبل ولم نعرف له قولاً آخر وهذا هو الجهل المركب والتعالم والقول بلا علم ، وإما يقولوا بالتأويل وصرف هذا الكلام عن ظاهره وتحميله ما لا يحتمل ويأتوا بشبهات فوق شبهات ليحرفوا هذا الكلام عن مواضعه دفاعًا عن المشركين ، بل ويرددون الجمل والكلمات بدون تحقيق ولا تثبت مثل الرعاع .

_____________________

وفي ( منهاج التأسيس والتقديس فى الرد على شبهات داوود ابن جرجيس للشيخ العلامه عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن اّل الشيخ صفحه 89)

ذكر الشيخ عبداللطيف رحمه الله قول الشيخ المجدد رحمه الله في الرسالة التي ارسلها الى محمد ابن عيد وفيها 

" ( وأنا لا نكفر إلا من كفره الله ورسوله من المشركين عباد الأصنام كالذين يعبدون الصنم الذى على قبر عبد القادر والصنم الذى على قبر أحمد البدوى وأمثالهما ؛؛ أما الذين اّمنوا بالله وكتبه ورسله واليوم الاّخر وجاهدوا فى الله حق جهاده فهم أخواننا فى الدين وأن لم يهاجروا إلينا فكيف نكفر هؤلاء ؟؟؟ سبحانك هذا بهتان عظيم )اهـ 

وهذا بالطبع ينقض ماذكروه أوحرفوه من كلام الشيخ رحمه الله .ويرد عاديتهم في نحورهم 

واعلم اخيرآ ان أكثر من يلبس على الناس في تكفير المعين وعدم عذر جاهل التوحيد ومرتكب الشرك الاكبر يتقي بأقوال الرجال ويبني دينه عليها وهذه علامة الإفلاس؛ لأن أقوال الرجال ضعيفة تحتاج إلى أن يحتج لها لا أن يحتج بها كماذكر اعلاه الشيخ اسحاق بن عبدالرحمن قائلآ عن مثل ذلك (وإلاَّ فهي نفسها دعوى لا تصلح أن تكون حجة، بل تحتاج إلى دليل وشاهد من القرآن والسنة) .
ويجب أن يُعرف الحق أولاً ثم توزن الأقوال به، فالرجال يُعرفون بالحق وليس الحق هو الذي يُعرف بالرجال _كما قال عليَّ رضي الله عنه_ والرجال إنما هم أدلاء على الطريق فإذا رأيت أنوار المدينة لم تحتج للأدلاء قال تعالى : (فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ، والناس في الرجال طرفان ووسط فمنهم من ترك اتباع الصحابة ومن اتبعهم بإحسان واعتمد على فهمه القاصر ، ومنهم من اتخذ العلماء أرباباً من دون الله ، والوسط أن يُستدل بهم على الطريق فإن زاغ حكيم أو زل لزمت الحق فإن على الحق نوراً _كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه_ .

وهؤلاء العاذرون ديدنهم ومبلغ حجتهم المتشابه من كلام الائمة وخاصة الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب ، فنأتيهم بكلام له واضح غاية الوضوح في عدم العذر بالجهل فتقابل القولان فتساقطا حتى يعلم الناسخ من المنسوخ منهما ونرجع للأدلة،وأيضاً نأتيهم بكلام من هو أجل وبالأدلة الواضحة. فلا تغني عنهم بضاعتهم شيئاً؛ وإنما هم كما قال الأول :

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا * سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

وقد يداري العالم ولا يداهن، والمنقول إلينا لا يُدرى هل هو من قديم كلامه أو من حديثه. فيأتي بكلام مجمل يحتمل معنيين لظرفٍ يمر به ، ولم يعلم أنه سيتخذ ديناً للجهال ؛ ولأجل هذه المعاني وغيرها كره أحمد وغيره كتابة فتاواه.
__________________________

وأقوال الرجال أهون ما يقف في وجه الحق الواضح .

الدٌر الثمين علي كفر المبدلين للشرع والدين

$
0
0
Photo: ‎الدٌر الثمين علي كفر المبدلين للشرع والدين ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ   قـال ابن حزم (من حكم بحكم الإنجيل مما لم يأت بالنصّ عليه وحيٌ في شريعة الإسلام فإنه كافر مشرك خارج عن الإسلام)(الإحكام) 5/ 173. فهذا حُكْم من حَكَم بالشرائع المنسوخة فكيف بمن حَكَم بالقوانين المخترعة؟.  وقال ابن حزم أيضا (وأيضاً فلا فرق بين جواز شرع شريعة من إيجاب أو تحريم أو إباحة بالرأي لم ينص تعالى عليه ولا رسوله عليه السلام، وبين إبطال شريعة شرعها الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بالرأي، والمفرق بين هذين العملين متحكم بالباطل مفتر، وكلاهما كُفر لاخفاء به) (الإحكام) 6/ 31.  وقـال ابن حـزم أيضـا (لأن إحـداث الأحـكـام لايخـلـو مـن أحـد أربعـة أوجـه: إمـا إسقـاط فــرض لازم، كإسقاط بعض الصلاة أو بعض الصيام أو بعض الزكاة أو بعض الحج أو بعض حد الزنا أو حد القذف، أو إسقاط جميع ذلك، وإما زيادة في شيء منها، أو إحداث فرض جديد، وإما إحلال محرم كتحليل لحم الخنزير والخمر والميتة، وإما تحريم محلل كتحريم لحم الكبش وماأشبه ذلك، وأي هذه الوجوه كان، فالقائل به كافر مشرك، لاحق باليهود والنصارى، والفرض على كل مسلم قتل من أجاز شيئا من هذا دون استتابة، ولا قبول توبة إن تاب، واستصفاء ماله لبيت مال المسلمين، لأنه مبدل لدينه، وقد قال عليه السلام «مـن بـدل ديـنـه فاقتلـوه» ومن الله تعالى نعوذ من غضبة لباطل أدت إلى مثل هذه المهالك.) (الإحكام) 6/ 110. وكـلام ابن حزم هـذا ينطبـق على واقعنـا، فالقوانين الوضعية قد أتت بما قاله من إسقاط حد الزنا وحد القذف وسائر الحدود، وأتت بإباحة الربا والخمر والزنا والميسر، وأتت بتحريم الجهاد في سبيل الله وغير ذلك مما هو معلوم. ولابن حزم كلام مماثل في (الإحكام) جـ 2 صـ 9، جـ 6 صـ 77 ــ 78 و 109 و 117. ____________  2 ــ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (728 هـ)  (أ) قال رحمه الله (ومعلـوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام، أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب، كما قال تعالي: «إن الذين يكفرون بالله ورسله، ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض، ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا، أولئك هم الكافرون حقا، وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا) ــ النساء 150 و 151 ــ) (مجموع الفتاوى) 28/ 524. فهذه القوانين الوضعية هى شريعة الكفار وشريعة الجاهلية ، والحكام الذين يحكمون بلاد المسلمين لم يقفوا عند حد تسويغ اتباعها بدلاً من أحكام الشريعة الإسلامية ولكنهم يُلزمون الناس باتباعها ويعاقبون الخارج عليها.   (ب) وقال ابن تيمية رحمه الله (ومـن بدّل شـرع الأنبـياء وابتـدع شـرعاً، فشـرعُه باطل لايجوز اتباعه، كما «أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله»، ولهذا كَفَرَ اليهود والنصارى لأنهم تمسكوا بشرع مبدل منسوخ) (مجموع الفتاوى) 35/ 365.  (جـ) وقال أيضا (مثل أن يقال: نُسَخ هذه التوراة مُبَدَّلة لايجوز العمل بما فيها ومن عمل اليوم بشرائعها المبدّلة والمنسوخة فهو كافر، فهذا الكلام ونحوه حقٌ لاشيء على قائله، والله أعلم) (مجموع الفتاوى) 35/ 200. وقـول شـيخ الإسـلام هـنا يشـبه قـول ابن حـزم السـابق ــ وسيأتي لابن القيم كلام مثله ــ أن من عمل بالشرائع المنسوخة كالتوراة والإنجيل كَفَر، مع أنها شرائع سماوية منزّلة من عند الله في أصلها، فكيف بمن يُعرض عن الشريعة الإسلامية الناسخة المهيمنة على ماسواها ويلتزم بالحكم بقوانين بشرية مناقضة لشريعة الله؟.   (د) وقـال ابن تيميـة أيضـا (الشـرع المنـزّل مـن عنـد اللـه تعـالى وهـو الكتـاب والسنة الذي بعث الله به رسوله، فإن هذا الشرع ليس لأحدٍ من الخلق الخروج عنه، ولايخرج عنه إلا كافر) (مجموع الفتاوى) 11/ 262. والخروج عن الشرع هو بعدم الالتزام بأحكامه فكيف بمن شَرَع مايضاد أحكامه والتزم بالحكم بها؟.   (هـ) وقـال رحمـه اللـه (ومعـلـوم أن مـن أسقـط الأمـر والنهـي الـذي بعـث اللـهُ بـه رُسُلـه فهو كافر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى)(مجموع الفتاوى) 8/ 106، وتعطيل الحدود الشرعية وغيرها من أحكام الشريعة مع إباحة المحرمات كالزنا والربا والخمر، هذا هو إسقاط الأمر والنهي الشرعيين الذي يكفر فاعله بالاتفاق.   (و) وقال ابن تيمية أيضا (والإنسان متى حَلَّل الحـرام ــ المجمع عليه ــ أو حرَّم الحلال ــ المجمع عليه ــ أو بدّل الشرع ــ المجمع عليه ــ كان كافراً باتفاق الفقهاء) (مجموع الفتاوى) 3/ 267.  ومعلومٌ أن القوانين الوضعية تشتملُ على تحليل الحرام وتحريم الحلال وتبديل الشرع، فكل من وضعها أو أجاز الحكم بها أو أمر بالحكم بها أو حكم بها فهو كافر بالاتفاق.  (ز) وقال ابن تيمية رحمه الله (ومتى ترك العالِم ماعلمه من كتاب الله وسنة رسوله واتبع حكم الحاكم المخالف لحكم الله ورسوله كان مرتدا كافرا، يستحق العقوبة في الدنيا والآخرة، المص، كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين، اتبعوا ماأنزل إليكم من ربكم ولاتتبعوا من دونه أولياء قليلا ماتذكرون) ــ الأعراف 1 ــ 3 ــ ولو ضرب وحبس وأوذي بأنواع الأذى ليدع ماعلمه من شرع الله ورسوله الذي يجب اتباعه واتبع حكم غيره كان مستحقا لعذاب الله بل عليه أن يصبر وإن أوذِيَ في الله فهذه سنة الله في الأنبياء وأتباعهم، قال الله تعالى: (الم، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) ــ العنكبوت 1 ــ 3 ــ)(مجموع الفتاوى) 35/ 373.  (ح) وسُئل ابن تيمية رحمه الله عن التتـار الذين يغيـرون على بـلاد الشـام مرة بعد أخرى وهم يٌظهرون الإسلام ولايلتزمون بكثير من شرائعه، ماحكمهم وحكم قتالهم؟ (مجموع الفتاوى) 28/ 501 و 509. فأجاب رحمه الله (الحمد لله. كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة مع شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة من هؤلاء القوم وغيرهم فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، وملتزمين بعض شرائعه، كما قاتل أبو بكر الصديق والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة. وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبي بكر رضي الله عنهما. فاتفق الصحابة رضي الله عنهم على القتال على حقوق الإسلام، عملا بالكتاب والسنة. وكـذلك ثبـت عـن النبي صلى الله عليه وسلم من عشرة أوجه الحديث عن الخوارج، وأخبر أنهم شر الخلق والخليقة، مع قوله:«تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم» فعلم أن مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بمسقط للقتال. فالقتال واجب حتى يكون الدين كله لله وحتى لاتكون فتنة. فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب.  فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات، أو الصيام، أو الحج، أو عن التزام تحريم الدماء، والأموال، والخمر، والزنا، والميسر، أو عن نكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب، وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته ــ التي لاعذر لأحد في جحودها وتركها ــ التي يكفر الجاحد لوجوبها. فإن الطائفة الممتنعة تُقَاتَل عليها وإن كانت مقرة بها. وهذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء) (مجموع الفتاوى) 28/ 502 ــ 503.   وقـال ابن تيمية أيضا (كـل طائفـة خرجـت عن شريعـة مـن شـرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين، وإن تكلمت بالشهادتين. فإذا أقروا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلوات الخمس وجب قتالهم حتى يُصلوا، وإن امتنعوا عن الزكاة وجب قتالهم حتى يؤدوا الزكاة، وكذلك إن امتنعوا عن صيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق، وكذلك إن امتنعوا عن تحريم الفواحش، أو الزنا، أو الميسر، أو الخمر، أو غير ذلك من محرمات الشريعة. وكذلك إن امتنعوا عن الحكم في الدماء والأموال والأعراض والأبضاع ونحوها بحكم الكتاب والسنة. وكذلك إن امتنعوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الكفار إلى إن يُسلموا ويؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون. وكذلك إن اظهروا البدع المخالفة للكتاب والسنة واتباع سلف الأمة وأئمتها ــ إلى أن قال ــ قال الله تعالىوقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله) فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله وجب القتال حتى يكون الدين كله لله.) (مجموع الفتاوى) 28/ 510 ــ 511. إلـى أن سُئل ابن تيمية رحمه الله عن التتـار الذين يغيـرون على بـلاد الشـام مرة بعد أخرى وهم يٌظهرون الإسلام ولايلتزمون بكثير من شرائعه، ماحكمهم وحكم قتالهم؟ (مجموع الفتاوى) 28/ 501 و 509. فأجاب رحمه الله (الحمد لله. كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة مع شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة من هؤلاء القوم وغيرهم فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، وملتزمين بعض شرائعه، كما قاتل أبو بكر الصديق والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة. وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبي بكر رضي الله عنهما. فاتفق الصحابة رضي الله عنهم على القتال على حقوق الإسلام، عملا بالكتاب والسنة. _______________  3 ــ العلامة ابن القيم رحمه الله (751 هـ)   قال ابن القيم (وقد جاء القرآن، وصحّ الإجماع بأن دين الإسلام نسخ كل دين كان قبله، وأن من التزم ماجاءت به التوراة والإنجيل، ولم يتبع القرآن، فإنه كافر، وقد أبطل الله كل شريعة كانت في التوراة والإنجيل وسائر الملل، وافترض على الجن والإنس شرائع الإسلام، فلا حرام إلا ماحرمه الإسلام، ولا فرض إلا ماأوجبه الإسلام.) (أحكام أهل الذمة) لابن القيم، جـ 1 صـ 259، ط دار العلم للملايين 1983م. وقد نقلت من قبل كلام ابن حزم وابن تيمية الذي يشبه قول ابن القيم هذا في أن من التزم بأحكام الشرائع المنسوخة فقد كفر، فإذا كان هذا هو حكم من التزم بشرائع نزلت في أصلها من عند الله تعالى ولكن الإسلام نسخها، فكيف بمن التزم بقوانين من اختراع البشر كجوستنيان ونابليون وغيرهما، وكيف بمن فرض هذه القوانين على الناس؟، وسيأتي في كلام ابن كثير التالي إشارة إلى ذلك. ___________  4 ــ الحافظ ابن كثير رحمه الله (774 هـ)   (أ) ذكر رحمه الله كتـاب الياسـق وبعـض ماورد فيه من أحكام وهو كتاب وضعه جنكيز خان ملك التتار وصار في بنيه شرعا متبعاً يحكمون به ويتحاكمون إليه مع دعواهم الإسلام، ثم قال ابن كثير (وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزّلة على بعباده الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فمن ترك الشرع المحكم المنزّل على محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدَّمها عليه؟ من فعل ذلك كَفَر بإجماع المسلمين. «أفحكم الجاهلية يبغون ومَن أحسن مِن الله حُكْماً لقوم يوقنون»، و «فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لايجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً» صدق الله العظيم) أهـ (البداية والنهاية) لابن كثير، 13/ 119.  (ب) وفي تفسير قوله تعالى (أفحكم الجاهلية يبغون ومَن أحسن مِن الله حُكْماً لقوم يوقنون) المائدة 50، قال ابن كثير رحمه الله(ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر وعَدَلَ إلى ماسواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكز خان الذي وضع لهم الياسق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم ســواه في قليــل ولاكثــير، { أفحكـم الجاهليـة يبغـون } أي يبتغون ويريدون وعن حكم الله يعدلون، (ومَن أحسن مِن الله حُكْماً لقوم يوقنون) أى ومن أعدل من الله في حكمه لمن عقل عن الله شرعه وآمن به وأيقن وعلم أن الله أحكم الحاكمين، وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها فإنه تعالى هو العالم بكل شيء القادر على كل شيء العادل في كل شيء) (تفسير ابن كثير) 2/67. ________________________________‎


قـال ابن حزم (من حكم بحكم الإنجيل مما لم يأت بالنصّ عليه وحيٌ في شريعة الإسلام فإنه كافر مشرك خارج عن الإسلام)(الإحكام) 5/ 173. فهذا حُكْم من حَكَم بالشرائع المنسوخة فكيف بمن حَكَم بالقوانين المخترعة؟.

وقال ابن حزم أيضا (وأيضاً فلا فرق بين جواز شرع شريعة من إيجاب أو تحريم أو إباحة بالرأي لم ينص تعالى عليه ولا رسوله عليه السلام، وبين إبطال شريعة شرعها الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بالرأي، والمفرق بين هذين العملين متحكم بالباطل مفتر، وكلاهما كُفر لاخفاء به) (الإحكام) 6/ 31.

وقـال ابن حـزم أيضـا (لأن إحـداث الأحـكـام لايخـلـو مـن أحـد أربعـة أوجـه: إمـا إسقـاط فــرض لازم، كإسقاط بعض الصلاة أو بعض الصيام أو بعض الزكاة أو بعض الحج أو بعض حد الزنا أو حد القذف، أو إسقاط جميع ذلك، وإما زيادة في شيء منها، أو إحداث فرض جديد، وإما إحلال محرم كتحليل لحم الخنزير والخمر والميتة، وإما تحريم محلل كتحريم لحم الكبش وماأشبه ذلك، وأي هذه الوجوه كان، فالقائل به كافر مشرك، لاحق باليهود والنصارى، والفرض على كل مسلم قتل من أجاز شيئا من هذا دون استتابة، ولا قبول توبة إن تاب، واستصفاء ماله لبيت مال المسلمين، لأنه مبدل لدينه، وقد قال عليه السلام «مـن بـدل ديـنـه فاقتلـوه» ومن الله تعالى نعوذ من غضبة لباطل أدت إلى مثل هذه المهالك.) (الإحكام) 6/ 110.
وكـلام ابن حزم هـذا ينطبـق على واقعنـا، فالقوانين الوضعية قد أتت بما قاله من إسقاط حد الزنا وحد القذف وسائر الحدود، وأتت بإباحة الربا والخمر والزنا والميسر، وأتت بتحريم الجهاد في سبيل الله وغير ذلك مما هو معلوم.
ولابن حزم كلام مماثل في (الإحكام) جـ 2 صـ 9، جـ 6 صـ 77 ــ 78 و 109 و 117.
____________

2 ــ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (728 هـ)

(أ) قال رحمه الله (ومعلـوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام، أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب، كما قال تعالي: «إن الذين يكفرون بالله ورسله، ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض، ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا، أولئك هم الكافرون حقا، وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا) ــ النساء 150 و 151 ــ) (مجموع الفتاوى) 28/ 524. فهذه القوانين الوضعية هى شريعة الكفار وشريعة الجاهلية ، والحكام الذين يحكمون بلاد المسلمين لم يقفوا عند حد تسويغ اتباعها بدلاً من أحكام الشريعة الإسلامية ولكنهم يُلزمون الناس باتباعها ويعاقبون الخارج عليها.

(ب) وقال ابن تيمية رحمه الله (ومـن بدّل شـرع الأنبـياء وابتـدع شـرعاً، فشـرعُه باطل لايجوز اتباعه، كما «أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله»، ولهذا كَفَرَ اليهود والنصارى لأنهم تمسكوا بشرع مبدل منسوخ) (مجموع الفتاوى) 35/ 365.

(جـ) وقال أيضا (مثل أن يقال: نُسَخ هذه التوراة مُبَدَّلة لايجوز العمل بما فيها ومن عمل اليوم بشرائعها المبدّلة والمنسوخة فهو كافر، فهذا الكلام ونحوه حقٌ لاشيء على قائله، والله أعلم) (مجموع الفتاوى) 35/ 200.
وقـول شـيخ الإسـلام هـنا يشـبه قـول ابن حـزم السـابق ــ وسيأتي لابن القيم كلام مثله ــ أن من عمل بالشرائع المنسوخة كالتوراة والإنجيل كَفَر، مع أنها شرائع سماوية منزّلة من عند الله في أصلها، فكيف بمن يُعرض عن الشريعة الإسلامية الناسخة المهيمنة على ماسواها ويلتزم بالحكم بقوانين بشرية مناقضة لشريعة الله؟.

(د) وقـال ابن تيميـة أيضـا (الشـرع المنـزّل مـن عنـد اللـه تعـالى وهـو الكتـاب والسنة الذي بعث الله به رسوله، فإن هذا الشرع ليس لأحدٍ من الخلق الخروج عنه، ولايخرج عنه إلا كافر) (مجموع الفتاوى) 11/ 262. والخروج عن الشرع هو بعدم الالتزام بأحكامه فكيف بمن شَرَع مايضاد أحكامه والتزم بالحكم بها؟.

(هـ) وقـال رحمـه اللـه (ومعـلـوم أن مـن أسقـط الأمـر والنهـي الـذي بعـث اللـهُ بـه رُسُلـه فهو كافر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى)(مجموع الفتاوى) 8/ 106، وتعطيل الحدود الشرعية وغيرها من أحكام الشريعة مع إباحة المحرمات كالزنا والربا والخمر، هذا هو إسقاط الأمر والنهي الشرعيين الذي يكفر فاعله بالاتفاق.

(و) وقال ابن تيمية أيضا (والإنسان متى حَلَّل الحـرام ــ المجمع عليه ــ أو حرَّم الحلال ــ المجمع عليه ــ أو بدّل الشرع ــ المجمع عليه ــ كان كافراً باتفاق الفقهاء) (مجموع الفتاوى) 3/ 267.
ومعلومٌ أن القوانين الوضعية تشتملُ على تحليل الحرام وتحريم الحلال وتبديل الشرع، فكل من وضعها أو أجاز الحكم بها أو أمر بالحكم بها أو حكم بها فهو كافر بالاتفاق.

(ز) وقال ابن تيمية رحمه الله (ومتى ترك العالِم ماعلمه من كتاب الله وسنة رسوله واتبع حكم الحاكم المخالف لحكم الله ورسوله كان مرتدا كافرا، يستحق العقوبة في الدنيا والآخرة، المص، كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين، اتبعوا ماأنزل إليكم من ربكم ولاتتبعوا من دونه أولياء قليلا ماتذكرون) ــ الأعراف 1 ــ 3 ــ ولو ضرب وحبس وأوذي بأنواع الأذى ليدع ماعلمه من شرع الله ورسوله الذي يجب اتباعه واتبع حكم غيره كان مستحقا لعذاب الله بل عليه أن يصبر وإن أوذِيَ في الله فهذه سنة الله في الأنبياء وأتباعهم، قال الله تعالى: (الم، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) ــ العنكبوت 1 ــ 3 ــ)(مجموع الفتاوى) 35/ 373.

(ح) وسُئل ابن تيمية رحمه الله عن التتـار الذين يغيـرون على بـلاد الشـام مرة بعد أخرى وهم يٌظهرون الإسلام ولايلتزمون بكثير من شرائعه، ماحكمهم وحكم قتالهم؟ (مجموع الفتاوى) 28/ 501 و 509. فأجاب رحمه الله (الحمد لله. كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة مع شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة من هؤلاء القوم وغيرهم فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، وملتزمين بعض شرائعه، كما قاتل أبو بكر الصديق والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة. وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبي بكر رضي الله عنهما. فاتفق الصحابة رضي الله عنهم على القتال على حقوق الإسلام، عملا بالكتاب والسنة.
وكـذلك ثبـت عـن النبي صلى الله عليه وسلم من عشرة أوجه الحديث عن الخوارج، وأخبر أنهم شر الخلق والخليقة، مع قوله:«تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم» فعلم أن مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بمسقط للقتال. فالقتال واجب حتى يكون الدين كله لله وحتى لاتكون فتنة. فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب.
فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات، أو الصيام، أو الحج، أو عن التزام تحريم الدماء، والأموال، والخمر، والزنا، والميسر، أو عن نكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب، وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته ــ التي لاعذر لأحد في جحودها وتركها ــ التي يكفر الجاحد لوجوبها. فإن الطائفة الممتنعة تُقَاتَل عليها وإن كانت مقرة بها. وهذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء) (مجموع الفتاوى) 28/ 502 ــ 503.

وقـال ابن تيمية أيضا (كـل طائفـة خرجـت عن شريعـة مـن شـرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين، وإن تكلمت بالشهادتين. فإذا أقروا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلوات الخمس وجب قتالهم حتى يُصلوا، وإن امتنعوا عن الزكاة وجب قتالهم حتى يؤدوا الزكاة، وكذلك إن امتنعوا عن صيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق، وكذلك إن امتنعوا عن تحريم الفواحش، أو الزنا، أو الميسر، أو الخمر، أو غير ذلك من محرمات الشريعة. وكذلك إن امتنعوا عن الحكم في الدماء والأموال والأعراض والأبضاع ونحوها بحكم الكتاب والسنة. وكذلك إن امتنعوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الكفار إلى إن يُسلموا ويؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون. وكذلك إن اظهروا البدع المخالفة للكتاب والسنة واتباع سلف الأمة وأئمتها ــ إلى أن قال ــ قال الله تعالىوقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله) فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله وجب القتال حتى يكون الدين كله لله.) (مجموع الفتاوى) 28/ 510 ــ 511.
إلـى أن سُئل ابن تيمية رحمه الله عن التتـار الذين يغيـرون على بـلاد الشـام مرة بعد أخرى وهم يٌظهرون الإسلام ولايلتزمون بكثير من شرائعه، ماحكمهم وحكم قتالهم؟ (مجموع الفتاوى) 28/ 501 و 509. فأجاب رحمه الله (الحمد لله. كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة مع شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة من هؤلاء القوم وغيرهم فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، وملتزمين بعض شرائعه، كما قاتل أبو بكر الصديق والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة. وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبي بكر رضي الله عنهما. فاتفق الصحابة رضي الله عنهم على القتال على حقوق الإسلام، عملا بالكتاب والسنة.
_______________

3 ــ العلامة ابن القيم رحمه الله (751 هـ)

قال ابن القيم (وقد جاء القرآن، وصحّ الإجماع بأن دين الإسلام نسخ كل دين كان قبله، وأن من التزم ماجاءت به التوراة والإنجيل، ولم يتبع القرآن، فإنه كافر، وقد أبطل الله كل شريعة كانت في التوراة والإنجيل وسائر الملل، وافترض على الجن والإنس شرائع الإسلام، فلا حرام إلا ماحرمه الإسلام، ولا فرض إلا ماأوجبه الإسلام.) (أحكام أهل الذمة) لابن القيم، جـ 1 صـ 259، ط دار العلم للملايين 1983م.
وقد نقلت من قبل كلام ابن حزم وابن تيمية الذي يشبه قول ابن القيم هذا في أن من التزم بأحكام الشرائع المنسوخة فقد كفر، فإذا كان هذا هو حكم من التزم بشرائع نزلت في أصلها من عند الله تعالى ولكن الإسلام نسخها، فكيف بمن التزم بقوانين من اختراع البشر كجوستنيان ونابليون وغيرهما، وكيف بمن فرض هذه القوانين على الناس؟، وسيأتي في كلام ابن كثير التالي إشارة إلى ذلك.
___________

4 ــ الحافظ ابن كثير رحمه الله (774 هـ)

(أ) ذكر رحمه الله كتـاب الياسـق وبعـض ماورد فيه من أحكام وهو كتاب وضعه جنكيز خان ملك التتار وصار في بنيه شرعا متبعاً يحكمون به ويتحاكمون إليه مع دعواهم الإسلام، ثم قال ابن كثير (وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزّلة على بعباده الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فمن ترك الشرع المحكم المنزّل على محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدَّمها عليه؟ من فعل ذلك كَفَر بإجماع المسلمين. «أفحكم الجاهلية يبغون ومَن أحسن مِن الله حُكْماً لقوم يوقنون»، و «فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لايجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً» صدق الله العظيم) أهـ (البداية والنهاية) لابن كثير، 13/ 119.

(ب) وفي تفسير قوله تعالى (أفحكم الجاهلية يبغون ومَن أحسن مِن الله حُكْماً لقوم يوقنون) المائدة 50، قال ابن كثير رحمه الله(ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر وعَدَلَ إلى ماسواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكز خان الذي وضع لهم الياسق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم ســواه في قليــل ولاكثــير، { أفحكـم الجاهليـة يبغـون } أي يبتغون ويريدون وعن حكم الله يعدلون، (ومَن أحسن مِن الله حُكْماً لقوم يوقنون) أى ومن أعدل من الله في حكمه لمن عقل عن الله شرعه وآمن به وأيقن وعلم أن الله أحكم الحاكمين، وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها فإنه تعالى هو العالم بكل شيء القادر على كل شيء العادل في كل شيء) (تفسير ابن كثير) 2/67.






5 ــ الشوكاني (محمد بن علي) رحمه الله (1250 هـ)

في رسالته (الدواء العاجل في دفع العدو الصائل) وصف أحوال أهل البلاد الخارجة عن سلطان الدولة في زمانه، فقال (فلنبيّن لك حال القسم الثاني: وهو حكم أهل البلاد الخارجة عن أوامر الدولة ونواهيها ــ إلى قوله ــ منها أنهم يحكمون ويتحاكمون إلى من يعرف الأحكام الطاغوتية منهم في جميع الأمور التي تنوبهم وتعرض لهم من غير انكار ولا حياء من الله ولا من عباده ولايخافون من أحد بل قد يحكمون بذلك بين من يقدرون على الوصول إليهم من الرعايا ومن كان قريبا منهم. وهذا الأمر معلوم لكل أحد من الناس لايقدر أحد على انكاره ودفعه وهو أشهر من نار على علم. ولاشك ولاريب أن هذا كفر بالله سبحانه وتعالى وبشريعته التي أمر بها على لسان رسوله واختارها لعباده في كتابه وعلى لسان رسوله. بل كفروا بجميع الشرائع من عند آدم عليه السلام إلى الآن، وهؤلاء جهادهم واجب وقتالهم متعين حتى يقبلوا أحكام الإسلام ويذعنوا لها ويحكموا بينهم بالشريعة المطهرة ويخرجوا من جميع ماهم فيه من الطواغيت الشيطانية. ــ إلى قوله ــ ومعلوم من قواعد الشريعة المطهرة ونصوصها أن من جرد نفسه لقتـال هـؤلاء واستعان بالله وأخلص له النية فهو منصور وله العاقبة فقد وعد الله بهذا في كتابه العزيز (ولينصرن الله من ينصره) (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) (والعاقبة للمتقين) ــ إلى أن قال ــ
فإن تَرَكَ من هو قادر على جهادهم فهو متعرض لنزول العقوبة مستحق لما أصابه، فقد سلط الله على أهل الإسلام طوائف عقوبة لهم حيث لم ينتهوا عن المنكرات ولم يحرصوا على العمل بالشريعة المطهرة، كما وقع من تسليط الخوارج في أول الإسلام، ثم تسليط القرامطة والباطنية بعدهم، ثم تسليط الترك حتى كادوا يطمسون الإسلام، وكما يقع كثيرا من تسليط الفرنج ونحوهم فاعتبروا ياأولي الأبصار إن في هذا لعبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.) أهـ من رسالته (الدواء العاجل) صـ 33 ــ 35، ضمن (الرسائل السلفية) له، ط دار الكتب العلمية.
____________________________________

6 ــ الشـيخ عبداللطيـف بن عبدالرحمـن بن حسـن بن محمـد بن عبدالوهاب رحمهم الله.

سئل الشيخ عبداللطيف (1292هـ) عما يحكم به أهل السوالف من البوادي وغيرهم من عادات الآباء والأجداد، هل يُطلق عليهم بذلك الكفر بعد التعريف؟ فأجاب (من تحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بعد التعريف فهو كافر،«ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون»، و «أفغير دين الله يبغون» الآية، و «ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وماأنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، وقد أِمروا أن يكفروا به» الآية، و «ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت» الآية، والآيات في هذا المعنى كثيرة) أهـ من (الدرر السنية في الأجوبة النجدية) جمع عبدالرحمن بن قاسم، جـ 8 صـ 241، ط دار الإفتاء بالسعودية 1385هـ.
______

-الشيخ سليمان بن عبد الله:

من دعا إلى تحكيم غير الله ورسوله فقد دعا إلى تحكيم الطاغوت ثم قال وقوله تعالى: (وقد أمروا أن يكفروا به) هو دليل على أن التحاكم إلى الطاغوت مناف للإيمان ومضاد له، فلا يصح إيمان إلا بالكفر به، وترك التحاكم إليه، فمن لم يكفر بالطاغوت لم يؤمن بالله)
________

-العلامة عبد الرحمن بن حسن

قال: (فمن خالف ما أمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم بأن حكم بين الناس بغير ما أنزل الله أو طلب ذلك إتباعا لما يهواه ويريده، فقد خلع ربقة الإسلام والإيمان من عنقه، وإن زعم أنه مؤمن).
______

- الشيخ سليمان بن سحمان:

قال في رسالة له في الطاغوت (وحاصله: أن الطاغوت ثلاثة أنواع، طاغوت حكم، وطاغوت عبادة، وطاغوت طاعة ومتابعة، والمقصود في هذه الورقة هو طاغوت الحكم، فإن كثيرا من الطوائف المنتسبين إلى الإسلام، قد صاروا يتحاكمون إلى عادات آبائهم، ويسمون ذلك الحق بشرع الرفاقة، كقولهم شرع عجمان، وشرع قحطان، وغير ذلك، وهذا هو الطاغوت بعينه، الذي أمر الله باجتنابه. وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاجه، وابن كثير في تفسيره: أن من فعل ذلك فهو كافر بالله، زاد ابن كثير يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله"إلى أن قال: "وما ذكرناه من عادات البوادي، التي تسمى "شرع الرفاقة"هو من هذا الجنس، من فعله فهو كافر، يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير) . ووجه الدلالة واضح جداً فهذه الشرائع التي يتحاكم بها البوادي من شرع أجدادهم هي كالقوانين الوضعية تماماً.

_________________

7 ــ الشـيخ حَمَـد بـن عتيـق النجـدي رحمـه الله (1301هـ).

في رسـالتـه (بيـان النجــاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك) ذكر ضمن نواقض الإسلام (الأمر الرابع عشر: التحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذكر الشيخ حَمَد فتوى ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى «أفحكم الجاهلية يبغون»، ثم قال: ومثل هؤلاء ماوقع فيه عامة البوادي ومن شابههم من تحكيم عادات آبائهم وما وضعه أوائلهم من الموضوعات الملعونة التي يُسَمُّونها شرع الرِّفاقة، يقدمونها على كتاب الله وسنة رسوله، ومن فعل ذلك فإنه كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله) أهـ من (مجموعة التوحيد) لشيخي الإسلام، صـ 412، ط دار الفكر 1399 هـ.
___________________

8 ــ الشـيخ عبداللـه بن حميـد:

قال (ومــن أصـدر تشـريعـاً عـامـاً مُلـزمـاً للنــاس يتعارض مع حكم الله، فهذا يخرج من الملة كافراً) نقلا عن كتاب (أهمية الجهاد) لعلي بن نفيع العلياني، صـ 196، ط دار طيبة 1405 هـ.
________________________

9 ــ الشـيخ محمـد بن إبراهيـم آل الشـيخ (1389هـ)

حفيد الشيخ عبداللطيف المذكور آنفا. في رسالته (تحكيم القوانين) قال الشيخ محمد (إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة مانزل به الروح الأمين علي قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين، بلسان عربي مبين، في الحُكْم به بين العالمين، والرَدِّ إليه عند تنازع المتنازعين، مناقضةً ومعاندةً لقول الله عزوجلفإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلا) وقد نفى الله سبحانه وتعالى الإيمان عن مَّن لم يُحَكِّموا النبي صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم، نفياً مؤكداً بتكرار أداة النفي وبالقسم، (فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويُسلموا تسليما) ولم يكتف تعالى وتقدس منهم بمجرد التحكيم للرسول صلى الله عليه وسلم، حتى يُضيفوا إلى ذلك عَدَمَ وجود شيء من الحرج في نفوسهم بقوله جل شأنه (ثم لايجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت). والحَرَجُ: الضيقُ. بل لابدَّ من اتساع صدورهم لذلك وسلامتها من القلق والاضطراب. ولم يكتف تعالى أيضا هنا بهذين الأمرين، حتى يضمُّوا إليهما التسليم وهو كمالُ الانقياد لحكمه صلى الله عليه وسلم، بحيـث يتخلـون هاهنا مـن أي تعلـق للنفـس بهذا الشيء ويسلموا ذلك إلى الحكم الحق أتم تسليم، ولهذا أكد ذلك بالمصدر المؤكد، وهو قوله جل شأنه (تسليما) المبيِّن أنه لايُكتفى هاهنا بالتسليم.. بـل لابـد من التسليـم المطـلق.) أهـ ثم ذكر الشيخ محمد أن الحكـم بغـيـر ماأنـزل اللـه يكـون كفـراً أكـبر في أحـوال، الخامـس منها يصور واقع البلاد المحكومة بالقوانين الوضعية، وفيه قال:
(الخامـس: وهـو أعظمــها وأشمــلـها وأظهــرها معانـدة للشـرع ومكـابـرة لأحكامـه ومشـاقـة للـه ولرسـولـه، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية إعدادا وإمدادا وإرصادا وتأصيلا وتفريعا وتشكيلا وتنويعاً وحكما وإلزاما، ومراجع ومستـندات، فكما أن للمحاكـم الشرعية مراجع مستمدات مرجعها كلها إلي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلهذه المحاكم مراجع هي: القانون الملفق من شرائع شتي، وقوانين كثيرة، كالقانون الفرنسي، والقانون الأمريكي والقانون البريطاني، وغيرها من القوانين، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلي الشريعة وغير ذلك.
فهـذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة مفتوحة الأبواب، والناس إليها أسراب إثر أسراب، يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب، من أحكام ذلك القانون وتُلزمهم به وتقرهم عليه، وتحتمه عليهم. فأي كْفُر فوق هذا الكفر، وأي مناقضة للشهادة بأن محمداً رسول الله بعد هذه المناقضة.
وذكـر أدلـة جمـيع ماقدمـنا على وجـه البسـط معلومـة معروفة، لايحتمل ذكرها هذا الموضع، فيا معشر العقلاء! ويا جماعات الأذكياء وأولي النها! كيف ترضون أن تجري عليكم أحكام أمثالكم، وأفكار أشباهكم، أو من هو دونكم، ممن يجوز عليهم الخطأ، بل خطأهم أكثر من صوابهم بكثير، بل لاصواب في حكمهم إلا ما هو مستمد من حكم الله ورسوله، نصا أو استنباطا، تدعونهـم يحكمـون في أنفسكـم ودمائكم وأبشاركم، وأعراضكم وفي أهاليكم من أزواجكم وذراريكم، وفي أموالكم وسائر حقوقكم،ويتركون ويرفضون أن يحكموا فيكم بحكم الله ورسوله، الذي لايتطرق إليه الخطأ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه تنزيل من حكيم حميد. وخضوع الناس ورضوخهم لحكم ربهم خضوع ورضوخ لحكم مَنْ خلقهم تعالى ليعبدوه، فكما لايسجد الخلق إلا لله، ولايعبدون إلا إياه، ولا يعبدون المخلوق، فكذلك يجب أن لايرضخوا ولايخضعوا أو ينقادوا إلا لحكم الحكيم العليم الحميد، الرءوف الرحيم، دون حكم المخلوق، الظلوم الجهول، الذي أهلكته الشكوكُ والشهواتُ والشبهات، واستولت على قلوبهم الغفلةُ والقسوةُ والظلماتُ، فيجب على العقلاء أن يربأوا بنفوسهم عنه، لما فيه من الاستعباد لهم، والتحكم فيهم بالأهواء والأغراض، والأغلاط والأخطاء،فضلا عن كونه كفراً بنص قوله تعالىومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)) أهـ من رسالته (تحكيم القوانين)، وقد انتقدت من قبل قوله إن الحكم بغير ماأنزل الله يكون كفراً أصغر في بعض الأحوال .






10 ــ الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ،

(أ) في تفسـير قولـه تعالـى (إن هـذا القـرآن يهـدي للتي هـى أقوم) الإسراء ،قال الشنقيطي (ومن هدي القرآن للتي هي أقوم ــ بيانه أن كل من اتبع تشريعا غير التشريع الذي جاء به سيد ولد آدم محمد ابن عبد اللـه صلـوات اللـه وسلامـه عليـه، فاتباعـه لـذلك التشـريع المخـالـف كـفرٌ بـواحٌ مخـرجٌ من الملة الإسلامية. ولما قال الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم: الشاة تصبح ميتة من قتلها؟ فقال لهم: «الله قتلها» فقالوا له: ماذبحتم بأيديكم حلال، وماذبحه الله بيده الكريمة تقولون إنه حرام! فأنتم إذن أحسن من الله!؟ ــ أنزل الله فيهم قوله تعالى (ولاتأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) وحذف الفاء من قوله (إنكم لمشركون) يدل على قسم محذوف على حد قوله في الخلاصة:
واحذف لدي اجتماع شرط وقسم جـــواب ما أخــرت فهو ملتزم.
إذ لو كانت الجملة جوابا للشرط لاقترنت بالفاء على حد قوله في الخلاصة أيضا:
واقرن بِفَاحتماً جــــــوابا لو جعل شرطا لإن أو غـيرها لم ينجعل.
فهـو قسـم مـن اللـه جـل وعـلا أقسـم بـه على أن مـن اتبـع الشيطـان في تحلـيل الميتـة أنـه مشرك، وهذا الشرك مخرج عن الملة بإجماع المسلمين، وسيوبخ الله مرتكبه يوم القيامة بقوله: (ألم أعهد إليكم يابني آدم أن لاتعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين)لأن لأن طاعته في تشريعه المخالف للوحي هى عبادته، و (إنْ يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا) أي مايعبدون إلا شيطانا، وذلك باتباعهم تشريعه. وقال: (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم..) الآية، فسماهم شركاء لأنهم أطاعوهم في معصية الله تعالى. وقال عن خليله (ياأبت لاتعبد الشيطان) الآية، أي بطاعته في الكفر والمعاصي. ولما سأل عدي ابن حاتم النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا) الآية، بين له أن معنى ذلك أنهم أطاعوهم في تحريم ماأحل الله وتحليل ماحرم. والآيات بمثل هذا كثيرة.
والعجب ممن يُحكِّم غير تشريع الله ثم يدعي الإسلام، كما : (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وماأنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطـان أن يضلهـم ضـلالا بعيـدا)، وقالومـن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون). وقال: (أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين)) (أضواء البيان) 3/ 439 ــ 441.

(ب) وفي تفسـير قـولـه تعالى (ولايُشرك في حكمه أحداً) الكهف 26، قال الشنقيطي رحمه الله (قرأ هذا الحرف عامة السبعة ماعدا ابن عامر «ولايشرك» بالياء المثناة التحتية، وضم الكاف على الخبر، ولا نافية، والمعنى: ولايشرك الله جل وعلا أحداً في حكمه، بل الحكم له وحده جل وعلا لاحكم لغيره البتة، فالحلال ماأحله تعالى، والحرام ماحرمه، والدين ماشرعه، والقضاء ماقضاه، وقرأه ابن عامر من السبعة، «ولاتشرك» بضم التاء المثناة الفوقية وسكون الكاف بصيغة النهي، أي لاتشرك يانبي الله. أو لاتشرك أيها المخاطب أحداً في حكم الله جل وعلا، بل أخلص الحكم لله من شوائب شرك غيره في الحكم. وحكمه جل وعلا المذكور في قوله (ولايُشرك في حكمه أحداً) شامل لكل مايقضيه جل وعلا. ويدخل في ذلك التشريع دخولا أوليا.
وماتضمنته هذه الآية الكريمة من كون الحكم لله وحده لاشريك له فيه على كلتا القراءتين جاء مبينا في آيات آخر، كقوله تعالى: (إن الحكم إلا لله أمر أن لاتعبدوا إلا إياه) وقوله تعالى: (إن الحكم إلا لله عليه توكلت...) الآية، وقوله تعالى: (ومااختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله...) الآية، وقوله تعالىذلكم بأنه إذا دُعِيَ الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير)، وقوله تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون)، وقوله تعالى: (وله الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون)، وقوله (أفحكــم الجاهليــة يبغـون ومن أحســن مــن اللـه حكما لقوم يوقنون)، وقوله تعالى: (أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا).إلى غير ذلك من الآيات.
ويفهـم مـن هـذه الآيـات كقوله (ولايُشرك في حكمه أحداً) أن متبعي أحكام المشرعين غير ماشرعه الله أنهم مشركون بالله. وهذا المفهوم جاء مبيناً في آيات أخر، كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله (ولاتأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم. وهذا الإشراك في الطاعة، واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى ــ هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى(ألم أعهد إليكم يابني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين. وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) وقوله تعالى عن نبيه إبراهيم: (ياأبت لاتعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا)، وقوله تعالى (إن يدعون من دونه إلا إناثاً. وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً) أي مايعبدون إلا شيطانا، أي وذلك باتباع تشريعه، ولذا سمي الله تعالى الذين يطاعون فيما زينوا من المعاصي شركاء في قوله تعالى (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم....) الآية. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا لعدي بن حاتم رضي الله عنه لما سأله عن قوله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله...) الآية ــ فبين له أنهم أحلوا لهم ماحرم الله، وحرموا عليهم ماأحل الله فاتبعوهم في ذلك، وأن ذلك هو اتخاذهم إياهم أرباباً. ومن أصرح الأدلة في هذا: أن الله جل وعلا في سورة النساء بيَّن أن من يريدون أن يتحاكموا إلى غير ماشرعه الله يتعجب من زعمهم أنهم مؤمنون، وماذلك إلا لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب مايحصل منه العجب، وذلك في قوله تعالى (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وماأنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمِروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيداً).
وبهـذه النصـوص السماويـة التي ذكـرنا يظهـر غاية الظهور: أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، أنه لايشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم.
__________________________

11 ــ محمد بن جعفر الكتاني من علماء المغرب

في كتابه (نصيحـة أهــل الإســلام) قال (المبحـث السـادس: اتبـاع عـوائـد الكفــار والتمذهب بمذاهبهم والعمل بقوانينهم ــ إلى قوله ــ ومن جملتها، أعني تلك القوانين، الحكم في القضايا النازلة بين الخلق بغير ما حكم به فيها الملك الحق، بل بضوابط عقلية، وسياسات كفرية، وآراء فكرية، لم يأت بها شرع ولا دين، ولانزل بها مَلَكٌ من ملائكة الآه العالمين، وإنما هى أحكام مختلفة وافقهم فيها ضعفة الإيمان، ممن استزله وأغواه الشيطان حاولوا بها تبديل الشرع المطاع، وتحويل ماله من الأوضاع وإظهار عزتهم، وترويج كفرهم وشركهم وكلمتهم، والكتاب والسنة مملوآن بالتحذير من هذا، والتنفير عنه والوعيد عليه، والتقريع والتوبيخ لمن يفعله أو يميل بقلبه إليه، وكيف أيتها الأمة نتمذهب بمذاهبهم، ونأخذ في الدين بقوانينهم وأحكامهم، أو نميل أدنى ميل إليها، ونساعد في زمن من الأزمان عليها، والحق تعالى يقول في كتابه: «فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ــ إلى قوله ــ فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لايجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما»، ويقول: «وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ماأنزل الله إليك ــ إلى قوله ــ أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون»، ويقول: «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون» ثم قال: «فأولئك هم الظالمون» ثم قال: «فأولئك هم الفاسقون».
قال الطرطوشي في سـراجـه: فكـل مـن لـم يحكم بما جاء من عند الله ورسوله كملت فيه هذه الأوصاف الثلاثة: الكفر والظلم والفسق. أهـ)(نصيحة أهل الإسلام) صـ 191 ــ 194، ط مكتبة بدر بالرباط بالمغرب، 1409هـ. والطرطوشي هو أبو بكر الطرطوشي صاحب كتاب البدع، وله كتاب في السياسة الشرعية اسمه (سراج الملوك).
_____

12 ــ الشيخ أحمد شاكر:

(أ) في تعليقـه على تفسـير قوله تعالى (فـلا وربـك لايؤمنـون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) النساء 65، قال الشيخ أحمد شاكر (فانظرو أيها المسلمون، في جميع البلاد الإسلامية أو البلاد التي تنتسب للإسلام، في أقطار الأرض ــ إلى ماصنع بكم أعداؤكم المبشرون والمستعمرون: إذ ضربوا على المسلمين قوانين ضالة مدمرة للأخلاق والآداب والأديان، قوانين إفرنجية وثنية، لم تبن على شريعة ولا دين، بل بنيت على قواعد وضعها رجل كافر وثني، أبي أن يؤمن برسول عصره ــ عيسى عليه السلام ــ وأصر على وثنيته، إلى ماكان من فسقه وفجوره وتهتكه! هذا هو جوستنيان، أبو القوانين وواضع أسسها فيما يزعمون، والذي لم يستح رجل من كبار رجالات مصر المنتسبين ــ ظلماً وزوراً ــ إلى الإسلام، أن يترجم قواعد ذاك الرجل الفاسق الوثني، ويسميها «مدونة جوستنيان»! سخرية وهزءاً بـ «مدونة مالك»، إحدى موسوعات الفقه الإسلامي المبني على الكتاب والسنة، والمنسوبة إلى إمام دار الهجرة. فانظروا إلى مبلغ ذلك الرجل من السخف، بل من الوقاحة والاستهتار!
هذه القوانين التي فرضها على المسلمين أعداء الإسلام السافرو العداوة، هى في حقيقتها دين آخر جعلوه ديناً للمسلمين بدلا من دينهم النقي السامي. لأنهم أوجبوا عليهم طاعتها، وغرسوا في قلوبهم حبها وتقديسها والعصبية لها. حتى لقد تجري على الألسنة والأقلام كثيراً كلمات «تقديس القانون» «قدسية القضاء» «حَرَم المحكمة»، وأمثال ذلك من الكلمات التي يأبون أن توصف بها الشريعة الإسلامية وآراء الفقهاء الإسلاميين. بل هم حينئذ يصفونها بكلمات «الرجعية» «الجمود» «الكهنوت» «شريعة الغاب» إلى أمثال ماترى من المنكرات في الصحف والمجلات والكتب العصرية، التي يكتبها أتباع أولئك الوثنيين!
ثم صاروا يطلقون على هذه القوانين ودراساتها كلمة «الفقه» و «الفقيه» و «التشريع» و «المشرع»، وما إلى ذلك من الكلمات التي يطلقها علماء الإسلام على الشريعة وعلمائها. وينحدرون فيتجرؤن على الموازنة بين دين الإسلام وشريعته وبين دينهم المفتري الجديد!!. ــ إلى أن قال ــ
وصــار هــذا الــديــن الجــديــد هــو الــقواعـد الأساسية التي يتحاكم إليها المسلمون في أكثر بلاد الإسلام ويحكمون بها. سواء منها ماوافق في بعض أحكامه شيئاً من أحكام الشريعة وما خالفها. وكله باطل وخروج، لأن ماوافق الشريعة إنما وافقها مصادفة، لا اتباعاً لها، ولا طاعة لأمر الله وأمر رسوله. فالموافق والمخالف كلاهما مرتكس في حمأة الضلالة، يقود صاحبه إلى النار لايجوز لمسلم أن يخضع له أو يرضى به.
وقـد نـزيد هـذا المعنـى بـياناً، عنـد كلام الحافظ ابن كثير في تفسير الآية: 50 من سورة المائدة، إن شاء الله.) (عمدة التفسير مختصر تفسير ابن كثير) لأحمد شاكر، 3/ 214 ــ 215.

(ب) وفي تعليقـه علـى كـلام ابن كثـير في تفسـير قـولـه تعالى (أفحكم الجاهلية يبغون) المائدة 50، قال أحمد شاكر (أقول: «أفيجوز مع هذا في شرع الله أن يحكم المسلمون في بلادهم بتشريع مقتبس عن تشريعات أوربا الوثنية الملحدة؟، بل تشريع تدخله الأهواء والآراء الباطلة، يغيرونه ويبدلونه كما يشاءون، لا يبالي واضعه أوافق شرعة الإسلام أم خالفها؟
إن المسلمــين لم يُبْلَوْا بهذا قط فيما نعلم من تاريخهــم إلاّ في ذلك العهد عهـد التتـار، وكان من أسوأ عهــود الظلم والظلام ومع هذا فإنهم لم يخضعوا له، بل غلب الإسلام التتار، ثم مزجهم فأدخلهم في شرعته، وزال أثر ما صنعوا بثبات المسلمين علي دينهم وشريعتهم، وبأن هذا الحكم السييء الجائر، كان مصدره الفريق الحاكم إذ ذاك، لم يندمج فيه أحد من أفراد الأمم الإسلامية المحكومة، ولم يتعلموه، ولم يعلموه أبناءهم، فما أسرع ما زال أثره.
أفرأيتم هذا الوصف القوي من الحافظ ابن كثير ــ في القرن الثامن ــ لذاك القانون الوضعي، الذي صنعه عدو الإسلام «جنكيز خان»؟ ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر، في القرن الرابع عشر إلا في فرق واحد أشرنا إليه آنفا: أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام، أتي عليها الزمن سريعا، فاندمجت في الأمة الإسلامية وزال أثر ماصنعت.
ثم كان المسلمون الآن أسوأ حالا وأشد ظلما وظلاما منهم، لأن أكثر الأمم الإسلامية الآن تكاد تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة والتي هي أشبه شيء بذاك الياسق، الذي اصطنعه رجل كافر ظاهر الكفر. هذه القوانين التي يصنعها ناس ينتسـبون للإسـلام، ثم يتعلمها أبناء المسلمـين ويفخرون بذلك آباء وأبناء، ثم يجعلون مرد أمرهم إلي معتنقي هذا «الياسق العصري»، ويحقرون من يخالفهم في ذلك، ويسمون من يدعوهم إلى الاستمساك بدينهم وشريعتهم «رجعياً» و «جامداً»! إلى مثل ذلك من الألفاظ البذيئة.
بــل إنهــم أدخـلــوا أيــديهــم فيــما بقــي فــي الحكم من التشريع الإسلامي، يريدون تحويله إلى «ياسقهم الجديد»، بالهوينا واللين تارة، وبالمكر والخديعة تارة، وبما ملكت أيديهم من السلطان تارات. ويصرحون ــ ولايستحيون ــ بأنهم يعملون على فصل الدولة عن الدين!!
أفيجــوز إذن ــ مــع هـذا ــ لأحـد مـن المسلمين أن يعتنق هذا الدين الجديد، أعني التشريع الجديد! أوَ يجوز لأب أن يرسل أبناءه لتعلم هذا واعتناقه واعتقاده والعمل به، عالماً كان الأب أو جاهلاً؟!
أو يجوز لرجل مسلم أن يلي القضاء في ظل هذا الياسق العصري، وأن يعمل به، ويعرض عن شريعة الله البينة؟ ما أظن أن رجلاً مسلماً يعرف دينه، ويؤمن به جملة وتفصيلا، ويؤمن بأن هذا القرآن أنزله الله على رسوله كتابا محكماً، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبأن طاعته وطاعة الرسول الذي جاء به واجبة قطعية الوجوب في كل حال، ما أظنه يستطيع إلا أن يجزم غير متردد ولا متأول بأن ولاية القضاء في هذه الحال باطلة بطلاناً أصلياً. لا يلحقه التصحيح ولا الإجازة.
إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس. هي كفر بواح، لا خفاء فيه ولا مداورة. ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام ــ كائنا من كان ــ في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها، فليحذر امروء لنفسه، وكل امريء حسيب نفسه».
ألا فليصـدع العلمـاء بالحـق غـير هيـابـين، وليبلغـوا مـاأمـروا بتبليغــه، غـير موانين ولامقصرين.) أهـ (عمدة التفسير) 4/ 173 ــ 174.

(جـ) وفـي تعلـيقـه على تفسـير قوله تعالى (يـاأيهـا الـذيـن آمنـوا إن تطيـعــوا الذيـن كفـروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين) آل عمران 149، قال أحمد شاكر (وقد وقع المسلمون في هذه العصور الأخيرة فيما نهاهم الله عنه من طاعة الذين كفروا فأسلموا إلى الكفار عقولهم وألبابهم، وأسلموا إليهم ــ في بعض الأحيان ــ بلادهم، وصاروا في كثير من الأقطار رعية للكافرين من الحاكمين، وأتباعاً لدول هى ألد الأعداء للإسلام والمسلمين، ووضعوا في أعناقهم ربقة الطاعة لهم، بما هو من حق الدولة من طاعة المحكوم للحاكم. بل قاتل ناس ينتسبون للإسلام من رعايا الدول العدوة للإسلام ــ إخوانهم المسلمين في دول كانت إسلامية إذ ذاك. ثم عم البلاء، فظهر حكام في كثير من البلاد الإسلامية يدينون بالطاعة للكفار ــ عقلا وروحاً وعقيدة ــ واستذلوا الرعية من المسلمين وبثوا فيهم عداوة الإسلام بالتدريج، حتى كادوا يردوهم على أعقابهم خاسرين، وماأولئك بالمسلمين. فإنا لله وإنا إليه راجعون.) (عمدة التفسير) 3/51
(د) وفـي تعليقـه على تفسـير قوله تعالى(ياأيـها الذيـن آمنـوا اتقوا الله وذروا مابقي من الربا إن كنتم مؤمنـين، فـإن لـم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) البقرة 278 ــ 279، قال أحمد شاكر رحمه الله (فانظروا ــ أيها المسلمون إن كنتم مسلمين ـ إلى بلاد الإسلام في كافة أقطار الأرض إلا قليلا، وقد ضربت عليها القوانين الكافرة الملعونة، المقتبسة من قوانين أوربة الوثنية الملحدة، التي استباحت الربا استباحة صريحة بألفاظها وروحها، والتي يتلاعب فيها واضعوها بالألفاظ، بتسمية «الربا»: «فائدة» حتى لقد رأينا ممن ينتسب إلى الإسلام، من رجال هذه القوانين ومن غيرهم ممن لايفقهون ــ من يجادل عن هذه الفائدة، ويرمي علماء الإسلام بالجهل والجمود، إن لم يقبلوا منهم هذه المحاولات لإباحة الربا.
أيهـا المسلمـون! إن اللـه لم يتوعد في القرآن بالحرب على معصية من المعاصي غير الربا. فانظروا إلى أنفسكم وأممكم ودينكم. ولن يغلب الله غالب.) (عمدة التفسير) 2/ 197.
وتـأمـل قـولـه (قـوانـين أوربا....التي استباحت الربا استباحة صريحة بألفاظها)، وذلك لأن التشريع المخالف لشرع الله هو استحلال واستباحه .
وللشيخ أحمد شاكر كلام آخر في القوانين الوضعية والحكم بها راجعه في المواضع التالية:
* في (عمدة التفسير) جـ 1 صـ 175 و 204 و 227 ــ 228، جـ 2 صـ 192، جـ 3 صـ 38 و 102 ــ 109 و 125 و 135، جـ 4 صـ 146 ــ 147.* وفي تعليقه على (المسند لأحمد بن حنبل) جـ 6 صـ 303 و 305.
* وفي تعليقه على (الرسالة للشافعي) صـ 505.
_____________________

13 ــ الشيخ محمود شاكر
نقــل عنــه أخــوه الشـيخ أحـمـد شـاكـر قوله (وإذن، فلـم يكـن سـؤالهم عما احتج به مبتدعة زماننا، من القضاء في الأموال والأعراض والدماء بقانون مخالف لشريعة أهل الإسلام، ولافي إصدار قانون ملزم لأهل الإسلام بالاحتكام إلى حكم غير الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم. فهذا الفعل إعراض عن حكم الله ورغبة عن دينه وإيثار لأحكام أهل الكفر على حكم الله سبحانه وتعالى، وهذا كفر لايشك أحد من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي إليه.) (عمدة التفسير) 4/ 157.
___________

سيد قطب
ولــه كــلام جيــد في تفســير آيــات ســورة المائــدة (ومن لم يحكم بما أنزل الله) فراجعه، ومما قاله في تفسير سورة الأنعام (إن الذين يحكمون على عابد الوثن بالشرك، ولايحكمون على المتحاكم إلى الطاغوت بالشرك، ويتحرجون من هذه ولايتحرجون من تلك، إن هؤلاء لايقرأون القرآن، ولايعرفون طبيعة هذا الدين، فليقرأوا القرآن، كما أنزله الله، وليأخذوا قول الله بجد «وإن أطعتموهم إنكم لمشركون») إلى آخر ما ذكره (في ظلال القرآن) صـ 1216.

أقوال شيخ الإسلام في الحكام المحكمين للقوانين الوضعيه

$
0
0
Photo: ‎أقوال شيخ الإسلام في الحكام المحكمين للقوانين الوضعيه ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ونقله رحمه الله الاجماع علي كفر المبدلين للشرع والدين ____________________________________  -قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والحكم بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم هو عدل خاص وهو أكمل أنواع العدل وأحسنها، والحكم به واجب على النبي صلى الله عليه وسلم وكل من اتبعه، ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر) [منهاج السنة ج 5/131].  -وقال رحمه الله: (ومعلوم أن من أسقط الأمر والنهى الذى بعث الله به رسله فهو كافر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى) [مجموع الفتاوى ج 8/ص 106].  -وقال: (وقد يقولون إن الشرائع قوانين عدلية وضعت لمصلحة الدنيا، فأما المعارف والحقائق والدرجات العالية فى الدنيا والآخرة فيفضلون فيها أنفسهم وطرقهم على الأنبياء وطرق الأنبياء، وقد علم بالاضطرار من دين المسلمين أن هذا من أعظم الكفر والضلال) [مجموع الفتاوى 2/232].  -وقال رحمه الله تعالى: (ومعلوم بالإضطرار من دين المسلمين وبإتفاق جميع المسلمين أن من سوغ إتباع غير دين الإسلام أو إتباع شريعة غير شريعة محمد فهو كافر، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب) [مجموع الفتاوى 28/524].  -وقال رحمة الله تعالى : فكل من خرج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته، فقد أقسم الله بنفسه المقدسة أنه لا يؤمن حتى يرضي بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع ما يشجر بينهم من أمور الدين والدنيا [مجموع الفتاوى (28/471).]  -وقال رحمة الله تعالى : بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله سبحانه وتعالى، كسوالف البادية وكأوامر المطاعين فيهم، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة، وهذا هو الكفر [منهاج السنة النبوية (5/130).]  -وقال : فالأمور المشتركة بين الأمة لا يحكم فيها إلا الكتاب والسنة، ليس لأحد أن يلزم الناس بقول عالم ولا أمير ولا شيخ ولا ملك، ومن اعتقد أنه يحكم بين الناس بشيء من ذلك ولا يحكم بينهم بالكتاب والسنة فهو كافر[ منهاج السنة (5/132). ]  -قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) (35/388): ___________________________  (فإن الحاكم إذا كان ديِّنًا، لكنه حكم بغير علم؛ كان من أهل النار، وإن كان عالمًا؛ لكنه حكم بخلاف الحق الذي يعلمه؛ كان من أهل النار، وإذا حكم بلا عدل ولا علم؛ كان أولى أن يكون من أهل النار. وهذا إذا حكم في قضية معينة لشخص، وأما إذا حكم حكمًا عامّا في دين المسلمين ، فجعل الحق باطلاً والباطل حقّا، والسنة بدعة والبدعة سنة، والمعروف منكرًا والمنكر معروفًا، ونهى عما أمر الله به ورسوله؛ فهذا لون آخر، يحكم فيه رب العالمين، وإله المرسلين، مالك يوم الدين، الذي (لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون)، (الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)) _________________________‎
ونقله رحمه الله الاجماع علي كفر المبدلين للشرع والدين
____________________________________

-قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والحكم بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم هو عدل خاص وهو أكمل أنواع العدل وأحسنها، والحكم به واجب على النبي صلى الله عليه وسلم وكل من اتبعه، ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر) [منهاج السنة ج 5/131].

-وقال رحمه الله: (ومعلوم أن من أسقط الأمر والنهى الذى بعث الله به رسله فهو كافر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى) [مجموع الفتاوى ج 8/ص 106].

-وقال: (وقد يقولون إن الشرائع قوانين عدلية وضعت لمصلحة الدنيا، فأما المعارف والحقائق والدرجات العالية فى الدنيا والآخرة فيفضلون فيها أنفسهم وطرقهم على الأنبياء وطرق الأنبياء، وقد علم بالاضطرار من دين المسلمين أن هذا من أعظم الكفر والضلال) [مجموع الفتاوى 2/232].

-وقال رحمه الله تعالى: (ومعلوم بالإضطرار من دين المسلمين وبإتفاق جميع المسلمين أن من سوغ إتباع غير دين الإسلام أو إتباع شريعة غير شريعة محمد فهو كافر، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب) [مجموع الفتاوى 28/524].

-وقال رحمة الله تعالى : فكل من خرج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته، فقد أقسم الله بنفسه المقدسة أنه لا يؤمن حتى يرضي بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع ما يشجر بينهم من أمور الدين والدنيا [مجموع الفتاوى (28/471).]

-وقال رحمة الله تعالى : بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله سبحانه وتعالى، كسوالف البادية وكأوامر المطاعين فيهم، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة، وهذا هو الكفر [منهاج السنة النبوية (5/130).]

-وقال : فالأمور المشتركة بين الأمة لا يحكم فيها إلا الكتاب والسنة، ليس لأحد أن يلزم الناس بقول عالم ولا أمير ولا شيخ ولا ملك، ومن اعتقد أنه يحكم بين الناس بشيء من ذلك ولا يحكم بينهم بالكتاب والسنة فهو كافر[ منهاج السنة (5/132). ]

-قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) (35/388):
___________________________

(فإن الحاكم إذا كان ديِّنًا، لكنه حكم بغير علم؛ كان من أهل النار، وإن كان عالمًا؛ لكنه حكم بخلاف الحق الذي يعلمه؛ كان من أهل النار، وإذا حكم بلا عدل ولا علم؛ كان أولى أن يكون من أهل النار. وهذا إذا حكم في قضية معينة لشخص، وأما إذا حكم حكمًا عامّا في دين المسلمين ، فجعل الحق باطلاً والباطل حقّا، والسنة بدعة والبدعة سنة، والمعروف منكرًا والمنكر معروفًا، ونهى عما أمر الله به ورسوله؛ فهذا لون آخر، يحكم فيه رب العالمين، وإله المرسلين، مالك يوم الدين، الذي (لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون)، (الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا))
________________________

الرد القاطــع علي من اتهم شيخ الاســلام بالباطل

$
0
0
Photo: ‎الرد القاطــع علي من اتهم شيخ الاســلام بالباطل  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  قولهم بنفي شيخ الاسلام ابن تيمية لصحة تقسيم الدين إلى أصول وفروع  _________  وكانوا ممن قال فيهم رحمه الله (وهؤلاء قد يجدون من كلام بعض المشايخ –كلمات مشتبهة مجملة- فيحملونها على المعاني الفاسدة، كما فعلت النصارى فيما نُقِلَ لهم عن الأنبياء، فيدعون المحكم؛ ويتبعون المتشابه). "الفتاوى" (2/374). _____________  فأوردوا قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ رحمه الله ـ :  _______________________________________  (وَمَا قَسَّمُوا الْمَسَائِلَ إلَى مَسَائِلِ أُصُولٍ يَكْفُرُ بِإِنْكَارِهَا وَمَسَائِلِ فُرُوعٍ لَا يَكْفُرُ بِإِنْكَارِهَا . فَأَمَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَ نَوْعٍ وَتَسْمِيَتِهِ مَسَائِلَ الْأُصُولِ وَبَيْنَ نَوْعٍ آخَرَ وَتَسْمِيَتِهِ مَسَائِلَ الْفُرُوعِ فَهَذَا الْفَرْقُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ لَا عَنْ الصَّحَابَةِ وَلَا عَنْ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَلَا أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذٌ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَمْثَالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَعَنْهُمْ تَلَقَّاهُ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي كُتُبِهِمْ ) اهـ[ مجموع الفتاوى ( 23 / 346 ) ].  ففهموا من كلامه أمرين :  1- بطلان تقسيم مسائل الدين إلى أصول وفروع وبدعية ذلك التقسيم .  2- أن تقسيم مسائل الدين إلى مسائل لا عذر فيها بالجهل وأخرى تقبل العذر بالجهل هو تقسيم بدعي موروث من المعتزلة وأهل البدع .  ونرد على فهمهم الباطل فنقول مستعينين بالله : ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إن منشأ بطلان تقريرهم هو أنهم لما وقعوا على هذا النقل وكان ظاهره يخدم التأصيل لشركهم وبدعتهم المقيتة وكان بعضهم ممن له هوى في الانتصار لعذر المشركين بشتى المعاذير نسوا أنه كان ينبغي عليهم تتبع سائر كلام الشيخ رحمه الله في جميع مواضع كلامه من كتبه حتى يفهموا مذهبه لكن الهوى يعمي ويصم وسنقوم نحن بهذا العمل حتى يتبين لنا مقصد الشيخ فيما نقلوه عنه ونعرف مذهب الشيخ في تقسيم الدين إلى أصول وفروع .  - أما الجواب عن الفهم الأول : ____________________  وهو أنه تقسيم الدين إلى أصول وفروع لم يقل به أحد من السلف وهو تقسيم مبتدع في دين الله.  وسنورد أقوال أسلافنا من أهل العلم ممن ينتهجون منهج أهل السنة بل صاروا أعلاما على هذا المذهب :  1- الإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله :  قال الإمام الدارمي ـ رحمه الله ـ في رده على الجهمي : ـ  ( وقد علمتم يقينا أنا لم نخترع هذه الروايات ولم نفتعلها بل رويناها عن الأئمة الهادية الذين نقلوا أصول الدين وفروعه إلى الأنام ). [ الرد على الجهمية ص : 97 ].  ويقول الدارمي أيضا :  ( وهي هذه الآثار وهي أصول الدين وفروعه ) [ نقض الدارمي على بشر المريسي ج 2 / 659 ].  2- وقال الإمام أبو عبيدة القاسم بن سلام ـ رحمه الله ـ في كتابه " الإيمان " :  ( كذلك في الحديث المثبت عنه أنه قال : (( الإيمان بضعة وسبعون جزءا أفضلها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق))  قال أبو عبيدة حدثنا أبو أحمد الزبيري عن سفيان بن سعيد عن سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة بهذا الحديث وإن كان زائدا في العدد فليس هو بخلاف ما قبله وإنما تلك دعائم وأصول وهذه فروعها زائدات في شعب الإيمان من غير تلك الدعائم)[كتاب الإيمان ص :24 ـ 25 ].  3- قال "الشافعي": فقال لي قائل: ما العِلْمُ؟ وما يَجِبُ على الناس في العلم؟ فقلت له: العلم عِلْمان: علمُ عامَّةٍ، لا يَسَعُ بالِغاً غيرَ مغلوب على عقْلِه جَهْلُهُ. قال: ومِثْل ماذا؟ قلت: مثلُ الصَّلَوَاتِ الخمس، وأن لله على الناس صومَ شهْر رمضانَ، وحجَّ البيت إذا استطاعوه، وزكاةً في أموالهم، وأنه حرَّمَ عليهم الزِّنا والقتْل والسَّرِقة والخمْر، وما كان في معنى [ص:358] هذا، مِمَّا كُلِّفَ العِبادُ أنْ يَعْقِلوه ويعْملوه ويُعْطُوه مِن أنفسهم وأموالهم، وأن يَكُفُّوا عنه ما حرَّمَ عليهم منه. وهذا الصِّنْف كلُّه مِن العلم موجود نَصًّا في كتاب الله، وموْجوداً  عامًّا عنْد أهلِ الإسلام، ينقله عَوَامُّهم عن مَن مضى من عوامِّهم، يَحْكونه عن رسول الله، ولا يتنازعون في حكايته ولا وجوبه عليهم.[ص:359] وهذا العلم العام الذي لا يمكن فيه الغلط مِن الخبر، ولا التأويلُ، ولا يجوز فيه التنازعُ. قال: فما الوجه الثاني؟ قلت له: ما يَنُوبُ العِباد مِن فُروع الفرائض، وما يُخَصُّ به مِن الأحكام وغيرها، مما ليس فيه نصُّ كتاب، ولا في أكثره نصُّ سنَّة، وإن كانت في شيء منه سنةٌ فإنما هي مِن أخْبار الخاصَّة، لا أخبارِ العامَّة، وما كان منه يحتمل التأويل ويُسْتَدْرَكُ قِياسًا. قال: فيَعْدُو هذا أن يكون واجِبًا وجوبَ العلم قبله؟ أوْ مَوْضوعاً عن الناس عِلْمُه، حتَّى يكونَ مَنْ عَلِمَهُ مُنْتَفِلاً، [ص:360] ومَنْ تَرَكَ علْمَه غيرَ آثِمٍ بِتركه، أو مِنْ وَجْهٍ ثالثٍ، فتُوجِدُنَاهُ خَبَرًا أو قياسا؟)  4- قال الإمام البغوي رحمه الله : (بل سوء الفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام، وهو أصل كل خطأ في الفروع والأصول، لا سيما إذا أضيف إليه سوء القصد، والله المستعان.  5- وأما كلام شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله نفسه باثبات أصول وفروع للدين : ويقول بن تيمية ـ رحمه الله ـ :  ( فتدبر هذا المقام فإنه كثيرا ما يجول في الشريعة وغيرها أصولا وفروعا ) [ مجموع الفتاوى ج 5 / 451 ]. ـ ويقول أيضا :  ( قال المفسرون لمذهبهم ( أي أهل السنة ) إن له أصولا وفروعا وهو مشتمل على أركان وواجبات ) [ مجموع الفتاوى ج 12 / 472 ]. - قال شيخ الإسلام رحمه الله في كتاب (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ) :  (ولفظ (التوسل) قد يراد به ثلاثة أمور، يراد به أمران متفق عليهما بين المسلمين.  - أحدهما: هو أصل الإيمان والإسلام، وهو التوسل بالإيمان به  وبطاعته.  - والثاني: دعاؤه وشفاعته، وهذا أيضاً نافع يتوسل به من دعا له وشفع فيه باتفاق المسلمين. ومن أنكر التوسل به بأحد هذين المعنيين فهو كافر مرتد يستتاب، فإن تاب وإلا قتل مرتداً.  - ولكن التوسل بالإيمان وبطاعته هو أصل الدين، وهذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام للخاصة والعامة، فمن أنكر هذا المعنى فكفره ظاهر للخاصة والعامة.  - وأما دعاؤه وشفاعته وانتفاع المسلمين بذلك فمن أنكره فهو أيضاً كافر، لكن هذا أخفى من الأول، فمن أنكره عن جهل عُرِّف ذلك، فإن أصر على إنكاره فهو مرتد.)  - قال شيخ الاسلام ابن تيميه- رحمه الله- : ( وَمِثْلُ هَذِهِ الطُّرُقِ هِيَ الَّتِي كَانَ يَسْتَعْمِلُهَا السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَطَالِبِ، كَمَا اسْتَعْمَلَ نَحْوَهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَبِمِثْلِ ذَلِكَ جَاءَ الْقُرْآنُ فِي تَقْرِيرِ أُصُولِ الدِّينِ مِنْ مَسَائِلِ التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ) الفتاوى (1- 130)   - قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : (وأما قوله: إن ذلك كان من النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يؤمر الناس بالجهاد، فلا أدري ما هذا. فإن كان أراد أن ذلك منسوخ، فغير جائز عند العلماء دخول النسخ في إخبار الله تعالى وأخبار رسوله، لأن المخبر بشيء، كان أو يكون، إذا رجع عن ذلك، لم يخل رجوعه عن تكذيبه لنفسه، أو غلطة فيما أخبر به، أو نسيانه.  وقد جل الله وعصم رسوله في الشريعة والرسالة منه. وهذا لا يجهله ولا يخالف فيه أحد له أدنى فهم، فقف عليه، فإنه أمر جسيم من أصول الدين.) التعارض 8- 381   - قال شيخ الإسلام ابن تيميه بأوضح عبارة رحمه الله : (فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْمَخْلُوقَ لَا يَكُونُ مَمْلُوكُهُ شَرِيكَهُ فِيمَا لَهُ حَتَّى يَخَافَ مَمْلُوكَهُ، كَمَا يَخَافُ نَظِيرَهُ، بَلْ تَمْتَنِعُونَ أَنْ يَكُونَ الْمَمْلُوكُ لَكُمْ نَظِيرًا، فَكَيْفَ تَرْضَوْنَ لِي أَنْ تَجْعَلُوا مَا هُوَ مَخْلُوقِي وَمَمْلُوكِي شَرِيكًا لِي، يُدْعَى وَيُعْبَدُ كَمَا أُدْعَى وَأُعْبَدُ، كَمَا كَانُوا يَقُولُونَ فِي تَلْبِيَتِهِمْ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك، إلَّا شَرِيكٌ هُوَ لَك تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ. وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ عَظِيمٌ جِدًّا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ فِي الْقُرْآنِ وَالْحِكْمَةِ النَّبَوِيَّةِ عَامَّةَ أُصُولِ الدِّينِ مِنْ الْمَسَائِلِ وَالدَّلَائِلِ الَّتِي تُسْتَحَقُّ أَنْ تَكُونَ أُصُولَ الدِّينِ.) درء التعارض 1-19  - قال شيخ الإسلام رحمه الله : (ولو كان الناس محتاجين في أصول دينهم إلي ما لم يبينه الله ورسوله لم يكن الله قد أكمل للأمة دينهم، ولا أتم عليهم نعمته، فنحن نعلم أن كل حق يحتاج الناس إليه في أصول دينهم لا بد أن يكون مما بينه الرسول، إذ كانت فروع الدين لا تقوم إلا بأصوله، فكيف يجوز أن يترك الرسول أصول الدين التي لا يتم الإيمان إلا بها لا يبينها للناس؟) درء التعارض 1-233   أما الجواب عن الفهم الثاني :  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  وهو أن تقسيم الدين لمسائل لا عذر فيها بالجهل ومسائل يعذر فيها بالجهل تقسيم مبتدع فنجيب عليه بجوابين :   الجواب الأول :   أننا إذا سلمنا أن مراد ابن تيمية بقوله ( الأصول والفروع ) ما هو معروف عند أهل السنة من المسائل التي تندرج تحت هذين اللفظين؛ فإنا لم نقل بأن كل مسألة من أصول الدين لا يعذر فيها بالجهل، فإن المسألة قد تكون مندرجة تحت مسائل الأصول مثل بعض الصفات التي جاءت الأدلة الشرعية بإثباتها ( كصفة الساق والضحك ونحو ذلك ) . ولا يكفر جاهلها ومنكرها بالتأويل إلا أن تقوم عليه الحجة وذلك لخفاء الدليل أو النص الذي ورد بإثباتها، أو عدم العلم بدلالة النص على إثباتها .  فنحن لم نقل بأن كل ما كان من مسائل الاعتقاد يكفر جاهله، أو  متأوله.  بل هناك تفصيل في ذلك مما يصح الجهل فيه ويكون صاحبه معذورا، وما ليس كذلك. كأصل الأصول الذي أنزل الله من أجله الكتب، وأرسل به كافة رسله، وأقام عليه الدلائل الواضحة من كل وجه . قال تعالى : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: من الآية36]. وقال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } [الأنبياء : 25] وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم (( الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتي ودينهم واحد )) .  قال الإمام البغوي رحمه الله : (يريد : أن أصل دين الأنبياء واحد، وإن كانت شرائعهم مختلفة ) [شرح السنة للبغوي ج 13 / 200 ].  وقال السيوطي :  ( والمعني أنهم متفقون في أصل التوحيد وشرائعهم مختلفة )  [ شرح مسلم ج 5 / 449 ].  ويقول الإمام ابن القيم :  (شبه دين الأنبياء الذين اتفقوا عليه من التوحيد وهو عبادة الله وحده لا شريك له والإيمان به وبملائكته وكتبه ورسله ولقائه بالأب الواحد لاشتراك جميعهم فيه وهو الدين الذي شرعه الله لأنبيائه كلهم ) [بدائع الفوائد ج 3 / 719 ].  ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية :   (وَعِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ : هِيَ أَصْلُ الدِّينِ وَهُوَ التَّوْحِيدُ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ بِهِ الْكُتُبَ فَقَالَ تَعَالَى : { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ }.[ مجموع الفتاوى ج 3 / 397 ].  وقد نص العلماء على عدم العذر بالجهل في بعض العمليات (الفروع) مما يكون معلوما من الدين بالضرورة واشتهر علمه بين الناس كالصلاة والزكاة ومن الأمور الاعتقادية ما يعذر فيه بالجهل لخفاء أدلته كبعض مسائل الصفات ومسائل القدر فلابد فيها من اقامة الحجة على المخالف في هذه المسائل  فنحن لم نقل بأن كل أصول الاعتقاد يكفر جاهلها  . ولم نقل كذلك بأن فروع الشريعة لا يكفر جاهلها  . وبذلك تدرك أنه لا يجوز لأحد أن يحتج علينا بكلام ابن تيمية الذي يقول فيه عن أهل السنة :  ( وما قسموا المسائل إلى مسائل أصول يكفر بإنكارها ومسائل فروع لا يكفر بإنكارها ) اهـ   ولذلك قال ابن القيم رحمه الله :  ( فإن كثيرا من مسائل الفروع يكفر جاحدها وكثير من مسائل الأصول لا يكفر جاحدها ) .  الجواب الثاني : ـــــــــــــــــــــ  شيخ الإسلام رحمه الله لما تكلم فيما نقلوه عنه إنما قصد ذم المسائل التي وضعها أهل البدع من المتكلمين وتابعوا فيها المعتزلة و الجهمية والرافضة .  وهي أمورا مبتدعة في دين الإسلام سموها أصولا للدين والإسلام وجعلوا الإسلام متوقفا عليها، وكثير من تلك الأصول إن لم تكن كلها لا يستحق أن ينسب إلى الدين فضلا عن أن يكون من أصوله . ورتبوا على ذلك أن كل من أخطأ فيها أو جهلها أو أنكرها فهو كافر عندهم.  وتلك المسائل التي سماها هؤلاء المتكلمين أصول الدين هي: ( مسائل العرض، والجوهر، وامتناع الحوادث، وإمامة الإثني عشرية وغيرها ) . وكفر هؤلاء المتأول والجاهل بهذه المسائل بدعوي أنها من مسائل أصول الدين . فالرافضة مثلا عندهم أن الإمامة من أصول الديانة التي لا يصح الإسلام من دون اعتناقها واعتقادها .  وسأنقل لك بعض النصوص عن شيخ الإسلام ابن تيمية ليتبين لك أن مراده هو الرد على المعتزلة وأضرابهم من أهل البدع .   ـ قال رحمه الله :  ( وإنما الغرض على أن في القرآن والحكمة النبوية عامة أصول الدين من المسائل التي تكون من أصول الدين، أما ما يدخله بعض الناس في هذا المسمي من الباطل فليس ذلك من أصول الدين، وإن أدخله من أدخله، من المسائل والدلائل الفاسدة، مثل نفي الصفات والقدر ونحو ذلك من المسائل ) [ مختصر الفتاوى المصرية ص : 222 ].  ـ ويقول أيضا رحمه الله :  (كَمَا أَنَّ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ يُسَمِّي مَا وَضَعَهُ " أُصُولَ الدِّينِ " وَهَذَا اسْمٌ عَظِيمٌ وَالْمُسَمَّى بِهِ فِيهِ مِنْ فَسَادِ الدِّينِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ . فَإِذَا أَنْكَرَ أَهْلُ الْحَقِّ وَالسُّنَّةِ ذَلِكَ قَالَ الْمُبْطِلُ : قَدْ أَنْكَرُوا أُصُولَ الدِّينِ . وَهُمْ لَمْ يُنْكِرُوا مَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسَمَّى أُصُولَ الدِّينِ وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا مَا سَمَّاهُ هَذَا أُصُولَ الدِّينِ وَهِيَ أَسْمَاءٌ سَمَّوْهَا هُمْ وَآبَاؤُهُمْ بِأَسْمَاءِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ) [مجموع الفتاوى ج 4 / 56 ]. ـ وهناك نصوص أخري لشيخ الإسلام تبين أن مراده هو ما يدخله المتكلمون في أصول الدين وليس منها . انظر : ( درء تعارض العقل والنقل ج 1 / 144 ). وكتاب ( منهاج السنة ( ج 3 / 22 ـ 23 ).   ـ ويقول ـ أيضا ـ رحمه الله ـ :  (وَالسَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ - الَّذِينَ ذَمُّوا وَبَدعُوا الْكَلَامَ فِي الْجَوْهَرِ وَالْجِسْمِ وَالْعَرَضِ تَضَمَّنَ كَلَامُهُمْ ذَمَّ مَنْ يُدْخِلُ الْمَعَانِيَ الَّتِي يَقْصِدُهَا هَؤُلَاءِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي أُصُولِ الدِّينِ : فِي دَلَائِلِهِ وَفِي مَسَائِلِهِ : نَفْيًا وَإِثْبَاتًا ) [ مجموع الفتاوى ج /3 308 ].  ـ ويقول ـ أيضا ـ رحمه الله :  (وَأَنَّ مَا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ أُصُولُ الدِّينِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْهَى عَنْهَا بِحَالِ بِخِلَافِ مَا سُمِّيَ أُصُولَ الدِّينِ وَلَيْسَ هُوَ أُصُولًا فِي الْحَقِيقَةِ . لَا دَلَائِلَ وَلَا مَسَائِلَ، أَوْ هُوَ أُصُولٌ لِدِينِ لَمْ يَشْرَعْهُ اللَّهُ بَلْ شَرَعَهُ مَنْ شَرَعَ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) [ مجموع الفتاوى ج 3 / 308 ـ 309 ].  هذا وقد بين شيخ الإسلام رحمه الله أن ما ظهر من الدين واشتهر من الفروع والأصول وكذلك ما كان داخلا في أصل دين الإسلام بحيث لا يجامع الإسلام مطلقا وهو الشرك بالله لا عذر فيه بالجهل بخلاف المسائل الخفية و التى لا يعلمها إلا الخاصة ولا تقدح في أصل الإسلام يعذر فيها الجاهل ولا يكفر حتى يعرف وإليك أقواله :  - قال شيخ الإسلام ـرحمه الله ـ في معرض ذمه لأهل الكلام وما يقعون فيه قال : ( وَهَذَا إذَا كَانَ فِي الْمَقَالَاتِ الْخَفِيَّةِ فَقَدْ يُقَالُ : إنَّهُ فِيهَا مُخْطِئٌ ضَالٌّ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الَّتِي يَكْفُرُ صَاحِبُهَا؛ لَكِنَّ ذَلِكَ يَقَعُ فِي طَوَائِفَ مِنْهُمْ فِي الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي تَعْلَمُ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهَا مِنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ؛ بَلْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى يَعْلَمُونَ : أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ بِهَا وَكَفَّرَ مُخَالِفَهَا؛ مِثْلُ أَمْرِهِ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَنَهْيُهُ عَنْ عِبَادَةِ أَحَدٍ سِوَى اللَّهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ وَالْأَصْنَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ هَذَا أَظْهَرُ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَمِثْلُ أَمْرِهِ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَإِيجَابِهِ لَهَا وَتَعْظِيمِ شَأْنِهَا وَمِثْلُ مُعَادَاتِهِ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ وَالصَّابِئِينَ وَالْمَجُوسِ وَمِثْلُ تَحْرِيمِ الْفَوَاحِشِ وَالرِّبَا وَالْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . ثُمَّ تَجِدُ كَثِيرًا مِنْ رُؤَسَائِهِمْ وَقَعُوا فِي هَذِهِ الْأُمُورِ فَكَانُوا مُرْتَدِّينَ ) [مجموع الفتاوى ج 4 / 54 ].  ـ ويقول أيضا :   (وفي الحقيقة: فكل رد لخبر الله، أو أمره فهو كفر، دق أو جل، لكن قد يعفى عما خفيت فيه طرق العلم، وكان أمرا يسيرا في الفروع، بخلاف ما ظهر أمره، وكان من دعائم الدين، من الأخبار والأوامر ) [ الدرر السنية في الأجوبة النجدية ج 13 / 388 ].  ـ ويقول ـ أيضا ـ رحمه الله :  (وَذَلِكَ أَنَّ أُصُولَ الدِّينِ إمَّا أَنْ تَكُونَ مَسَائِلَ يَجِبُ اعْتِقَادُهَا قَوْلًا، أَوْ قَوْلًا وَعَمَلًا، كَمَسَائِلِ التَّوْحِيدِ، وَالصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ، وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ، أَوْ دَلَائِلَ هَذِهِ الْمَسَائِلُ. أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فَكُلُّ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَى مَعْرِفَتِهِ وَاعْتِقَادِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، فَقَدْ بَيَّنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بَيَانًا شَافِيًا قَاطِعًا لِلْعُذْرِ؛ إذْ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَا بَلَّغَهُ الرَّسُولُ الْبَلَاغَ الْمُبِينَ، وَبَيَّنَهُ لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ مَا أَقَامَ اللَّهُ الْحُجَّةَ عَلَى عِبَادِهِ فِيهِ بِالرُّسُلِ الَّذِينَ بَيَّنُوهُ وَبَلَّغُوهُ ) [ الفتاوى الكبرى ج 1 / 128 ].  ـ ويقول ـ أيضا ـ رحمه الله عند حديثه عن أنواع التوسل :   ( وَلَفْظُ التَّوَسُّلِ قَدْ يُرَادُ بِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ .  يُرَادُ بِهِ أَمْرَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ : أَحَدُهُمَا هُوَ أَصْلُ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَهُوَ التَّوَسُّلُ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَبِطَاعَتِهِ . وَالثَّانِي دُعَاؤُهُ وَشَفَاعَتُهُ وَهَذَا أَيْضًا نَافِعٌ يَتَوَسَّلُ بِهِ مَنْ دَعَا لَهُ وَشُفِّعَ فِيهِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . وَمَنْ أَنْكَرَ التَّوَسُّلَ بِهِ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ مُرْتَدًّا . وَلَكِنَّ التَّوَسُّلَ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَبِطَاعَتِهِ هُوَ أَصْلُ الدِّينِ وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ فَمَنْ أَنْكَرَ هَذَا الْمَعْنَى فَكُفْرُهُ ظَاهِرٌ لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ . وَأَمَّا دُعَاؤُهُ وَشَفَاعَتُهُ وَانْتِفَاعُ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ فَمَنْ أَنْكَرَهُ فَهُوَ أَيْضًا كَافِرٌ لَكِنَّ هَذَا أَخْفَى مِنْ الْأَوَّلِ فَمَنْ أَنْكَرَهُ عَنْ جَهْلٍ عُرِّفَ ذَلِكَ؛ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى إنْكَارِهِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ ) [مجموع الفتاوى ج 1 / 153 ].  وبهذا تندحر الشبهة ويتبين الحق في أن شيخ الإسلام رحمه الله يقسم الدين إلى أصول وفروع وأنه يقرر أن كل ما كان ظاهرا في دين الله وأدلته مبثوثة في كتاب الله وسنة نبيه فهو من المسائل التى لا عذر لمن خالفها لأن الله تعالى قد قطع فيها المعاذير وأقام الحجج الدامغة عليها.  وكل ما كان خفيا ويحتاج إلى نظر واستدلال واستنباط ولا يعلمه إلا الخاصة فهو مما يعذر فيه بالجهل والتأويل . وللمزيد راجع رسالتنا "مذهب شيخ الاسلام ابن تيميه رحمه الله "   والله الهادي إلى الحق والصواب _____________________‎
قولهم بنفي شيخ الاسلام ابن تيمية لصحة تقسيم الدين إلى أصول وفروع
_________

وكانوا ممن قال فيهم رحمه الله (وهؤلاء قد يجدون من كلام بعض المشايخ –كلمات مشتبهة مجملة- فيحملونها على المعاني الفاسدة، كما فعلت النصارى فيما نُقِلَ لهم عن الأنبياء، فيدعون المحكم؛ ويتبعون المتشابه). "الفتاوى" (2/374).
_____________

فأوردوا قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ رحمه الله ـ :
_______________________________________

(وَمَا قَسَّمُوا الْمَسَائِلَ إلَى مَسَائِلِ أُصُولٍ يَكْفُرُ بِإِنْكَارِهَا وَمَسَائِلِ فُرُوعٍ لَا يَكْفُرُ بِإِنْكَارِهَا . فَأَمَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَ نَوْعٍ وَتَسْمِيَتِهِ مَسَائِلَ الْأُصُولِ وَبَيْنَ نَوْعٍ آخَرَ وَتَسْمِيَتِهِ مَسَائِلَ الْفُرُوعِ فَهَذَا الْفَرْقُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ لَا عَنْ الصَّحَابَةِ وَلَا عَنْ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَلَا أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذٌ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَمْثَالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَعَنْهُمْ تَلَقَّاهُ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي كُتُبِهِمْ ) اهـ[ مجموع الفتاوى ( 23 / 346 ) ].

ففهموا من كلامه أمرين :

1- بطلان تقسيم مسائل الدين إلى أصول وفروع وبدعية ذلك التقسيم .

2- أن تقسيم مسائل الدين إلى مسائل لا عذر فيها بالجهل وأخرى تقبل العذر بالجهل هو تقسيم بدعي موروث من المعتزلة وأهل البدع .

ونرد على فهمهم الباطل فنقول مستعينين بالله :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إن منشأ بطلان تقريرهم هو أنهم لما وقعوا على هذا النقل وكان ظاهره يخدم التأصيل لشركهم وبدعتهم المقيتة وكان بعضهم ممن له هوى في الانتصار لعذر المشركين بشتى المعاذير نسوا أنه كان ينبغي عليهم تتبع سائر كلام الشيخ رحمه الله في جميع مواضع كلامه من كتبه حتى يفهموا مذهبه لكن الهوى يعمي ويصم وسنقوم نحن بهذا العمل حتى يتبين لنا مقصد الشيخ فيما نقلوه عنه ونعرف مذهب الشيخ في تقسيم الدين إلى أصول وفروع .

- أما الجواب عن الفهم الأول :
____________________

وهو أنه تقسيم الدين إلى أصول وفروع لم يقل به أحد من السلف وهو تقسيم مبتدع في دين الله.

وسنورد أقوال أسلافنا من أهل العلم ممن ينتهجون منهج أهل السنة بل صاروا أعلاما على هذا المذهب :

1- الإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله :
قال الإمام الدارمي ـ رحمه الله ـ في رده على الجهمي : ـ
( وقد علمتم يقينا أنا لم نخترع هذه الروايات ولم نفتعلها بل رويناها عن الأئمة الهادية الذين نقلوا أصول الدين وفروعه إلى الأنام ). [ الرد على الجهمية ص : 97 ].

ويقول الدارمي أيضا :
( وهي هذه الآثار وهي أصول الدين وفروعه ) [ نقض الدارمي على بشر المريسي ج 2 / 659 ].

2- وقال الإمام أبو عبيدة القاسم بن سلام ـ رحمه الله ـ في كتابه "الإيمان " :
( كذلك في الحديث المثبت عنه أنه قال : (( الإيمان بضعة وسبعون جزءا أفضلها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق))
قال أبو عبيدة حدثنا أبو أحمد الزبيري عن سفيان بن سعيد عن سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة بهذا الحديث وإن كان زائدا في العدد فليس هو بخلاف ما قبله وإنما تلك دعائم وأصول وهذه فروعها زائدات في شعب الإيمان من غير تلك الدعائم)[كتاب الإيمان ص :24 ـ 25 ].

3- قال "الشافعي": فقال لي قائل: ما العِلْمُ؟ وما يَجِبُ على الناس في العلم؟
فقلت له: العلم عِلْمان: علمُ عامَّةٍ، لا يَسَعُ بالِغاً غيرَ مغلوب على عقْلِه جَهْلُهُ.
قال: ومِثْل ماذا؟
قلت: مثلُ الصَّلَوَاتِ الخمس، وأن لله على الناس صومَ شهْر رمضانَ، وحجَّ البيت إذا استطاعوه، وزكاةً في أموالهم، وأنه حرَّمَ عليهم الزِّنا والقتْل والسَّرِقة والخمْر، وما كان في معنى [ص:358] هذا، مِمَّا كُلِّفَ العِبادُ أنْ يَعْقِلوه ويعْملوه ويُعْطُوه مِن أنفسهم وأموالهم، وأن يَكُفُّوا عنه ما حرَّمَ عليهم منه.
وهذا الصِّنْف كلُّه مِن العلم موجود نَصًّا في كتاب الله، وموْجوداً عامًّا عنْد أهلِ الإسلام، ينقله عَوَامُّهم عن مَن مضى من عوامِّهم، يَحْكونه عن رسول الله، ولا يتنازعون في حكايته ولا وجوبه عليهم.[ص:359] وهذا العلم العام الذي لا يمكن فيه الغلط مِن الخبر، ولا التأويلُ، ولا يجوز فيه التنازعُ.
قال: فما الوجه الثاني؟
قلت له: ما يَنُوبُ العِباد مِن فُروع الفرائض، وما يُخَصُّ به مِن الأحكام وغيرها، مما ليس فيه نصُّ كتاب، ولا في أكثره نصُّ سنَّة، وإن كانت في شيء منه سنةٌ فإنما هي مِن أخْبار الخاصَّة، لا أخبارِ العامَّة، وما كان منه يحتمل التأويل ويُسْتَدْرَكُ قِياسًا.
قال: فيَعْدُو هذا أن يكون واجِبًا وجوبَ العلم قبله؟ أوْ مَوْضوعاً عن الناس عِلْمُه، حتَّى يكونَ مَنْ عَلِمَهُ مُنْتَفِلاً، [ص:360] ومَنْ تَرَكَ علْمَه غيرَ آثِمٍ بِتركه، أو مِنْ وَجْهٍ ثالثٍ، فتُوجِدُنَاهُ خَبَرًا أو قياسا؟)

4- قال الإمام البغوي رحمه الله : (بل سوء الفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام، وهو أصل كل خطأ في الفروع والأصول، لا سيما إذا أضيف إليه سوء القصد، والله المستعان.

5- وأما كلام شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله نفسه باثبات أصول وفروع للدين :
ويقول بن تيمية ـ رحمه الله ـ :
( فتدبر هذا المقام فإنه كثيرا ما يجول في الشريعة وغيرها أصولا وفروعا ) [ مجموع الفتاوى ج 5 / 451 ].
ـ ويقول أيضا :
( قال المفسرون لمذهبهم ( أي أهل السنة ) إن له أصولا وفروعا وهو مشتمل على أركان وواجبات ) [ مجموع الفتاوى ج 12 / 472 ].
- قال شيخ الإسلام رحمه الله في كتاب (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ) :
(ولفظ (التوسل) قد يراد به ثلاثة أمور، يراد به أمران متفق عليهما بين المسلمين.

- أحدهما: هو أصل الإيمان والإسلام، وهو التوسل بالإيمان به وبطاعته.

- والثاني: دعاؤه وشفاعته، وهذا أيضاً نافع يتوسل به من دعا له وشفع فيه باتفاق المسلمين. ومن أنكر التوسل به بأحد هذين المعنيين فهو كافر مرتد يستتاب، فإن تاب وإلا قتل مرتداً.

- ولكن التوسل بالإيمان وبطاعته هو أصل الدين، وهذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام للخاصة والعامة، فمن أنكر هذا المعنى فكفره ظاهر للخاصة والعامة.

- وأما دعاؤه وشفاعته وانتفاع المسلمين بذلك فمن أنكره فهو أيضاً كافر، لكن هذا أخفى من الأول، فمن أنكره عن جهل عُرِّف ذلك، فإن أصر على إنكاره فهو مرتد.)

- قال شيخ الاسلام ابن تيميه- رحمه الله- : ( وَمِثْلُ هَذِهِ الطُّرُقِ هِيَ الَّتِي كَانَ يَسْتَعْمِلُهَا السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَطَالِبِ، كَمَا اسْتَعْمَلَ نَحْوَهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَبِمِثْلِ ذَلِكَ جَاءَ الْقُرْآنُ فِي تَقْرِيرِ أُصُولِ الدِّينِ مِنْ مَسَائِلِ التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ) الفتاوى (1- 130)

- قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : (وأما قوله: إن ذلك كان من النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يؤمر الناس بالجهاد، فلا أدري ما هذا.
فإن كان أراد أن ذلك منسوخ، فغير جائز عند العلماء دخول النسخ في إخبار الله تعالى وأخبار رسوله، لأن المخبر بشيء، كان أو يكون، إذا رجع عن ذلك، لم يخل رجوعه عن تكذيبه لنفسه، أو غلطة فيما أخبر به، أو نسيانه.

وقد جل الله وعصم رسوله في الشريعة والرسالة منه.
وهذا لا يجهله ولا يخالف فيه أحد له أدنى فهم، فقف عليه، فإنه أمر جسيم من أصول الدين.) التعارض 8- 381

- قال شيخ الإسلام ابن تيميه بأوضح عبارة رحمه الله : (فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْمَخْلُوقَ لَا يَكُونُ مَمْلُوكُهُ شَرِيكَهُ فِيمَا لَهُ حَتَّى يَخَافَ مَمْلُوكَهُ، كَمَا يَخَافُ نَظِيرَهُ، بَلْ تَمْتَنِعُونَ أَنْ يَكُونَ الْمَمْلُوكُ لَكُمْ نَظِيرًا، فَكَيْفَ تَرْضَوْنَ لِي أَنْ تَجْعَلُوا مَا هُوَ مَخْلُوقِي وَمَمْلُوكِي شَرِيكًا لِي، يُدْعَى وَيُعْبَدُ كَمَا أُدْعَى وَأُعْبَدُ، كَمَا كَانُوا يَقُولُونَ فِي تَلْبِيَتِهِمْ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك، إلَّا شَرِيكٌ هُوَ لَك تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ. وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ عَظِيمٌ جِدًّا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ فِي الْقُرْآنِ وَالْحِكْمَةِ النَّبَوِيَّةِ عَامَّةَ أُصُولِ الدِّينِ مِنْ الْمَسَائِلِ وَالدَّلَائِلِ الَّتِي تُسْتَحَقُّ أَنْ تَكُونَ أُصُولَ الدِّينِ.) درء التعارض 1-19

- قال شيخ الإسلام رحمه الله : (ولو كان الناس محتاجين في أصول دينهم إلي ما لم يبينه الله ورسوله لم يكن الله قد أكمل للأمة دينهم، ولا أتم عليهم نعمته، فنحن نعلم أن كل حق يحتاج الناس إليه في أصول دينهم لا بد أن يكون مما بينه الرسول، إذ كانت فروع الدين لا تقوم إلا بأصوله، فكيف يجوز أن يترك الرسول أصول الدين التي لا يتم الإيمان إلا بها لا يبينها للناس؟) درء التعارض 1-233

أما الجواب عن الفهم الثاني :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهو أن تقسيم الدين لمسائل لا عذر فيها بالجهل ومسائل يعذر فيها بالجهل تقسيم مبتدع فنجيب عليه بجوابين :

الجواب الأول :

أننا إذا سلمنا أن مراد ابن تيمية بقوله ( الأصول والفروع ) ما هو معروف عند أهل السنة من المسائل التي تندرج تحت هذين اللفظين؛ فإنا لم نقل بأن كل مسألة من أصول الدين لا يعذر فيها بالجهل، فإن المسألة قد تكون مندرجة تحت مسائل الأصول مثل بعض الصفات التي جاءت الأدلة الشرعية بإثباتها ( كصفة الساق والضحك ونحو ذلك ) .
ولا يكفر جاهلها ومنكرها بالتأويل إلا أن تقوم عليه الحجة وذلك لخفاء الدليل أو النص الذي ورد بإثباتها، أو عدم العلم بدلالة النص على إثباتها .
فنحن لم نقل بأن كل ما كان من مسائل الاعتقاد يكفر جاهله، أو متأوله.
بل هناك تفصيل في ذلك مما يصح الجهل فيه ويكون صاحبه معذورا، وما ليس كذلك.
كأصل الأصول الذي أنزل الله من أجله الكتب، وأرسل به كافة رسله، وأقام عليه الدلائل الواضحة من كل وجه .
قال تعالى : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: من الآية36].
وقال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } [الأنبياء : 25]
وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم (( الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتي ودينهم واحد )) .

قال الإمام البغوي رحمه الله :
(يريد : أن أصل دين الأنبياء واحد، وإن كانت شرائعهم مختلفة ) [شرح السنة للبغوي ج 13 / 200 ].

وقال السيوطي :
( والمعني أنهم متفقون في أصل التوحيد وشرائعهم مختلفة )
[ شرح مسلم ج 5 / 449 ].

ويقول الإمام ابن القيم :
(شبه دين الأنبياء الذين اتفقوا عليه من التوحيد وهو عبادة الله وحده لا شريك له والإيمان به وبملائكته وكتبه ورسله ولقائه بالأب الواحد لاشتراك جميعهم فيه وهو الدين الذي شرعه الله لأنبيائه كلهم ) [بدائع الفوائد ج 3 / 719 ].

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية :

(وَعِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ : هِيَ أَصْلُ الدِّينِ وَهُوَ التَّوْحِيدُ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ بِهِ الْكُتُبَ فَقَالَ تَعَالَى : { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ }.[ مجموع الفتاوى ج 3 / 397 ].

وقد نص العلماء على عدم العذر بالجهل في بعض العمليات (الفروع) مما يكون معلوما من الدين بالضرورة واشتهر علمه بين الناس كالصلاة والزكاة ومن الأمور الاعتقادية ما يعذر فيه بالجهل لخفاء أدلته كبعض مسائل الصفات ومسائل القدر فلابد فيها من اقامة الحجة على المخالف في هذه المسائل

فنحن لم نقل بأن كل أصول الاعتقاد يكفر جاهلها .
ولم نقل كذلك بأن فروع الشريعة لا يكفر جاهلها .
وبذلك تدرك أنه لا يجوز لأحد أن يحتج علينا بكلام ابن تيمية الذي يقول فيه عن أهل السنة :
( وما قسموا المسائل إلى مسائل أصول يكفر بإنكارها ومسائل فروع لا يكفر بإنكارها ) اهـ

ولذلك قال ابن القيم رحمه الله :
( فإن كثيرا من مسائل الفروع يكفر جاحدها وكثير من مسائل الأصول لا يكفر جاحدها ) .

الجواب الثاني :
ـــــــــــــــــــــ

شيخ الإسلام رحمه الله لما تكلم فيما نقلوه عنه إنما قصد ذم المسائل التي وضعها أهل البدع من المتكلمين وتابعوا فيها المعتزلة و الجهمية والرافضة .

وهي أمورا مبتدعة في دين الإسلام سموها أصولا للدين والإسلام وجعلوا الإسلام متوقفا عليها، وكثير من تلك الأصول إن لم تكن كلها لا يستحق أن ينسب إلى الدين فضلا عن أن يكون من أصوله .
ورتبوا على ذلك أن كل من أخطأ فيها أو جهلها أو أنكرها فهو كافر عندهم.
وتلك المسائل التي سماها هؤلاء المتكلمين أصول الدين هي:
( مسائل العرض، والجوهر، وامتناع الحوادث، وإمامة الإثني عشرية وغيرها ) .
وكفر هؤلاء المتأول والجاهل بهذه المسائل بدعوي أنها من مسائل أصول الدين .
فالرافضة مثلا عندهم أن الإمامة من أصول الديانة التي لا يصح الإسلام من دون اعتناقها واعتقادها .
وسأنقل لك بعض النصوص عن شيخ الإسلام ابن تيمية ليتبين لك أن مراده هو الرد على المعتزلة وأضرابهم من أهل البدع .

ـ قال رحمه الله :
( وإنما الغرض على أن في القرآن والحكمة النبوية عامة أصول الدين من المسائل التي تكون من أصول الدين، أما ما يدخله بعض الناس في هذا المسمي من الباطل فليس ذلك من أصول الدين، وإن أدخله من أدخله، من المسائل والدلائل الفاسدة، مثل نفي الصفات والقدر ونحو ذلك من المسائل ) [ مختصر الفتاوى المصرية ص : 222 ].

ـ ويقول أيضا رحمه الله :
(كَمَا أَنَّ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ يُسَمِّي مَا وَضَعَهُ "أُصُولَ الدِّينِ "وَهَذَا اسْمٌ عَظِيمٌ وَالْمُسَمَّى بِهِ فِيهِ مِنْ فَسَادِ الدِّينِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ . فَإِذَا أَنْكَرَ أَهْلُ الْحَقِّ وَالسُّنَّةِ ذَلِكَ قَالَ الْمُبْطِلُ : قَدْ أَنْكَرُوا أُصُولَ الدِّينِ . وَهُمْ لَمْ يُنْكِرُوا مَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسَمَّى أُصُولَ الدِّينِ وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا مَا سَمَّاهُ هَذَا أُصُولَ الدِّينِ وَهِيَ أَسْمَاءٌ سَمَّوْهَا هُمْ وَآبَاؤُهُمْ بِأَسْمَاءِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ) [مجموع الفتاوى ج 4 / 56 ].
ـ وهناك نصوص أخري لشيخ الإسلام تبين أن مراده هو ما يدخله المتكلمون في أصول الدين وليس منها .
انظر : ( درء تعارض العقل والنقل ج 1 / 144 ).
وكتاب ( منهاج السنة ( ج 3 / 22 ـ 23 ).

ـ ويقول ـ أيضا ـ رحمه الله ـ :
(وَالسَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ - الَّذِينَ ذَمُّوا وَبَدعُوا الْكَلَامَ فِي الْجَوْهَرِ وَالْجِسْمِ وَالْعَرَضِ تَضَمَّنَ كَلَامُهُمْ ذَمَّ مَنْ يُدْخِلُ الْمَعَانِيَ الَّتِي يَقْصِدُهَا هَؤُلَاءِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي أُصُولِ الدِّينِ : فِي دَلَائِلِهِ وَفِي مَسَائِلِهِ : نَفْيًا وَإِثْبَاتًا ) [ مجموع الفتاوى ج /3 308 ].

ـ ويقول ـ أيضا ـ رحمه الله :
(وَأَنَّ مَا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ أُصُولُ الدِّينِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْهَى عَنْهَا بِحَالِ بِخِلَافِ مَا سُمِّيَ أُصُولَ الدِّينِ وَلَيْسَ هُوَ أُصُولًا فِي الْحَقِيقَةِ . لَا دَلَائِلَ وَلَا مَسَائِلَ، أَوْ هُوَ أُصُولٌ لِدِينِ لَمْ يَشْرَعْهُ اللَّهُ بَلْ شَرَعَهُ مَنْ شَرَعَ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) [ مجموع الفتاوى ج 3 / 308 ـ 309 ].

هذا وقد بين شيخ الإسلام رحمه الله أن ما ظهر من الدين واشتهر من الفروع والأصول وكذلك ما كان داخلا في أصل دين الإسلام بحيث لا يجامع الإسلام مطلقا وهو الشرك بالله لا عذر فيه بالجهل بخلاف المسائل الخفية و التى لا يعلمها إلا الخاصة ولا تقدح في أصل الإسلام يعذر فيها الجاهل ولا يكفر حتى يعرف وإليك أقواله :

- قال شيخ الإسلام ـرحمه الله ـ في معرض ذمه لأهل الكلام وما يقعون فيه قال :
( وَهَذَا إذَا كَانَ فِي الْمَقَالَاتِ الْخَفِيَّةِ فَقَدْ يُقَالُ : إنَّهُ فِيهَا مُخْطِئٌ ضَالٌّ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الَّتِي يَكْفُرُ صَاحِبُهَا؛ لَكِنَّ ذَلِكَ يَقَعُ فِي طَوَائِفَ مِنْهُمْ فِي الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي تَعْلَمُ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهَا مِنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ؛ بَلْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى يَعْلَمُونَ : أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ بِهَا وَكَفَّرَ مُخَالِفَهَا؛ مِثْلُ أَمْرِهِ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَنَهْيُهُ عَنْ عِبَادَةِ أَحَدٍ سِوَى اللَّهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ وَالْأَصْنَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ هَذَا أَظْهَرُ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَمِثْلُ أَمْرِهِ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَإِيجَابِهِ لَهَا وَتَعْظِيمِ شَأْنِهَا وَمِثْلُ مُعَادَاتِهِ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ وَالصَّابِئِينَ وَالْمَجُوسِ وَمِثْلُ تَحْرِيمِ الْفَوَاحِشِ وَالرِّبَا وَالْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . ثُمَّ تَجِدُ كَثِيرًا مِنْ رُؤَسَائِهِمْ وَقَعُوا فِي هَذِهِ الْأُمُورِ فَكَانُوا مُرْتَدِّينَ ) [مجموع الفتاوى ج 4 / 54 ].

ـ ويقول أيضا :

(وفي الحقيقة: فكل رد لخبر الله، أو أمره فهو كفر، دق أو جل، لكن قد يعفى عما خفيت فيه طرق العلم، وكان أمرا يسيرا في الفروع، بخلاف ما ظهر أمره، وكان من دعائم الدين، من الأخبار والأوامر ) [ الدرر السنية في الأجوبة النجدية ج 13 / 388 ].

ـ ويقول ـ أيضا ـ رحمه الله :
(وَذَلِكَ أَنَّ أُصُولَ الدِّينِ إمَّا أَنْ تَكُونَ مَسَائِلَ يَجِبُ اعْتِقَادُهَا قَوْلًا، أَوْ قَوْلًا وَعَمَلًا، كَمَسَائِلِ التَّوْحِيدِ، وَالصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ، وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ، أَوْ دَلَائِلَ هَذِهِ الْمَسَائِلُ.
أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فَكُلُّ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَى مَعْرِفَتِهِ وَاعْتِقَادِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، فَقَدْ بَيَّنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بَيَانًا شَافِيًا قَاطِعًا لِلْعُذْرِ؛ إذْ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَا بَلَّغَهُ الرَّسُولُ الْبَلَاغَ الْمُبِينَ، وَبَيَّنَهُ لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ مَا أَقَامَ اللَّهُ الْحُجَّةَ عَلَى عِبَادِهِ فِيهِ بِالرُّسُلِ الَّذِينَ بَيَّنُوهُ وَبَلَّغُوهُ ) [ الفتاوى الكبرى ج 1 / 128 ].

ـ ويقول ـ أيضا ـ رحمه الله عند حديثه عن أنواع التوسل :

( وَلَفْظُ التَّوَسُّلِ قَدْ يُرَادُ بِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ .

يُرَادُ بِهِ أَمْرَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ : أَحَدُهُمَا هُوَ أَصْلُ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَهُوَ التَّوَسُّلُ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَبِطَاعَتِهِ . وَالثَّانِي دُعَاؤُهُ وَشَفَاعَتُهُ وَهَذَا أَيْضًا نَافِعٌ يَتَوَسَّلُ بِهِ مَنْ دَعَا لَهُ وَشُفِّعَ فِيهِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . وَمَنْ أَنْكَرَ التَّوَسُّلَ بِهِ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ مُرْتَدًّا . وَلَكِنَّ التَّوَسُّلَ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَبِطَاعَتِهِ هُوَ أَصْلُ الدِّينِ وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ فَمَنْ أَنْكَرَ هَذَا الْمَعْنَى فَكُفْرُهُ ظَاهِرٌ لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ . وَأَمَّا دُعَاؤُهُ وَشَفَاعَتُهُ وَانْتِفَاعُ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ فَمَنْ أَنْكَرَهُ فَهُوَ أَيْضًا كَافِرٌ لَكِنَّ هَذَا أَخْفَى مِنْ الْأَوَّلِ فَمَنْ أَنْكَرَهُ عَنْ جَهْلٍ عُرِّفَ ذَلِكَ؛ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى إنْكَارِهِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ ) [مجموع الفتاوى ج 1 / 153 ].

وبهذا تندحر الشبهة ويتبين الحق في أن شيخ الإسلام رحمه الله يقسم الدين إلى أصول وفروع وأنه يقرر أن كل ما كان ظاهرا في دين الله وأدلته مبثوثة في كتاب الله وسنة نبيه فهو من المسائل التى لا عذر لمن خالفها لأن الله تعالى قد قطع فيها المعاذير وأقام الحجج الدامغة عليها.

وكل ما كان خفيا ويحتاج إلى نظر واستدلال واستنباط ولا يعلمه إلا الخاصة فهو مما يعذر فيه بالجهل والتأويل . وللمزيد راجع رسالتنا "مذهب شيخ الاسلام ابن تيميه رحمه الله "

والله الهادي إلى الحق والصواب

توضيح وتبيين لفتوي ابن تيميه في دار ماردين

$
0
0
Photo: ‎توضيح وتبيين لفتوي ابن تيميه في دار ماردين  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  توضيح مقصد ابن تيمية رحمه الله، وما عناه بهذه الفتوى، ولا شك أن معرفة الواقع التي أفتى فيه الشيخ بهذه الفتوى يساعد على فهم مقصده ومغزاه، فالواجب علينا أن ننظر أولاً إلى واقع دار ماردين في ذلك الوقت.  قصة هجوم التتار عليها: _______________  ذكر المؤرخون أن الذي كان يحكم ماردين وقت هجوم التتار عليها هو الملك السعيد نجم الدين غازي بن أرتق أرسلان.  -قال الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام:  عَلِم السعيد أن التتار لا بد لهم منه ومن حصاره، فنقل ما في البلد من الذخائر إلى القلعة. ثم بعد أربعة أيام وصلته رسل هولاكو بحربه، ووصل عقب ذلك طائفة من التتار، فنازلت ماردين في ثالث جمادى الأولى....  واستمر الحصار إلى آخر السنة، ووقع الوباء بالقلعة، فمات الملك السعيد فيمن مات، وهلك الخلق. ورمى رجل نفسه من القلعة وأخبر التتار بموت السلطان، فبعثوا إلى ابنه الملك المظفر وطلبوا منه الدخول في الطاعة.ا.هـ. -وقال قطب الدين اليونيني في كتابه ذيل مرآة الزمان بعد أن ذكر قصة وفاة الملك السعيد سنة ثمان وخمسين وستمائة: أن التتار عندما سمعوا بوفاة الملك السعيد بعثوا إلى ولده الملك المظفر رسولاً، وطلبوا منه الدخول في الطاعة، وكان قد قام مقام أبيه، فأجابهم جواباً أرضاهم، وأظهر لهم الدخول في طاعتهم، والعمل على مداراتهم.ا.هـ. فالملاحظ هنا أن ماردين استولى عليها التتار عن طريق الصلح بينهم وبين ملكها المظفر سنة ثمان وخمسين أو تسع وخمسين وستمائة على خلاف بين المؤرخين.  وأن ملكها أظهر لهم الدخول في طاعتهم والعمل على مداراتهم. وبقي الملك المظفر في الملك ثلاثاً وثلاثين سنة، وولي بعده ابنه الملك السعيد داود، ثم ابنه الآخر الملك المنصور نجم الدين غازي، فبقي إلى سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، واستمر ملك ماردين عند بني أرتق أرسلان إلى سنة تسع وثماني مائة كما ذكر المؤرخون. وكان مولد شيخ الإسلام ابن تيمية سنة إحدى وستين وستمائة، وتوفي سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. (661- 728). وكانت ماردين عندما سئل عنها الشيخ في صلح مع التتار، إما أن تكون في نهاية عهد الملك المظفر حاكم ماردين الذي تم في وقته الصلح مع التتار، أو عهد من بعده من الأمراء. ___________  ونأتي الآن إلى بيان ما فهمناه من مقصد ابن تيمية رحمه الله: قوله: (وأما كونها دار حرب أو سلم فهي مركبة فيها المعنيان).  فالمعنيان هنا يقصد بهما الشيخ أحكام الإسلام وأحكام الكفر حيث صار هناك في هذه الدار معسكران معسكر اسلام ومعسكر كفر بالله , وكان المسلمون في ماردين يتحاكمون إلى قضاتهم الذين يحكمون بينهم بشرع الله , ولهم مساجدهم , ويكفرون أعداءهم من المشركين ويحاربونهم , فكان هناك مباينة وتمايز ولم يحدث انخراط في صفوف المشركين , ولم تغلب أحكام المشركين على أحكام الإسلام , وقد حكم شيخ الإسلام بكفر وردة من ينتمى إلى معسكر التتر فقال ((من جمز إلى معسكر التتر ولحق بهم، ارتد، وحل دمه وماله)) ومع كل هذا لم يقل شيخ الاسلام ابن تيمية بأن الأصل في هذه الديار الإسلام.  وقد ذكر ذلك الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن آل الشيخ فقال رحمه الله: وما حكاه ابن مفلح، عن الشيخ تقي الدين: أن البلدة التي تظهر فيها أحكام الكفر وأحكام الإسلام، لا تُعطى حكم الإسلام من كل وجه، ولا حكم الكفر من كل وجه.ا.هـ. الدرر السنية.  وكذلك قال الشيخ سليمان بن سحمان في رسالته كشف الأوهام: وأما تعريف بلاد الكفر فقد ذكر الحنابلة وغيرهم أن البلدة التي تجري عليها أحكام الكفر ولا تظهر فيها أحكام الإسلام بلدة كفر. وما ظهر فيها هذا وهذا فقد أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه يراعى فيها الجانبان، فلا تعطى حكم الإسلام من كل وجه ولا حكم الكفر من كل وجه،كما نقله عنه ابن مفلح وغيره، وذكر بعض العلماء أن الحكم للأغلب عليها.ا.هـ.  فقوله (وما ظهر فيها هذا وهذا) أي ظهر فيها أحكام الكفر وأحكام الإسلام. فمعنى قول ابن تيمية رحمه الله: (وأما كونها دار حرب أو سلم فهي مركبة فيها المعنيان) أي تظهر فيها أحكام الكفر وأحكام الإسلام.  ومسألة ظهور أحكام الكفر وأحكام الإسلام في البلد الواحد بحيث لا يغلب أحدهما على الآخر فتوصف الدار بالحكم الغالب أمر يدعو للاستغراب، ولابد من وجود من يظهر الكفر فهل هم الحكومة والجيش أم التتار أم سكان البلد؟! ولكن حسب ما يفهم من السؤال والجواب أن غالب سكان البلد مسلمين، والحكم فيما بينهم بأحكام الشريعة. والبلد كانت في صلح مع التتار فهم في حكم المتغلبون عليها، غير أنهم لم يجبروا أهلها على الكفر، وقد ذكر المؤرخون أن حاكمها أظهر للتتار الدخول تحت طاعتهم، وأنه كان يناصح سلطان المسلمين في السر، فهذا الأمر هو المانع من تسمية ماردين بدار الإسلام، لأن دار الإسلام أو دار السلم هي التي تعلوها أحكام الإسلام على غيره من أهل الأديان الأخرى، والغلبة فيها والسلطان للإسلام، وليس للكفار غلبة ولا سلطان ولا ظهور عليها، وماردين في صلح مع التتار والبلد تحت أيديهم.  ولهذا قال ابن تيمية: (ليست بمنزلة دار السلم التي يجري عليها أحكام الإسلام، لكون جندها مسلمين). ويفهم من قول ابن تيمية: (ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه) أن هناك من خرج عن شريعة الإسلام من أهل البلد ولعل ذلك من الجند المعاونين للتتر. ____  وقول الشيخ رحمه الله: (ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار) ربما كان السبب في عدم وصف ابن تيمية للدار بالكفر هو أن أهلها ليسوا كفارا بل غالبهم من المسلمين، ولكن قد عرفنا سابقآ أن ديانة أهل البلد ليست هي الوصف المؤثر في الحكم على البلد بل هو ظهور وغلبة الأحكام والسلطان ومثال ذلك خيبر بعد الفتح. فإذا تغلب الكفار على بلد معين وصارت السيادة والسلطان لهم فالبلد بلد كفر، وإن ظل غالب أهلها متمسكين بإسلامهم. وقد جاء في الدرر السنية: (وأما البلد التي يُحكم عليها بأنها بلد كـُفر، فقال ابن مُفلح: وكل دار غلب عليها أحكام المسلمين فدار إسلام وإن غلب عليها أحكام الكفر فدار كفر ولا دار غيرهما. وقال الشيخ تقي الدين ابن تيمية وسُئل عن ماردين هل هى دار حرب أو دار إسلام؟ قال: هى مركبة فيها المعنيان ليست بمنزلة دار الإسلام التي تجري فيها أحكام الإسلام لكون جنودها مسلمين ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار بل هى قسم ثالث يُعامل المسلم فيها بما يستحقه ويُعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه. والأَوْلَى هو الذي ذكره القاضي والأصحاب). (الدرر السنية في الأجوبة النجدية) جمع ابن قاسم، جـ7، كتاب الجهاد، صـ353. وهذا هو الأصح - والله أعلم - أن الدار إما دار كفر أو دار إسلام والحكم للمتغلب عليها، ولا داعي لإيجاد قسم ثالث تسمى فيه الدار بالدار المركبة لا دار إسلام ولا دار كفر. وعلى افتراض أن تسمية الدار بالمركبة صحيح فهي في حالة ظهور أحكام الكفر والإسلام فيها في آن واحد، وهذا مستغرب. ___________  هذا ما تيسر لنا توضيحه حول فتوى شيخ الإسلام رحمه الله وإنما أوردناه هاهنا لكيلا يُفْهَمَ خطأً فيؤدي إلى الخلط والخطأ في تنزيل الأحكام.  والمعتبر عندنا في تقسيم الديار نوعان فقط هما: دار الكفر ودار الإسلام، وذلك حسب نوع الأحكام السائدة والظاهرة فيها، كما بيناه سابقاً، وهذا ما يوافق قول الجمهور. فالوصف المعتبر هو للحكم الأغلب عليها.  وفتوى الشيخ ابن تيمية اجتهادٌ منه - رحمه الله - خاصٌ بدار ماردين في ذلك الوقت الذي سئل عنها، وقد حاولنا أن نعرف واقع تلك البلد في ذلك الوقت. وربما كانت فتواه وصفا لحال أهلها لا حكما على البلد نفسه. والله أعلم.  وليس هناك داراً من الديار اليوم تشبه دار ماردين ولا قريبة منها بحيث لا يمكننا أن نعرف نوع الأحكام السائدة والغالبة عليها ولمن السلطان والغلبة فيها. بل إن كافة الديار في هذا الزمن ديار كفر، السلطان والغلبة للكفر وأهلها كفار، والمسلمون قلة مستضعفة لا شوكة لهم ولا منعة ولا أمان، لاسلطان يضمهم ولا دار تأويهم.   فالاستدلال بهذه الفتوى على واقع ديار اليوم لا هو دليل وحجة مقبولة، ولا هو استدلال في محله بل هو استدلالٌ بعيدٌ، واحتجاجٌ باطلٌ، وهذه الفتوى اجتهاد عالم في واقعة معينة يخطئ ويصيب، ولا يجوز اعتماده في الاحتجاج على واقع لا يشبهه بحال. فبعداً لمن أراد أن يلبس الحق بالباطل. والله أعلم. ____________________________   ومن ثم نقول   ان بعض كلام العلماء محتمل يحتمل حقاً ويحتمل باطلاً فالواجب على طالب العلم حمله على وجه الحق والرشد ما أستطاع إلى ذلك ولاسيما إن عُرف عنه تحري الحق وهذا هو العدل وخلافه الحيف والظلم   كما قال شيخ الإسلام رحمه الله : (وليس لأحد أن يحمل كلام أحد من الناس إلا على ما عُرف أنه أراده، لا على ما يحتمله ذلك اللفظ في كلام كل أحد). "الفتاوى" (7/36).  (ومن أعظم التقصير: نسبة الغلط إلى متكلّم مع إمكان تصحيح كلامه، وجريانه على أحسن أساليب كلام الناس.) "الفتاوى" (31/114).  (ومعلوم أن مُفَسَّر كلام المتكلم يقضي على مجمله، وصريحه يُقدم على كنايته، ومتى صدر لفظ صريح في معنى، ولفظ مجمل نقيض ذلك المعنى، أو غير نقيضه؛ لم يُحمل على نقيضه جزماً، حتى يترتب عليه الكفر؛ إلا مِنْ فَرْطِ الجهل والظلم). "الرد على البكري" (2/623).  وقال في بعض أهل الضلال الذين يتمسكون بمحتمل كلام أهل العلم ويستدلون به على باطلهم (وهؤلاء قد يجدون من كلام بعض المشايخ –كلمات مشتبهة مجملة- فيحملونها على المعاني الفاسدة، كما فعلت النصارى فيما نُقِلَ لهم عن الأنبياء، فيدعون المحكم؛ ويتبعون المتشابه). "الفتاوى" (2/374). _____________‎
توضيح مقصد ابن تيمية رحمه الله، وما عناه بهذه الفتوى، ولا شك أن معرفة الواقع التي أفتى فيه الشيخ بهذه الفتوى يساعد على فهم مقصده ومغزاه، فالواجب علينا أن ننظر أولاً إلى واقع دار ماردين في ذلك الوقت.

قصة هجوم التتار عليها:
_______________

ذكر المؤرخون أن الذي كان يحكم ماردين وقت هجوم التتار عليها هو الملك السعيد نجم الدين غازي بن أرتق أرسلان.

-قال الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام:
عَلِم السعيد أن التتار لا بد لهم منه ومن حصاره، فنقل ما في البلد من الذخائر إلى القلعة. ثم بعد أربعة أيام وصلته رسل هولاكو بحربه، ووصل عقب ذلك طائفة من التتار، فنازلت ماردين في ثالث جمادى الأولى....
واستمر الحصار إلى آخر السنة، ووقع الوباء بالقلعة، فمات الملك السعيد فيمن مات، وهلك الخلق. ورمى رجل نفسه من القلعة وأخبر التتار بموت السلطان، فبعثوا إلى ابنه الملك المظفر وطلبوا منه الدخول في الطاعة.ا.هـ.
-وقال قطب الدين اليونيني في كتابه ذيل مرآة الزمان بعد أن ذكر قصة وفاة الملك السعيد سنة ثمان وخمسين وستمائة: أن التتار عندما سمعوا بوفاة الملك السعيد بعثوا إلى ولده الملك المظفر رسولاً، وطلبوا منه الدخول في الطاعة، وكان قد قام مقام أبيه، فأجابهم جواباً أرضاهم، وأظهر لهم الدخول في طاعتهم، والعمل على مداراتهم.ا.هـ.
فالملاحظ هنا أن ماردين استولى عليها التتار عن طريق الصلح بينهم وبين ملكها المظفر سنة ثمان وخمسين أو تسع وخمسين وستمائة على خلاف بين المؤرخين.
وأن ملكها أظهر لهم الدخول في طاعتهم والعمل على مداراتهم.
وبقي الملك المظفر في الملك ثلاثاً وثلاثين سنة، وولي بعده ابنه الملك السعيد داود، ثم ابنه الآخر الملك المنصور نجم الدين غازي، فبقي إلى سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، واستمر ملك ماردين عند بني أرتق أرسلان إلى سنة تسع وثماني مائة كما ذكر المؤرخون.
وكان مولد شيخ الإسلام ابن تيمية سنة إحدى وستين وستمائة، وتوفي سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. (661- 728). وكانت ماردين عندما سئل عنها الشيخ في صلح مع التتار، إما أن تكون في نهاية عهد الملك المظفر حاكم ماردين الذي تم في وقته الصلح مع التتار، أو عهد من بعده من الأمراء.
___________

ونأتي الآن إلى بيان ما فهمناه من مقصد ابن تيمية رحمه الله:
قوله: (وأما كونها دار حرب أو سلم فهي مركبة فيها المعنيان).
فالمعنيان هنا يقصد بهما الشيخ أحكام الإسلام وأحكام الكفر حيث
صار هناك في هذه الدار معسكران معسكر اسلام ومعسكر كفر بالله , وكان المسلمون في ماردين يتحاكمون إلى قضاتهم الذين يحكمون بينهم بشرع الله , ولهم مساجدهم , ويكفرون أعداءهم من المشركين ويحاربونهم , فكان هناك مباينة وتمايز ولم يحدث انخراط في صفوف المشركين , ولم تغلب أحكام المشركين على أحكام الإسلام , وقد حكم شيخ الإسلام بكفر وردة من ينتمى إلى معسكر التتر فقال ((من جمز إلى معسكر التتر ولحق بهم، ارتد، وحل دمه وماله)) ومع كل هذا لم يقل شيخ الاسلام ابن تيمية بأن الأصل في هذه الديار الإسلام.

وقد ذكر ذلك الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن آل الشيخ فقال رحمه الله: وما حكاه ابن مفلح، عن الشيخ تقي الدين: أن البلدة التي تظهر فيها أحكام الكفر وأحكام الإسلام، لا تُعطى حكم الإسلام من كل وجه، ولا حكم الكفر من كل وجه.ا.هـ. الدرر السنية.

وكذلك قال الشيخ سليمان بن سحمان في رسالته كشف الأوهام: وأما تعريف بلاد الكفر فقد ذكر الحنابلة وغيرهم أن البلدة التي تجري عليها أحكام الكفر ولا تظهر فيها أحكام الإسلام بلدة كفر.
وما ظهر فيها هذا وهذا فقد أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه يراعى فيها الجانبان، فلا تعطى حكم الإسلام من كل وجه ولا حكم الكفر من كل وجه،كما نقله عنه ابن مفلح وغيره، وذكر بعض العلماء أن الحكم للأغلب عليها.ا.هـ.

فقوله (وما ظهر فيها هذا وهذا) أي ظهر فيها أحكام الكفر وأحكام الإسلام.
فمعنى قول ابن تيمية رحمه الله: (وأما كونها دار حرب أو سلم فهي مركبة فيها المعنيان) أي تظهر فيها أحكام الكفر وأحكام الإسلام.

ومسألة ظهور أحكام الكفر وأحكام الإسلام في البلد الواحد بحيث لا يغلب أحدهما على الآخر فتوصف الدار بالحكم الغالب أمر يدعو للاستغراب، ولابد من وجود من يظهر الكفر فهل هم الحكومة والجيش أم التتار أم سكان البلد؟! ولكن حسب ما يفهم من السؤال والجواب أن غالب سكان البلد مسلمين، والحكم فيما بينهم بأحكام الشريعة. والبلد كانت في صلح مع التتار فهم في حكم المتغلبون عليها، غير أنهم لم يجبروا أهلها على الكفر، وقد ذكر المؤرخون أن حاكمها أظهر للتتار الدخول تحت طاعتهم، وأنه كان يناصح سلطان المسلمين في السر، فهذا الأمر هو المانع من تسمية ماردين بدار الإسلام، لأن دار الإسلام أو دار السلم هي التي تعلوها أحكام الإسلام على غيره من أهل الأديان الأخرى، والغلبة فيها والسلطان للإسلام، وليس للكفار غلبة ولا سلطان ولا ظهور عليها، وماردين في صلح مع التتار والبلد تحت أيديهم.
ولهذا قال ابن تيمية: (ليست بمنزلة دار السلم التي يجري عليها أحكام الإسلام، لكون جندها مسلمين).
ويفهم من قول ابن تيمية: (ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه) أن هناك من خرج عن شريعة الإسلام من أهل البلد ولعل ذلك من الجند المعاونين للتتر.
____

وقول الشيخ رحمه الله: (ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار) ربما كان السبب في عدم وصف ابن تيمية للدار بالكفر هو أن أهلها ليسوا كفارا بل غالبهم من المسلمين، ولكن قد عرفنا سابقآ أن ديانة أهل البلد ليست هي الوصف المؤثر في الحكم على البلد بل هو ظهور وغلبة الأحكام والسلطان ومثال ذلك خيبر بعد الفتح.
فإذا تغلب الكفار على بلد معين وصارت السيادة والسلطان لهم فالبلد بلد كفر، وإن ظل غالب أهلها متمسكين بإسلامهم.
وقد جاء في الدرر السنية: (وأما البلد التي يُحكم عليها بأنها بلد كـُفر، فقال ابن مُفلح: وكل دار غلب عليها أحكام المسلمين فدار إسلام وإن غلب عليها أحكام الكفر فدار كفر ولا دار غيرهما. وقال الشيخ تقي الدين ابن تيمية وسُئل عن ماردين هل هى دار حرب أو دار إسلام؟ قال: هى مركبة فيها المعنيان ليست بمنزلة دار الإسلام التي تجري فيها أحكام الإسلام لكون جنودها مسلمين ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار بل هى قسم ثالث يُعامل المسلم فيها بما يستحقه ويُعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه. والأَوْلَى هو الذي ذكره القاضي والأصحاب). (الدرر السنية في الأجوبة النجدية) جمع ابن قاسم، جـ7، كتاب الجهاد، صـ353.
وهذا هو الأصح - والله أعلم - أن الدار إما دار كفر أو دار إسلام والحكم للمتغلب عليها، ولا داعي لإيجاد قسم ثالث تسمى فيه الدار بالدار المركبة لا دار إسلام ولا دار كفر. وعلى افتراض أن تسمية الدار بالمركبة صحيح فهي في حالة ظهور أحكام الكفر والإسلام فيها في آن واحد، وهذا مستغرب.
___________

هذا ما تيسر لنا توضيحه حول فتوى شيخ الإسلام رحمه الله وإنما أوردناه هاهنا لكيلا يُفْهَمَ خطأً فيؤدي إلى الخلط والخطأ في تنزيل الأحكام.

والمعتبر عندنا في تقسيم الديار نوعان فقط هما: دار الكفر ودار الإسلام، وذلك حسب نوع الأحكام السائدة والظاهرة فيها، كما بيناه سابقاً، وهذا ما يوافق قول الجمهور.
فالوصف المعتبر هو للحكم الأغلب عليها.

وفتوى الشيخ ابن تيمية اجتهادٌ منه - رحمه الله - خاصٌ بدار ماردين في ذلك الوقت الذي سئل عنها، وقد حاولنا أن نعرف واقع تلك البلد في ذلك الوقت. وربما كانت فتواه وصفا لحال أهلها لا حكما على البلد نفسه. والله أعلم.

وليس هناك داراً من الديار اليوم تشبه دار ماردين ولا قريبة منها بحيث لا يمكننا أن نعرف نوع الأحكام السائدة والغالبة عليها ولمن السلطان والغلبة فيها. بل إن كافة الديار في هذا الزمن ديار كفر، السلطان والغلبة للكفر وأهلها كفار، والمسلمون قلة مستضعفة لا شوكة لهم ولا منعة ولا أمان، لاسلطان يضمهم ولا دار تأويهم.

فالاستدلال بهذه الفتوى على واقع ديار اليوم لا هو دليل وحجة مقبولة، ولا هو استدلال في محله بل هو استدلالٌ بعيدٌ، واحتجاجٌ باطلٌ، وهذه الفتوى اجتهاد عالم في واقعة معينة يخطئ ويصيب، ولا يجوز اعتماده في الاحتجاج على واقع لا يشبهه بحال. فبعداً لمن أراد أن يلبس الحق بالباطل. والله أعلم.
____________________________

ومن ثم نقول

ان بعض كلام العلماء محتمل يحتمل حقاً ويحتمل باطلاً فالواجب على طالب العلم حمله على وجه الحق والرشد ما أستطاع إلى ذلك ولاسيما إن عُرف عنه تحري الحق وهذا هو العدل وخلافه الحيف والظلم

كما قال شيخ الإسلام رحمه الله : (وليس لأحد أن يحمل كلام أحد من الناس إلا على ما عُرف أنه أراده، لا على ما يحتمله ذلك اللفظ في كلام كل أحد). "الفتاوى" (7/36).

(ومن أعظم التقصير: نسبة الغلط إلى متكلّم مع إمكان تصحيح كلامه، وجريانه على أحسن أساليب كلام الناس.) "الفتاوى" (31/114).

(ومعلوم أن مُفَسَّر كلام المتكلم يقضي على مجمله، وصريحه يُقدم على كنايته، ومتى صدر لفظ صريح في معنى، ولفظ مجمل نقيض ذلك المعنى، أو غير نقيضه؛ لم يُحمل على نقيضه جزماً، حتى يترتب عليه الكفر؛ إلا مِنْ فَرْطِ الجهل والظلم). "الرد على البكري" (2/623).

وقال في بعض أهل الضلال الذين يتمسكون بمحتمل كلام أهل العلم ويستدلون به على باطلهم (وهؤلاء قد يجدون من كلام بعض المشايخ –كلمات مشتبهة مجملة- فيحملونها على المعاني الفاسدة، كما فعلت النصارى فيما نُقِلَ لهم عن الأنبياء، فيدعون المحكم؛ ويتبعون المتشابه). "الفتاوى" (2/374).
_____________

توضيح وبيان لمَ استشهد به أصحاب العذر بالجهل من أقوال ابن تيميه رحمه الله

$
0
0

Photo: ‎توضيح وبيان لمَ استشهد به  أصحاب العذر بالجهل  من أقوال ابن تيميه رحمه الله  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  وأما ما استشهد به أصحاب  العذر بالجهل من فتاوى ابن تيميه ليثبتوا  أنه لا يكفرأحداً ممن وقع في الشرك والكفر إلا بعد إقامة الحجة وذلك لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة :  كقول ابن تيمية رحمه الله بعد كلام : ".... لكن هذه المسألة متعلقة بتكفير أهل الأهواء : الناس مضطربون فيها ، فقد حُكي عن مالك فيها روايتان ، وعن الشافعي فيها قولان ، وعن الإمام أحمد أيضاً فيها روايتان ، وكذلك أهل الكلام ، فذكروا للأشعري فيها قولين ، وغالب مذاهب الأئمة فيها تفصيل .   وحقيقة الأمر في ذلك : أن القول قد يكون كفراً ، فيطلق القول بتكفير صاحبه ، فيقال : من قال كذا فهو كافر . لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره ، حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها ، وهذا كما في نصوص الوعيد ، فإن الله سبحانه وتعالى يقول : إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً  (النساء:10)   فهذا ونحوه من نصوص الوعيد حق ، لكن الشخص المعين لا يشهد عليه بالوعيد ، فلا يشهد لمعين من أهل القبلة بالنار ، لجواز أن لا يلحقه الوعيد ، لفوات شرط أو ثبوت مانع ، فقد لا يكون التحريم بلغه ، وقد يتوب من فعل المحرم ، وقد تكون له حسنات عظيمة تمحو عقوبة ذلك المحرم ، وقد يبتلي بمصائب تكفر عنه وقد يشفع فيه شفيع مطاع .  وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها ، قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق ، وقد تكون بلغته ولم تثبت عنده ، أو لم يتمكن من فهمها ، وقد يكون عرضت له شبهات يعذره الله تعالى بها . فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ ، فإن الله سبحانه وتعالى يغفر له خطأه كائناً من كان ، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية ، هذا الذي عليه أصحاب النبي وآله وجماهير أئمة الإسلام ." (مجموع الفتاوىج23ص345)  وكقوله رحمه الله :  بعد أن ذكر بعضاً من أعلام الشرك الأكبر فقال  "وهؤلاء الأجناس وإن كانوا قد كثروا في هذا الزمان ، فلقلة دعاة العلم والإيمان ، وفتور آثار الرسالة في أكثر البلدان . وأكثر هؤلاء ليس عندهم من آثار الرسالة وميراث النبوة ما يعرفون به الهدى .  وأصل ذلك أن المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع يقال : هي كفر قولاً يطلق كما دل على ذلك الدلائل الشرعية . فإن  ( الإيمان ) من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله . ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم ،ولا يجب أن يحكم في كل شخص قال ذلك بأنه كافر حتى يثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه ." أهـ ( مجموع الفتاوى ج35ص164-165)   أقول وبالله التوفيق : ___________  المتتبع والمتفهم لأقوال ابن تيمية ، يرى أنه من جملة  العلماء  الذين يستخدمون لفظ الكفر بعدة اعتبارات وبحسب ما يتعلق به من الأحكام وأن الاسم الواحد ينفى ويثبت بحسب الأحكام المتعلقة به . فلا يجب إذا ثبت أو نفي في حكم أن يكون كذلك في بقية الأحكام ، وهذا مشهور في كلام العرب   فالكفر قبل قيام الحجة له حد وأحكام تختلف عنه بعد قيام الحجة ، فتارة ينفون الكفر إلا بعد الحجة بحسب ما يتعلق به من أحكام ،وهذا لا ينفي الكفر الآخر الثابت لأصحابه قبل قيام الحجة وبلوغ الرسالة .  قال ابن تيمية رحمه الله في هذا المعنى : " وجماع الأمر أن الاسم الواحد ينفى ويثبت بحسب الأحكام المتعلقة به ، فلا يجب إذا ثبت أو نفي في حكم أن يكون كذلك في سائر الأحكام المتعلقة به ، وهذا في كلام العرب وسائر الأمم ، لأن المعنى مفهوم ، مثال ذلك : المنافقون قد يجعلون من المؤمنين في موضع وفي موضع آخر يقال : ما هم منهم .  قال تعالى : قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً  (الأحزاب : 18)  فهنالك جعل هؤلاء المنافقين الخائفين من العدو . الناكلين عن الجهاد ، الناهين لغيرهم ، الذامين للمؤمنين : منهم . وقال في آية أخرى : وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ  (التوبة :56). وهؤلاء : ذنبهم أخف ، فإنهم لم يؤذوا المؤمنين لا بنهي ولا سلق بألسنة حداد ، ولكن حلفوا بالله أنهم من المؤمنين في الباطن بقلوبهم ، وإلا فقد علم المؤمنون أنهم منهم في الظاهر فكذبهم الله وقال  وَمَا هُمْ مِنْكُمْ  وهناك قال : قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ. فالخطاب : لمن كان في الظاهر مسلماً مؤمناً وليس مؤمناً بأن منكم من هو بهذه الصفة ، وليس مؤمناً بل أحبط الله عمله فهو منكم في الظاهر لا الباطن .  ولهذا لما استؤذن النبي في قتل بعض المنافقين قال : ( لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ) فإنهم من أصحابه في الظاهر عند من لا يعرف حقائق الأمور ، وأصحابه الذين هم أصحابه ليس فيهم نفاق ...  وكذلك : الأنساب مثل كون الإنسان أباً لآخر أو أخاه يثبت في بعض الأحكام دون بعض فإنه قد ثبت في الصحيحين أنه لما اختصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة بن الأسود في ابن وليدة زمعة ، وكان عتبة بن أبي وقاص قد فجر بها في الجاهلية ، وولدت منه ولداً فقال عتبة لأخيه سعد :إذا قدمت مكة فانظر ابن وليدة زمعة فإنه ابني ، فاختصم فيه وهو وعبد بن زمعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال سعد : يا رسول الله ابن أخي عتبة ، عهد إلي أخي عتبة فيه إذا قدمت مكة انظر إلى ابن وليدة زمعة فإنه ابني ، ألا ترى يا رسول الله شبهه بعتبة ؟ فقال عبد : يا رسول الله أخي وابن وليدة أبي ولد على فراش أبي . فرأى النبي شبهاً بيناً بعتبة فقال : ( هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر ، واحتجبي منه يا سودة ) . لما رأى من شبهه البين بعتبة . فتبين أن الاسم الواحد ينفى في حكم ، ويثبت في حكم ، فهو أخ في الميراث وليس بأخ في المحرمية ...  ولفظ النكاح وغيره في الأمر يتناول الكامل وهو العقد والوطء كما في قوله تعالى : فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ  ( النساء :3) وقوله حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ (البقرة :230) وفي النهي يعم الناقص والكامل ، فينهى عن العقد مفرداً وإن لم يكن وطء كقوله : وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ (النساء :22) " (مجموع الفتاوى :ج7ص418-419 ) قلت: فالكفر الذي ينفيه ابن تيمية ، قبل قيام الحجة ، هو الكفر الذي يستحق صاحبه العقوبة في الدارين ، القتل في الدنيا والخلود في النيران في الآخرة ، وهذا لا يكون إلا بعد الحجة الرسالية ، لأن العقوبة والعذاب متوقفة على بلاغ الرسالة لقوله تعالى : وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً  (الإسراء :15) وهذا الكفر أصحابه إن كانوا واقعين في الشرك فهم مشركون وليسوا بمسلمين ، وكفار ، لكن الكفر الغير معذب عليه ،   قال ابن تيمية رحمه الله : _________________  " فإن حال : الكافر لا تخلو من أن يتصور الرسالة أو لا ، فإن لم يتصور فهو في غفلة عنها ، وعدم إيمان ،كما قال تعالى :  وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً    (الكهف :28) وقال : فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ  (الأعراف :136) . لكن الغفلة المحضة لا تكون إلا لمن لم تبلغه الرسالة ، والكفر المعذب عليه لا يكون إلا بعد بلوغ الرسالة .  فكل مكذب لما جاءت به الرسل فهو كافر ، وليس كل كافر مكذباً . بل قد يكون مرتاباً إن كان ناظراً فيه ، أو معرضاً عنه بعد أن لم يكن ناظراً فيه ، وقد يكون غافلاً عنه لم يتصوره بحال . لكن عقوبة هذا موقوفة على تبليغ المرسل إليه." (مجموع الفتاوى :ج2ص78-79)   أقول: فانظر رحمك الله إلى قول ابن تيمية في أول النقل " فإن حال الكافر : لا تخلو من أن يتصور الرسالة أو لا " ثم قال:" وأما الكفر المعذب عليه لا يكون إلا بعد بلوغ الرسالة " وقوله :" العقوبة متوقفة على تبليغ المرسل إليه ."  وقال رحمه الله منكراً على من يقول أن حسن التوحيد وقبح الشرك وإمكان المعاد لا يعلم بالعقل،فقال : " وكثير من هؤلاء يعتقدون أن في ذلك ما لا يجوز أن يعلم بالعقل :كالمعاد وحسن التوحيد، والعدل ، والصدق ، وقبح الشرك ، والظلم ، والكذب . والقرآن يبين : الأدلة العقلية الدالة على ذلك ، وينكر على من لم يستدل بها ، ويبين أنه بالعقل يعرف المعاد وحسن عبادته وحده وحسن شكره وقبح الشرك وكفر نعمه كما قد بسطت الكلام على ذلك في مواضع . فتارك الواجب وفاعل القبيح وإن لم يعذب بالآلام كالنار ،فيسلب من النعم وأسبابه ما يكون جزاءه . وهذا جزاء من لم يشكر النعمة بل كفرها أن يسلبها ،فالشكر قيد النعم ، وهو موجب للمزيد . والكفر بعد قيام الحجة موجب للعذاب وقبل ذلك ينقص النعمة ولا يزيد مع أنه لا بد من إرسال رسول يستحق معه النعيم أو العذاب ، فإنه ما ثم دار إلا الجنة أو النار ." (مجموع الفتاوى :ج16ص252)  انظر إلى قول الشيخ: " أن العقل يعلم به حسن التوحيد والمعاد وقبح الشرك" ولذلك فالكفر ثابت قبل الحجة لمخالفة حجية العقل والفطرة ،وهذا الكفر ينقص النعمة والكفر بعد الحجة موجب للعذاب . ولذلك قال : " قالوا - أي : أهل السنة - ولما كان العلم بالله إيماناً ، والجهل به كفراً وكان العمل بالفرائض إيماناً ، والجهل بها قبل نزولها ليس بكفر لأن أصحاب رسول الله  قد أقروا بالله أول ما بعث الله رسوله  ، إليهم ، ولم يعلموا الفرائض التي افترضت عليهم بعد ذلك ،فلم يكن جهلهم بذلك كفراً ، ثم أنزل الله عليهم الفرائض فكان إقرارهم بها والقيام بها إيماناً ، وإنما يكفر من جحدها لتكذيبه خبر الله ، ولو لم يأت خبر من الله ما كان بجهلها كافراً ، وبعد مجيء  الخبر  من لم يسمع بالخبر من المسلمين لم يكن بجهلها كافراً ، والجهل بالله في كل حال كفر قبل الخبر وبعد الخبر (مجموعةالفتاوى:ج7ص325)  أقول : انظر لهذا النقل أن "الجهل بالله كفر قبل الخبر وبعد الخبر " والمقصود الجهل بتوحيده ، والدليل على ذلك : قوله أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد أقروا بالله أول ما بعث رسوله صلى الله عليه وسلم إليهم ، ومن المعلوم بيقين أن الإقرار هنا هو الإقرار بتوحيد الإلهية لا بتوحيد الربوبية الذي لا يفرق بين الموحدين والمشركين بل هو متوفر لديهم جميعاً ، إذاً فالجهل بالله كفر قبل الخبر وبعد الخبر ، لكن قبل الخبر ينقص النعمة ولا يزيد ومحرم على أصحابه دخول الجنة ، وإن ماتوا على ذلك لا يصلى عليهم ولا يستغفر لهم ولا يدفنون في مقابر المسلمين لأنهم مشركون وليسوا بمسلمين ، إلا أنهم لا يعذبون في الدارين إلا بعد إقامة الحجة . وهذا هو الكفر بعد الخبر وهو الكفر المعذب عليه ، وكما أنهم لا يعذبون فهم أيضاً لا ينعمون .  قال ابن تيمية رحمه الله : " فلا ينجون من عذاب الله إلا من أخلص لله دينه وعبادته ودعاه مخلصاً له الدين ، ومن لم يشرك به ولم يعبده فهو معطل عن عبادته وعبادة غيره : كفرعون وأمثاله ، فهو أسوأ حالاً من المشرك ، فلا بد من عبادة الله وحده ، وهذا واجب على كل أحد ، فلا يسقط عن أحد البتة ، وهو الإسلام العام الذي لا يقبل الله ديناً غيره .  ولكن لا يعذب الله أحداً حتى يبعث إليه رسولاً ، وكما أنه لا يعذبه فلا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة مؤمنة ولا يدخلها مشرك ولا مستكبر عن عبادة ربه ، فمن لم تبلغه الدعوة في الدنيا امتحن في الآخرة ، ولا يدخل النار إلا من اتبع الشيطان ، فمن لا ذنب له لا يدخل النار ، ولا يعذب الله بالنار أحداً إلا بعد أن يبعث إليه رسولاً ." (مجموع الفتاوى :ج14ص476-477)  أقول : فمن هذه النقول للشيخ ابن تيمية رحمه الله : يتبين أنه لا يحكم بالإسلام للمشرك الجاهل البتة ، إلا أنه لا يحكم عليه بالعذاب في الدارين إلا بعد إقامة الحجة ، وهم قبلها مشركون وليسوا بمسلمين.  هذا ولا بد التنبيه على أن النقل الأول عن ابن تيمية والذي استشهد به أصحاب العذر بالجهل كان عن المسلمين الموحدين أهل القبلة أصحاب الأهواء وليس بحق من أشرك بالله العظيم . فهو يقول : " لكن هذه المسألة متعلقة بتكفير أهل الأهواء " ويقول :" فلا يشهد لمعين من أهل القبلة بالنار " فهو يصفهم هنا أنهم من أهل القبلة ، والمشرك بالله لا يوصف بأهل القبلة . لأن وصف أهل القبلة لا يكون إلا لعبد موحد متحنف كفر بكل ما يعبد من دون الله وترك الشرك عن علم وقصد ، ووحد الله الواحد القهار ، أما المشرك والكافر فليس من أهل القبلة.  وكذلك قوله :" فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ " يدل على أنه لا يتكلم عمن وقع في الشرك الأكبر وإنما يتكلم عن المؤمنين الموحدين الذين ارتكبوا كفراً ليس له علاقة بالشرك الأكبر بسبب جهلهم وخطئهم .    قال ابن تيمية رحمه الله  :  ________________  " نعم قد يشكل على كثير من الناس نصوص لا يفهمونها فتكون مشكلة بالنسبة إليهم لعجز فهمهم عن معانيها ، ولا يجوز أن يكون في القرآن ما يخالف صريح العقل والحس إلا وفي القرآن بيان معناه ، فإن القرآن جعله الله شفاءً لما في الصدور وبياناً للناس فلا يجوز أن يكون بخلاف ذلك ، لكن قد تخفى آثار الرسالة في بعض الأمكنة والأزمنة حتى لا يعرفون ما جاء به الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، إما ألا يعرفوا اللفظ وإما أن يعرفوا اللفظ ولا يعرفوا معناه ،فحينئذ يصيرون في جاهلية بسبب عدم نور النبوة ، ومن ههنا يقع الشرك وتفريق الدين شيعاً كالفتن التي تحدث السيف. فالفتن القولية والعملية هي من الجاهلية بسبب خفاء نور النبوة عنهم كما قال مالك بن أنس :" إذا قل العلم ظهر الجفاء ، وإذا قلت الآثار ظهرت الأهواء ." ولهذا شبهت الفتن بقطع الليل المظلم ولهذا قال أحمد في خطبته : " الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة ، بقايا من أهل العلم ."   فالهدى الحاصل لأهل الأرض إنما هو من نور النبوة كما قال تعالى :          فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى  (طه :123) فأهل الهدى والفلاح هم : المتبعون للأنبياء وهم المسلمون المؤمنون في كل زمان ومكان . وأهل العذاب والضلال هم: المكذبون للأنبياء ، يبقى أهل الجاهلية الذين لم يصل إليهم ما جاءت به الأنبياء .فهؤلاء في ضلال وجهل وشرك وشر لكن الله يقول : وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً  (الإسراء :15). وقال : رسُلاً مّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجّةٌ بَعْدَ الرّسُلِ   (النساء :165). وقال : وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ  (القصص: 59) فهؤلاء لا يهلكهم الله ويعذبهم حتى يرسل إليهم رسولاً . وقد رويت آثار متعددة في أن من لم تبلغه الرسالة في الدنيا فإنه يبعث إليه رسول يوم القيامة في عرصات القيامة . "  (مجموع الفتاوى :ج17ص307)   أقول : ففي هذا النقل يبرهن فيه الشيخ ابن تيمية رحمه الله على أن أهل الهدى والفلاح هم : المتبعون للأنبياء وهم المسلمون المؤمنون . وأهل العذاب والضلال هم : المكذبون للأنبياء وهذا هو الكفر المعذب عليه .  يبقى أهل الجاهلية الذين لم يصل إليهم ما جاءت به الأنبياء ، إذاً فهم لم يكذبوا فلم يقعوا في الكفر المعذب عليه ، بيد أنهم لم يتبعوهم أيضاً ووقعوا في الإشراك بالله . فهؤلاء في ضلال وجهل وشرك وشر إلا إنهم لا يعذبون إلا بعد الحجة الرسالية . وهذا هو الكفر قبل الحجة وبلوغ الخبر .  ويلاحظ أن هذا النقل في الأمة المحمدية ولا يجرؤ أحد أن يقول إنهم مشركون على الإطلاق دون التعيين لأنه لو كان كذلك لما قال عنهم الشيخ : إنهم يمتحنون في العرصات ، لأنهم لو كانوا مسلمين لدخلوا الجنة دون امتحان . فثبوت الإمتحان لهم دل على أنهم مشركون على التعيين .  وقال رحمه الله :  " وأصل الإيمان والتقوى : الإيمان برسل الله ،وجماع ذلك : الإيمان بخاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم ، فالإيمان يتضمن : الإيمان بجميع كتب الله ورسله . وأصل الكفر والنفاق هو : الكفر بالرسل وبما جاءوا به ، فإن هذا هو الكفر الذي يستحق صاحبه العذاب في الآخرة فإن الله تعالى أخبر في كتابه أنه لا يعذب أحداً إلا بعد بلوغ الرسالة ." (مجموع الفتاوى :ج11 ص186)   أقول : فهذا هو الكفر الذي ينفيه ابن تيمية في الكليات والجزئيات والأصول والفروع وهو الكفر المعذب عليه ، لأنه لا تكليف إلا بشرع ،والشرع يلزم بالبلاغ مع انتفاء المعارض حتى في أصل الأصول وهو التوحيد ، وأهله قبل الحجة ليسوا بمسلمين . إلا كفر التنقص والاستهزاء فأهله معذبون عليه بإطلاق ،لأنه لا يتصور جهله ولا التعبد به .  سئل الشيخ عن قوم داوموا على الرياضة مرة فرأوا أنهم قد تجوهروا فقالوا :"لا نبالي الآن ما عملنا ، وإنما الأوامر والنواهي رسوم العوام ، ولو تجوهروا لسقطت عنهم ، وحاصل النبوة يرجع إلى الحكمة والمصلحة والمراد منها ضبط العوام ، ولسنا نحن من العوام فندخل في حجر التكليف لأنا قد تجوهرنا وعرفنا الحكمة ." فهل هذا القول كفر من قائله ؟ أم يبدع من غير تكفير ؟ وهل يصير ذلك عمن في قلبه خضوع للنبي صلى الله عليه وسلم ؟  فأجاب :" لا ريب عند أهل العلم والإيمان أن هذا القول من أعظم الكفر وأغلظه وهو شر من قول اليهود والنصارى .  والمقصود أن المتمسكين بجملة منسوخة فيها تبديل ، خير من هؤلاء الذين يزعمون سقوط الأمر والنهي عنهم بالكلية ، فإن هؤلاء خارجون في هذه الحال عن جميع الكتب والشرائع والملل ، لا يلتزمون لله أمراً ولا نهياً بحال ، بل هؤلاء شر من المشركين المستمسكين ببقايا من الملل : كمشركي العرب الذين كانوا مستمسكين ببقايا من دين إبراهيم عليه السلام ..... فمن كان من قوله هو أنه أو طائفة غيره قد خرجت عن كل أمر ونهي بحيث لا يجب عليها شيء ، ولا يحرم عليها شيء فهؤلاء أكفر أهل الأرض وهم من جنس فرعون وذويه .....  ثم قال - في صفحة 407- "وكثير من الناس قد ينشأ في الأمكنة والأزمنة الذي يندرس فيها كثير من علوم النبوات حتى لا يبقى من يبلغ ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة ، فلا يعلم كثيراً مما يبعث الله به رسوله ولا يكون هناك من يبلغه ذلك ، ومثل هذا لا يكفر  ( وأخذ يدلل على هذا ) .ثم قال : فقد تبين : أن هذا القول كفر ولكن تكفير قائله لا يحكم به حتى يكون قد بلغه من العلم ما تقوم به عليه الحجة التي يكفر تاركها ، ودلائل فساد هذا القول كثيرة في الكتاب والسنة واتفاق سلف الأمة وأئمتها ومشايخها ، لا يحتاج إلى بسطها بل قد علم بالاضطرار من دين الإسلام : أن الأمر والنهي ثابت في حق العباد إلى الموت .  وأما قول القائل : هل يصدر ذلك عمن في قلبه خضوع للنبي   ؟ فيقال : هذا لا يصدر عمن هو مقر بالنبوات مطلقاً.بل قائل ذلك كافر بجميع الأنبياء والمرسلين ، لأنهم جميعاً أتوا بالأمر والنهي للعباد إلى حين الموت ، بل لا يصدر هذا القول ممن في قلبه خضوع لله وإقرار بأنه إله العالم ، فإن هذا الإقرار يستلزم ، أن يكون الإنسان عبداً لله خاضعاً له،ومن سوغ لإنسان أن يفعل ما يشاء من غير تعبد بعبادة الله ، فقد أنكر أن يكون الله إلهه." (مجموع الفتاوى 413:401)   أقول : انظر رحمك الله إلى هذه الفتوى ، فإنه قرر في أولها أنهم أكفر أهل الأرض وأكفر من اليهود والنصارى وأنهم أخبث من المشركين ، ثم ينفي الكفر عنهم بعد ذلك لقلة العلم وغلبة الجهل ،وهذا هو الكفر قبل الخبر وقيام الحجة .  ثم يقول رحمه الله : " أن هذا القول كفر ولكن تكفير قائله لا يحكم به حتى يكون قد بلغه من العلم ما تقوم به عليه الحجة التي يكفر تاركها " أي : لا يكفر قائله  الكفر المعذب عليه حتى تقوم عليه الحجة . وليس معنا ذلك أنه مسلم حتى تقوم عليه الحجة ، لأنه يقول بعدها : " هذا لا يصدر عمن هو مقر بالنبوات مطلقاً.بل قائل ذلك كافر بجميع الأنبياء والمرسلين " ويقول " ... بل لا يصدر هذا القول ممن في قلبه خضوع لله وإقرار بأنه إله العالم  " وهذا هو الكفر قبل الخبر وقيام الحجة . ____________________ وللمزيد راجع رسالتنا   " مذهب شيخ الاسلام ابن تيميه رحمه الله " _______________________________‎
وأما ما استشهد به أصحاب العذر بالجهل من فتاوى ابن تيميه ليثبتوا أنه لا يكفرأحداً ممن وقع في الشرك والكفر إلا بعد إقامة الحجة وذلك لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة :

كقول ابن تيمية رحمه الله بعد كلام : ".... لكن هذه المسألة متعلقة بتكفير أهل الأهواء : الناس مضطربون فيها ، فقد حُكي عن مالك فيها روايتان ، وعن الشافعي فيها قولان ، وعن الإمام أحمد أيضاً فيها روايتان ، وكذلك أهل الكلام ، فذكروا للأشعري فيها قولين ، وغالب مذاهب الأئمة فيها تفصيل .

وحقيقة الأمر في ذلك : أن القول قد يكون كفراً ، فيطلق القول بتكفير صاحبه ، فيقال : من قال كذا فهو كافر . لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره ، حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها ، وهذا كما في نصوص الوعيد ، فإن الله سبحانه وتعالى يقول : إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (النساء:10)

فهذا ونحوه من نصوص الوعيد حق ، لكن الشخص المعين لا يشهد عليه بالوعيد ، فلا يشهد لمعين من أهل القبلة بالنار ، لجواز أن لا يلحقه الوعيد ، لفوات شرط أو ثبوت مانع ، فقد لا يكون التحريم بلغه ، وقد يتوب من فعل المحرم ، وقد تكون له حسنات عظيمة تمحو عقوبة ذلك المحرم ، وقد يبتلي بمصائب تكفر عنه وقد يشفع فيه شفيع مطاع .
وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها ، قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق ، وقد تكون بلغته ولم تثبت عنده ، أو لم يتمكن من فهمها ، وقد يكون عرضت له شبهات يعذره الله تعالى بها .
فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ ، فإن الله سبحانه وتعالى يغفر له خطأه كائناً من كان ، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية ، هذا الذي عليه أصحاب النبي وآله وجماهير أئمة الإسلام ." (مجموع الفتاوىج23ص345)

وكقوله رحمه الله : بعد أن ذكر بعضاً من أعلام الشرك الأكبر فقال "وهؤلاء الأجناس وإن كانوا قد كثروا في هذا الزمان ، فلقلة دعاة العلم والإيمان ، وفتور آثار الرسالة في أكثر البلدان . وأكثر هؤلاء ليس عندهم من آثار الرسالة وميراث النبوة ما يعرفون به الهدى .

وأصل ذلك أن المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع يقال : هي كفر قولاً يطلق كما دل على ذلك الدلائل الشرعية . فإن
( الإيمان ) من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله . ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم ،ولا يجب أن يحكم في كل شخص قال ذلك بأنه كافر حتى يثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه ."أهـ ( مجموع الفتاوى ج35ص164-165)

أقول وبالله التوفيق :
___________

المتتبع والمتفهم لأقوال ابن تيمية ، يرى أنه من جملة العلماء الذين يستخدمون لفظ الكفر بعدة اعتبارات وبحسب ما يتعلق به من الأحكام وأن الاسم الواحد ينفى ويثبت بحسب الأحكام المتعلقة به . فلا يجب إذا ثبت أو نفي في حكم أن يكون كذلك في بقية الأحكام ، وهذا مشهور في كلام العرب

فالكفر قبل قيام الحجة له حد وأحكام تختلف عنه بعد قيام الحجة ، فتارة ينفون الكفر إلا بعد الحجة بحسب ما يتعلق به من أحكام ،وهذا لا ينفي الكفر الآخر الثابت لأصحابه قبل قيام الحجة وبلوغ الرسالة .

قال ابن تيمية رحمه الله في هذا المعنى : "وجماع الأمر أن الاسم الواحد ينفى ويثبت بحسب الأحكام المتعلقة به ، فلا يجب إذا ثبت أو نفي في حكم أن يكون كذلك في سائر الأحكام المتعلقة به ، وهذا في كلام العرب وسائر الأمم ، لأن المعنى مفهوم ، مثال ذلك : المنافقون قد يجعلون من المؤمنين في موضع وفي موضع آخر يقال : ما هم منهم .

قال تعالى : قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً (الأحزاب : 18)

فهنالك جعل هؤلاء المنافقين الخائفين من العدو . الناكلين عن الجهاد ، الناهين لغيرهم ، الذامين للمؤمنين : منهم . وقال في آية أخرى : وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (التوبة :56). وهؤلاء : ذنبهم أخف ، فإنهم لم يؤذوا المؤمنين لا بنهي ولا سلق بألسنة حداد ، ولكن حلفوا بالله أنهم من المؤمنين في الباطن بقلوبهم ، وإلا فقد علم المؤمنون أنهم منهم في الظاهر فكذبهم الله وقال وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وهناك قال : قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ. فالخطاب : لمن كان في الظاهر مسلماً مؤمناً وليس مؤمناً بأن منكم من هو بهذه الصفة ، وليس مؤمناً بل أحبط الله عمله فهو منكم في الظاهر لا الباطن .

ولهذا لما استؤذن النبي في قتل بعض المنافقين قال : ( لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ) فإنهم من أصحابه في الظاهر عند من لا يعرف حقائق الأمور ، وأصحابه الذين هم أصحابه ليس فيهم نفاق ...

وكذلك : الأنساب مثل كون الإنسان أباً لآخر أو أخاه يثبت في بعض الأحكام دون بعض فإنه قد ثبت في الصحيحين أنه لما اختصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة بن الأسود في ابن وليدة زمعة ، وكان عتبة بن أبي وقاص قد فجر بها في الجاهلية ، وولدت منه ولداً فقال عتبة لأخيه سعد :إذا قدمت مكة فانظر ابن وليدة زمعة فإنه ابني ، فاختصم فيه وهو وعبد بن زمعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال سعد : يا رسول الله ابن أخي عتبة ، عهد إلي أخي عتبة فيه إذا قدمت مكة انظر إلى ابن وليدة زمعة فإنه ابني ، ألا ترى يا رسول الله شبهه بعتبة ؟
فقال عبد : يا رسول الله أخي وابن وليدة أبي ولد على فراش أبي .
فرأى النبي شبهاً بيناً بعتبة فقال : ( هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر ، واحتجبي منه يا سودة ) . لما رأى من شبهه البين بعتبة .
فتبين أن الاسم الواحد ينفى في حكم ، ويثبت في حكم ، فهو أخ في الميراث وليس بأخ في المحرمية ...

ولفظ النكاح وغيره في الأمر يتناول الكامل وهو العقد والوطء كما في قوله تعالى : فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ( النساء :3) وقوله حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ (البقرة :230) وفي النهي يعم الناقص والكامل ، فينهى عن العقد مفرداً وإن لم يكن وطء كقوله : وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ (النساء :22) " (مجموع الفتاوى :ج7ص418-419 )
قلت: فالكفر الذي ينفيه ابن تيمية ، قبل قيام الحجة ، هو الكفر الذي يستحق صاحبه العقوبة في الدارين ، القتل في الدنيا والخلود في النيران في الآخرة ، وهذا لا يكون إلا بعد الحجة الرسالية ، لأن العقوبة والعذاب متوقفة على بلاغ الرسالة لقوله تعالى : وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (الإسراء :15) وهذا الكفر أصحابه إن كانوا واقعين في الشرك فهم مشركون وليسوا بمسلمين ، وكفار ، لكن الكفر الغير معذب عليه ،

قال ابن تيمية رحمه الله :
_________________

"فإن حال : الكافر لا تخلو من أن يتصور الرسالة أو لا ، فإن لم يتصور فهو في غفلة عنها ، وعدم إيمان ،كما قال تعالى : وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (الكهف :28) وقال : فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (الأعراف :136) . لكن الغفلة المحضة لا تكون إلا لمن لم تبلغه الرسالة ، والكفر المعذب عليه لا يكون إلا بعد بلوغ الرسالة .

فكل مكذب لما جاءت به الرسل فهو كافر ، وليس كل كافر مكذباً . بل قد يكون مرتاباً إن كان ناظراً فيه ، أو معرضاً عنه بعد أن لم يكن ناظراً فيه ، وقد يكون غافلاً عنه لم يتصوره بحال . لكن عقوبة هذا موقوفة على تبليغ المرسل إليه." (مجموع الفتاوى :ج2ص78-79)

أقول: فانظر رحمك الله إلى قول ابن تيمية في أول النقل "فإن حال الكافر : لا تخلو من أن يتصور الرسالة أو لا "ثم قال:"وأما الكفر المعذب عليه لا يكون إلا بعد بلوغ الرسالة "وقوله :"العقوبة متوقفة على تبليغ المرسل إليه ."

وقال رحمه الله منكراً على من يقول أن حسن التوحيد وقبح الشرك وإمكان المعاد لا يعلم بالعقل،فقال : "وكثير من هؤلاء يعتقدون أن في ذلك ما لا يجوز أن يعلم بالعقل :كالمعاد وحسن التوحيد، والعدل ، والصدق ، وقبح الشرك ، والظلم ، والكذب . والقرآن يبين : الأدلة العقلية الدالة على ذلك ، وينكر على من لم يستدل بها ، ويبين أنه بالعقل يعرف المعاد وحسن عبادته وحده وحسن شكره وقبح الشرك وكفر نعمه كما قد بسطت الكلام على ذلك في مواضع . فتارك الواجب وفاعل القبيح وإن لم يعذب بالآلام كالنار ،فيسلب من النعم وأسبابه ما يكون جزاءه . وهذا جزاء من لم يشكر النعمة بل كفرها أن يسلبها ،فالشكر قيد النعم ، وهو موجب للمزيد . والكفر بعد قيام الحجة موجب للعذاب وقبل ذلك ينقص النعمة ولا يزيد مع أنه لا بد من إرسال رسول يستحق معه النعيم أو العذاب ، فإنه ما ثم دار إلا الجنة أو النار ." (مجموع الفتاوى :ج16ص252)

انظر إلى قول الشيخ: "أن العقل يعلم به حسن التوحيد والمعاد وقبح الشرك"ولذلك فالكفر ثابت قبل الحجة لمخالفة حجية العقل والفطرة ،وهذا الكفر ينقص النعمة والكفر بعد الحجة موجب للعذاب . ولذلك قال :
"قالوا - أي : أهل السنة - ولما كان العلم بالله إيماناً ، والجهل به كفراً وكان العمل بالفرائض إيماناً ، والجهل بها قبل نزولها ليس بكفر لأن أصحاب رسول الله قد أقروا بالله أول ما بعث الله رسوله ، إليهم ، ولم يعلموا الفرائض التي افترضت عليهم بعد ذلك ،فلم يكن جهلهم بذلك كفراً ، ثم أنزل الله عليهم الفرائض فكان إقرارهم بها والقيام بها إيماناً ، وإنما يكفر من جحدها لتكذيبه خبر الله ، ولو لم يأت خبر من الله ما كان بجهلها كافراً ، وبعد مجيء الخبر من لم يسمع بالخبر من المسلمين لم يكن بجهلها كافراً ، والجهل بالله في كل حال كفر قبل الخبر وبعد الخبر (مجموعةالفتاوى:ج7ص325)

أقول : انظر لهذا النقل أن "الجهل بالله كفر قبل الخبر وبعد الخبر "والمقصود الجهل بتوحيده ، والدليل على ذلك : قوله أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد أقروا بالله أول ما بعث رسوله صلى الله عليه وسلم إليهم ، ومن المعلوم بيقين أن الإقرار هنا هو الإقرار بتوحيد الإلهية لا بتوحيد الربوبية الذي لا يفرق بين الموحدين والمشركين بل هو متوفر لديهم جميعاً ، إذاً فالجهل بالله كفر قبل الخبر وبعد الخبر ، لكن قبل الخبر ينقص النعمة ولا يزيد ومحرم على أصحابه دخول الجنة ، وإن ماتوا على ذلك لا يصلى عليهم ولا يستغفر لهم ولا يدفنون في مقابر المسلمين لأنهم مشركون وليسوا بمسلمين ، إلا أنهم لا يعذبون في الدارين إلا بعد إقامة الحجة . وهذا هو الكفر بعد الخبر وهو الكفر المعذب عليه ، وكما أنهم لا يعذبون فهم أيضاً لا ينعمون .

قال ابن تيمية رحمه الله : "فلا ينجون من عذاب الله إلا من أخلص لله دينه وعبادته ودعاه مخلصاً له الدين ، ومن لم يشرك به ولم يعبده فهو معطل عن عبادته وعبادة غيره : كفرعون وأمثاله ، فهو أسوأ حالاً من المشرك ، فلا بد من عبادة الله وحده ، وهذا واجب على كل أحد ، فلا يسقط عن أحد البتة ، وهو الإسلام العام الذي لا يقبل الله ديناً غيره .

ولكن لا يعذب الله أحداً حتى يبعث إليه رسولاً ، وكما أنه لا يعذبه فلا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة مؤمنة ولا يدخلها مشرك ولا مستكبر عن عبادة ربه ، فمن لم تبلغه الدعوة في الدنيا امتحن في الآخرة ، ولا يدخل النار إلا من اتبع الشيطان ، فمن لا ذنب له لا يدخل النار ، ولا يعذب الله بالنار أحداً إلا بعد أن يبعث إليه رسولاً ." (مجموع الفتاوى :ج14ص476-477)

أقول : فمن هذه النقول للشيخ ابن تيمية رحمه الله : يتبين أنه لا يحكم بالإسلام للمشرك الجاهل البتة ، إلا أنه لا يحكم عليه بالعذاب في الدارين إلا بعد إقامة الحجة ، وهم قبلها مشركون وليسوا بمسلمين.

هذا ولا بد التنبيه على أن النقل الأول عن ابن تيمية والذي استشهد به أصحاب العذر بالجهل كان عن المسلمين الموحدين أهل القبلة أصحاب الأهواء وليس بحق من أشرك بالله العظيم . فهو يقول : "لكن هذه المسألة متعلقة بتكفير أهل الأهواء "ويقول :"فلا يشهد لمعين من أهل القبلة بالنار "فهو يصفهم هنا أنهم من أهل القبلة ، والمشرك بالله لا يوصف بأهل القبلة . لأن وصف أهل القبلة لا يكون إلا لعبد موحد متحنف كفر بكل ما يعبد من دون الله وترك الشرك عن علم وقصد ، ووحد الله الواحد القهار ، أما المشرك والكافر فليس من أهل القبلة.

وكذلك قوله :"فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ "يدل على أنه لا يتكلم عمن وقع في الشرك الأكبر وإنما يتكلم عن المؤمنين الموحدين الذين ارتكبوا كفراً ليس له علاقة بالشرك الأكبر بسبب جهلهم وخطئهم .

قال ابن تيمية رحمه الله :
________________

"نعم قد يشكل على كثير من الناس نصوص لا يفهمونها فتكون مشكلة بالنسبة إليهم لعجز فهمهم عن معانيها ، ولا يجوز أن يكون في القرآن ما يخالف صريح العقل والحس إلا وفي القرآن بيان معناه ، فإن القرآن جعله الله شفاءً لما في الصدور وبياناً للناس فلا يجوز أن يكون بخلاف ذلك ، لكن قد تخفى آثار الرسالة في بعض الأمكنة والأزمنة حتى لا يعرفون ما جاء به الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، إما ألا يعرفوا اللفظ وإما أن يعرفوا اللفظ ولا يعرفوا معناه ،فحينئذ يصيرون في جاهلية بسبب عدم نور النبوة ، ومن ههنا يقع الشرك وتفريق الدين شيعاً كالفتن التي تحدث السيف.
فالفتن القولية والعملية هي من الجاهلية بسبب خفاء نور النبوة عنهم كما قال مالك بن أنس :"إذا قل العلم ظهر الجفاء ، وإذا قلت الآثار ظهرت الأهواء ."ولهذا شبهت الفتن بقطع الليل المظلم ولهذا قال أحمد في خطبته :
"الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة ، بقايا من أهل العلم ."

فالهدى الحاصل لأهل الأرض إنما هو من نور النبوة كما قال تعالى : فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (طه :123) فأهل الهدى والفلاح هم : المتبعون للأنبياء وهم المسلمون المؤمنون في كل زمان ومكان . وأهل العذاب والضلال هم: المكذبون للأنبياء ، يبقى أهل الجاهلية الذين لم يصل إليهم ما جاءت به الأنبياء .فهؤلاء في ضلال وجهل وشرك وشر لكن الله يقول : وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (الإسراء :15). وقال : رسُلاً مّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجّةٌ بَعْدَ الرّسُلِ (النساء :165). وقال : وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (القصص: 59) فهؤلاء لا يهلكهم الله ويعذبهم حتى يرسل إليهم رسولاً . وقد رويت آثار متعددة في أن من لم تبلغه الرسالة في الدنيا فإنه يبعث إليه رسول يوم القيامة في عرصات القيامة . "
(مجموع الفتاوى :ج17ص307)

أقول : ففي هذا النقل يبرهن فيه الشيخ ابن تيمية رحمه الله على أن أهل الهدى والفلاح هم : المتبعون للأنبياء وهم المسلمون المؤمنون .
وأهل العذاب والضلال هم : المكذبون للأنبياء وهذا هو الكفر المعذب عليه .
يبقى أهل الجاهلية الذين لم يصل إليهم ما جاءت به الأنبياء ، إذاً فهم لم يكذبوا فلم يقعوا في الكفر المعذب عليه ، بيد أنهم لم يتبعوهم أيضاً ووقعوا في الإشراك بالله .
فهؤلاء في ضلال وجهل وشرك وشر إلا إنهم لا يعذبون إلا بعد الحجة الرسالية . وهذا هو الكفر قبل الحجة وبلوغ الخبر .

ويلاحظ أن هذا النقل في الأمة المحمدية ولا يجرؤ أحد أن يقول إنهم مشركون على الإطلاق دون التعيين لأنه لو كان كذلك لما قال عنهم الشيخ : إنهم يمتحنون في العرصات ، لأنهم لو كانوا مسلمين لدخلوا الجنة دون امتحان . فثبوت الإمتحان لهم دل على أنهم مشركون على التعيين .

وقال رحمه الله :

"وأصل الإيمان والتقوى : الإيمان برسل الله ،وجماع ذلك : الإيمان بخاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم ، فالإيمان يتضمن : الإيمان بجميع كتب الله ورسله .
وأصل الكفر والنفاق هو : الكفر بالرسل وبما جاءوا به ، فإن هذا هو الكفر الذي يستحق صاحبه العذاب في الآخرة فإن الله تعالى أخبر في كتابه أنه لا يعذب أحداً إلا بعد بلوغ الرسالة ." (مجموع الفتاوى :ج11 ص186)

أقول : فهذا هو الكفر الذي ينفيه ابن تيمية في الكليات والجزئيات والأصول والفروع وهو الكفر المعذب عليه ، لأنه لا تكليف إلا بشرع ،والشرع يلزم بالبلاغ مع انتفاء المعارض حتى في أصل الأصول وهو التوحيد ، وأهله قبل الحجة ليسوا بمسلمين . إلا كفر التنقص والاستهزاء فأهله معذبون عليه بإطلاق ،لأنه لا يتصور جهله ولا التعبد به .

سئل الشيخ عن قوم داوموا على الرياضة مرة فرأوا أنهم قد تجوهروا فقالوا :"لا نبالي الآن ما عملنا ، وإنما الأوامر والنواهي رسوم العوام ، ولو تجوهروا لسقطت عنهم ، وحاصل النبوة يرجع إلى الحكمة والمصلحة والمراد منها ضبط العوام ، ولسنا نحن من العوام فندخل في حجر التكليف لأنا قد تجوهرنا وعرفنا الحكمة ."
فهل هذا القول كفر من قائله ؟ أم يبدع من غير تكفير ؟ وهل يصير ذلك عمن في قلبه خضوع للنبي صلى الله عليه وسلم ؟

فأجاب :"لا ريب عند أهل العلم والإيمان أن هذا القول من أعظم الكفر وأغلظه وهو شر من قول اليهود والنصارى .
والمقصود أن المتمسكين بجملة منسوخة فيها تبديل ، خير من هؤلاء الذين يزعمون سقوط الأمر والنهي عنهم بالكلية ، فإن هؤلاء خارجون في هذه الحال عن جميع الكتب والشرائع والملل ، لا يلتزمون لله أمراً ولا نهياً بحال ، بل هؤلاء شر من المشركين المستمسكين ببقايا من الملل : كمشركي العرب الذين كانوا مستمسكين ببقايا من دين إبراهيم عليه السلام .....
فمن كان من قوله هو أنه أو طائفة غيره قد خرجت عن كل أمر ونهي بحيث لا يجب عليها شيء ، ولا يحرم عليها شيء فهؤلاء أكفر أهل الأرض وهم من جنس فرعون وذويه .....

ثم قال - في صفحة 407- "وكثير من الناس قد ينشأ في الأمكنة والأزمنة الذي يندرس فيها كثير من علوم النبوات حتى لا يبقى من يبلغ ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة ، فلا يعلم كثيراً مما يبعث الله به رسوله ولا يكون هناك من يبلغه ذلك ، ومثل هذا لا يكفر ( وأخذ يدلل على هذا ) .ثم قال :
فقد تبين : أن هذا القول كفر ولكن تكفير قائله لا يحكم به حتى يكون قد بلغه من العلم ما تقوم به عليه الحجة التي يكفر تاركها ، ودلائل فساد هذا القول كثيرة في الكتاب والسنة واتفاق سلف الأمة وأئمتها ومشايخها ، لا يحتاج إلى بسطها بل قد علم بالاضطرار من دين الإسلام : أن الأمر والنهي ثابت في حق العباد إلى الموت .

وأما قول القائل : هل يصدر ذلك عمن في قلبه خضوع للنبي ؟ فيقال : هذا لا يصدر عمن هو مقر بالنبوات مطلقاً.بل قائل ذلك كافر بجميع الأنبياء والمرسلين ، لأنهم جميعاً أتوا بالأمر والنهي للعباد إلى حين الموت ، بل لا يصدر هذا القول ممن في قلبه خضوع لله وإقرار بأنه إله العالم ، فإن هذا الإقرار يستلزم ، أن يكون الإنسان عبداً لله خاضعاً له،ومن سوغ لإنسان أن يفعل ما يشاء من غير تعبد بعبادة الله ، فقد أنكر أن يكون الله إلهه." (مجموع الفتاوى 413:401)

أقول : انظر رحمك الله إلى هذه الفتوى ، فإنه قرر في أولها أنهم أكفر أهل الأرض وأكفر من اليهود والنصارى وأنهم أخبث من المشركين ، ثم ينفي الكفر عنهم بعد ذلك لقلة العلم وغلبة الجهل ،وهذا هو الكفر قبل الخبر وقيام الحجة .

ثم يقول رحمه الله : "أن هذا القول كفر ولكن تكفير قائله لا يحكم به حتى يكون قد بلغه من العلم ما تقوم به عليه الحجة التي يكفر تاركها "أي : لا يكفر قائله الكفر المعذب عليه حتى تقوم عليه الحجة . وليس معنا ذلك أنه مسلم حتى تقوم عليه الحجة ، لأنه يقول بعدها : "هذا لا يصدر عمن هو مقر بالنبوات مطلقاً.بل قائل ذلك كافر بجميع الأنبياء والمرسلين "ويقول " ... بل لا يصدر هذا القول ممن في قلبه خضوع لله وإقرار بأنه إله العالم "وهذا هو الكفر قبل الخبر وقيام الحجة .
____________________
وللمزيد راجع رسالتنا

"مذهب شيخ الاسلام ابن تيميه رحمه الله "

شرح ابن عبد الوهاب عبارة بن تيمية فى معنى قيام الحجة وإزالة الأشكال فى عدم اشتراط الفهم

$
0
0


يقول رحمــه الله

أما عبارة الشيخ التي لبسوا بها عليك فهي أغلظ من هذا كله وأشد مما نقوله نحن ، ولو نقول بها لكفرنا كثيرًا من المشاهير بأعيانهم فإنه صرح بأن المعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة ، فإن كان المعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة ، فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا من شيء يعذر به - مثل أن يكون حديث عهد بالإسلام ، والذي نشأ ببادية بعيدة ، أو يكون ذلك في مسألة خفيه مثل الصرف والعطف أو غير متمكن من العلم عاجز عنه - فهو كافر بعينه كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن مع قوله تعالى : "وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ "الأنعام25 وقوله : "إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ "الأنفال22 فكفرهم الله مع جهلهم وكونهم لا يفقهون ولا يعلمون لا يرفع عنهم الحكم .

وكلام شيخ الإسلام الذي زعمت أنه أزال عنك الشبهة وتوقفْتَ بسببه في تكفير المعين ليس في الشرك والردة كما فهمت منه ، بل في مسائل الجزئيات سواء كانت من الأصول أو الفروع مثل المسائل الخفية كمسائل الصفات ومسألة القرآن ومسألة الاستواء وغير ذلك من المقالات الخفية ، فكلام الشيخ في هذا النوع ، يقول أن السلف كفَّروا النوع وأما المعين فإن عرف الحق وخالفه كَفَر بعينه ، وأنا أنقل لك من كلامه ما يصدق هذا لعلك تنتفع إن هداك الله وتقوم عليك الحجة قيامًا بعد قيام ، وإلا فقد قامت عليك وعلى غيرك قبل هذا بالقرآن.

قال - رحمه الله - في اقتضاء الصراط المستقيم في الكلام على قوله تعالى : "وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ "المائدة 3 وانظر كلامه فيمن ذبح لغير الله و سمَّى الله عليها عند الذبح أنه مرتد تَحْرُم ذبيحته ، فأين هذا من نسبتك إليه وحكايتك عنه أنه لا يكفر أحدًا بعينه؟ .

وقال - رحمه الله - في أثناء كلامه على المتكلمين ومن شاكلهم لما ذكر عن أئمتهم شيئًا من أنواع الردة والكفر قال : "هذا إذا كان في المقالات الخفية فقد يقال إنه فيها مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها ، لكن ذلك يقع في طوائف منهم في الأمور الظاهرة التي يعلم المشركون واليهود والنصارى أن محمدًا بعث بها وكفر من خالفها: مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له ، ونهيه عن عبادة أحد سواه من النبيين والملائكة وغيرهم فإن هذا من أظهر شرائع الإسلام ثم تجد كثيرًا من رؤوسهم وقعوا في هذه الأنواع فكانوا مرتدين ".

فانظر كلامه في التفرقة بين المقالات الخفية وبين ما نحن فيه في كفر المعين وتأمل تكفيره رؤوسهم فلانًا وفلانًا بأعيانهم وردتهم ردة صريحة ، وتأمل تصريحه بحكاية الإجماع على ردة الفخر الرازي عن الإسلام بتصنيفه في عبادة الكواكب مع كونه عند العلماء من أهل العلم ، هل يناسب هذا لما فهمت من كلام ابن تيمية أن المعين لا يكفر ولو دعا عبد القادر والدسوقي والبدوي والحسين في الشدة والرخاء ونذر لهم وذبح لهم وطاف واستغاث بهم؟

هذا كلام شيخ الإسلام الذي زعمت أنه لا يكفر المعين هل اتضح لك مراده وفهمت وزال عنك الإشكال ، فتأمل كلامه واعرضه على ما غرك به الشيطان من الفهم الفاسد الذي كذبت به الله ورسوله وإجماع الأمة وتحيزت به إلى عباده الطواغيت ، فإن فهمت هذا وإلا أُشير عليك أن تُكثر من التضرع والدعاء إلى من بيده الهداية والهُدى بيده سبحانه ، فإن الخطر عظيم نسأل الله الثبات وحسن الخاتمة "أ.هـ

الشيخ يتعجب ممن يشك في تكفير الطواغيت وأتباعهم
______________________________________

وقال - رحمه الله - في الرسالة الخامسة لما سأله الشيخ عيسى بن قاسم والشيخ أحمد بن سويلم في أول إسلامهما عن قول الشيخ تقي الدين ابن تيمية : من جحد ما جاء به الرسول وقامت به الحجة فهو كافر ، ففَهِمُوا خطأ أن كلام الشيخ لا يكفر المعين لجهله إلا إذا جحد ، لأن الجاهل لم تقم عليه الحجة ، فبين لهم أن المعين قامت عليه الحجة بسماعه القرآن وإن لم يفهمه وأن الكفر لا يتقيد بالجهل ولا بالجحد ، فأجاب بقوله - رحمه الله :

"فما ذكرتموه من قول الشيخ من جحد كذا وكذا وأنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم هل قامت عليهم الحجة أم لا ؟ فهذا من العجب العجاب ، كيف تشكون في هذا وقد وضحته لكم مرارًا ؟ فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام والذي نشأ ببادية بعيدة ، أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف ، فلا يكفر حتى يعرف ، وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه ، فإن حجة الله هي القرآن فمن بلغه القرآن وسمع به فقد بلغته الحجة وقامت عليه ، ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وبين فهم الحجة ، فإن أكثر الكفار والمنافقين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم كما قال تعالى : "أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً "الفرقان44 وقيام الحجة وبلوغها نوع ، وفهمهم إياها نوع آخر ، وكفرهم ببلوغها إياهم وإن لم يفهموها نوع آخر"

وسوء الفهم هذا بين قيام الحجة وفهم الحجة وعدم التفريق بينهما مما يقول به هذه الأيام أتباع المدارس الدعوية التي تنتسب إلى السلفية والإسلام وتحيد عن هذه الحقيقة ، وتأتي بالشبهات لأسلمة الطواغيت وإثبات وصف الإسلام للمشركين وعباد القبور ، معرضين بذلك عن كتب السلف وما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية ونقله عنه الإمام محمد بن عبد الوهاب وأئمة الدعوة ، مع سهولة الحصول على ما كتبه هؤلاء الأئمة ، فهو مطبوع في الدرر السنية ، والرسائل والمسائل النجدية ، ومجموعة مؤلفات الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب ،

الجهل ليس بمانع من الكفر
___________________

إذا علمتم ذلك ، فهذا الذي أنتم فيه وهو الشك في أناس يعبدون الطواغيت والقبور ويصرفون لها أنواع العبادة التي هي حق الله وحده ويعادون دين الإسلام"أ.هـ

مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة ترك جنس العمل

$
0
0
Photo: ‎مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة ترك جنس العمل  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  الإمام ابن تيمية صنف كتباً كثيرة، وذكر هذه المسألة في مواضع من كتبه، أبان فيها عن منهجه الصريح في هذه المسألة، بل قد صنف كتاباً مستقلا في هذه المسألة يسمى (بالإيمان)، وقد استغرق المجلد السابع من فتاويه، ونحن في هذا الباب نسوق مواضع من كتبه لا سيما من كتابه الإيمان، تكشف عن مذهبه الصريح في تارك جنس العمل: _____________________  1) قال في (الصارم المسلول على شاتم الرسول) (3/969) قال ما نصه: (فلما كان التصديق لا بد منه في الشهادتين... ظن من ظن أنه أصل لجميع الإيمان وغفل عن أن الأصل الآخر لا بد منه وهو الانقياد، وإلا قد يصدق الرسول ظاهراً وباطناً ثم يمتنع عن الانقياد للأمر، إذ غايته في تصديق الرسول أن يكون بمنزلة من سمع الرسالة من الله سبحانه وتعالى كإبليس... فمن لم ينقد لأمره فهو إما مكذب له أو ممتنع عن الانقياد لربه وكلاهما كفر صريح)ا.هـ  2) وقال في (شرح العمدة) في كتاب الصلاة ص86: (فإذا خلا العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمناً.. فإن حقيقة الدين هو الطاعة والانقياد وذلك إنما يتم بالفعل لا بالقول فقط فمن لم يفعل لله شيئاً فما دان لله ديناً ومن لا دين له فهو كافر) ا.هـ  3- وقال في كتاب (الإيمان) ص317  ما نصه: (فمثل العمل من الإيمان كمثل الشفتين من اللسان فلا يصح الكلام إلا بهما لأن الشفتين تجمع الحرف، واللسان يظهر الكلام، وفي سقوط أحدهما بطلان الكلام، وكذلك في سقوط العمل ذهاب الإيمان) ا.هـ  4- قال في كتابه الإيمان ص163  ما نصه: (لأن الإيمان إذا كان قولاً بلا عمل فهو كفر، وإذا كان قولاً وعملاً بلا نية فهو نفاق، وإذا كان قولاً وعملاً ونية بلا سنة فهو بدعة) ا.هـ  5- وقال في كتاب الفتاوى المجلد السابع وهو المجلد الذي استغرق كتاب الإيمان، كلاماً كثيرا عن تارك جنس العمل، ونحن ننقل من هذا المجلد أقواله من عدة مواضع موثقين ذلك أتم التوثيق:  أ) قال في (7/128) (بل القرآن والسنة مملوءان بما يدل على أن الرجل لا يثبت له حكم الإيمان إلا بالعمل مع التصديق... والإيمان بين معناه الكتاب والسنة وإجماع السلف) انتهى  ب) وقال في (7/221): (والقرآن يبين أن إيمان القلب يستلزم العمل الظاهر بحسبه) ا.هـ  ج) وقال في (7/287): (لو قدر أن قوماً قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: نحن نؤمن بما جئتنا به بقلوبنا من غير شك، ونقر بألسنتنا بالشهادتين، إلا أنا لا نطيعك في شيء مما أمرتَ به ونهيت عنه، فلا نصلي ولا نصوم ولا نحج، ولا نصدّق الحديث، ولا نؤدي الأمانة، ولا نفي بالعهد ولا نصل الرحم، ولا نفعل شيئاً من الخير الذي أمرت به، ونشرب الخمر، وننكح ذوات المحارم بالزنا الظاهر، ونقتل من قدرنا عليه من أصحابك وأمتك، ونأخذ أموالهم، بل نقتلك أيضاً ونقاتلك مع أعدائك، هل كان يتوهم عاقل أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم: أنتم مؤمنون كاملو الإيمان، وأنتم من أهل شفاعتي يوم القيامة، ويرجى لكم أن لا يدخل أحد منكم النار، بل كل مسلم يعلم بالاضطرار أنه يقول لهم أنتم أكفر الناس بما جئت به، ويضرب رقابهم إن لم يتوبوا من ذلك) ا.هـ  د) وقال في (7/621): (وقد تبين أن الدين لا بد فيه من قول وعمل، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤدّ واجباً ظاهراً، ولا صلاة ولا زكاة ولا صياماً ولا غير ذلك من الواجبات... فلا يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد، ومن قال بحصول الإيمان الواجب بدون فعل شيء من الواجبات... كان مخطئاً خطئاً بيّناً، وهذه بدعة الإرجاء التي أعظم السلف والأئمة الكلام في أهلها، وقالوا فيها من المقالات الغليظة ما هو معروف، والصلاة هي أعظمها وأعمها وأولها وأجلها) ا.هـ  هـ) وقال في (7/611): (ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه، بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج، ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة، ولا يصوم من رمضان، ولا يؤدي لله زكاة، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة، لا مع إيمان صحيح، ولهذا إنما يصف سبحانه الامتناع من السجود الكفار...) ا.هـ  و) وقال في (7/363) في بيان حقيقة المرجئة ما نصه: (وقول القائل الطاعات ثمرات التصديق الباطن يراد به شيئان:  1- يراد به أنها لوازم له، فمتى وجد الإيمان الباطن وجدت، وهذا مذهب السلف وأهل السنة.  2- ويراد به أن الإيمان الباطن قد يكون سبباً، وقد يكون الإيمان الباطن تاماً كاملاً وهي لم توجد ((يعني الطاعات)) وهذا قول المرجئة من الجهمية وغيرهم). انتهى  فهذه هي أقوال هذا الإمام من مصنفاته بشكل عام، ومن مصنفه وهو كتاب الإيمان بشكل خاص، تكشف لك عن منهجه في هذه المسألة، فالواجب بعد ذلك أن يستحي من ينسب إليه بعد هذه النقولات الصريحة من أقواله في تارك جنس العمل.... أن يستحي من ينسب إليه أنه يقول بما عليه بعض المعاصرين أن تارك جنس العمل مؤمن ناقص الإيمان، فهذه أقواله مسطورة بالكلمة، ترد على كل معاند من جهمية العصر، يتبع هواه في هذه المسألة وغيرها من أمثالها، ثم ينسب مذهبه الزائف الشركي إلى هذا الإمام العظيم، ولايسعنا إلا أن نتمثل قول الشاعر: وهبني قلتُ إن الصبح ليل أيعمى المبصرون عن الضياء  وإنما قصدنا في هذا المقام بيان ما عليه هذا الرجل السلفي لأجل الذي لُصِقَ بظهره من المنتسبين إلى الدين في هذا الزمان، ونحن قصدنا أيضاً الإشارة إلى ذلك في مواضع من كلامه، ومن رام الاستزادة فليرجع إلى كتابه العظيم الذي انبرى فيه لنصر مذهب السلف –الطائفة المنصورة والفرقة الناجية- في هذه المسألة وغيرها، فإن شاء القارئ الكريم ذلك، فليطالع الصفحات التالية من المجلد السابع في فتاويه: (ص27، 122، 127، 128، 130، 131، 142، 147، 156، 188، 194، 198، 202، 218، 221، 263، 270، 287، 292، 294، 363، 611، 621) وهذا على سبيل المثال، لا على سبيل التقصي، وبالله التوفيق. ___________________________________‎
الإمام ابن تيمية صنف كتباً كثيرة، وذكر هذه المسألة في مواضع من كتبه، أبان فيها عن منهجه الصريح في هذه المسألة، بل قد صنف كتاباً مستقلا في هذه المسألة يسمى (بالإيمان)، وقد استغرق المجلد السابع من فتاويه، ونحن في هذا الباب نسوق مواضع من كتبه لا سيما من كتابه الإيمان، تكشف عن مذهبه الصريح في تارك جنس العمل:
_____________________

1) قال في (الصارم المسلول على شاتم الرسول) (3/969) قال ما نصه: (فلما كان التصديق لا بد منه في الشهادتين... ظن من ظن أنه أصل لجميع الإيمان وغفل عن أن الأصل الآخر لا بد منه وهو الانقياد، وإلا قد يصدق الرسول ظاهراً وباطناً ثم يمتنع عن الانقياد للأمر، إذ غايته في تصديق الرسول أن يكون بمنزلة من سمع الرسالة من الله سبحانه وتعالى كإبليس... فمن لم ينقد لأمره فهو إما مكذب له أو ممتنع عن الانقياد لربه وكلاهما كفر صريح)ا.هـ

2) وقال في (شرح العمدة) في كتاب الصلاة ص86: (فإذا خلا العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمناً.. فإن حقيقة الدين هو الطاعة والانقياد وذلك إنما يتم بالفعل لا بالقول فقط فمن لم يفعل لله شيئاً فما دان لله ديناً ومن لا دين له فهو كافر) ا.هـ

3- وقال في كتاب (الإيمان) ص317 ما نصه: (فمثل العمل من الإيمان كمثل الشفتين من اللسان فلا يصح الكلام إلا بهما لأن الشفتين تجمع الحرف، واللسان يظهر الكلام، وفي سقوط أحدهما بطلان الكلام، وكذلك في سقوط العمل ذهاب الإيمان) ا.هـ

4- قال في كتابه الإيمان ص163 ما نصه: (لأن الإيمان إذا كان قولاً بلا عمل فهو كفر، وإذا كان قولاً وعملاً بلا نية فهو نفاق، وإذا كان قولاً وعملاً ونية بلا سنة فهو بدعة) ا.هـ

5- وقال في كتاب الفتاوى المجلد السابع وهو المجلد الذي استغرق كتاب الإيمان، كلاماً كثيرا عن تارك جنس العمل، ونحن ننقل من هذا المجلد أقواله من عدة مواضع موثقين ذلك أتم التوثيق:

أ) قال في (7/128) (بل القرآن والسنة مملوءان بما يدل على أن الرجل لا يثبت له حكم الإيمان إلا بالعمل مع التصديق... والإيمان بين معناه الكتاب والسنة وإجماع السلف) انتهى

ب) وقال في (7/221): (والقرآن يبين أن إيمان القلب يستلزم العمل الظاهر بحسبه) ا.هـ

ج) وقال في (7/287): (لو قدر أن قوماً قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: نحن نؤمن بما جئتنا به بقلوبنا من غير شك، ونقر بألسنتنا بالشهادتين، إلا أنا لا نطيعك في شيء مما أمرتَ به ونهيت عنه، فلا نصلي ولا نصوم ولا نحج، ولا نصدّق الحديث، ولا نؤدي الأمانة، ولا نفي بالعهد ولا نصل الرحم، ولا نفعل شيئاً من الخير الذي أمرت به، ونشرب الخمر، وننكح ذوات المحارم بالزنا الظاهر، ونقتل من قدرنا عليه من أصحابك وأمتك، ونأخذ أموالهم، بل نقتلك أيضاً ونقاتلك مع أعدائك، هل كان يتوهم عاقل أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم: أنتم مؤمنون كاملو الإيمان، وأنتم من أهل شفاعتي يوم القيامة، ويرجى لكم أن لا يدخل أحد منكم النار، بل كل مسلم يعلم بالاضطرار أنه يقول لهم أنتم أكفر الناس بما جئت به، ويضرب رقابهم إن لم يتوبوا من ذلك) ا.هـ

د) وقال في (7/621): (وقد تبين أن الدين لا بد فيه من قول وعمل، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤدّ واجباً ظاهراً، ولا صلاة ولا زكاة ولا صياماً ولا غير ذلك من الواجبات... فلا يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد، ومن قال بحصول الإيمان الواجب بدون فعل شيء من الواجبات... كان مخطئاً خطئاً بيّناً، وهذه بدعة الإرجاء التي أعظم السلف والأئمة الكلام في أهلها، وقالوا فيها من المقالات الغليظة ما هو معروف، والصلاة هي أعظمها وأعمها وأولها وأجلها) ا.هـ

هـ) وقال في (7/611): (ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه، بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج، ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة، ولا يصوم من رمضان، ولا يؤدي لله زكاة، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة، لا مع إيمان صحيح، ولهذا إنما يصف سبحانه الامتناع من السجود الكفار...) ا.هـ

و) وقال في (7/363) في بيان حقيقة المرجئة ما نصه:
(وقول القائل الطاعات ثمرات التصديق الباطن يراد به شيئان:

1- يراد به أنها لوازم له، فمتى وجد الإيمان الباطن وجدت، وهذا مذهب السلف وأهل السنة.

2- ويراد به أن الإيمان الباطن قد يكون سبباً، وقد يكون الإيمان الباطن تاماً كاملاً وهي لم توجد ((يعني الطاعات)) وهذا قول المرجئة من الجهمية وغيرهم). انتهى

فهذه هي أقوال هذا الإمام من مصنفاته بشكل عام، ومن مصنفه وهو كتاب الإيمان بشكل خاص، تكشف لك عن منهجه في هذه المسألة، فالواجب بعد ذلك أن يستحي من ينسب إليه بعد هذه النقولات الصريحة من أقواله في تارك جنس العمل.... أن يستحي من ينسب إليه أنه يقول بما عليه بعض المعاصرين أن تارك جنس العمل مؤمن ناقص الإيمان، فهذه أقواله مسطورة بالكلمة، ترد على كل معاند من جهمية العصر، يتبع هواه في هذه المسألة وغيرها من أمثالها، ثم ينسب مذهبه الزائف الشركي إلى هذا الإمام العظيم، ولايسعنا إلا أن نتمثل قول الشاعر:
وهبني قلتُ إن الصبح ليل أيعمى المبصرون عن الضياء

وإنما قصدنا في هذا المقام بيان ما عليه هذا الرجل السلفي لأجل الذي لُصِقَ بظهره من المنتسبين إلى الدين في هذا الزمان، ونحن قصدنا أيضاً الإشارة إلى ذلك في مواضع من كلامه، ومن رام الاستزادة فليرجع إلى كتابه العظيم الذي انبرى فيه لنصر مذهب السلف –الطائفة المنصورة والفرقة الناجية- في هذه المسألة وغيرها، فإن شاء القارئ الكريم ذلك، فليطالع الصفحات التالية من المجلد السابع في فتاويه:
(ص27، 122، 127، 128، 130، 131، 142، 147، 156، 188، 194، 198، 202، 218، 221، 263، 270، 287، 292، 294، 363، 611، 621)
وهذا على سبيل المثال، لا على سبيل التقصي، وبالله التوفيق.
__________________________________

الشيخ المجدد بن عبدالوهاب يتحدث عن شيخ الاسلام ابن تيميه ويصف من نسب إليه عدم تكفير المعين بأنه زائغ القلب

$
0
0
Photo: ‎الشيخ المجدد بن عبدالوهاب يتحدث عن شيخ الاسلام ابن تيميه   ويصف من نسب إليه عدم تكفير المعين بأنه زائغ القلب ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  قال الإمام المجدد بعد أن ذكر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في تكفيره من ذبح لغير الله بعينه قال :  " وهذا الذي ينسب إليه بعض أعداء الدين أنه لا يكفر المعين ، فانظر رحمك الله إلى تكفيره من ذبح لغير الله من هذه الأمة وتصريحه أن المنافق يصير مرتدا بذلك ، وهذا في المعين إذا لا يتصور أن تحرم إلا ذبيحة معين"  فما هو قول المجادلين عن المشركين في كلام شيخي الإسلام ابن تيمية وابن عبد الوهاب في تكفيرهما المعين؟ ليس لهم إلا واحدة من اثنتين إما يؤولون كلامهما ويصرفونه عن ظاهره بالمتشابه من كلامهما ، وهذه عادة أهل الزيغ والضلال في اتباع المتشابه ورد المحكم ، وإما يقولون إن شيخا الإسلام من أهل الغلو في التكفير ولا يفهمون مسائل الإيمان والكفر؟ وقد وافق كل منهما للآخر في هذه المسألة بل قال الإمام معلقًا على كلام ابن تيمية في تكفيره الفخر الرازي وأبي معشر البلخي وثابت بن قرة وأمثالهم ممن دخل في الشرك وصنف في عبادة الكواكب فقال :  " فانظر - رحمك الله - إلى هذا الإمام الذي نُسب إليه وحكى عنه من أزاغ الله قلبه : عدم تكفير المعين ، كيف ذكر عن الفخر الرازي وهو من أكابر أئمة الشافعية ومثل أبي معشر البلخي وهو من المشهورين المصنفين وغيرهما إنهم كفروا وارتدوا عن الإسلام .  وتأمل قول شيخ الإسلام ابن تيمية على حديث ذات أنواط وهذا قوله في مجرد مشابهتهم في اتخاذ شجرة فكيف بمن هو أطم من ذلك من الشرك بعينه ؟ فهل للزائغ متعلق بشيء من كلام هذا الإمام؟ هل لمتبعي الشبهات أهل الزيغ قول بعد هذا الوضوح والبيان في تكفير المعين المتلبس بشرك ظاهر وتسميته مشركًا ؟.  وأنا أذكر لفظه الذي احتجوا به على زيغهم وضلالهم - قال رحمه الله - أنا من أعظم الناس نهيًا عن أن يُنسب معين إلى تكفير أو تبديع أو تفسيق أو معصية إلا إن عُلِمَ أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرًا تارة وفاسقًا أخرى" أ.ه كلام ابن تيمية ، وهذا صفة كلامه في المسألة - تكفير المعين- في كل موضع وقفنا عليه من كلامه : ولا يذكر عدم تكفير المعين إلا ويصله بما يزيل الإشكال أن المراد بالتوقف عن تكفيره قبل أن تبلغه الحجة وإذا بلغته حُكم عليه بما تقتضيه تلك المسألة من تكفير أو تفسيق أو عصيان وصرح - رحمه الله - أيضًا أن كلامه في غير المسائل الظاهرة ، بل هو في المسائل والمقالات الخفية ، وقد علمت أن إقامة الحجة إنما تكون ببلوغ القرآن وسماعه وليس يشترط الفهم كما مر معك مررًا. وتأمل كلامه في الرسالة السنية وتكفيره عباد القبور بأعيانهم ، فتأمل أول كلامه وآخره فيمن دعا نبيًا أو وليًا مثل أن يقول يا سيدي فلانا : أغثني ونحوه ، أنه يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل ، وهل يكون هذا إلا في معين ؟ والله المستعان ، ثم بعد أن ذكر كلام ابن القيم في شرح المنازل في باب التوبة وكلامه عن الشرك بنوعيه الأكبر والأصغر ، وعرف كل نوع منهما ، قال الإمام المجدد بعد ذلك : " والمراد من هذا أن بعض الملحدين نسب إلى الشيخ ابن القيم أن هذا شرك أصغر ، وشبهته أنه ذكره في الفصل الثاني الذي ذكر في أوله الشرك الأصغر ، وأنت رحمك الله ، تجد الكلام من أوله إلى آخره في الفصل الأول والثاني صريحًا لا يحتمل التأويل ، من وجوه كثيرة : أن دعاء الموتى والنذر لهم ليشفعوا له عند الله هو الشرك الأكبر الذي بُعث عليه النبي فكفَّر من لم يتب منه وقاتله وعاداه .  وآخر ما صرح به قوله آنفًا : وما نجا من شرك هذا الشرك الأكبر إلا من عادى المشركين ، فتأمل أن الإسلام لا يصح إلا بمعاداة أهل هذا الشرك فإن لم يعادهم فهو منهم وإن لم يفعل الشرك مثلهم ، وقد ذكر في الإقناع عن الشيخ تقي الدين ابن تيمية أن من دعا عليًا فهو كافر ومن شك في كفر من دعا عليًا فهو كافر ، فإذا كان هذا حال من شك في كفره مع عداوته له ومقته له ، فكيف بمن يعتقد أنه مسلم ولم يُعاده ؟ فكيف بمن أحبه ؟ فكيف بمن جادل عنه وعن طريقته وتعذر واعتذر وقدم الأعذار أنا لا نقدر على التجارة وطلب الرزق إلا بذلك ؟ وقد قال تعالى : " وَقَالُوا إِن نَتَّبِع الهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّف مِنْ أَرْضِنَا"القصص57 فإذا كان هذا حال وقول الله تعالى فيمن تعذر عن التبيين في العمل ومعاداة المشركين بالخوف على أهله وعياله ، فكيف بمن اعتذر في ذلك بتحصيل التجارة؟ ولكن الأمر كما تقدم عن عمر : إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية ، فلهذا لم يفهم القرآن ولا معنى القرآن وأنه أشر و أفسدُ من الذين قالوا : " إِن نَتَّبِع الهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّف مِنْ أَرْضِنَا ". القصص57   فرحم الله امرأ نظر لنفسه وتفكر فيما جاء به محمد من عند الله بمعاداة من أشرك بالله من قريب أو بعيد وتكفيرهم وقتالهم مع القدرة والتمكين والمنعة ، حتى يكون الدين كله لله ، وعلم بما حكم به محمد فيمن أشرك بالله مع ادعائه للإسلام ، وما حكم به في ذلك الخلفاء الراشدون علي بن أبي طالب وغيره لما حرقهم بالنار مع أن غيرهم من أهل الأوثان الذين لم يدخلوا في الإسلام لا يقتلون بالتحريق ، والله الموفق" ____________________‎
قال الإمام المجدد بعد أن ذكر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في تكفيره من ذبح لغير الله بعينه قال :

"وهذا الذي ينسب إليه بعض أعداء الدين أنه لا يكفر المعين ، فانظر رحمك الله إلى تكفيره من ذبح لغير الله من هذه الأمة وتصريحه أن المنافق يصير مرتدا بذلك ، وهذا في المعين إذا لا يتصور أن تحرم إلا ذبيحة معين"

فما هو قول المجادلين عن المشركين في كلام شيخي الإسلام ابن تيمية وابن عبد الوهاب في تكفيرهما المعين؟ ليس لهم إلا واحدة من اثنتين إما يؤولون كلامهما ويصرفونه عن ظاهره بالمتشابه من كلامهما ، وهذه عادة أهل الزيغ والضلال في اتباع المتشابه ورد المحكم ، وإما يقولون إن شيخا الإسلام من أهل الغلو في التكفير ولا يفهمون مسائل الإيمان والكفر؟ وقد وافق كل منهما للآخر في هذه المسألة بل قال الإمام معلقًا على كلام ابن تيمية في تكفيره الفخر الرازي وأبي معشر البلخي وثابت بن قرة وأمثالهم ممن دخل في الشرك وصنف في عبادة الكواكب فقال :

"فانظر - رحمك الله - إلى هذا الإمام الذي نُسب إليه وحكى عنه من أزاغ الله قلبه : عدم تكفير المعين ، كيف ذكر عن الفخر الرازي وهو من أكابر أئمة الشافعية ومثل أبي معشر البلخي وهو من المشهورين المصنفين وغيرهما إنهم كفروا وارتدوا عن الإسلام .

وتأمل قول شيخ الإسلام ابن تيمية على حديث ذات أنواط وهذا قوله في مجرد مشابهتهم في اتخاذ شجرة فكيف بمن هو أطم من ذلك من الشرك بعينه ؟ فهل للزائغ متعلق بشيء من كلام هذا الإمام؟ هل لمتبعي الشبهات أهل الزيغ قول بعد هذا الوضوح والبيان في تكفير المعين المتلبس بشرك ظاهر وتسميته مشركًا ؟.

وأنا أذكر لفظه الذي احتجوا به على زيغهم وضلالهم - قال رحمه الله - أنا من أعظم الناس نهيًا عن أن يُنسب معين إلى تكفير أو تبديع أو تفسيق أو معصية إلا إن عُلِمَ أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرًا تارة وفاسقًا أخرى"أ.ه كلام ابن تيمية ، وهذا صفة كلامه في المسألة - تكفير المعين- في كل موضع وقفنا عليه من كلامه : ولا يذكر عدم تكفير المعين إلا ويصله بما يزيل الإشكال أن المراد بالتوقف عن تكفيره قبل أن تبلغه الحجة وإذا بلغته حُكم عليه بما تقتضيه تلك المسألة من تكفير أو تفسيق أو عصيان وصرح - رحمه الله - أيضًا أن كلامه في غير المسائل الظاهرة ، بل هو في المسائل والمقالات الخفية ، وقد علمت أن إقامة الحجة إنما تكون ببلوغ القرآن وسماعه وليس يشترط الفهم كما مر معك مررًا.
وتأمل كلامه في الرسالة السنية وتكفيره عباد القبور بأعيانهم ، فتأمل أول كلامه وآخره فيمن دعا نبيًا أو وليًا مثل أن يقول يا سيدي فلانا : أغثني ونحوه ، أنه يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل ، وهل يكون هذا إلا في معين ؟ والله المستعان ، ثم بعد أن ذكر كلام ابن القيم في شرح المنازل في باب التوبة وكلامه عن الشرك بنوعيه الأكبر والأصغر ، وعرف كل نوع منهما ، قال الإمام المجدد بعد ذلك :
"والمراد من هذا أن بعض الملحدين نسب إلى الشيخ ابن القيم أن هذا شرك أصغر ، وشبهته أنه ذكره في الفصل الثاني الذي ذكر في أوله الشرك الأصغر ، وأنت رحمك الله ، تجد الكلام من أوله إلى آخره في الفصل الأول والثاني صريحًا لا يحتمل التأويل ، من وجوه كثيرة :
أن دعاء الموتى والنذر لهم ليشفعوا له عند الله هو الشرك الأكبر الذي بُعث عليه النبي فكفَّر من لم يتب منه وقاتله وعاداه .

وآخر ما صرح به قوله آنفًا : وما نجا من شرك هذا الشرك الأكبر إلا من عادى المشركين ، فتأمل أن الإسلام لا يصح إلا بمعاداة أهل هذا الشرك فإن لم يعادهم فهو منهم وإن لم يفعل الشرك مثلهم ، وقد ذكر في الإقناع عن الشيخ تقي الدين ابن تيمية أن من دعا عليًا فهو كافر ومن شك في كفر من دعا عليًا فهو كافر ، فإذا كان هذا حال من شك في كفره مع عداوته له ومقته له ، فكيف بمن يعتقد أنه مسلم ولم يُعاده ؟ فكيف بمن أحبه ؟ فكيف بمن جادل عنه وعن طريقته وتعذر واعتذر وقدم الأعذار أنا لا نقدر على التجارة وطلب الرزق إلا بذلك ؟ وقد قال تعالى : "وَقَالُوا إِن نَتَّبِع الهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّف مِنْ أَرْضِنَا"القصص57 فإذا كان هذا حال وقول الله تعالى فيمن تعذر عن التبيين في العمل ومعاداة المشركين بالخوف على أهله وعياله ، فكيف بمن اعتذر في ذلك بتحصيل التجارة؟ ولكن الأمر كما تقدم عن عمر : إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية ، فلهذا لم يفهم القرآن ولا معنى القرآن وأنه أشر و أفسدُ من الذين قالوا : "إِن نَتَّبِع الهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّف مِنْ أَرْضِنَا ". القصص57

فرحم الله امرأ نظر لنفسه وتفكر فيما جاء به محمد من عند الله بمعاداة من أشرك بالله من قريب أو بعيد وتكفيرهم وقتالهم مع القدرة والتمكين والمنعة ، حتى يكون الدين كله لله ، وعلم بما حكم به محمد فيمن أشرك بالله مع ادعائه للإسلام ، وما حكم به في ذلك الخلفاء الراشدون علي بن أبي طالب وغيره لما حرقهم بالنار مع أن غيرهم من أهل الأوثان الذين لم يدخلوا في الإسلام لا يقتلون بالتحريق ، والله الموفق"

مناقشة ماذكره صاحب كتاب التنبيه والرد على اهل الاهواء والبدع ابو يعقوب المالطى .

$
0
0
Photo: ‎مناقشة ماذكره صاحب كتاب التنبيه والرد على اهل الاهواء والبدع  ابو يعقوب المالطى . ــــــــــــــــــــــــــــ  قال ابو يعقوب المالطى : ________________  (وبين معتزلة بغداد ومعتزلة البصرة اختلاف كثير  فاحش يكفر بعضهم بعضا فى بعض ذلك الاختلاف اكثر من الف مسالة نعوذ بالله من الريب كله ونسأله السلامة ومن لزم السواد الاعظم وترك الشك نجا ان شاء الله ولا قوةالا بالله  واعلم ان للمعتزلة سوى من ذكرناهم جماعة كثيرة قد وضعوا من الكتب والهوس ما لا يحصى ولا يبلغ جمعه وهى فى كل بلد وقرية لا تخلو منهم الارض .... .قال: فاما الذى يكفر  فيه معتزلة بغداد معتزلة البصرة فالقول فى الشاك والشاك فى الشاك .ومعنى ذلك ان معتزلة بغداد ومعتزلة البصرة وجميع اهل القبلة لا اختلاف بينهم ان من شك فى كافر  فهو كافر لان الشاك فى الكفر لا ايمان له لانه لا يعرف كفرا من ايمان . وليس بين الامة كلها المعتزلة ومن دونهم خلاف ان الشاك فى الكافر كافر ــــ يقصد ان هذا اجماع.ـــ ثم زاد معتزلة بغداد على معتزلة البصرة ان الشاك فى الشاك والشاك في الشاك  الى الابد الى مالا نهاية له كلهم كفار  وسبيلهم سبيل الشاك الاول وقال معتزلة البصرة الشاك الاول كافر لأنه فى الكفر والشاك الثانى الذى هو شاك فى الشاك ليس بكافر بل هو فاسق لان لم يشك فى الكفر انما شك فى هذا الشاك ايكفر بشكه ام لا ؟ فليس سبيله فى الكفر سبيل الشاك الاول وكذلك عندهم الشاك فى الشاك والشاك فى الشاك الى مالا نهاية كلهم فساق  . الا الشاك الاول فانه كافر وقولهم احسن من قول اهل بغداد ) ا.هـ. _______________________________  فلقد ذكر ابو يعقوب المالطى ان الخلاف بين معتزلة بغداد والبصرة وما يكفر به بعضهم بعضا في أكثر من الف مسالة   ثم عاد ليجعل ذلك الاحتلاف فى مسالة واحدة وهى من لم يكفر الكافر والشاك في الشاك........إلى آخره وكأنه ما اراد التعليق الا على هذه المسالة من الالف حتى   يبرزهاويناقشها ــ ثم نقل اجماع الامة على ان من شك فى كفر كافر فهو كافر  .ثم علق على مقالة معتزلة البصرة باعتبار الشاك  فى الشاك الى مالا نهاية له وانه فاسق وان هذه المقالة هى احسن من مقالة معتزلة بغداد  بانه كافر. هذا ما ذكره ابو يعقوب المالطى. والذين يستشهدون بما ذكره كل ما يهدفون اليه هو ان يقولو ا ان من لم يكفر الكافر الاول وما عداه من الفساق وبعضهم يريد ان يهدم (انه من لم يكفر الكافر فهو كافر )باعتباره من كلام المبتدعة من المعتزلة من اهل الاهواء .  واعود الى ما ذكره ابو يعقوب المالطى وكما نعلم انه من مبادىء المعتزلة التوحيد ويعنون به نفى الصفات والعدل وهو  القول بالقدر عندهم وكل خلافاتهم محصورة فيما يعتقدونه من الايمان والتوحيد والعدل (القول بالقدر ) فخلافاتهم فى الكافر عندهم فيما يعتبرونه مخالف للايمان عندهم فيما يعتقدونه وكلام اهل السنة والجماعة فى الكافر االذى اجمعت عليه الامة فنحن نتكلم فى الكافر الذى فقد اصل الدين وما اجمعت عليه الامة انه لا يصدر  الامن كافر .   واستحسان الشيخ ابى يعقوب المالطى لقول معتزلة البصرة لا يعنى بالضرورة انه يقول به فى الكافر الذى ينقض اصل الدين وانما هو فى المخالف من فرق اهل الاهواء الذين اختلفوا فى المسائل الخفية من افعال العباد ورؤية الله عز وجل فى الاخرة والشفاعة  للموحدين وغير ذلك مما اجمع عليه العلماء   واختلفوا فى تكفيرالمتأولين فيها. وسأذكر لك تحقيق القول فى اكفار المتاولين نقلا عن القاضى عياض فى الشفا ملخصا لك فقد اختلفوا في فرق أهل الأهواء على ثلاثة أقوال : ـ                               ا ــ جمهور الأئمة والعلماء قالوا بتكفيرهم .  ب ــ  بعض العلماء والفقهاء لم يكفروهم وان خطأوهم وفسقوهم  وبدعوهم .           ج ــ فريق من العلماء توقف فى الحكم عليهم  مع اجماعهم على تكفير فرق   بعينها كالازارقة الذين ابطلوا الرجم وغيرهم ممن انكر صفة الحياة وغيرهم وغيرهم .( راجع فى ذلك الشفا للقاضى عياض)  فاستحسان ابى يعقوب المالطى  انما هو فيمن خالف فى المسائل الخفية مما كان يتنازع فيه اهل الاهواء من المعتزلة وغيرهم وكانوا يعتبرونه من الايمان عندهم. وقد نقل عبد القاهر البغدادى هذا عنهم فى الفرق بين الفرق . فقد ذكر ( 190/ط دار المعرفة بيروت ) ( ان ابا شمر المرجىء القدرى كان يرى ان ما عليه هو الايمان وان  الشاك فيه كافر والشاك فى الشاك ايضا كافر ثم كذلك ابدا . قال البغدادى : وهذه الفرقة عند اهل السنة والجماعة اكفر اصـــــــنــــــاف المرجئة لانها جمعت بين ضلالتى القدر والارجاء .......وقوله فى مخالفيه انهم كفرة وان الشاك فى كفرهم كافر  مقابل بقول اهل السنة فيه انه كافر  وان الشاك فى كفره كافر) ا.هـ.  ونقل ايضا فى الفرق (156/ط دار المعرفة ) عن راهب المعتزلة ابى موسى المردار ( وزعم المردار ايضا ان من اجاز رؤية الله تعالى بالابصار بلا كيف فهو كافر والشاك فى كفره كافر وكذلك الشاك فى الشاك  لا إلى نهاية ...... قال البغدادى والذين اثبتوا الرؤية ـــ اهل السنة  والجماعة ـــ  مجمعون على تكفيرالمردار وتكفير الشاك فى كفره ) ا.هـ. ونقل الشيخ ابو الحسن الاشعرى فى مقالات الاسلاميين ( 602/ط جمعية المستشرقين الالمان ) عن اهل السنة والجماعة : (قال قوم من اهل الحديث .... (انهم اكفروا الواقفة  التى لم تقل ان القرآن غير مخلوق ) ومن شك فى انه غير مخلوق والشاك فى الشاك) ا.هـ.  وقد نقل اللالكائى قول ائمة اهل السنة من التابعين ــ أكثر من 550 إماما ــ  فى الذين قالوا بخلق القرآن وتكفيرهم لهم فى كتاب السنة ونقله عنه ايضا ابن تيمية في فتاويه . ولعلك الان قد وقفت على حقيقة قول ابى يعقوب المالطى واستحسانه  مااستحسنه وانه ليس فيمن نقض اصل الدين واشرك بالله رب العالمين .  وانقل لك ما قاله عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب فى الدرر السنية (10/250) لأبين لك خطأ من يستحسنون  قول المالطى ويعتبرونه انه ايضا  فى الكفار  الذين نقضوا اصل الدين  وخالفوا ما اجمعت  عليه الامة من المعلوم من الدين بالضرورة .   قال عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب :  ( واما قول من يقول ان من تكلم بالشهادتين ما يجوز تكفيره وقائل هذا القول لابد ان يتناقض ولا يمكن طرد قوله في مثل من أنكر البعث أو شك فيه مع إتيانه بالشهادتين او انكر نبوة احد من الانبياء الذين سماهم الله فى كتابه او قال الزنا حلال او نحو ذلك ، فلا اظن يتوقف فى كفر هؤلاء الا من يكابر ويعاند ،فإن كابر وعاندوقال لا يضر شيء من ذلك ولا يكفر به من اتى بالشهادتين فلا شك فى كفره ولا كفر من شك فى كفره لانه بقوله هذا مكذب لله ولرسوله ولاجماع المسلمين والأدلة على ذلك ظاهرة بالكتاب والسنة والإجماع )ا.هـ. فانظر رحمك الله كيف حكم بــ :، 1-كفر من انكر نبوة احد من الانبياء او قال الزنا حلال او نحو ذلك .  2- ثم حكم بكفر من قال لا يضره شيىء ما دام قد تكلم   بالشهادتين قال (فلا شك فى كفره ) اى الذى لم يكفر الكافر الاول   3- ثم حكم بكفر من لم يكفر  الثانى الذى قال لا يضر الكافر الاول شيىء . قال ( ولا كفر من شك فى كفره ) .   فهل استحسن المالطى القول بتكفير الاول والثانى  وفسق الثالث وهكذا ابدا الى ما لا نهاية ؟!!  والشيخ هنا ذكر تكفير الاول والثانى والثالث ولم يفسقه  فهل من كذب النص والاجماع يكون فاسقا ولا يكون كافرا ؟!!وما الذى جعله فاسقا ولم يجعله كافرا هل لأنه لم يشك في كفر الأول.؟وما الدليل على ذلك؟وكيف نفرق بين متماثلين كل منهما مكذب للنص وللإجماع ؟!!!   واوضح لك الامر اكثر :  1- الكافر الاول كما نقول هو  كمن دعا غير الله من عباد القبور فهذا كافر كما جاءت به النصوص وكما اجمعت عليه الامة .  2- الكافر الثانى (من عذر عباد القبور وقال ليسوا بكافرين ) كما يقول طوائف العاذرية من جماعات السلفية والتبليغ والاخوان والجماعة واالجهاد وغيرهم ـــ وهؤلاء كفار لتكذيبهم النص    ( ان الله لا يغفر ان يشرك به ) وغيره، وكذلك للاجماع على كفر من كذب النص .  3-الكافر الثالث من لم يكفر طوائف العاذرية الذين عذروا الكافر الاول وقالوا انه مسلم ــ ( كاهل التوقف والقطبيين والقاعدة وغيرهم ) ــ وهؤلاء يعلمون ان طوائف العاذرية من الجماعات المختلفة مكذبون للنص ( ان الله لا يغفر ان يشرك به ) كما يعلمون انهم مكذبون للاجماع على كفر من كذب النص وعدم تكفيرهم  لمن كذب النص يجعلهم من الكفار وعدم تكفيرهم لمن كذب الإجماع يجعلهم من الكافرين. قال القاضى عياض فى الشفا (2/216/مكتبة الصفا ) (وكذلك نقطع بتكفير كل من كذب قاعدة  من قواعد الشرع وما عرف يقينا بالنقل المتواتر من فعل الرسول  ووقع  الاجماع المتصل عليه )ا.هـ فنحن هنا نتحدث عمن لم يكفر المشركين من عباد القبور وغيرهم ممن نقض اصل الدين التوحيد ـــ وليس من خالفوا في المسائل الخفية وتأولوها على غير حقيقتها ــ   ونقول أن الذى لا يكفِّر من لم يكفِّر من  دعا الاموات وعبد الطاغوت باى نوع من انواع العبادة  هو مكذب للنص وللاجماع كافر بالله العظيم ــ وان كان يكفر عباد القبور ــ  واذا وجد من لم يكفرهم ممن علم بكفرهم وتكذيبهم للنص والاجماع نقطع كذلك بكفره  ونعوذ بالله ان نكون من الكافرين المتشككين  واذا حاول احد ان يجادل  عن عباد القبوروجماعات العاذرية الذين يعذرونهم بمثل ما ذكره ابو يعقوب المالطى عن معتزلة بغداد ومعتزلة البصرة فانى اقول :له  مهلا انه يتحدث عن اهل الاهواءمن الفرق الضالة الذين اختلفوا فى المسائل الخفية وليس فى اصل الدين وما يكون به الناس مسلمين واذا كان الله عز وجل قد سوى بين المكذب لاصل الدين جهلا وبين المكذب عنادا بعد العلم ولم يفرق بينهما فلم تفرقون ؟!! ( ام تقولون على الله ما لا تعلمون ) ( ما لكم كيف تحكمون  ).   قال تعالى (ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا او كذب بالحق لما جاءه اليس فى جهنم مثوى للكافرين )  العنكبوت وقال تعالى (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين )الزمر. وقال تعالى( والذين اتخذوا من دونه اولياء ما نعبدهم  الا ليقربونا الى الله زلفى ان الله يحكم بينهم فى ما هم يختلفون ان الله لا يهدى  من هو كاذب كفار ) الزمر  وقال تعالى ( وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا مالهم  به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من افواههم إن يقولون إلا كذبا ) الكهف . وقالها الفتية اصحاب الكهف  كما اخبر ربنا ( هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون  عليهم بسلطان بين فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا ) الكهف نعم ما اظلمهم وما اضلهم وماأجهلهم وماأكفرهم وهنا أسال : من الذى دعا الفتية اصحاب الكهف الى الايمان والهدى ؟ومن الذى اقام عليهم الحجة بذلك ؟ وما الذى جعلهم يحكمون على اهل قريتهم بالكفر والكذب على الله ؟! ( فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ) ( ومن اضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له الى يوم القيامة وهم عن  دعائهم غافلون) وإذا كان الله عز وجل قال:(إن الله لا يغفر أن يشرك به)فهل من يقول: ان الله يغفر للمشرك او من يأتى بالشرك من الجهال . هل هذا الا مكذب لله وللرسول ؟ ــ على الرغم من انه لا يشك فى ان ما اتوه هو الشرك ــ .  وهل من يقول  ان طوائف العاذرية الذين يعذرون الجهال مسلمون وغير مكذبين لله والرسول الا هم ايضا مكذبون لله وللرسول مخالفون للاجماع ومنكرون ؟ !!( فما لكم كيف تحكمون)  قال الشوكانى فى ارشاد الفحول ( 135) : ( والصحيح الذى لا معدل عنه ان سبيل المؤمنين هو الكتاب والسنة الوحيان اللذان يتضمنان توحيد الله وافراده بالعبادة والحكم والتشريع وتوحيد الرسول بالمتابعة وذانك ما تحويه شهادة ان " لا اله الا الله وان محمدا رسول الله" وهما اصل الاسلام والسبيل الذى صاروا به مؤمنين والذى يقابله الكفر بالله والتولى عن اتباع الرسول صل الله عليه وسلم ومشاقته   ولذلك قرن الله تعالى مشاقة الرسول بأتباع غير سبيل المؤمنين والمشاقة لا تحصل الا مع الكفر بيان ان المشاقة مشتقة  من كون احد الشخصين فى شق والاخر فى الشق الاخر ) أ . هـ وقال الشيخ ابن تيمية فى الجواب الصحيح ( 5/406) : (  الكافر فى شقاق بعيد قد شاق الله ورسوله صل الله عليه وسلم ولا احد اضل ممن هو فى مثل هذا الشقاق حيث كان فى شق والله ورسوله في شق... ... والشقاق قد يكون مع العناد وقد يكون مع الجهل فإن الايات إذا ظهرت فأعرض عن النظر الموجب للعلم كان مشاقا ) أ . هـ   وقال حسين وعبدالله بن محمد بن عبد الوهاب فى الدرر السنية  ( 10/139) ردا على من سألهم عن رجل  دخل هذا الدين  واحبه لكنه لا يعادى المشركين او عاداهم ولم يكفرهم أو قال انا مسلم لكن لا اقدر ان اكفر اهل لا اله الا الله ولو لم يعرفوا معناها ورجل دخل هذا الدين واحبه ولكن يقول لا اتعرض القباب واعلم انها لا تنفع ولا تضر  ولكن ما اتعرضها ؟ فكان جوابهم (  من قال لا اعادى المشركين  او عاداهم ولم يكفرهم او قال لا اتعرض اهل لااله الا الله ولو فعلوا الكفر والشرك وعادوا دين الله او قال : لا اتعرض القباب فهذا لا يكون مسلما وهوممن قال الله فيهم : ( ويقولون نؤمن ببعض ونكفر بعض ويريدون ان يتخذوا بين ذلك سبيلا او لئك هم الكافرون حقا ) النساء ) أ . هـ.  وقال الشيخ  محمد بن عبد الوهاب  فى الدرر السنية ( 2/121) ( فأما من قال : انا لا اعبد الا الله وانا لا اتعرض السادة والقباب على القبور وامثال ذلك فهذا كاذب فى قول ( لا اله الا الله) ولم يؤمن بالله ولم يكفر بالطاغوت ) أ . هـ.   وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ فى الدرر السنية (  11/523):( من عرف معنى لا اله الا الله عرف ان من شك او تردد فى كفر من اشرك مع الله غيره انه لم يكفر بالطاغوت ) أ.هـ وقال الشيخ اسحاق بن عبد الرحمن آل الشيخ فى رسالة حكم تكفير المعين ـ( عقيدة الموحدين / 138 ) قال شيخ الاسلام بن تيمية ( من دعا عليا فقد كفر ومن لم يكفر ه فقد كفر ) وتدبر ما اودعه من الدلائل الشرعية التى اذا تدبرها العاقل المنصف فضلا عن المؤمن عرف ان المسألة وفاقية ولا تشكل الا على مدخول عليه فى اعتقاده ) أ . هـ.   وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ فى الدرر السنية  ( 11/434) : ( فلا يتم لاهل التوحيد وتوحيدهم الا باعتزال اهل الشرك وعدواتهم وتكفيرهم فهم معتزلة بهذا الاعتبار لانهم اعتزلوا  اهل الشرك كما اعتزلهم الخليل ابراهيم عليه السلام ) أ . هـ   قال ابن بطة من علماء القرن الرابع الهجرى (ت/ 387هـ) قال في الإبانة (2/571) : ( فلو ان رجلا عاقلا امعن النظر اليوم فى الاسلام واهله لعلم ان امور الناس كلها على سنن اهل الكتابين وطريقتهم وعلى سنن كسرى وقيصر وعلى ما كانت عليه الجاهلية فما طبقة من الناس وماصنف منهم الا وهم فى سائر امورهم مخالفون لشرائع الاسلام وسنة الرسول صل الله عليه وسلم مضاهون فيما يفعل اهل الكتاب والجاهلية قبلهم . فان صرف بصره الى السلطنة وحاشيتها ومن لاذ بها من حكامهم وعمالهم وجد الامر كله فيهم بالضد مما امروا به ونصبوا له فى افعالهم واحكامهم ودينهم وجد الامر كله فيهم بالضر  مما امروه به ونصبوا له فى افعالهم واحكامهم وزيهم ولباسهم ، وكذلك فى سائر الناس بعدهم من التجار السوقة وابناء الدنيا وطالبيها من الزراع والصناع والاجراء والفقراء والقراء والعلماء الا من عصمه الله . ومتى فكرت فى ذلك  وجدت الامر له كما اخبرتك فى المصائب والافراح وفى الزى واللباس والآنية والابنية والمساكن والخدام والمراكب واالولائم والاعراس والمجالس والفرش والمأكل والمشرب  وكل ذلك  فيجرى خلاف الكتاب والسنة  بالضد مما امر به المسلمون ، وندب اليه المؤمنون وكذلك من باع واشترىوملك واقتنى واستأجر وزرع وزارع .فمن طلب السلامة لدينه فى وقتنا هذا مع الناس عدمها  ومن احب ان يلتمس معيشة على حكم الكتاب والسنة فقدها وكثر خصماؤه واعداؤه ومخالفوه ومبغضوه فيها .فالله المستعان . فما اشد تعذر السلامة فى الدين فى هذا الزمان . ) أ . هـ.  فإذا كان الشيخ ابن بطة قد ذكر هذا عن زمانه منذ اكثر من الف عام فكيف لو رأى زماننا ؟!نسأل الله  السلامة وأن يجعلنا من الغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس ويصلحون ما أفسده الناس. _______________________‎
قال ابو يعقوب المالطى :
________________

(وبين معتزلة بغداد ومعتزلة البصرة اختلاف كثير فاحش يكفر بعضهم بعضا فى بعض ذلك الاختلاف اكثر من الف مسالة نعوذ بالله من الريب كله ونسأله السلامة ومن لزم السواد الاعظم وترك الشك نجا ان شاء الله ولا قوةالا بالله
واعلم ان للمعتزلة سوى من ذكرناهم جماعة كثيرة قد وضعوا من الكتب والهوس ما لا يحصى ولا يبلغ جمعه وهى فى كل بلد وقرية لا تخلو منهم الارض ....
.قال: فاما الذى يكفر فيه معتزلة بغداد معتزلة البصرة فالقول فى الشاك والشاك فى الشاك .ومعنى ذلك ان معتزلة بغداد ومعتزلة البصرة وجميع اهل القبلة لا اختلاف بينهم ان من شك فى كافر فهو كافر لان الشاك فى الكفر لا ايمان له لانه لا يعرف كفرا من ايمان . وليس بين الامة كلها المعتزلة ومن دونهم خلاف ان الشاك فى الكافر كافر ــــ يقصد ان هذا اجماع.ـــ ثم زاد معتزلة بغداد على معتزلة البصرة ان الشاك فى الشاك والشاك في الشاك الى الابد الى مالا نهاية له كلهم كفار وسبيلهم سبيل الشاك الاول وقال معتزلة البصرة الشاك الاول كافر لأنه فى الكفر والشاك الثانى الذى هو شاك فى الشاك ليس بكافر بل هو فاسق لان لم يشك فى الكفر انما شك فى هذا الشاك ايكفر بشكه ام لا ؟ فليس سبيله فى الكفر سبيل الشاك الاول وكذلك عندهم الشاك فى الشاك والشاك فى الشاك الى مالا نهاية كلهم فساق . الا الشاك الاول فانه كافر وقولهم احسن من قول اهل بغداد ) ا.هـ.
_______________________________

فلقد ذكر ابو يعقوب المالطى ان الخلاف بين معتزلة بغداد والبصرة وما يكفر به بعضهم بعضا في أكثر من الف مسالة ثم عاد ليجعل ذلك الاحتلاف فى مسالة واحدة وهى من لم يكفر الكافر والشاك في الشاك........إلى آخره وكأنه ما اراد التعليق الا على هذه المسالة من الالف حتى يبرزهاويناقشها ــ ثم نقل اجماع الامة على ان من شك فى كفر كافر فهو كافر .ثم علق على مقالة معتزلة البصرة باعتبار الشاك فى الشاك الى مالا نهاية له وانه
فاسق وان هذه المقالة هى احسن من مقالة معتزلة بغداد بانه كافر. هذا ما ذكره ابو يعقوب المالطى. والذين يستشهدون بما ذكره كل ما يهدفون اليه هو ان يقولو ا ان من لم يكفر الكافر الاول وما عداه من الفساق وبعضهم يريد ان يهدم (انه من لم يكفر الكافر فهو كافر )باعتباره من كلام المبتدعة من المعتزلة من اهل الاهواء .

واعود الى ما ذكره ابو يعقوب المالطى وكما نعلم انه من مبادىء المعتزلة التوحيد ويعنون به نفى الصفات والعدل وهو القول بالقدر عندهم وكل خلافاتهم محصورة فيما يعتقدونه من الايمان والتوحيد والعدل (القول بالقدر ) فخلافاتهم فى الكافر عندهم فيما يعتبرونه مخالف للايمان عندهم فيما يعتقدونه وكلام اهل السنة والجماعة فى الكافر االذى اجمعت عليه الامة فنحن نتكلم فى الكافر الذى فقد اصل الدين وما اجمعت عليه الامة انه لا يصدر الامن كافر .
واستحسان الشيخ ابى يعقوب المالطى لقول معتزلة البصرة لا يعنى بالضرورة انه يقول به فى الكافر الذى ينقض اصل الدين وانما هو فى المخالف من فرق اهل الاهواء الذين اختلفوا فى المسائل الخفية من افعال العباد ورؤية الله عز وجل فى الاخرة والشفاعة للموحدين وغير ذلك مما اجمع عليه العلماء واختلفوا فى تكفيرالمتأولين فيها. وسأذكر لك تحقيق القول فى اكفار المتاولين نقلا عن القاضى عياض فى الشفا ملخصا لك فقد اختلفوا في فرق أهل الأهواء على ثلاثة أقوال : ـ

ا ــ جمهور الأئمة والعلماء قالوا بتكفيرهم .

ب ــ بعض العلماء والفقهاء لم يكفروهم وان خطأوهم وفسقوهم وبدعوهم .

ج ــ فريق من العلماء توقف فى الحكم عليهم مع اجماعهم على تكفير فرق بعينها كالازارقة الذين ابطلوا الرجم وغيرهم ممن انكر صفة الحياة وغيرهم وغيرهم .( راجع فى ذلك الشفا للقاضى عياض)
فاستحسان ابى يعقوب المالطى انما هو فيمن خالف فى المسائل الخفية مما كان يتنازع فيه اهل الاهواء من المعتزلة وغيرهم وكانوا يعتبرونه من الايمان عندهم.
وقد نقل عبد القاهر البغدادى هذا عنهم فى الفرق بين الفرق . فقد ذكر ( 190/ط دار المعرفة بيروت ) ( ان ابا شمر المرجىء القدرى كان يرى ان ما عليه هو الايمان وان الشاك فيه كافر والشاك فى الشاك ايضا كافر ثم كذلك ابدا .
قال البغدادى : وهذه الفرقة عند اهل السنة والجماعة اكفر اصـــــــنــــــاف المرجئة لانها جمعت بين ضلالتى القدر والارجاء .......وقوله فى مخالفيه انهم كفرة وان الشاك فى كفرهم كافر مقابل بقول اهل السنة فيه انه كافر وان الشاك فى كفره كافر) ا.هـ.
ونقل ايضا فى الفرق (156/ط دار المعرفة ) عن راهب المعتزلة ابى موسى المردار ( وزعم المردار ايضا ان من اجاز رؤية الله تعالى بالابصار بلا كيف فهو كافر والشاك فى كفره كافر وكذلك الشاك فى الشاك لا إلى نهاية ......
قال البغدادى والذين اثبتوا الرؤية ـــ اهل السنة والجماعة ـــ مجمعون على تكفيرالمردار وتكفير الشاك فى كفره ) ا.هـ. ونقل الشيخ ابو الحسن الاشعرى فى مقالات الاسلاميين ( 602/ط جمعية المستشرقين الالمان ) عن اهل السنة والجماعة : (قال قوم من اهل الحديث .... (انهم اكفروا الواقفة التى لم تقل ان القرآن غير مخلوق ) ومن شك فى انه غير مخلوق والشاك فى الشاك) ا.هـ.
وقد نقل اللالكائى قول ائمة اهل السنة من التابعين ــ أكثر من 550 إماما ــ فى الذين قالوا بخلق القرآن وتكفيرهم لهم فى كتاب السنة ونقله عنه ايضا ابن تيمية في فتاويه .
ولعلك الان قد وقفت على حقيقة قول ابى يعقوب المالطى واستحسانه مااستحسنه وانه ليس فيمن نقض اصل الدين واشرك بالله رب العالمين .

وانقل لك ما قاله عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب فى الدرر السنية (10/250) لأبين لك خطأ من يستحسنون قول المالطى ويعتبرونه انه ايضا فى الكفار الذين نقضوا اصل الدين وخالفوا ما اجمعت عليه الامة من المعلوم من الدين بالضرورة .

قال عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب : ( واما قول من يقول ان من تكلم بالشهادتين ما يجوز تكفيره وقائل هذا القول لابد ان يتناقض ولا يمكن طرد قوله في مثل من أنكر البعث أو شك فيه مع إتيانه بالشهادتين او انكر نبوة احد من الانبياء الذين سماهم الله فى كتابه او قال الزنا حلال او نحو ذلك ، فلا اظن يتوقف فى كفر هؤلاء الا من يكابر ويعاند ،فإن كابر وعاندوقال لا يضر شيء من ذلك ولا يكفر به من اتى بالشهادتين فلا شك فى كفره ولا كفر من شك فى كفره لانه بقوله هذا مكذب لله ولرسوله ولاجماع المسلمين والأدلة على ذلك ظاهرة بالكتاب والسنة والإجماع )ا.هـ. فانظر رحمك الله كيف حكم بــ :،
1-كفر من انكر نبوة احد من الانبياء او قال الزنا حلال او نحو ذلك .

2- ثم حكم بكفر من قال لا يضره شيىء ما دام قد تكلم

بالشهادتين قال (فلا شك فى كفره ) اى الذى لم يكفر الكافر الاول

3- ثم حكم بكفر من لم يكفر الثانى الذى قال لا يضر الكافر الاول شيىء . قال ( ولا كفر من شك فى كفره ) .

فهل استحسن المالطى القول بتكفير الاول والثانى وفسق الثالث وهكذا ابدا الى ما لا نهاية ؟!! والشيخ هنا ذكر تكفير الاول والثانى والثالث ولم يفسقه فهل من كذب النص والاجماع يكون فاسقا ولا يكون كافرا ؟!!وما الذى جعله فاسقا ولم يجعله كافرا هل لأنه لم يشك في كفر الأول.؟وما الدليل على ذلك؟وكيف نفرق بين متماثلين كل منهما مكذب للنص وللإجماع ؟!!!

واوضح لك الامر اكثر :

1- الكافر الاول كما نقول هو كمن دعا غير الله من عباد القبور فهذا كافر كما جاءت به النصوص وكما اجمعت عليه الامة .

2- الكافر الثانى (من عذر عباد القبور وقال ليسوا بكافرين ) كما يقول طوائف العاذرية من جماعات السلفية والتبليغ والاخوان والجماعة واالجهاد وغيرهم ـــ وهؤلاء كفار لتكذيبهم النص
( ان الله لا يغفر ان يشرك به ) وغيره، وكذلك للاجماع على كفر من كذب النص .

3-الكافر الثالث من لم يكفر طوائف العاذرية الذين عذروا الكافر الاول وقالوا انه مسلم ــ ( كاهل التوقف والقطبيين والقاعدة وغيرهم ) ــ وهؤلاء يعلمون ان طوائف العاذرية من الجماعات المختلفة مكذبون للنص ( ان الله لا يغفر ان يشرك به ) كما يعلمون انهم مكذبون للاجماع على كفر من كذب النص وعدم تكفيرهم لمن كذب النص يجعلهم من الكفار وعدم تكفيرهم لمن كذب الإجماع يجعلهم من الكافرين.
قال القاضى عياض فى الشفا (2/216/مكتبة الصفا ) (وكذلك نقطع بتكفير كل من كذب قاعدة من قواعد الشرع وما عرف يقينا بالنقل المتواتر من فعل الرسول ووقع الاجماع المتصل عليه )ا.هـ فنحن هنا نتحدث عمن لم يكفر المشركين من عباد القبور وغيرهم ممن نقض اصل الدين التوحيد ـــ وليس من خالفوا في المسائل الخفية وتأولوها على غير حقيقتها ــ

ونقول أن الذى لا يكفِّر من لم يكفِّر من دعا الاموات وعبد الطاغوت باى نوع من انواع العبادة هو مكذب للنص وللاجماع كافر بالله العظيم ــ وان كان يكفر عباد القبور ــ واذا وجد من لم يكفرهم ممن علم بكفرهم وتكذيبهم للنص والاجماع نقطع كذلك بكفره ونعوذ بالله ان نكون من الكافرين المتشككين واذا حاول احد ان يجادل عن عباد القبوروجماعات العاذرية الذين يعذرونهم بمثل ما ذكره ابو يعقوب المالطى عن معتزلة بغداد ومعتزلة البصرة فانى اقول :له مهلا انه يتحدث عن اهل الاهواءمن الفرق الضالة الذين اختلفوا فى المسائل الخفية وليس فى اصل الدين وما يكون به الناس مسلمين واذا كان الله عز وجل قد سوى بين المكذب لاصل الدين جهلا وبين المكذب عنادا بعد العلم ولم يفرق بينهما فلم تفرقون ؟!! ( ام تقولون على الله ما لا تعلمون ) ( ما لكم كيف تحكمون ). قال تعالى (ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا او كذب بالحق لما جاءه اليس فى جهنم مثوى للكافرين ) العنكبوت وقال تعالى (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين )الزمر. وقال تعالى( والذين اتخذوا من دونه اولياء ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى ان الله يحكم بينهم فى ما هم يختلفون ان الله لا يهدى من هو كاذب كفار ) الزمر وقال تعالى ( وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا مالهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من افواههم إن يقولون إلا كذبا ) الكهف .
وقالها الفتية اصحاب الكهف كما اخبر ربنا ( هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا ) الكهف نعم ما اظلمهم وما اضلهم وماأجهلهم وماأكفرهم وهنا أسال : من الذى دعا الفتية اصحاب الكهف الى الايمان والهدى ؟ومن الذى اقام عليهم الحجة بذلك ؟ وما الذى جعلهم يحكمون على اهل قريتهم بالكفر والكذب على الله ؟!
( فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا )
( ومن اضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له الى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون) وإذا كان الله عز وجل قال:(إن الله لا يغفر أن يشرك به)فهل من يقول: ان الله يغفر للمشرك او من يأتى بالشرك من الجهال . هل هذا الا مكذب لله وللرسول ؟ ــ على الرغم من انه لا يشك فى ان ما اتوه هو الشرك ــ .
وهل من يقول ان طوائف العاذرية الذين يعذرون الجهال مسلمون وغير مكذبين لله والرسول الا هم ايضا مكذبون لله وللرسول مخالفون للاجماع ومنكرون ؟ !!( فما لكم كيف تحكمون)

قال الشوكانى فى ارشاد الفحول ( 135) : ( والصحيح الذى لا معدل عنه ان سبيل المؤمنين هو الكتاب والسنة الوحيان اللذان يتضمنان توحيد الله وافراده بالعبادة والحكم والتشريع وتوحيد الرسول بالمتابعة وذانك ما تحويه شهادة ان "لا اله الا الله وان محمدا رسول الله"وهما اصل الاسلام والسبيل الذى صاروا به مؤمنين والذى يقابله الكفر بالله والتولى عن اتباع الرسول صل الله عليه وسلم ومشاقته
ولذلك قرن الله تعالى مشاقة الرسول بأتباع غير سبيل المؤمنين والمشاقة لا تحصل الا مع الكفر بيان ان المشاقة مشتقة من كون احد الشخصين فى شق والاخر فى الشق الاخر ) أ . هـ
وقال الشيخ ابن تيمية فى الجواب الصحيح ( 5/406) : ( الكافر فى شقاق بعيد قد شاق الله ورسوله صل الله عليه وسلم ولا احد اضل ممن هو فى مثل هذا الشقاق حيث كان فى شق والله ورسوله في شق... ...
والشقاق قد يكون مع العناد وقد يكون مع الجهل فإن الايات إذا ظهرت فأعرض عن النظر الموجب للعلم كان مشاقا ) أ . هـ

وقال حسين وعبدالله بن محمد بن عبد الوهاب فى الدرر السنية
( 10/139) ردا على من سألهم عن رجل دخل هذا الدين واحبه لكنه لا يعادى المشركين او عاداهم ولم يكفرهم أو قال انا مسلم لكن لا اقدر ان اكفر اهل لا اله الا الله ولو لم يعرفوا معناها ورجل دخل هذا الدين واحبه ولكن يقول لا اتعرض القباب واعلم انها لا تنفع ولا تضر ولكن ما اتعرضها ؟ فكان جوابهم ( من قال لا اعادى المشركين او عاداهم ولم يكفرهم او قال لا اتعرض اهل لااله الا الله ولو فعلوا الكفر والشرك وعادوا دين الله او قال : لا اتعرض القباب فهذا لا يكون مسلما وهوممن قال الله فيهم : ( ويقولون نؤمن ببعض ونكفر بعض ويريدون ان يتخذوا بين ذلك سبيلا او لئك هم الكافرون حقا ) النساء ) أ . هـ.

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب فى الدرر السنية ( 2/121) ( فأما من قال : انا لا اعبد الا الله وانا لا اتعرض السادة والقباب على القبور وامثال ذلك فهذا كاذب فى قول ( لا اله الا الله) ولم يؤمن بالله ولم يكفر بالطاغوت ) أ . هـ.

وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ فى الدرر السنية ( 11/523):( من عرف معنى لا اله الا الله عرف ان من شك او تردد فى كفر من اشرك مع الله غيره انه لم يكفر بالطاغوت ) أ.هـ
وقال الشيخ اسحاق بن عبد الرحمن آل الشيخ فى رسالة حكم تكفير المعين ـ( عقيدة الموحدين / 138 ) قال شيخ الاسلام بن تيمية ( من دعا عليا فقد كفر ومن لم يكفر ه فقد كفر ) وتدبر ما اودعه من الدلائل الشرعية التى اذا تدبرها العاقل المنصف فضلا عن المؤمن عرف ان المسألة وفاقية ولا تشكل الا على مدخول عليه فى اعتقاده ) أ . هـ.

وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ فى الدرر السنية
( 11/434) : ( فلا يتم لاهل التوحيد وتوحيدهم الا باعتزال اهل الشرك وعدواتهم وتكفيرهم فهم معتزلة بهذا الاعتبار لانهم اعتزلوا اهل الشرك كما اعتزلهم الخليل ابراهيم عليه السلام ) أ . هـ

قال ابن بطة من علماء القرن الرابع الهجرى (ت/ 387هـ) قال في الإبانة (2/571) : ( فلو ان رجلا عاقلا امعن النظر اليوم فى الاسلام واهله لعلم ان امور الناس كلها على سنن اهل الكتابين وطريقتهم وعلى سنن كسرى وقيصر وعلى ما كانت عليه الجاهلية فما طبقة من الناس وماصنف منهم الا وهم فى سائر امورهم مخالفون لشرائع الاسلام وسنة الرسول صل الله عليه وسلم مضاهون فيما يفعل اهل الكتاب والجاهلية قبلهم .
فان صرف بصره الى السلطنة وحاشيتها ومن لاذ بها من حكامهم وعمالهم وجد الامر كله فيهم بالضد مما امروا به ونصبوا له فى افعالهم واحكامهم ودينهم وجد الامر كله فيهم بالضر مما امروه به ونصبوا له فى افعالهم واحكامهم وزيهم ولباسهم ، وكذلك فى سائر الناس بعدهم من التجار السوقة وابناء الدنيا وطالبيها من الزراع والصناع والاجراء والفقراء والقراء والعلماء الا من عصمه الله .
ومتى فكرت فى ذلك وجدت الامر له كما اخبرتك فى المصائب والافراح وفى الزى واللباس والآنية والابنية والمساكن والخدام والمراكب واالولائم والاعراس والمجالس والفرش والمأكل والمشرب وكل ذلك فيجرى خلاف الكتاب والسنة بالضد مما امر به المسلمون ، وندب اليه المؤمنون وكذلك من باع واشترىوملك واقتنى واستأجر وزرع وزارع .فمن طلب السلامة لدينه فى وقتنا هذا مع الناس عدمها ومن احب ان يلتمس معيشة على حكم الكتاب والسنة فقدها وكثر خصماؤه واعداؤه ومخالفوه ومبغضوه فيها .فالله المستعان . فما اشد تعذر السلامة فى الدين فى هذا الزمان . ) أ . هـ.

فإذا كان الشيخ ابن بطة قد ذكر هذا عن زمانه منذ اكثر من الف عام فكيف لو رأى زماننا ؟!نسأل الله السلامة وأن يجعلنا من الغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس ويصلحون ما أفسده الناس.

رد التهمه .. لمن يجيزون التحاكم للطاغوت سواء أبتداءا أو أستئنافا ..

$
0
0

أعلم رحمك الله أن الدين حمل ثقيل يحتاج حامله لأستعانه بالله عز وجل وصبر جميل والصبر واجب كما هو مقرر عند أهل العلم .


قال تعالى (( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10)..)) المزمل

__ وقد حث الله عز وجل المسلمين على الصبر والثبات على العقيده الصحيحه فقال تعالى ( الم أحسب الناس أن يقولو اّمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) _ فكان الصبر فى لحظات الأستضعاف هو الملجأ والملاذ

*** ونود قبل الشروع فى المقصود أن نذكر بقول مهم للإمام الشاطبى رحمه الله عن مفهوم الدليل الصحيح يقول رحمه الله فى الموافقات :

(( أن كل دليل فيه أشتباه وإشكال ليس بدليل فى الحقيقه حتى يتبين معناه ويظهر المراد منه ؛ ويشترط فى ذلك أن لا يعارضه أصل قطعى ؛ فإذا لم يظهر معناه لإجمال أو أشتراك أو عارضه قطعى فليس بدليل لأن حقيقه الدليل أن يكون ظاهرا فى نفسه ودالا على غيره وإلا احتيج إلى دليل ؛ فإن دل الدليل على عدم صحته فأحرى أن لا يكون دليلا ؛ ولا يمكن أن تعارض الفروع الجزئيه الأصول الكليه ؛ لأن الفروع الجزئيه إن لم تقتضى عملا فهى فى محل التوقف ؛ وإن أقتضت عملا فالرجوع إلى الأصول هو الصراط المستقيم ؛ ويتناول الجزئيات حتى إلى الكليات فمن عكس الأمر حاول شططا ودخل فى حكم الذم ؛ لأن متبع الشهوات مذموم ) أ.ه

__ أخرج الأمام أحمد رحمه الله فى مسنده عن عائشه رضى الله عنها قالت :

قرأ رسول الله صل الله عليه وسلم : ( هو الذى أنزل عليك الكتاب منه اّيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه أبتغاء الفتنه وأبتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون اّمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب ) .. فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله عز وجل فأحذروهم

*** أن قضيه التحاكم إلى الله ورسوله قضيه من صلب العقيده كما يعلم كل موحد قال تعالى فى سوره الانعام ( افغير الله ابتغى حكما ....) الاّيه يقول البيضاوى فى تفسيره : ( أفغير الله أبتغى حكما ) .. على إراده القول أى قل لهم يا محمد أفغير الله أطلب من يحكم بينى وبينكم ويفصل المحق منا من المبطل .
***يقول سيد قطب رحمه الله ... أفغير الله ابتغى حكما ؛ وهو الذى أنزل إليكم الكتاب مفصلا ؛ والذين اّتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق ؛ فلا تكونن من الممترين ) ..

__ أنه سؤال على لسان رسول الله صل الله عليه وسلم للأستنكار . استنكار أن يبتغى حكما غير الله فى شأن من الشئون على الأطلاق وتقرير لجهه الحاكميه فى الأمر كله ؛ وإفرادها بهذا الحق الذى لا جدال فيه . ونفى أن يكون هناك أحد غير الله يجوز أن يتجه إليه طالبا حكمه فى امر الحياه كله . أ.ه







*** نلاحظ أن كثيرا من الاّيات التى تذكر قضيه التحاكم وتبين أنها من قضايا الإيمان والكفر ومن أمور العقيده نزلت والمسلمين مستضعفون فى مكه .

.. فما حنوا هاماتهم رضى الله عنهم لما عضتهم السيوف وأوغل الكفر فيهم مخلبه ونابه ؛ وما رضوا أن يظهروا الكفر على دنياهم ! ولم يلجأوا إلى محاكم الطواغيت حاشاهم . وإنما وكلوا الأمر كله لله سبحانه وتعالى الذى أمرهم بألا يتبعوا حكما غير حكمه ؛ وأمرهم بالصبر حتى يحين التمكين بإذنه عز وجل.

__ إذا فلا الأموال ولا البنون ولا الملك ولا أى أذى هو الذى يدفع المسلم للتحاكم إلى أولياء الشيطان الذين يفصلون فى هذه الأمور بشريعه إبليس عليه لعنه الله ؛

فما هو إلا الإكراه الملجيء الذى يفقد المسلم بفعله الأختيار ؛

أما تحصيل الحقوق برفع الدعوى للحاكم الكافر أو رد التهمه عند الحاكم الكافر بدون الأكراه الملجيء فهو كفر ينقل من فعله عن المله .

__ والمسلمون فى هذه الأحوال ما عليهم إلا الصبر حتى يمكن الله لهم فى الأرض .

وعلى ضوء السيره العطره يقول ابن تيميه رحمه الله فى فتاويه : يقول الله تعالى

(( اّلمص كتاب أنزل إليك فلا يكن فى صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين اتبعوا ما انزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون ))

ولو ضرب وحبس وأوذى بأنواع الأذى ليدع ما علمه من شرع الله ورسوله الذى يجب أتباعه ؛ وأتبع حكم غيره كان مستحقا لعذاب الله بل عليه أن يصبر وأن أوذى فى الله فهذه سنه الله فى الأنبياء وأتباعهم ز أ.ه الفتاوى ج35ص373

قال تعالى (( وأن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ))

***** تحرير محل النزاع بيننا وبين مخالفينا :

__ فالخلاف الواقع بيننا وبين مخالفينا فى موضوع الذهاب للمحاكم الكافره عند أرسال دعوتها للتحاكم ؛ وحكم من أجاب هذه الدعوه وذهب إلى المحكمه دون أكراه ملجيء

__ ولما كان منهجنا فى الدين هو أتباع كتاب الله وسنه رسوله بفهم سلف الامه من الصحابه رضى الله عنهم والتابعين . رأينا أن نضبط مسأله التحاكم تحت ضوء هذا المنهج ؛ والله المستعان ولا حول ولا قوه إلا بالله العلى العظيم

***** أعلم أرشدنى الله وإياك لطاعته أن تغيير مسميات الأشياء لا يغير من حقائق الأمور شيئا ؛ بل أن هذا من سمات اليهود وهو مذموم عند الله وعند رسوله ومستوجب لسخط الله - والعياذ بالله - على فاعله

أخرج بن حبان فى صحيحه عن أبى مالك الأشعرى أنه سمع رسول الله صل الله عليه وسلم يقول :
((يشرب ناس من أمتى الخمر ويسمونها بغير أسمها يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله بهم الأرض ))

***** بيان أن من أجاب دعوه التحاكم متحاكم فإن كانت الدعوه إلى حكم الله والحاكم مسلم يصلح لذلك فتلبيتها واجب يثاب فاعله ؛ أما إن كانت إلى الطاغوت وشرعه فتلبيتها كفر والعياذ بالله

__ جاء فى لسان العرب : (( وحاكمه إلى الحكم : أى دعاه )) أ.ه ..قال تعالى

(( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين ))

.. قال ابن كثير : أى وإذا كانت الخصومه لهم لا عليهم جاءوا سامعين مطيعين وهو معنى قوله مذعنين ؛ وإذا كانت الخصومه عليه أعرض ودعا إلى غير الحق وأحب أن يتحاكم إلى غير النبى صل الله عليه وسلم ليروج باطله ؛ ثم فإذعانه أولا لم يكن عن أعتقاد منه أن ذلك هو الحق بل لأنه موافق لهواه ولهذا لما خالف الحق قصده عدل عنه إلى غيره أ.ه

فأنظر إلى صوره إجابه الداعى أو الأعراض عنه كعلامه ظاهره على القبول أوالرفض

__ فلا فرق بين الطالب والداعى والذى يأتى مذعنا والذى يذهب مذعنا فى علامه قبولهم التحاكم ظاهرا

فالمؤمن بالله إذا دعى إلى حكم الله ورسوله ليحكم بينه وبين خصمه سمع وأطاع باطنا وظاهرا ؛ ولكن إذا دعاه الطاغوت ليحكم بينه وبين خصمه كفر به وأعرض عنه وعصاه







***** جاء فى الفتح القدير للشوكانى

(( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين ))

(( وفى هذه الاّيه دليل وجوب الإجابه إلى القاضى العالم بحكم الله العادل فى حكمه لأن العلماء ورثه الأنبياء والحكم من قضاه الأسلام العالمين بحكم الله العارفين بالكتاب والسنه العادلين فى القضاء هو حكم بحكم الله وحكم رسوله ؛ فالداعى إلى التحاكم إليهم قد دعا إلى الله وإلى رسوله : أى إلى حكمهما قال ابن خويز منداد واجب على كل من دعى إلى مجلس الحاكم أن يجيب مالم يعلم أن الحاكم فاسق

..(( سبحان الله فكيف إذا كان الحاكم كافرا ))(( تأمل فى قوله أطعنا بالأجابه فإنه ظاهر فى أن أجابه الدعوه طاعه ؛ فإما أن تكون طاعه وإذعان لحكم الله أو طاعه وإذعان لحكم الطاغوت ))

*****قال القرطبى فى هذه الاّيه دليل على وجوب إجابه الداعى إلى الحاكم لأن الله سبحانه ذم من دعى إلى رسوله ليحكم بينه وبين خصمه بأقبح الذم فقال : (( أفى قلوبهم مرض )) الاّيه أنتهى .. فإن كان القاضى مقصرا لا يعلم بأحكام الكتاب والسنه ولا يعقل حجج الله ومعانى كلامه وكلام رسوله بل كان جاهلا جهلا بسيطا وهو من لا علم له بشيء من ذلك أو جهلا مركبا وهو من لا علم عنده بما ذكرنا ولكنه قد عرف بعض أجتهادات المجتهدين وأطلع على شيء من علم الرأى فهذا فى الحقيقه جاهل وإن أعتقد أنه يعلم بشيء من العلم فأعتقاده باطل فمن كان القضاه هكذا فلا تجب الإجابه إليه لأنه ليس ممن يعلم بحكم الله ورسوله حتى يحكم به بين المتخاصمين إليه بل هو من قضاه الطاغوت وحكام الباطل فإن ما عرفه من علم الرأى إنما رخص فى العمل به للمجتهد الذى هو منسوب إليه عند عدم الدليل من الكتاب والسنه ولم يرخص فيه لغيره ممن يأتى بعده. أ.ه

*****وجاء فى اللباب فى علوم الكتاب لأبى حفصعمر بن على ابن عادل الدمشقى الحنبلى قوله : (( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله (( أى إلى كتاب الله )) وسوله ليحكم بينهم (( وهذا ليس على طريق الخبر ؛ ولكنه تعليم أدب الشرع ؛ بمعنى أن المؤمنين ينبغى أن يكونوا هذا )) أن يقولوا سمعنا وأطعنا (( أى سمعنا الدعاء وأطعنا بالأجابه . أه

___ يقول الشوكانى فى فتح القدير :(( ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم )) والحال أنهم معرضون عن الأجابه إلى ما دعوا إليه مع علمهم به وأعترافهم بوجوب الإجابه إليه أ.ه

ويقول أيضا : ثم وصف هؤلاء المنافقين بأن فريق منهم يعرضون عن إجابه الدعوه إلى الله ورسوله فى خصوماتهم فقال (( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم )) أ.ه

__ وفى كتاب التسهيل لعلوم التنزيل لأبن جزى : (( مذعنين )) أى منقادين طائعين لقصد الوصول إلى حقوقهم أ.ه







قاعدة فى الطريق

الشيخ سليمان بن سحمان عندما سئل عن التحاكم الى الطاغوت بحجة الاضطرار قال

__ المقام الثانى : ان يقال اذا عرفت ان التحاكم الى الطاغوت كفر فقد ذكر الله فى

كتابه ان الكفر اكبر من القتل ,قال تعالى (و الفتنة اكبر من القتل) ..وقال (والفتنة اشد

من القتل ) .. و الفتنة هى الكفر ..فلو اقتتلت البادبة و الحاضرة حتى يذهبوا لكان اهون

من ان ينصبوا فى الارض طاغوتا يحكم بخلاف شريعة الاسلام التى بعث الله بها رسوله .

__المقام الثالث : ان نقول اذا كان التحاكم كفرا ..... و النزاع انما يكون لاجل الدنيا .....

فكيف يجوز ان تكفر لاجل ذلك فانه لا يؤمن احد حتى يكون الله و رسوله احب اليهما مما

سواهما و حتى يكون الرسول احب اليه من ولده ووالده والناس اجمعين ,

.....فلو ذهبت دنياك كلها لما جاز المحاكمة الى الطاغوت لاجلها ..ولو اضطرك احد و

خيرك بين ان تحاكم الى الطاغوت او تبذل دنياك لوجب عليك البذل , و لم يجز لك

المحاكمة الى الطاغوت والله اعلم اه.....الدرر السنيه جزء حكم المرتد ص275

رحم الله الشيخ ما ابلغ كلامه و ما ابينه لمن تدبره







*** الكلام فى رد التهمه و انه من افعال التحاكم و بيان حال المتهم و اثبات انه طرف من اطراف التحاكم و ان اقواله معتبرة عند القاضى

......ان التحاكم كما لا يخفى يكون ب :

1)حاكم او قاض

2)ومدع يرفع الدعوى على غريمه

3)و الثالث هو المدعى عليه .._( و دوره فى التحاكم ان يدافع عن نفسه و ينفى تهمة الخصم الموجهه اليه ويأتى ببينات على ذلك )

__ فالمدعى يشكو للجهة الحاكمة و يدلى باقواله و يأتى بالبينة او الشهود على مايقول و الجهة الحاكمة تأخذ اقوال المتهم ,و تنظر بعد ذلك فيما بين يديها من المعطيات (و منها اقوال المتهم) و تصدر ماتراه حكما مناسبا للفصل فى القضىة

.. يقول ابن تيمية رحمه الله فى مجموع الفتاوى (و ايضا فالقضاء نوعان :(احدهما الحكم عند تجاحد الخصمين مثل ان يدعى احدهما امرا يكذبه الاخر فيه ,فيحكم فيه بالبينه و نحوها و الثانى مالايتجاحدان فيه .... يتصادقان ....و لكن لا يعلمان مايستحق كلا منهما كتنازعهما :فى قسم فريضة او فيما يجب لكلا من الزوجين على الاخر او فيما يستحقه كلا من الشريكين و نحو ذلك )اه
مجموع الفتاوى ج4 ص409

***...فلا يختلف عاقلان فى كون المتهم طرف اساسى من اطراف عملية التحاكم ,وان اقواله معتبرة للحاكم فى اصداره للحكم ..***

****و قوله بانه غير معنى بما يترتب على اقواله من حكم القاضى فى قضيته فهو كلام مردود لاننا ماخذين بما نتلفظ به (وهل يكب الناس فى النار على مناخيرهم الا حصائد السنتهم)..وان الرجل ليبكلم بالكلمة من سخط الله يهوى بها فى النار 70 خريفا او كما قال النبى صل الله عليه وسلم

__ اذن فان المدعى متحاكم

__ و كذلك المتهم متحاكم اذا اجاب دعوة التحاكم الموجها له من قبل المحكمة

*****فاكيف نجعل المتهم رجلا اجنبيا عن عمليه التحاكم و نزعم انه لا علاقة له بما يجرى من الكفر ؟؟؟!!!!
(...قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين )

****ولا ادل على ان المتهم اذا مادافع عن نفسه فقد دخل فى عمليه التحاكم من قول الرسول صل الله عليه وسلم من حديث ام سلمى زوج النبى صل الله عليه وسلم قال:((انما انا بشرا وانكم تختصمون الى فالعل بعضكم ان يكون الحن بحجته من بعض فا اقضى له على نحو ما اسمع منه فمن قضيت له بشئ من حق اخيه فلا يأخذن منه شيئا فانما اقطع له قطعه من النار ))

**** يقول ابو عمر بن عبد البر رحمه الله تعليقا على هذا الحديث ....فلعل بعضكم ان يكون الحن بحجته من بعض) يعنى افطن لها و اجدل بها

__وفيه ان القاضى انما يقضى على الخصم بما يسمع منه من اقرار او انكار او بينات على حسب ما امكنته السنة فى ذلك .

__وفيه ان القاضى يقضى بكل مايقر به عند (المقر) لمن ادعى عليه لقوله صل الله عليه وسلم (فاقض لهم )بمعنى اقضى عليه (بما اسمع منه)يريد او من بينة المجعى لان هذا هو الذى يسمع مما يحتاج ان يقض به .اه ..الاستذكار ابو عمر يوسف بن عبدالله بن عبد البر النمرى

****كما يقول الشافعى رحمه الله فى كتابه الام فى نفس الحديث ...و فى مثل معنى هذا من سنة رسول الله صل الله عليه وسلم قوله :انما انا بشرا و انكم تختصمون الى ولعل بعضكم يكون الحن بحجته من بعض فا اقض له على نحو ما اسمع منه فمن قضيت له بشئ من حق اخيه فلا يأخذه فا انما اقطع له قطعه من النار

__ فا اخبر انه يقضى على الظاهر من كلام الخصمين و انما يحل لهما و يحرم عليهما فيما بينهما و بين الله على ما يعلمان .اه
الام الجزء السادس ص332

***و قال الزركشى :(و ظاهره انه لا يحكم الا بما يسمع فى حال حكمه و قد روى :(و انما احكم )و هذا صريح او كالصريح فى انه لا يحكم الا بما يسمع )اه
شرح الزركشى على مختصر الخرقى ج3 ص371

.....يقول ابن بطال (انما اقض على نحو ما اسمع )ولم يفرق بين سماعه من الشهود او المدعى عليه فيجب ان يحكم بما سمعه من المدعى عليه كما يحكم بما سمعه من الشهود )اه
شرح صحيح البخارى لابن بطال ابو الحسن على بن خلف بن عبد الملك بن بطال البكرى القرطبى

__اما نيه المتهم انه لا يريد ان يذهب للمحكمة الا للدفاع عن النفس لا يبيح اجابة الدعوة للتحاكم .

__اذ من المعلوم ان النيه الصالحة لا تصلح العمل الفاسد بل يبقى على حاله و حقيقته الفاسدة .

__و هناك فرق كبييييييير جدا بين الدفاع عن النفس امام خصوم عاديين بدون تحكيم ولا تقاضى و بين الدفاع عن النفس عن طريق قاض و محكمة منتصبة لفصل المنازعات و قوانين الطاغوت.

فالمدافع عن نفسه عن طريق المحاكم الطاغوتية بالذهاب للتحاكم و فض النزاع عن طريقهم يشمله وصف القبول كما شمل الطالب ابتدءا سواءا بسواء

__و قد تدافع عن نفسك و تسترد حقك و لكن ليس عن طريق المحاكم و القضاء الكافر ,فهذا اشد الضرر و الظلم على النفس ..كالمستجير من الرمضاء بالنار ..لان دفع الظلم او استرداد الحقوق فى المحاكم لا يكون الا بحكم القاضى .

__و قد علمنا ان مجيب دعوة المحكمة سيذهب لجلسة محكمة ,تحكم بغير ما انزل الله ,و كل شئ فيها بنظام و اوامر ملزمة ,حتى جلوسه ووقت كلامه ووقت خروجه.

__اما مصلحة رد التهمة فتقابلها مفسدة الوقوع فى التحاكم فتقدم عليها ,لان دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح

كما أن من سلم نفسه لهذه المحكمه وهو لا يملك أمره عندها ولا يستطيع أن يفعل إلا ما يأمروه به فهذا هو واقع المحاكم ؛ فلا يتجاهله من يدعى أنه يدافع عن نفسه فقط ثم يمضى ولا ينتظر حكم ولا يلتفت إلى محكمه ؛ وكأنه يدافع عن نفسه فى فراغ لا علاقه له بواقع .

***** يقول ابن القيم رحمه الله فى أعلام الموقعين : ( ولا يتمكن المفتى ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم أحدهما فهم الواقع والفقه فيه وأستنباط علم حقيقه ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط بها علما والنوع الثانى فهم الواجب فى الواقع وهو فهم حكم الله الذى حكم به فى كتابه أو على لسان رسوله فى هذا الواقع ثم يطبق أحدهما على الاّخر ) أه

**** فالواقع معتبر ولا يجوز تجاهله والتحايل عليه والواقع بل الحقيقه أن الذى يرد التهمه أمام المحكمه هو طرف من أطراف التحاكم .

... وقد أستدل من أجاز إجابه دعوه المحكمه والذهاب لها بناءا على الدعوه الموجهه إليه من قبلها بحجه الدفاع عن النفس بشبهات ونحن نرد - بأذن الله - عليها ونوضح واقعها الذى غفل عنه مخالفونا


====================================
شبهات وردود
=======

الشبهه الأولى

من قصه نبى الله يوسف (عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام) و دفاعه عن نفسه كما جاء فى سورة يوسف ( وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (25) قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (26) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (29) ) ..فقالوا هذا نبى الله يوسقالَ ف عليه السلام قد دافع عن نفسه فى محكمة (بزعمهم) وان يوسف عليه السلام كان خصم امرأة العزيز و كان العزيز زوج المرأة هو الحاكم بينهم؟؟!!

فياليت شعرى اين هى المحكمة المزعومة و من سلفهم فى هذا القول؟؟؟!!!!

*و نأتى الان ببيان حقيقة ماوقع فى قصة يوسف عليه السلام فالمتدبر للايات و لتفسير السلف لها يرى ان هناك طرفان لا ثالث لهما ,هما يوسف عبيه السلام و العزيز ,ويوسف عليه السلام رد التهمة فى وجه خصومه وليس فى محكمة كما يزعمون فالذى يخاصم عن المرأة زوجها و اهلها ولا يكونون حكاما بينها و بين خصومها ,كما ان الاساءة الى المرأة هى اسأءة الى زوجها واهلها

كما ورد عن رسول الله صل الله عليه وسلم حين قال فى حادثة الإفك : (ايها الناس مابال رجال يؤذوننى فى اهلى و يقولون عليهم غير الحق ) البداية والنهاية ج4

و هذا مابينه ايضا صاحب تفسير زاد المسير فى علم التفسير حيث نقل عن وهب بن منبه قوله : (قال له العزي حين اذ اخنتنى يا يوسف فى اهلى و غدرت بى و غررتنى بما كنت ارى من صلاحك ) فقال حين اذ هى راودتنى عن نفسى .)زاد المسير ج 4 ص 210
و هذا واضح بين فى قولها كما حكى عنها القران (ماجزاء من اراد بأهلك سوءا )انظر الى قولها باهلك و لم تقل اراد بى سوءا

فلما تبين للعزيز صدق يوسف عليه السلام من رأى مستشاره بدأ يعامله باللين حتى يكتم هذا الامر كما جاء فى تفسير ابى السعودرحمه الله قال :(يوسف) حذف منه حرف النداء لقربه و كمال تفطنه بالحديث و فيه تقرير به و تلطيف لمحله (اعرض عن هذا ) اى عن هذا الامر و عن التحدث به و اكتمه فقد ظهر صدقك و نزاهتك ,(واستغفرى)انت يا هذه (لذنبك) الذى صدر عنك و ثبت عليك (انك كنت ) بسبب ذلك (من الخاطئين ) من جملة القوم المعتمدين للذنب او من جنسهم يقال خطئ اذا أذنب عمدا وهو تعليل للأمر بالاستغفار والتذكير لتغليب الذكور و كان العزيز رجلا حليما فاكتفى بهذا القدر من مؤاخذتها و قيل كان قليل الغيرة .)تفسير ابى السعود 4<269

فقوله عن العزيز انه كان قليل الغيرة اشارة الى انه صاحب الشأن وهو الطرف الرئيسى فالقضية و لكنه لما كان قليل الغيرة انتهت الخصومة بينه و بين يوسف عليه السلام بطلب الكتمان منه دون التعرض لاهله بالعقوبه التى تستحقها كل خائنة لزوجها و اقل ذلك الطلاق ...

فهل ترى بالله عليك من هذا السياق و الحوار الدائر بينهم جميعا ,محاكمة و قاض و رد نزاع و حكم (ومحكمة)!!!؟؟؟؟.

فالاعتداء الذى يقع على الزوجة هو اعتداء على زوجها لانه المسئول عنها و سيدها ..و هذا معروف لكل احد فتبين ان هاهنا طرفان :

1)عائله (العزيز و امرأته)

2)و يوسف عليه السلام

او قل يوسف عليه السلام و العزيز .

و يزيد هذا وضوحا ماورد فى القران عن سجن يوسف عليه السلام لم يسجن بحكم من قاضى ,وانه رأى ظهر لهم ليستروا امرهم .

قال ابن كثير رحمه الله :(بذكر تعالى عن العزيز و امراته انهم بدا لهم اى ظهر لهم من الراى بعد ماعلموا برأة يوسف ان يسجنوه الى وقت ..)البداية والنهاية

اذن فالعزيز خصم اراد بزوجته (بمكرها )ان ينتصر لها من يوسف عليه السلام و يعاقبه على عصيانه لها فحرضته على ذلك و زعمت انه اراد بزوجته سوءا و كما تطلب الزوجة من زوجها ان يعاقب احد ابناءها لعقوقه او عصيانه عليها و هذا يحدث غالبا فى كل البيوت

و قد ذكر الامام ابن كثير رحمه الله فى البدابة و النهاية مايشير الى ذلك:(وتسابق الباب )اى هربا منها طالبا الى الباب ليخرج منه فرارا منها فاتبعته فى اثره (والفيا ) اى وجد سيدها اى زوجها لدى الباب فبادرته بالكلام و حرضته عليه قالت :(ماجزاء من اراد باهلك سوءا الا ان يسجن او عذاب اليم ) اه

هذا و قد طلبت امرأة العزيز العقوبة و لم تطلب الحكم من العزيز حين قالت (ماجزاء من اراد باهلك سوءا) .. جاء فى لسان العرب (والجزاء يكون ثوابا وعقابا ).

فهناك فرق بين طلب الحكم و طلب العقاب ,فقد يعاقب غير الحاكم والقاضى ..كما قد يعاقب الاب ابنائه بطلب من الام لكن طلب الحكم محصور فض النزاع بحكم ملزم قد يندرج تحته امر او نهى او عقوبة او ثواب والله اعلم

الخلاصة

انه لم توجد محكمة ولا تحاكم اصلا فى قصة كيد امرأة العزيز ز استنصارها بزوجها على يوسف عليه السلام و انما الذى حدث تحريض و استنصار و استغاثة ..و قد نجى الله تعالى نبيه عليه السلام (كذلك لنصرف عنه السوء و الفحشاء انه من عبادنا المخلصين ..)الايه



شبهات وردود ... قول الله تعالى ( اذكرني عند ربك )
=======

قال الطبري رحمه الله فيها (يقول تعالـى ذكره: قال يوسف للذي علـم أنه ناج من صاحبـيه اللذين استعبراه الرؤيا { اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبِّكَ } يقول: اذكرنـي عند سيدك، وأخبره بـمظلـمتـي وأنـي مـحبوس بغير جرم) . أهـ

وقال القرطبي:أي اذكر ما رأيته، وما أنا عليه من عبارة الرؤيا للملك، وأخبره أني مظلوم محبوس بلا ذنب

وفي فتح القدير:{ وَقَالَ للذي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مّنْهُمَا } يذكره عند سيده ليكون ذلك سبباً لانتباهه على ما أوقعه من الظلم البين عليه بسجنه بعد أن رأى من الآيات ما يدل على براءته .

وعند البغوي"يعني: سيدك الملك، وقل له: إن في السجن غلاما محبوسا ظلما طال حبسه"

وقال السعدي"أي: اذكر له شأني وقصتي، لعله يرقُّ لي، فيخرجني مما أنا فيه،"فلم يرد في أي من التفاسير انه قول يوسف عليه السلام ( اذكرني عند ربك ) إرادة للتحاكم أو إعادة جلسة الحكم

***** أولا : شبهة القوم في هذه الآية ( اذكرني عند ربك ) :

يرى بعضهم أن هذا القول الصادر من يوسف عليه السلام بمثابة طلب استئناف الحكم من الملك في القضية التي حوكم فيها من قبل ظلماً ، بينما يرى آخرون أن هذا أشبه ما يكون بإرسال دعوى على يد محامٍ لرفع قضية عند الطاغوت .

ثانيا : تفسير الآية ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ :
"قَالَ تَعَالَى : { فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ } قِيلَ أُنْسِيَ يُوسُفُ ذِكْرَ رَبِّهِ لَمَّا قَالَ : { اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } . وَقِيلَ : بَلْ الشَّيْطَانُ أَنْسَى الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا ذِكْرَ رَبِّهِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فَإِنَّهُ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ : { اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } قَالَ تَعَالَى : { فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ } وَالضَّمِيرُ يَعُودُ إلَى الْقَرِيبِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّ يُوسُفَ لَمْ يَنْسَ ذِكْرَ رَبِّهِ ؛ بَلْ كَانَ ذَاكِرًا لِرَبِّهِ . وَقَدْ دَعَاهُمَا قَبْلَ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا إلَى الْإِيمَانِ بِرَبِّهِ وَقَالَ لَهُمَا : { يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } { مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إنِ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } . وَقَالَ لَهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ { لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ } أَيْ فِي الرُّؤْيَا { إلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا } يَعْنِي التَّأْوِيلَ { ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } { وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ } فَبِذَا يَذْكُرُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا عَلَّمَهُ رَبُّهُ ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ مِلَّةَ قَوْمٍ مُشْرِكِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَإِنْ كَانُوا مُقِرِّينَ بِالصَّانِعِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ آبَائِهِ أَئِمَّةَ الْمُؤْمِنِينَ - الَّذِينَ جَعَلَهُمْ اللَّهُ أَئِمَّةً يَدْعُونَ بِأَمْرِهِ - إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ؛ فَذَكَرَ رَبَّهُ ثُمَّ دَعَاهُمَا إلَى الْإِيمَانِ بِرَبِّهِ . ثُمَّ بَعْدَ هَذَا عَبَرَ الرُّؤْيَا فَقَالَ : { يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا } الْآيَةُ ثُمَّ لَمَّا قَضَى تَأْوِيلَ الرُّؤْيَا : { وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } فَكَيْفَ يَكُونُ قَدْ أَنْسَى الشَّيْطَانُ يُوسُفَ ذِكْرَ رَبِّهِ ؟ وَإِنَّمَا أَنْسَى الشَّيْطَانُ النَّاجِيَ ذِكْرَ رَبِّهِ أَيْ الذِّكْرَ الْمُضَافَ إلَى رَبِّهِ وَالْمَنْسُوبَ إلَيْهِ وَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ عِنْدَهُ يُوسُفَ . وَاَلَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ الْقَوْلَ قَالُوا : كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَلَا يَقُولَ اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّك . فَلَمَّا نَسِيَ أَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَى رَبِّهِ جُوزِيَ بِلُبْثِهِ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ . فَيُقَالُ : لَيْسَ فِي قَوْلِهِ : { اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } مَا يُنَاقِضُ التَّوَكُّلَ ؛ بَلْ قَدْ قَالَ يُوسُفُ : { إنِ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ } كَمَا أَنَّ قَوْلَ أَبِيهِ : { لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ } لَمْ يُنَاقِضْ تَوَكُّلَهُ ؛ بَلْ قَالَ : { وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إنِ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ } . و "أَيْضًا "فَيُوسُفُ قَدْ شَهِدَ اللَّهُ لَهُ أَنَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الْمُخْلِصِينَ وَالْمُخْلِصُ لَا يَكُونُ مُخْلِصًا مَعَ تَوَكُّلِهِ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ شِرْكٌ وَيُوسُفُ لَمْ يَكُنْ مُشْرِكًا لَا فِي عِبَادَتِهِ وَلَا تَوَكُّلِهِ بَلْ قَدْ تَوَكَّلَ عَلَى رَبِّهِ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ : { وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ } فَكَيْفَ لَا يَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ فِي أَفْعَالِ عِبَادِهِ







شبهات وردود ... قول الله تعالى ( اذكرني عند ربك ) ...( 2 ) تكمله تفسير ابن تيميه
=======
وَقَوْلُهُ : { اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } مِثْلُ قَوْلِهِ لِرَبِّهِ : { اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إنِّي حَفِيظٌ

عَلِيمٌ } فَلَمَّا سَأَلَ الْوِلَايَةَ لِلْمَصْلَحَةِ الدِّينِيَّةِ لَمْ يَكُنْ هَذَا مُنَاقِضًا لِلتَّوَكُّلِ وَلَا هُوَ مِنْ سُؤَالِ

الْإِمَارَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَكَيْفَ يَكُونُ قَوْلُهُ لِلْفَتَى : { اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } مُنَاقِضًا لِلتَّوَكُّلِ وَلَيْسَ

فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ إخْبَارِ الْمَلِكِ بِهِ ؛ لِيَعْلَمَ حَالَهُ لِيَتَبَيَّنَ الْحَقُّ وَيُوسُفُ كَانَ مَنْ أَثْبَتِ النَّاسِ .

وَلِهَذَا بَعْدَ أَنْ طُلِبَ { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ } قَالَ { ارْجِعْ إلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ

اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ } فَيُوسُفُ يَذْكُرُ رَبَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ كَمَا

ذَكَرَهُ فِي تِلْكَ . وَيَقُولُ : { ارْجِعْ إلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ } فَلَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِ لَهُ :

{ اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } تَرْكٌ لِوَاجِبِ وَلَا فِعْلٌ لِمُحَرَّمِ حَتَّى يُعَاقِبَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ بِلُبْثِهِ فِي

السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ وَكَانَ الْقَوْمُ قَدْ عَزَمُوا عَلَى حَبْسِهِ إلَى حِينِ قَبِلَ هَذَا ظُلْمًا لَهُ مَعَ

عِلْمِهِمْ بِبَرَاءَتِهِ مِنْ الذَّنْبِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ

حَتَّى حِينٍ } وَلُبْثُهُ فِي السَّجْنِ كَانَ كَرَامَةً مِنْ اللَّهِ فِي حَقِّهِ ؛ لِيَتِمَّ بِذَلِكَ صَبْرُهُ وَتَقْوَاهُ

فَإِنَّهُ بِالصَّبْرِ وَالتَّقْوَى نَالَ مَا نَالَ ؛ وَلِهَذَا قَالَ : { أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إنَّهُ

مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } وَلَوْ لَمْ يَصْبِرْ وَيَتَّقِ بَلْ أَطَاعَهُمْ فِيمَا

طَلَبُوا مِنْهُ جَزَعًا مِنْ السَّجْنِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ هَذَا الصَّبْرُ وَالتَّقْوَى وَفَاتَهُ الْأَفْضَلُ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ

.. إلى أن قال .. و "الْمَقْصُودُ "أَنَّ يُوسُفَ لَمْ يَفْعَلْ ذَنْبًا ذَكَرَهُ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا

يَذْكُرُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ذَنْبًا إلَّا ذَكَرَ اسْتِغْفَارَهُ مِنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْ يُوسُفَ اسْتِغْفَارًا مِنْ

هَذِهِ الْكَلِمَةِ . كَمَا لَمْ يَذْكُرْ عَنْهُ اسْتِغْفَارًا مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْفَاحِشَةِ ؛ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَنْبًا

فِي هَذَا وَلَا هَذَا ؛ بَلْ هَمَّ هَمًّا تَرَكَهُ لِلَّهِ ؛ فَأُثِيبَ عَلَيْهِ حَسَنَةً .. وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الَّذِي نَسِيَ

رَبَّهُ هُوَ الْفَتَى لَا يُوسُفُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ : { وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ

بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ } وَقَوْلُهُ : { وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَدْ نَسِيَ فَادَّكَر "اهـ .







شبهات وردود ... قول الله تعالى ( اذكرني عند ربك ) ...( 3 ) بالنسبة للرد على هذه الشبهة :
=============

أن نقول كما قال يوسف عليه السلام ( الله المستعان على ماتصفون )

.. فيوسف عليه السلام لم يطلب استئناف الحكم من الحاكم ، وكذلك لم يرسل دعوة مع محامى إلى محكمة الطاغوت ؛ لأن كلا الأمرين يعد تحاكما للطاغوت .

.. ولكن كل ما فعله عليه السلام أنه ( استعان بمكانة الساقي ومنزلته التي سيكون عليها في القصر الملكي فيما بعد ، وذلك استناداً إلى الرؤيا التي فسرها له بعلم أعلمه الله إياه ؛ لكي يشفع له ذلك الساقي عند الملك فيخرج من السجن ويُبَلِّغ دعوة التوحيد ) .
.. فلم يطلب استئناف الحكم ؛

..لأنه عليه السلام لم يُسجن نتيجة محاكمة ، ولكن بأمر من العزيز حتى لا يفتضح أمره.

..قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : "ثم ظهر لهم من المصلحة فيما رأوه أنهم يسجنونه إلى حين ، أي إلى مدة ، وذلك بعد ما عرفوا براءته وظهرت الآيات ، وهي الأدلة على صدقه في عفته ونزاهته ، وكأنهم ـ والله أعلم ـ إنما سجنوه لما شاع الحديث إيهاماً أنه راودها عن نفسها وأنهم سجنوه على ذلك. ولهذا لما طلبه الملك الكبير في آخر المدة امتنع من الخروج حتى تتبين براءته مما نسب إليه من الخيانة. فلما تقرر ذلك ، خرج وهو نقي العرض صلوات الله عليه وسلامه.

..وذكر السدي أنهم إنما سجنوه لئلا يشيع ما كان منها في حقه ، ويبرأ عرضه فيفضحه أهـ
..وهذا ليس يشبه ما يسمى في عصرنا بتوكيل محامى ؛ لرفع دعوه عند الطاغوت . لأن هذا لو كان جائزاً لما تركه يوسف من بداية الأمر عندما زُجَّ به في السجن ظلما و تأولناه بأنه عليه السلام أراد أن يعلم الملك معجزته وهى تعبيره للرؤيا ، والتي بموجبها يستطيع أن يُبرهِن على نبوته ، ثم يخبر الملك أنه محبوس ظلماً حتى يُبرهِن على عفته ونزاهته ، إذ أن العادة قد جرت بأنه لا يدخل السجن إلا الآثمين ،

..وقد ذكر ابن كثير أنه عليه السلام قد دعا ملك مصر ـ الريان بن الوليد ـ إلى التوحيد فأسلم . وأستمع لكلام المفسرين يشرح و يوضح صحة تأولنا.

..يقول القرطبي في تفسير الآية :
أي اذكر ما رأيته، وما أنا عليه من عبارة الرؤيا للملك، وأخبره أني مظلوم محبوس بلا ذنب .ا هـ
..يقول صاحب تفسير البحر المحيط في هذه الآية :
فالمعنى أن يوسف عليه السلام قال لساقي الملك حين علم أنه سيعود إلى حالته الأولى مع الملك : اذكرني عند الملك أي : بعلمي ومكانتي وما أنا عليه مما آتاني الله ، أو اذكرني بمظلمتي وما امتحنت به بغير حق . وهذا من يوسف على سبيل الاستعانــة والتعاون في تفريج كربه ، وجعله بإذن الله وتقديره سبباً للخلاص كما جاء عن عيسى عليه السلام : { من أنصاري إلى الله } وكما كان الرسول يطلب من يحرسه . والذي أختاره أن يوسف إنما قال لساقي الملك : اذكرني عند ربك ليتوصل إلى هدايته وإيمانه بالله ، كما توصل إلى إيضاح الحق للساقي ورفيقه .ا هـ










قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (أن من دعا إلى تحكيم غير الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقد دعا إلى تحكيم الطاغوت)
____________
تيسير العزيز الحميد 418







شبهات وردود .. (((((((((>>>>>..... الاستئناف .....<<<<<)))))))))

وقد رأينا أن نورد تلك المسألة في هذا المكان خاصا لإتمام الرد عليها ملحقة بشبهة قول يوسف أذكرني عند ربك فقد عرف عن (( أهل الزيغ والكفران )) أنهم يستدلون بذلك على جواز استئناف الحكم الصادر من الطاغوت وطلب إعادة الحكم والنظر فيه أو ما يسمي فى بعض البلدان بالتمييز أو غيره من المسميات

فالعجب لهؤلاء كيف أضلهم الشيطان فما كان منه الا أن دعاهم فأستجابوا له وما كان له عليهم من سلطان فى ذلك , فكما رددنا على تلك الشبهة وبينا لكم حقيقة استدلالهم نقول ,
إن عملية طلب إعادة الحكم أو استئناف الحكم هى * أشد كفرا من كفر التحاكم الأول

لأن ما يسمى الاستئناف ما هو إلا رجاءاً من الطاغوت ورغبة فى عدل حكمه فبعد أن

قضى بخمس سنوات سجن على سبيل المثال فيطلب إعادة المحاكمة في ذلك

الحكم الجائر وأن يعاد النظر في القضية من عدة وجوه وإستدلالاً ببعض القوانين والمواد

التي تخدم المتهم في قضيته وتفيد بأنه فقط يستحق ثلاث سنوات , فهذا الاستحقاق

وهذه العدالة المرجوة وهذا الحكم الصادر صدر بناءا على طلب المتهم الاستدراك على

الحكم الأول فهذا وإن كان بطبيعته يعطى الشرعية للحكم الأول وذلك بطلب التخفيف

فيه أو النظر فيه أو إعادة تقريره , فهو طلبا لإعادة التمحص والبحث والتدقيق في قوانين

الطاغوت وشرعه وأن تهمته هذه لا تقتضي هذا الحكم إنما تقتضى غيره فأنى للطاغوت

من مقر بشرعه مثل هذا , فالكفر بالطاغوت يكون جملة وتفصيلا وهم امنوا بالطاغوت

جملة وتفصيلا فكما عرفنا أن التحاكم إلى الطاغوت كفر فإعادة التحاكم إلى الطاغوت

كفر فوق كفر وعدم رضا بالحكم الأول ليس لأنه حكما بغير ما أنزل الله إنما لأنهم يرونه

غير عادل فى حقهم ويطلبون غيره الذى يكون مؤكدا من شرع الطاغوت وحكمه وإنا لله و

إنا إليه راجعون .







شبهات وردود .. .. قول الله تعالى ( ارجع إلى ربك فسأله ما بال النسوة ).. ( أ )

يقول القرطبي رحمه الله فأبى أن يخرج إلا أن تصح براءته عند المالك مما قُذف بهِ ، وأنه حُبس بلا جرم .. قال ابن عطية : كان هذا الفعل أناءة وصبراً وطلباً لبراءة الساحة ، وذلك أنه - فيما يروى - خشي أن يخرج ويَنال من الملك مرتبة ويسكت عن أمر ذنبهِ صفحاً فيراه الناس بتلك العين ، ويقولون هذا الذي راود إمراءة مولاه ، فأراد يوسف أن يثبت براءته ويحقق منـزلته من العفة والخير.. فلهذا قال للرسول : ارجع إلى ربكَ وقُل له ما بال النسوة ، ومقصد يوسف إنما كان : وقل له يستقصي عن ذنـبي وينظر في أمري هل سُجنت بحق أو بظلم ] أهـ.

* يقول ابن تيمية رحمه الله وقول يوسف عليه السلام في الآية : "أذكرني عند ربك "، مثل قولهِ لربهِ : "اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم "فلما سأل الولاية للمصلحة الدينية ، لم يكُن هذا مُناقضاً للتوكل ، ولا هو من سؤال الإمارة المنهي عنهُ ، فكيف يكون قوله للفتى : "اذكرني عند ربك "مناقضاً للتوكل وليس فيهِ إلا مجرد إخبار الملك بهِ ليعلم حالهُ ليثبت الحق ، ويوسف كان من أثبت الناس ولهذا بعد أن طلبهُ الملك : "وقال الملك ائتوني به"، قال : "ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة "، فيوسف يذكر ربهُ في هذه الحال ،كما ذكرهُ في تلك الحال "أهـ .

ويقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره للآية السابقة فلما جاءهُ الرسول بذلك أمتنع من الخروج حتى يتحقق الملك ورعيتهِ براءة ساحتهِ ونزاهة عرضهِ مما نُسيب إليه من جهة امرأة العزيز ، وأن هذا السجن لم يكن على أمر يقتضيه بل كان ظُلماً وعدوناً ] أهـ .

وقال في موضع آخر : [ ولهذا لما طلبهُ الملك الكبير في أخر المدة امتنع من الخروج حتى تتبين براءته مما نُسب إليه من الخيانة ، فلما تقرر ذلك خرج وهو نقي العرض صلوات الله وسلامهِ عليهِ "أهـ .

* ويقول ابن العربي رحمه الله :[المسألة السادسة : قال علماؤنا إنما لم يُرد يوسف الخروج من السجن حتى تظهر براءته ، لئلا ينظر إليه الملك بعين الخائن فيسقط في عينه ِ ، ولم يتبين أن سجنهُ كان جوراً محضاً وظلماً صريحاً .. وقد طلب قبل ذلك من الذي ظن أنهُ ناج أن يذكرهُ عند سيدهِ ليعلم براءتهُ ويتبين حالهُ ] أهـ



شبهات وردود .. .. تابع.. قول الله تعالى ( ارجع إلى ربك فسأله ما بال النسوة ) . ( ب )

إن واقعة يوسف التي حدثت عند خروجه من السجن عندما قال ارجع إلى ربك فسأله ما

بال النسوة التي قطعن أيديهن ) لم يكن طلبا للحكم له بالبراءة إنما كان طلبا للتبرئة

وإظهار براءته والفرق واضح

وسنبينه بدقه فتنبه فان قضية يوسف كانت قضية ثبوت

ابتداءاً وليس قضية حكم فانتهت قضيته عند مرحلة ثبوت الأدلة وتم إيداعه في السجن

مع علم العزيز ببراءته فإنما كان سجنه من باب ظلم ذوى السلطان وقدرتهم على إنفاذ

ما يريدون فقضية يوسف لم تحال أصلاً إلى الحكم فيها وأراد يوسف دفع تلك التهمه

المشينة عنه وتبرئة نفسه عند سؤال العزيز له وإنما كان سؤال العزيز من باب ثبوت

التهمه عليه من عدمها وليس من باب الحكم والقضاء في الواقعة وكما بينا أن العزيز كان

في هذه الحالة خصما لأن طرف النزاع هي زوجته وقضية النزاع في عرضها وهى تابعة

لزوجها فيه وعندما أودع يوسف السجن ظلما ثم أراده العزيز في وقتها للخروج فانتوى

يوسف إن يظهر ظلم خصومه وافتراءهم عليه وتنزيه نفسه مما نسب إليه فطلب التبين

مما حصل عند واقعة سجنه والتبين من النسوة عن ذلك الأمر فتظهر براءته مما نسب

إليه إمام العزيز وإمام الناس ولم يطلب منه حكما في ذلك إنما أراد مرحلة الثبوت أن تتم

أي ثبوت الأدلة فعندها تظهر تبرئته ومؤكد انه لم يرد حكم البراءة من العزيز لأنه قد أمر

ابتداءا بخروجه إنما ما أراده هو التبرئة والتنزيه , كمثل رجل اتهم في سرقه وتم التحقيق

في واقعة تهمته ثم ثبت عند القاضي انه لم يسرق فقال القاضي انه لم يسرق فهذا

ليس حكما عند القاضي إنما حكمه يكون بإصدار حكم البراءة وقوله انه لم يسرق إنما هو

من باب ما ثبت عنده من أدلة فمثله لو سرق وقال القاضي هو سارق فهذا ثبوت للتهمة

وحكمه عليه يكون بإصدار الحكم بقطع اليد , فكذلك عندما تبين العزيز من النسوة

واعترفت امرأة العزيز بما كان فقرر العزيز استخلاصه لنفسه عندما بدت نزاهته و بعده

عن ما نسب إليه ومعلوم انه لم يحكم بعقاب امرأة العزيز أو ببراءة يوسف فتنبه هدانا الله

وإياك للحق

====================================
شبهات وردود ..قول الله تعالى ( خذ أحدنا مكانه ) .. ( أ )

قال تعالى حاكيا عن أخوة يوسف عليه السلام : قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79) .

**فيستدل البعض بهذه الآيات على أن الأسباط طلبوا من عزيز مصر ـ أخاهم يوسف قبل أن يعرفوه ـ تبديل الحكم الذي صدر بشان أخاهم بنيامين ، وهذا يدخل في باب التحاكم المنهي عنه شرعا ، بدليل أن أخاهم الصديق قال لهم ( معاذ الله ........ إن إذا لظالمون ) أي لو أجبتكم إلى مرادكم .

**فنقول : الله المستعان على ما تصفون ، اللهم إنا نبرأ إليك من هذا الإفتراء ، والتجرؤ على مقام الأنبياء ، حفدة إمام الحنفاء إبراهيم عليه السلام .

**والرد على ما سبق من وجوه هي كالتالي :

أولا : أن نحدد المقصود من قولة أخوة يوسف ( فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ) من الوجهة الشرعية ، وفقا لسياق الآيات ووفقا لفهم أهل العلم ، ومن ثم نحدد مرادهم ، وهل هو داخل في
معنى التحاكم ، أم خارجاً عن معناه ..

**فنقول سبق وأن أوضحنا معنى التحاكم ، وفرقنا بينه وبين الحكم والقضاء ، ، فذكرنا

؛ أنَّ التحاكم هو (( طلب حكم جهة معينة ؛ لفض خصومة أو مظلمة .... وفيها يظهر دور المتحاكمين )) .

وأنَّ الحُكم هو (( الفصل في هذا النزاع "المظلمة "على سبيل الإلزام .... وفيها يظهر دور الحاكم أو القاضي )) .

وأنَّ القضاء هو (( السعي في تنفيذ هذا الحكم المُلزم به .... وفيها يظهر دور القاضي ومعاونوه )) .

إذا فهمت هذا فاعلم أن قول أخوة يوسف (فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ) ، ثم تعقيب أخيهم الصديق عليه مباشرة (مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ ) ..

__ قد خرج عن مرحلتي التحاكم والحكم ، وجاء قبل مرحلة القضاء والتنفيذ ، واسمع لكلام الله ووصفه الأمر وتصويره ، وهو ما يُفهم من خلال تسلسل أحداث القصة والقضية .
قال تبارك وتعالى : فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77) قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79).

__فأخوة يوسف طلبوا تحكيم شريعة الله التي عرفوها عن أبيهم عليه السلام ، وحكموا بها على أنفسهم ورضوا بنتيجة حكمها عندما أقروا على أخيهم بالسرقة ، بل أوضحوا لعزيز مصر ـ الذي لم يعرفوا أنه أخاهم بعد ـ بأن فعلة بنيامين هذه ليست بغريبة عليه ؛ فشقيقه لأبويه ـ يعنون يوسف ـ كان مثله سارق .

__أي أنهم بعد انتهاء عمليتي التحاكم والحكم وصدور الحكم والإقرار به ... جاءت شفاعتهم في أخيهم على سبيل ( الحمالة ) أي أنهم أرادوا أن يتحملوا عنه جُرمَهُ الذي اقترفه ، فغضب يوسف الصديق لذلك وقال (مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ )

.. وليس هذا بمستغرب على الكريم بن الكريم بن الكريم ، وقد فعلها من بعده خاتم النبيين وإمام المرسلين يوم تَمعَّر وجهُه من الغضب وقال لِحبِه ـ أسامه بن زيد رضي الله عنه ـ ثكلتك أُمُك يا أسامة ، أتشفع في حد من حدود الله ، وأيمُ الله لو أن فاطمةَ بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها ، وكان هذا كله عقب صدور الحكم في المرأة المخزومية وقبل القضاء والتنفيذ .
===================================
شبهات وردود ..قول الله تعالى ( خذ أحدنا مكانه ) .. ( ب )

وبالنسبة للآيات السابقة فلنرجع إلى تفسير القرطبي إذ يقول :
قوله تعالى : { قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه} خاطبوه باسم العزيز إذ كان في تلك اللحظة بعزل الأول أو موته وقولهم : ( إن له أبا شيخا كبيرا ) أي كبير القدر ولم يريدوا كبر السن لأن ذلك معروف من حال الشيخ ( فخذ أحدنا مكانه ) أي عبدا بدله وقد قيل : إن هذا مجاز لأنهم يعلمون أنه لا يصح أخذ حر يسترق بدل من قد أحكمت السنة عندهم رقه وإنما هذا كما تقول لمن تكره فعله : اقتلني ولا تفعل كذا وكذا وأنت لا تريد أن يقتلك ولكنك مبالغ في استنزاله ويحتمل أن يكون قولهم : ( فخذ أحدنا مكانه ) حقيقة وبعيد عليهم وهم أنبياء أن يروا استرقاق حر فلم يبق إلا أن يريدوا بذلك طريق الحمالة أي خذ أحدنا مكانه حتى ينصرف إليك صاحبك ومقصدهم بذلك أن يصل بنيامين إلى أبيه ويعرف يعقوب جلية الأمر فمنع يوسف عليه السلام من ذلك إذ الحمالة في الحدود ونحوها - بمعنى إحضار المضمون فقط - جائزة مع التراضي غير لازمة إذا أبى الطالب وأما الحمالة في مثل هذا على أن يلزم الجميل ما كان يلزم المضمون من عقوبة فلا يجوز إجماعا وفي ( الواضحة ) : إن الحمالة في الوجه فقط في جميع الحدود جائزة إلا في النفس وجمهور الفقهاء على جواز الكفالة في النفس واختلف فيها عن الشافعي فمرة ضعفها ومرة أجازها
قوله تعالى : { إنا نراك من المحسنين } يحتمل أن يريدوا وصفه بما رأوا من إحسانه في جميع أفعاله معهم ويحتمل أن يريدوا : إنا نرى لك إحسانا علينا في هذه اليد إن أسديتها إلينا وهذا تأويل ابن إسحق
قوله تعالى : { قال معاذ الله } مصدر { أن نأخذ } في موضع نصب أي من أن نأخذ { إلا من وجدنا } في موضع نصب بـ ( نأخذ ) { متاعنا عنده } أي معاذ الله أن نأخذ البريء بالمجرم ونخالف ما تعاقدنا عليه { إنا إذا لظالمون } أي أن نأخذ غيره .أهـ
وجاء في تفسير البحر المحيط لأبى حيان ما نصه :
ومعنى مكانه أي : بدله على جهة الاسترهان أو الاستعباد ، قاله الزمخشري . وقال ابن عطية : يحتمل قولهم أن يكون مجازاً ، وهم يعلمون أنه لا يصح أخذ حرّ بسارق بدل من قد أحكمت السنة رقه ، وإنما هذا كمن يقول لمن يكره فعله : اقتلني ولا تفعل كذا وكذا ، وأنت لا تريد أن يقتلك ولكنك تبالغ في استنزاله ، وعلى هذا يتجه قول يوسف : معاذ الله لأنه تعوذ من غير جائز . ويحتمل أن يكون قولهم حقيقة ، وبعيد عليهم وهم أنبياء أن يريدوا استرقاق حر ، فلم يبق إلا أن يريدوا بذلك طريق الحمالة ، أي : خذ أحدنا حتى ينصرف إليك صاحبك . ومقصدهم بذلك أن يصل بنيامين إلى أبيه ويعرف يعقوب جلية الأمر . وقوله : من المحسنين ، وصفوه بما شاهدوه من إحسانه لهم ولغيرهم ، أو من المحسنين إلينا في هذه اليد إنْ أسديتها إلينا ، وهذا تأويل ابن إسحاق ومعاذ الله تقدم الكلام فيه في قوله : معاذ الله إنه ربي ، والمعنى : وجب على قضية فتواكم أخذ من وجد الصواع في رحله واستعباده . فلو أخذنا غيره كان ذلك ظلماً في مذهبكم ، فلم تطلبون ما عرفتم أنه ظلم ، وباطنه أن الله أمرني وأوحى إلي بأخذ بنيامين واحتباسه لمصلحة ، أو مصالح جمة علمها في ذلك . فلو أخذت غير من أمرني بأخذه كنت ظالماً وعاملاً على خلاف الوحي . وأن نأخذ تقديره : من أن نأخذ ، وإذن جواب وجزاء أي : إن أخذنا بدله ظلمنا . وروي أنه قال لما أيأسهم من حمله معهم : إذا أتيتم أباكم فاقرؤوا عليه السلام وقولوا له : إن ملك مصر يدعو لك أن لا تموت حتى ترى ولدك يوسف ، ليعلم أنّ في أرض مصر صديقين مثله .أهـ


====================================
شبهات وردود ..قول الله تعالى ( خذ أحدنا مكانه ) .. ( ج )

وبالنظر إلى واقعة يوسف عليه السلام نُلاحظ والحمد لله وجود الاختلاف بين هذه

الحالة طلب البراءة ودفع الظلم كما فعل يوسف عليه السلام ، وبين طلب البراءة ودفع

الظلم أمام المحاكم الكفرية .. فلا تعارض في الحقيقة

فبمجرد الرجوع إلى محاكم الطاغوت لفصل الخصومات وإنزال الأحكام هو في

حقيقتهِ قبول وإذعان واعتراف بشرعية هذه المحاكم .

بل المسلم على العكس مُطالب ابتداء بالبراءة من هذه المحاكم ودساتيرها ،

واجتنابها ،كما قال تعالى :﴿ أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾.

وهذا هو حكم الله سُبحانه فيها ، فالمسلم حينما تحدث لهُ قضية وتصل للمحاكم

الكفرية فهو أمام أمرين : حكم الله سُبحانه أو حكم الجاهلية وحُكم الله سبحانه : أن

يرفض مُطلقاً الذهاب والاعتراف بهذه المحاكم ، وقبول الأحكام منها ، وأن خسر ما خسر

، فلا مساومة بين الكفر ومتاع الحياة الدنيا .قال الله تعالى:﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ

وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ

تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ

وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾.


شبهات وردود .. شبهة موسى عليه السلام ..قول الله تعالى ..( قال قتلته اذا )

أما الاستدلال بجدال فرعون لموسى عليه السلام فيقال ومن قال بذلك قبلكم ؟؟

وما هو النص الصحيح والقول الصريح الذي يثبت ذلك ,

إن سؤال فرعون لموسى عليه السلام لم يكن من قبيل التحاكم ولادلّ على ذلك دليل

وإنما كان من قبيل الطعن في عدالة نبي الله كما يطعن خلفه اليوم في الموحدين لكي لايُقبل منهم الحق.

ثم لو كان هذا تحاكما فلم يعلم أن فرعون قضى بسجن موسى بعد ثبوت قتل موسى للرجل فأين الذي حكم به فرعون ؟؟

فسؤال فرعون لموسى عليه السلام كان عقب إبلاغ موسى له بأنه رسول من رب

العالمين فأراد فرعون أن يُقال كيف لقاتل نفس وجاحد نعمة أن يدّعى الصلاح .


شبهات وردود ..شبهة حلف الفضول

بالنسبة لحلف الفضول : يتحدث عن التظلم لا التحاكم ، شواهد ذلك ؛

**ـ ما ذكره الإمام البيهقي رحمه الله عندما قال : "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن أنكثه وأن لي به حمر النعم ولو أدعى به في الإسلام لأجبت - (قال القتيبى) فيما بلغني عنه وكان سبب الحلف أن قريشا كانت تتظالم بالحرم فقام عبد الله بن جدعان والزبير ابن عبد المطلب فدعوهم إلى التحالف على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم فأجابهما بنو هاشم وبعض القبائل من قريش "اهـ .

**ـ وقال أيضا : "قال أحمد : وكان سبب الحلف فيما زعم أهل التواريخ ، أن قريشا كانت تتظالم بالحرم ، فقام عبد الله بن جدعان ، والزبير بن عبد المطلب ، فدعوا إلى التحالف على التناصر ، والأخذ للمظلوم من الظالم ، فأجابهما بنو هاشم ، وبعض القبائل من قريش ". اهـ

**ـ وقال ابن كثير رحمه الله : "و كان حلف الفضول أكرم حلف سمع به و أشرفه في العرب و كان أول من تكلم به و دعا إليه الزبير بن عبد المطلب و كان سببه أن رجلا من زبيد قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل فحبس عنه حقه فاستعدى عليه الزبيدي الأحلاف عبد الدار و مخزوما و جمحا و سهما و عدي بن كعب فأبوا أن يعينوا على العاص بن وائل و زبروه ـ أي انتهروه ـ فلما رأى الزبيدي الشر أوفى على أبي قبيس عند طلوع الشمس و قريش في أنديتهم حول الكعبة فنادى بأعلى صوته :
( يا آل فهر لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائي الدار و النفر )
( و محرم أشعث لم يقض عمرته... يا للرجال و بين الحجر و الحجر )
( إن الحرام لمن تمت كرامته ... و لا حرام لثوب الفاجر الغدر )
فقام في ذلك الزبير بن عبد المطلب و قال : ما لهذا مترك .. فاجتمعت هاشم و زهرة و تيم بن مرة في دار عبد الله بن جدعان فصنع لهم طعاما و تحالفوا في ذي القعدة في شهر حرام فتعاقدوا و تعاهدوا بالله ليكونن يدا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدي إليه حقه ما بل بحر صوفة و مارسي ثبير و حراء مكانهما و على التآسي في المعاش ،
فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول و قالوا : لقد دخل هؤلاء في فضل من الأمر ثم مشوا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه "أهـ .

**ثم إنك إذا تأملت نص حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، عندما قال عن حلف الفضول : "وَلَوْ دُعِيت بِهِ الْيَوْم فِي الْإِسْلَام لَأَجَبْت "انظر فتح الباري لابن حجر،كتاب الحوالات ، ( بَاب قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ) ) .. لأفادك فائدتين هما :

**الفائدة الأولى : أنِّ ( لو ) حرف امتناع لامتناع. أي: تدل على امتناع الثاني لامتناع الأول ، كما يقول جمهور أهل اللغة ... أي أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعقد مثل هذا الحلف ، ولم يُدعى إلى عقده .

**الفائدة الثانية : أنَّ (دُعِيت) فعل ماضي مبنى للمجهول ، يدُل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لو دعي إلى هذا الحلف لأجاب ، فتكون إجابته صلى الله عليه وسلم بذلك تشريعاً ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم المُشرِّع عن ربه ، وهذا بنص التنزيل ، قال تعالى : "وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " .. ويؤكِد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم "الْيَوْم فِي الْإِسْلَام "، فهذه عبارة تفيد التخصيص ، أي أن تكون الدعوة إلى هذا الحلف أو لمثله اليوم في الإسلام ، أي في وقت وزمن وجود النبي صلى الله عليه وسلم .


شبهات وردود .. شبهة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه عند النجاشي . ( أ )

1740 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ابْنَةِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: لَمَّا نَزَلْنَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ، جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ، النَّجَاشِيَّ، أَمِنَّا عَلَى دِينِنَا، وَعَبَدْنَا اللهَ لَا نُؤْذَى، وَلا نَسْمَعُ شَيْئًا نَكْرَهُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا، ائْتَمَرُوا أَنْ يَبْعَثُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ فِينَا رَجُلَيْنِ جَلْدَيْنِ، وَأَنْ يُهْدُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَا مِمَّا يُسْتَطْرَفُ مِنْ مَتَاعِ مَكَّةَ، وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يَأْتِيهِ مِنْهَا إِلَيْهِ الْأَدَمُ، فَجَمَعُوا لَهُ أَدَمًا كَثِيرًا، وَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقًا إِلا أَهْدَوْا لَهُ هَدِيَّةً، ثُمَّ بَعَثُوا بِذَلِكَ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ (1) بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ، وعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَأَمَرُوهُمَا أَمْرَهُمْ، وَقَالُوا لَهُمَا: ادْفَعُوا (2) إِلَى كُلِّ بِطْرِيقٍ هَدِيَّتَهُ، قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمُوا النَّجَاشِيَّ فِيهِمْ، ثُمَّ قَدِّمُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَاهُ، ثُمَّ سَلُوهُ أَنْ يُسْلِمَهُمِ إلَيْكُمْ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ، قَالَتْ: فَخَرَجَا فَقَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ، وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ، وَعِنْدَ خَيْرِ جَارٍ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقٌ إِلا دَفَعَا إِلَيْهِ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَا النَّجَاشِيَّ، ثُمَّ قَالا لِكُلِّ بِطْرِيقٍ مِنْهُمْ: إِنَّهُ قَدْ صَبَا إِلَى بَلَدِ الْمَلِكِ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ، فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكُمْ، وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتُمْ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَى الْمَلِكِ فِيهِمِ أشْرَافُ قَوْمِهِمْ لِنَرُدَّهُمِ إلَيْهِمْ، فَإِذَا كَلَّمْنَا الْمَلِكَ فِيهِمْ، فَتُشِيرُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يُسْلِمَهُمِ إلَيْنَا وَلا يُكَلِّمَهُمْ، فَإِنَّ قَوْمَهُمْ أَعَلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُمَا: نَعَمْ، ثُمَّ إِنَّهُمَا قَرَّبَا هَدَايَاهُمِ إلَى النَّجَاشِيِّ فَقَبِلَهَا مِنْهُمَا، ثُمَّ كَلَّمَاهُ، فَقَالا لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُ قَدْ صَبَا إِلَى بَلَدِكَ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ، فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكَ، وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَيْكَ فِيهِمِ أشْرَافُ قَوْمِهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ، وَأَعْمَامِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ، لِتَرُدَّهُمِ إلَيْهِمْ، فَهُمْ أَعَلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ وَعَاتَبُوهُمْ فِيهِ. قَالَتْ: وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ النَّجَاشِيُّ كَلامَهُمْ، فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ: صَدَقُوا أَيُّهَا الْمَلِكُ، قَوْمُهُمْ أَعَلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ، فَأَسْلِمْهُمِ إلَيْهِمَا، فَلْيَرُدَّاهُمِ إلَى بِلادِهِمْ وَقَوْمِهِمْ، قَالَت: فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ، ثُمَّ قَالَ: فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ، ثُمَّ قَالَ: لَا هَيْمُ اللهِ، إِذَاً لَا أُسْلِمُهُمْ إِلَيْهِمَا، وَلا أُكَادُ قَوْمًا جَاوَرُونِي، وَنَزَلُوا بِلادِي، وَاخْتَارُونِي عَلَى مَنْ سِوَايَ حَتَّى أَدْعُوَهُمْ فَأَسْأَلَهُمْ مَاذَا يَقُولُ هَذَانِ فِي أَمْرِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا كَمَا يَقُولانِ أَسْلَمْتُهُمِ إليهما وَرَدَدْتُهُمِ إلى قَوْمِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَنَعْتُهُمْ مِنْهُمَا، وَأَحْسَنْتُ جِوَارَهُمْ مَا جَاوَرُونِي. قَالَتْ: ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَاهُمْ فَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُهُ اجْتَمَعُوا، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا تَقُولُونَ لِلرَّجُلِ إِذَا جِئْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَقُولُ وَاللهِ مَا عَلَّمَنَا، وَمَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَائِنٌ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ. فَلَمَّا جَاءُوهُ، وَقَدْ دَعَا النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ، فَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ، سَأَلَهُمْ فَقَالَ: مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ، وَلَمْ تَدْخُلُوا فِي دِينِي وَلا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَمِ؟ قَالَتْ: فَكَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ
جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ، وَعَفَافَهُ، "فَدَعَانَا إِلَى اللهِ لِنُوَحِّدَهُ، وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ "، قَالَ: فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلامِ، فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ، فَعَبَدْنَا اللهَ وَحْدَهُ، فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا، وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا، فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا، فَعَذَّبُونَا وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ، وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الخَبَائِثِ، فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا، وَشَقُّوا عَلَيْنَا، وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا، خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ، وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ، وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ، وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: فَاقْرَأْهُ عَلَيَّ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ
صَدْرًا مِنْ (كهيعص) ، قَالَتْ: فَبَكَى وَاللهِ النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ حِينَ سَمِعُوا مَا تَلا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ النَّجَاشِيُّ: إِنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ، انْطَلِقَا فَوَاللهِ لَا أُسْلِمُهُمِ إليكم أبدا، وَلا أُكَادُ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: وَاللهِ لانَبِّئَنَّهُمْ غَدًا عَيْبَهُمْ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ، قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ - وَكَانَ أَتْقَى الرَّجُلَيْنِ فِينَا -: لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ لَهُمِ أرحاما، وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُونَا. قَالَ: وَاللهِ لاخْبِرَنَّهُ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَبْدٌ، قَالَتْ: ثُمَّ غَدَا عَلَيْهِ الْغَدَ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قَوْلًا عَظِيمًا، فَأَرْسِلِ إليهم فَاسْأَلْهُمْ عَمَّا يَقُولُونَ فِيهِ، قَالَتْ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يَسْأَلُهُمْ عَنْهُ، قَالَتْ: وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهُ، فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى إِذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ؟ قَالُوا: نَقُولُ وَاللهِ فِيهِ مَا قَالَ اللهُ، وَمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ، قَالَ لَهُمْ: مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؟ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: نَقُولُ فِيهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا: هُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ، قَالَتْ: فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا، ثُمَّ قَالَ: مَا عَدَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ، فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ، فَقَالَ: وَإِنْ نَخَرْتُمْ وَاللهِ اذْهَبُوا، فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بِأَرْضِي - وَالسُّيُومُ: الْآمِنُونَ – مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ، ثُمَّ مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبْرًا ذَهَبًا، وَأَنِّي آذَيْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ - وَالدَّبْرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ: الْجَبَلُ - رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا، فَلا حَاجَةَ لَنَا بِهَا، فَوَاللهِ مَا أَخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي، فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ، فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ. قَالَتْ: فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ، وَأَقَمْنَا عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ مَعَ خَيْرِ جَارٍ. قَالَتْ: فَوَاللهِ إِنَّا عَلَى ذَلِكَ إِذْ نَزَلَ بِهِ - يَعْنِي مَنْ يُنَازِعُهُ فِي مُلْكِهِ - قَالَ: فَوَاللهِ مَا عَلِمْنَا حُزْنًا قَطُّ كَانَ أَشَدَّ مِنْ حُزْنٍ حَزِنَّاهُ عِنْدَ ذَلِكَ، تَخَوُّفًا أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَيَأْتِيَ رَجُلٌ لَا يَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا مَا كَانَ النَّجَاشِيُّ يَعْرِفُ مِنْهُ. قَالَتْ: وَسَارَ النَّجَاشِيُّ وَبَيْنَهُمَا عُرْضُ النِّيلِ، قَالَتْ: فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ حَتَّى يَحْضُرَ وَقْعَةَ الْقَوْمِ ثُمَّ يَأْتِيَنَا بِالْخَبَرِ؟ قَالَتْ: فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: أَنَا، قَالَتْ: وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِ الْقَوْمِ سِنًّا، قَالَتْ: فَنَفَخُوا لَهُ قِرْبَةً، فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ ثُمَّ سَبَحَ عَلَيْهَا حَتَّى خَرَجَ إِلَى نَاحِيَةِ النِّيلِ الَّتِي بِهَا مُلْتَقَى الْقَوْمِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى حَضَرَهُمْ. قَالَتْ: وَدَعَوْنَا اللهَ لِلنَّجَاشِيِّ بِالظُّهُورِ عَلَى عَدُوِّهِ، وَالتَّمْكِينِ لَهُ فِي بِلادِهِ، وَاسْتَوْسَقَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْحَبَشَةِ، فَكُنَّا عِنْدَهُ فِي خَيْرِ مَنْزِلٍ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِمَكَّةَ

شبهات وردود .. شبهة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه عند النجاشي .. ( ب )
=========

**أما حادثة جعفر بن أبي طالب والصحابة مع النجاشي ومشركي قريش لم تكن واقعة محكمة لكي نقيس عليها محاكم اليوم الطاغوتية البين الواضح كفرها , ولا يوجد هناك دليل صريح على ذلك سوى محاكمة النصوص الشرعية للأهواء وتوظيفها على حسب ما يقضيه الحال.

**وهي حادثة جوار, فالصحابة رضي الله عنهم دخلوا في جوار النجاشي ومشركي قريش طالبوا بتسليم المسلمين إليهم فكانت الصورة كالأتي :

النجاشي والمسلمون (طرف)... ومشركي قريش (طرف )

**اما أنها قصة طلب جوار فيثبت ذلك قول الصحابة أنفسهم:(...لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي..) وقال جعفر رضي الله عنه (...خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك.. )

**فكانت الصورة هي مطالبة غريم بتسليم - حق لهم عنده - كالأمانة أو اللقطة ونحوها لصاحبها .. وليس طلب التحاكم وفض النزاع .. بل بالعكس

**فإن الوفد طلب من النجاشي أن يسلم لهم الصحابة لكي يحكموا هم عليهم بحكمهم حيث قالوا ( أيها الملك إنه قد ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم و عشائرهم لتردهم إليهم فهم أعلى بهم عيناً وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه)

**ولهذا يعتبر هذا تسليم حق – مزعوم - لصاحبه .. كتسليم الأمانة واللقطة لصاحبها ..

**لا محكمة فيه ولا تحاكم أساسا..

**فالواضح البين أن الوفد لم يطلبوا من النجاشي أن يحكم لهم ولا طلبوا منه أن يكون

قاضيا .. وأن الصحابة لم يأتوا لمحكمة ولم يذهبوا لجلسة القاضي فيها هو النجاشي...

ولكن الذي عرفوه أن قريش تطلبهم ممن لجئوا عنده .. لتردهم إليها

فتحكم عليهم هي وتعاقبهم.. وكان مجيئهم رضي الله عنهم لمجلس الملك وإلى

صاحب الأرض وخير جار ...وليس لمجلس القضاء

شبهات وردود .. ولمزيد من البيان ..

لاشك أن قضية الحاكمية من القضايا التى كثُر فيها الخلاف بين الجماعات التي ترفع شعآر الكفر بالطاغوت والإيمان بالله ومن هذه القضايا قضية تجويز ذهاب الموحد لمحاكم الطاغوت عند إستدعائه لجلسة الحكم وإجابته لأسئلة القاضي بغير إكراه وقد كتب بعض الإخوة ردود شافية وكافية في هذه المسألة , وهذا تقرير مختصر كتبتُه لبيان الحق في هذه القضية للرد على المخالفين وأسال الله أن يهدينا وإياهم إلى الحقُ المبين, وأن يحينا موحدين ويميتنا موحدين آمين آمين .الجديد أبو محمد

شبهات وردود .. تقرير المســألة: ( أ )

***الحكم عبادة بنص القرآن الكريم وهو قوله تعالى (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) سورة يوسف (40)وقوله تعالى(ولايشرك في حكمه أحدا) الكهف (26)

***وعبادة التحاكم تشمل العبادة القلبية (الرضي والقبول) بالتحاكم وتشمل العبادة العملية (فعل التحاكم), فمن أظهر الرضي بالتحاكم للطاغوت يكفر وإن لم يتحاكم عملياً , ومن وقع في التحاكم للطاغوت فعلياً (عملياً) يكفر وإن صّرح بلسانه إنه لم يُرد التحاكم وإنما أراد أخذ حقه أو الدفاع عن نفسه وتبرأتها .

***وفعل التحاكم يكون إما برفع الشكوى إلى الطاغوت وطلب الحكم وإما بالإذعان والإنقياد العملي لأمر الطاغوت بالتحاكم بغير إكراه.

***فالصورة الأولى هي أن يذهب المدّعي ويرفع شكواه إلى جهة لتفصل له في القضية سواء كانت هذه الجهة إسلامية أو غير ذلك.

***والصورة الثانية هي أن يُطلب من المدّعي عليه أن يمثل أمام القضاء ليدلى بأقواله ويدافع عن نفسه إن كان بريئاًً.

___فمن يُلبّى هذه الدعوة ويذهب إلى جلسة الحكم ويُجيب على أسئلة القاضي في القضية المُستدعى من أجلها يكون قد تحاكم سواءً كان ذلك في المحكمة الإسلامية أو في المحكمة الطاغوتية وإن صّرح بلسانه أنه لم يُرد التحاكم لأنه أظهر فعل التحاكم مختاراً والعبرة ليست بالأسماء والعناوين وإنما بحقائق المسميات ومضامينها فالله عز وجل حكم على من يريد التحاكم بالكفر بقوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوۤاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً) فتكفير من يتحاكم بالفعل أولىّ وهذه هي صورة التقاضي وهي أشمل من التحاكم وأعمّ .

***فالتحاكم فرعٌ من التقاضي وصورة منه وهو أن يتفق إثنان أو أكثر على تحكيم زيد أو عمرو من الناس ولايشترط أن يكون لهذا المُحكّم سلطة و قوة, فقوته وسلطته يستمدها من الطرفين الذين رضيا به حكماً بينهما, ولا يسمى هذين الطرفين متحاكمين إلا برضاهما بالطرف المُحكّم الذي تنتهي مهمته بانتهاء الحُكم وهو مايسمى بالتحاكم الإختياري.

***وهناك صورة أخرى للقضاء يتم فيها طلب المتخاصمين من القاضي أن يفصل بينهما, أو قد يتم بطلب أحد الخصمين في الغالب للحكم ويستدعى الآخر للمثول أمام القاضي للدفاع عن نفسه أو تبرأتها بإجابته على أسئلة القاضي ومخاصمته أمامه. وهذا ما يسمى بالقضاء العام الإجباري .

====================================
شبهات وردود .. تابع تقرير المســألة: ( ب )

* جاء في لسان العرب ج12 ص 180-181

__ الخصومة : الجدَلُ.خاصَمَه خِصاماً ومُخاصَمَة فخَصمَهُ يَخْصِمُه خَصْماً: غلبه بالحجة, والخُصومَة الاسم من التّخاصُم والاخْتِصام. والخَصْمُ:معروف, واخْتَصَمَ القومُ وتَخاصموا, وخَصْمُك: الذي يُخاصِمُكَ, وجمعه خُصُومٌ, وقد يكون الخَصْمُ للاثنين والجمع والمؤنث.

__ وقوله عز وجل ( لا تَخفْ خَصْمان) أي نحن خَصْمان, قال: والخَصْمُ يصلح للواحد والجمع والذكروالاُنثى لأنه مصدر خَصَمْتُه خَصْماً, كأنك قلت: هو ذو خَصْم, وقيل للخَصْمَين خَصْمان لأخذ كل واحد منهما في شِقَ من الحِجاج والدَّعْوى أهـــ.

* وجاء في لسان العرب أيضاً ج 10 ص 53

__ حاقه في الأمر محاقة وحقاقا ادعى أنه أولى بالحق منه . وأكثر مااستعملوا هذا في قولهم حاقني أي أكثر مايستعملونه في فعل الغائب وحاقه فحقه يحقه غلبه وذلك في الخصومة واستيجاب الحق وحاقه أي خاصمه وادعى كل واحد منهما الحق فإذا غلبه قيل حقه والتحاق التخاصم والاحتقاق الاختصام ويقال احتق فلان وفلان ولايقال للواحد كما لايقال اختصم للواحد دون الآخر أهـــ.

*وجاء في مختار الصحاح ج1 ص 62

__ ح ك م الحُكْم القضاء وقد حَكَم بينهم يحكم بالضم حُكْما وحَكَم له وحكم عليه والحُكْمُ أيضا الحكمة من العلم والحكِيمُ العالم وصاحب الحكمة والحكيم أيضا المتقن للأمور وقد حَكْم من باب ظرُف أي صار حكيما وأحكَمَهُ فاسْتَحْكَمَ أي صار مُحْكَما والحَكَمُ بفتحتين الحاكم وحَكّمه في ماله تحكِيماً إذا جعل إليه الحكم فيه فاحْتَكَمَ عليه في ذلك واحتكموا إلى الحاكم وتَحَاكموا بمعنى والمُحاكَمَة المخاصمة إلى الحاكم أهـــ.

***ويتضح جلياً مما نقلناه من معاجم اللغة أن كلا طرفي النزاع _ المدّعى والمدّعى عليه _ يجري عليهم مسمّى التحاكم لكونهما متخاصمين متحاققين فكل منها يُكذب الآخر ويدعى أنه المُحق وخصمه المبطل ويحكم القاضي أو الحاكم على مقتضي إختصامهم وتجادلهم أمامه.

* وفى هذا يقول الإمام بن تيمية في الفتاوى رحمه الله :

=========================
شبهات وردود .. تابع تقرير المســألة: ( ج )

*****فكيف لعاقل فضلاً عن مسلم أن يتصّور أو يصور أن المدّعى عليه الذي هو أحد طرفي النزاع الذي يذهب بإختياره _ بغير إكراه _ إلى جلسة الحُكم الطاغوتية ويحاقق ويخاصم ويجادل خصمه ويورد البينات والأدلة والشهود على صدق دعواه خارج مشهد التحاكم؟؟ وأنه بريئاً ليس عليه شئ ؟؟ ووالله إن هذا لمن العجب العُجاب !!

*** يقول الإمام بن تيمية في الفتاوى رحمه الله :

__[ وأيضاً فالقضاء نوعان أحدهما : الحكم عند تجاحد الخصمين مثل أن يدعي أحدهما أمراً يكذبهُ الآخر ، فيحكم فيه بالبينة ونحوها .

__الثاني : مالا يتجاحدان فيه = يتصادقان = ولكن لا يعلمان ما يستحق كل منهما ،كتنازعهم في قسم الفريضة ، أو فيما يجب لكل من الزوجين على الآخر ، أو فيما يستحقه كل من الشريكين ، ونحو ذلك فهذا الباب هو من أبواب الحلال والحرام ، فإذا أفتهاهما من يرضيان بقولهِ كفاهما ذلك ، ولم يحتاجا إلى من يحكم بينهما ، وإنما يحتاجان إلى حاكم عند التجاحد ، وذلك إنما في الأغلب مع الفجور وقد يكون مع النسيان ].أهـ

***ويقول الإمام بن قدامة المقدسي في كتاب القضاء :

__[ فصل : ولا يخلو المستعدى عليه من أن يكون حاضراً أو غائباً فإن كان حاضراً فيالبلد أو قريباً منه ، فإن شاء الحاكم بعث مع المستعدي عوناً يحضر المدعى عليه وإنشاء بعث معه قطعة من شمع أو طين مختوماً بخاتمه فإذا بعث معه ختماً ، فعاد فذكر أنهإمتنع أو كسر الختم ، بعث إليه عيوناً ، فإن إمتنع أنفذ صاحب المعونة فأحضره فإذا حضروشهد عليه شاهدان بالامتناع ، عزره إن رأى ذلك بحسب ما يراه تأديباً له إما بالكلاموكشف رأسه ، أو بالضرب أو بالحبس فإن إختبأ بعث الحاكم من ينادي على بابه ثلاثاأنه إن لم يحضر سمر بابه وختم عليه ، ويجمع أماثل جيرانه ويشهدهم على إعذاره فإنلم يحضر وسأل المدعي أن يسمر عليه منزله ، ويختم عليه وتقرر عند الحاكم أن المنـزلمنـزله سمره أو ختمه فإن لم يحضر بعث الحاكم من ينادي على بابه بحضرة شاهدي عدل ،أنه إن لم يحضر مع فلان أقام عنه وكيلاً وحكم عليه ، فإن لم يحضر أقام عنه وكيلاًوسمع البينة عليه ، وحكم عليه كما يحكم على الغائب وقضى حقه من ماله إن وجد لهمالاً وهذا مذهب الشافعي وأبي يوسف ، وأهل البصرة حكاه عنهم أحمد وإن لم يجد لهمالاً ولم تكن للمدعي بينة فكان أحمد ينكر التهجم عليه ، ويشتد عليه حتى يظهر وقالالشافعي : إن علم له مكاناً أمر بالهجوم عليه فيبعث خصياناً أو غلماناً لم يبلغواالحلم ، وثقات من النساء معهم ذوو عدل من الرجال فيدخل النساء والصبيان فإذا حصلوافي صحن الدار دخل الرجال ، ويؤمر الخصيان بالتفتيش ويتفقد النساء النساء فإن ظفروابه ، أخذوه فأحضروه ، وإن استعدى على غائب نظرت فإن كان الغائب في غير ولاية القاضيلم يكن له أن يعدي عليه وله الحكم عليه ]. المغني / كتاب القضاء .
..
*****فكيف لعاقل فضلاً عن مسلم أن يتصّور أو يصور أن المدّعى عليه الذي هو أحد طرفي النزاع الذي يذهب بإختياره _ بغير إكراه _ إلى جلسة الحُكم الطاغوتية ويحاقق ويخاصم ويجادل خصمه ويورد البينات والأدلة والشهود على صدق دعواه خارج مشهد التحاكم؟؟ وأنه بريئاً ليس عليه شئ ؟؟ ووالله إن هذا لمن العجب العُجاب !!

=================
.. تابع تقرير المســألة: ( د )

***فالتحاكم أو التقاضي لايتم إلا بثلاث أركان رئيسية :

أ/ طرفان متنازعان.

ب/ قضية متنازع فيها.

ج/جهة ثالثة يُرفع ويُرد إليها النزاع.

*وماعدا ذلك لايُعد تحاكماً والدليل على ذلك هو قوله تعالى (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ ) النساء (59)

فَإِن تَنَازَعْتُمْ = نزاع بين شخصين او أكثر

فِي شَيْءٍ = قضية متنازع فيها

فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ = جهة ثالثة وهي بالضرورة غير الطرفين المتنازعين .

*****يجوز للمسلم التنازع مع المشرك ونفي كل ما نُسب اليه من باطل وإن كان طاغوتاً , وأما رفعُ ذلك النزاع إلى غير مُسلم أو الإستجابة لذلك مع الإختيار كفرٌ صريح.

*فإذا أتفقنا على ثبوت هذا الأصل فلايجوز نقضه بمتشابه الكتاب والسنة ويجب ان نرد ماأشكل علينا فهمه إلى محكم النصوص.

قال تعالى :﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ [سورة آل عمران 3/7]

فالصحيح الرجوع إلى محكم النصوص عند ورود إشكال فالتمسك بالمحكم هو طريق الفوز والنجاة من الخُسران ومتّبع المتشابه مذموم.

=====================
.. تابع تقرير المســألة: ( ه )

قال تعالى :﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ [سورة آل عمران 3/7] فالصحيح الرجوع إلى محكم النصوص عند ورود إشكال فالتمسك بالمحكم هو طريق الفوز والنجاة من الخُسران ومتّبع المتشابه مذموم.

يقول الإمام بن كثير رحمه الله في تفسير هذه الأية:

( يخبر تعالى أن في القرآن آيات محكمات هن أم الكتاب أي : بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها على احد ، ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم فمن ردٌَ ما اشتبه إلى الواضح منه وحكٌم محكمه على متشابهه عنده فقد اهتدى ، ومن عكس انعكس ، ولهذا قال تعالى : ﴿ هُنَّ أُمُّ الْكِتَاب ِ﴾ أي : أصله الذي يُرجع إليه عند الإشتباه ، وقوله تعالى : ﴿ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَات ٌ﴾ أي : تحتمل دلالتها موافقة المحكم وقد تحتمل شيئاً آخر من حيث اللفظ والتركيب لا من حيث المراد) أهـ تفسير القران العظيم .

وفي هذا يقول الإمام الشاطبي رحمه الله :

وقد ثبت في الأصول العلمية أنّ كل قاعدة كلية أو دليل شرعي كلي إذا تكررت في مواضع كثيرة وأتى بها شواهد على معانِ أصولية ، أو فرعية ولم يقترن بها تقييد ، ولا تخصيص مع تكررها وإعادة تقررها ، فذلك دليل على بقائها على مقتضى لفظها من العموم .
فالأصول الكلية القطعية لا يدخلها التخصيص بحال لأنها راجعة إلى أصل الدين ، أو لتكررها وتقررها وإنتشارها وتأكدها وبقائها مع ذلك على مقتضى عمومها في تكررها وإنتشارها.

ودخول التخصيص على ما هذا شأنه توهين للدلالة ، لأن العموم القطعي إذا دخله التخصيص لم يبقَ حجة أو دخل الخلاف في حجيته أو إنقلبت قطعيته إلى الظن ، لأن ما دخلهُ التخصيص بوجه جاز أن يدخله من كل وجه فلا يبقى للعموم مع هذا حجيته ، أو تصير دلالتهِ ظنية وإن كان أصله قطعياُ ] أهـ.
وبما أن أصلنا هو التحاكم إلى شرع الله وهو أصل قطعي بل هو أصل الأصول ، ولا يشك أحد في قطعيتهِ ، لذلك فدخول التخصيص عليه من المُحال ، ولو وجد ما يعارضهُ من شبه تخصيص أو إستثناء فلا بد لنا من التأويل أو الطرح .. كما قال الشاطبي رحمه الله فإن في حقيقة الأمر لا يمكن التعارض في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أيضاً أصل ثابت عند عُلماء الأمة.

ويقول الإمام الشاطبي رحمه الله في الموافقات :

( إذا ثبتت قاعدة عامة أو مطلقة فلا يؤثر فيها معارضة قضايا الأعيان ولا حكايات الأحوال) والدليل على ذلك :

1/أن القاعدة مقطوعبها ، وقضايا الأعيان مظنونة .
2/أن القاعدة غير محتملة لإستنادها إلى الأدلة القطعية ، وقضايا الأعيان وآحاد الجزئيات محتملة.

3/أن قضايا الأعيان جزئية ، والقواعد المطردة كليات ، ولا ينهض الجزئي للكلي .
ويجب أن يراعى أن ما نحن فيه من قبيل ما يتوهم فيه الجزئي معارضاً ، وفي الحقيقة ليس بمعارض ، فإن القاعدة إذا كانت كلية ثم ورد في شيء مخصوص والقضية عينية ما يقتضي بظاهره المعارضة في تلك القضية المخصوصة وحدها مع إمكان معناها موافقاً لا مخالفاً ، فلا إشكال في هذه المعارضة هنا ، وهو هنا محل التأويل لمن تأول أو محل عموم الإعتبار إن لاق بالموضوع الإطراح والإهمال ،كما إذا ثبت لدينا أصل التنـزيه كلياً عاماً ، ثم ورد موضع ظاهره التشبيه في أمر خاص يُمكن أن يراد بهِ خِلاَف ظاهره على ما أعطته قاعدة التنـزيه فمثل هذا لا يؤثر في صحة الكلية الثابتة وهكذا ، أن الأصل في الأنبياء العصمة من الذنوب ثم جاء في الحديثلم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات) ونحو ذلك فهذا لا يؤثر في القاعدة لإحتمال حمله على وجه لا يخرم ذلك الأصل ] أهـ
ويقول رحمه الله وهذا الموضع كثير الفائدة عظيم النفع بالنسبة إلى التمسك بالكليات إذا عارضها الجزئيات وقضايا الأعيان ، فإنه إذا تمسك بالكلي كان له الخيرة في الجزئي في حمله على وجوه كثيرة ، فإن تمسك بالجزئي لم يُمكنه مع التمسك الخيرة في الكلي فثبتت في حقه المعارضة ، ورمت بهِ أيدي الإشكالات في مهاوِ بعيدة ، وهذا هو أصل الزيغ والضلال في الدين لأنه إتباع للمتشابهات وتشكك في القواطع المحكمات ] أهـ .
وإن قال قائل : وما يدريكم لعل الأصل أو الدليل الواقف عليه قطعي الدلالة وكُلي الإعتبار ، حتى مع وجود التعارض !!.

فنترك الرد للإمام الشاطبـي رحمه الله إذ يقول :
( والتعارض لا يمكن أن يكون بين القطعيان ، فتعارض القواعد الكلية مُحال وإنما يقع أو قد يقع التعارض بين القواعد الكلية وبين قضايا الأعيان وحكايات الأحوال ، أو بينها وبين أفراد الأدلة)

ثم أن قضايا الأعيان ليست حُجة مالم تستند إلى دليل آخر، فلا يمكن أن يُعارض بها دليل جزئي فضلاً عن قاعدة كلية ، أما آحاد الأدلة ولو كانت أكثر من دليل في قضية واحدة فهي ظنية والقواعد الكلية قطعية والظنيات لا تعارض القطعيات ] أهـ.

.. تابع تقرير المســألة: ( و )

*مفهوم الدليل الصحيح :

يقول الشاطبـي رحمه الله إن كل دليل فيه إشتباه وإشكال ليس بدليل في الحقيقة حتى يتبين معناه ويظهر المراد منه ، ويشترط في ذلك أن لا يُعارضه أصل قطعي ، فإذا لم يظهر معناه لإجمال أو إشتراك أو عارضه قطعي فليس بدليل ، لأن حقيقة الدليل أن يكون ظاهراً في نفسه ودالآً على غيره وإلا أحتيج إلى دليل ، فإن دل الدليل على عدم صحته فأحرى أن لا يكون دليلاً ، ولا يمكن أن تعارض الفروع الجزئية الأصول الكلية ، لأن الفروع الجزئية إن لم تقتضِ عملاً فهي في محل التوقف ، وإن اقتضت عملاً فالرجوع إلى الأصول هو الصراط المستقيم ، ويتناول الجزئيات حتى إلى الكليات فمن عكس الأمر حاول شططاً ودخل في حُكم الذم ، لأن متبع الشبهات مذمومٍ ] أهـ.

وفي قضيتنا ,وهي رد الأمر عند التنازع إلى شريعة غير شريعة الله والذي جاءت النصوص المتواترة بكفر مرتكبهِ بل نقل العلماء ومنهم ابن كثير الإجماع بين المسلمين على ذلك ، وهذا شأن القواعد الكلية في كونها لاتستند إلى آحاد الأدلة بل تتكرر النصوص وتتواتر عليها أدلة حتى تتقرر وتنتشر فتتأكد ويؤتى بها شواهد على معان أصولية فلا تتطرق إليها الإحتمالات وبهذا أختلفت القواعد "الكلية"القطعية عن الأحكام "الجزئية"المحتملة وبالله التوفيق ..


التعليقات المختصرة على من جوّز الذهاب لمحكام الطواغيت الكفرة
.
***قال المخالف:
..
..هذا الشخص يكفر بكل قضاء غير شرعي ويكّفر من يحكم بغير ما أنزل الله تعالى ويكّفر من يقول أو يفعل التحاكم للحاكم الكافر ويتبرأ من الشرك والمشركين... هذا الشخص لايرفع للطاغوت مظلمة إذا ظُلم ولايتفق مع خصمه على الترافع للطاغوت ويُحذر حتى أن يُرشد أحد أراد التحاكم للطاغوت إلى الطريق الموصل للمحكمة ويرى ذلك عوناً لهم.
هذا الشخص فقط يري أنه إذا أُخذ بتهمة جاز له الإدلاء بأقواله والرد عن نفسه ويرى أن ذلك ليس بتحاكم ويستمسك بظاهر نصوص على فعله أهــ.

***أقول وبالله التوفيق والسداد :
..
هذا القول ينقض آخره أوله فقوله: فقط يري أنه إذا أُخذ بتهمة جاز له الإدلاء بأقواله والرد

عن نفسه. يناقض قوله :ويكفر من يقول أو يفعل التحاكم للحاكم الكافر.

...وماهو قول وفعل التحاكم المُكفّر إذاً؟؟ أليس هو الذهاب لمحاكم الطاغوت مختاراً بغير

إكراه؟؟ إذا كنتم تكفرون من فعل فعل التحاكم حقيقةً ولاتشترطون على ذلك الرضي

القلبي فكيف تجوزون أن يذهب الموحد إلى محاكم الطاغوت مختاراً بغير إكراه؟؟

فالصوآب أن يُقال لايجوز هذا الفعل إلا تحت الإكراه الشرعي المُعتبر.

..ويلزمكم أحد أمرين إما أن تقولوا بعدم جواز ذلك وهذا هو الحق الذي نحن عليه وإما ان

تشترطوا لتكفير من يفعل فعل التحاكم الرضي القلبي ولاتكفرون حتىّ الذي يرفع

الدعوى للطاغوت إلا إذا صّرح بأنه أراد التحاكم إلى الطاغوت لان مناط التكفير عندكم هو

الرضي القلبي بالتحاكم وليس الذهاب, ولأن الشخص الذي ذكرتموه في الحالة

المذكورة لم يُرد التحاكم للطاغوت ولكنه أراد الذهاب إلى محاكم الطاغوت عند إستدعائه

للإجابة على أسئلة الطاغوت المتعلقة بالقضية التي أُستدعي من أجلها ولايري حرجاً في ذلك ؟؟

...فالذي يرفعُ دعواه للحاكم الكافر ويصّرح بأنه لا يرضي بالتحاكم له وإنما فعل ذلك

مقابل مصلحة وهي رد حقه الشرعي إليه قابلت هذه المصلحة مفسدة الوقوع في

التحاكم وبالمقابل فمصلحة رد التهمة تقابلها مفسدة الوقوع في التحاكم أيضاً فكلاهما

أفعال وأقوال نص الله عزوجل على كفر مرتكبهاولايشترط لتكفير مرتكبها الرضي أو الإرادة القلبية.


التعليقات المختصرة على من جوّز الذهاب لمحكام الطواغيت الكفرة
.
***قال المخالف:

___إلحاق هذا الشخص بالشاكي ومساواته به جور وظلم وتعسف لأنه لايرفع مظلمة إلى طاغية وإلحاقه بحالة الخصمان المتفقان على الترافع جور وظلم أيضاً إذ أننا نعلم منه عدم الإتفاق مع الخصم على الترافع ولا يجوز أن نتكلف له التأويلات حتى نساويه هو والشاكي والراضي المجوز لذلك.

***أقول وبالله التوفيق والسداد:

هذه الصور الثلاث لاتخرج عن صورة التحاكم العملي للطاغوت,والكفر يكون بالفعل والقول

كما يكون بالإعتقاد فالمدعى عليه أطاع الطاغوت بذهابه لجلسة الحُكم ثم أجاب عن

أسئلة القاضي وجّرم خصمه إذ أن نفى التُهمة عن نفسه هو تجريم لخصمه الذي رفع

عليه الدعوى, وهذه هي عين الطاعة الكفرية وهي دعوة لعبادة الطاغوت بالتحاكم إليه

فالأول ذهب بنفسه ورفع دعوته إلى الطاغوت والثاني طُلب منه أن يذهب إلى جلسة

الحُكم فأجاب بإختياره فلافرق بين الصورتين حُكماً.

وماذا يُقصد بالراضي هنا ؟؟ هل يقصد الراضي بالتحاكم ؟؟ أم الراضي بالذهاب لجلسة

الحُكم ؟؟ وماذا يُقصد بالمجوز هنا ؟؟ أهو المجّوز للذهاب لمحاكم الطاغوت عند

الإستدعاء ؟؟ أم المجّوز للتحاكم إلى الطاغوت؟؟ فحال هذا الشخص حقيقةً أنه متحاكم

إلى الطاغوت وإن صّرح بلسانه أنه لم يُرد التحاكم فكذب فعله وذهابه قوله وادعاء ه فلا

يشترط لتكفير من يُلبىّ دعوة الطاغوت لجلسة الحُكم أن يقول للقاضي أحكم بيننا أو

إنني أرضى بحكمك , فصورة المدعّى عليه صورة مُتحاكم بمجرد ذهابه إلى جلسة

الحُكم بإختياره وإجابته لأسئلة القاضي.


التعليقات المختصرة على من جوّز الذهاب لمحكام الطواغيت الكفرة

***قال المُخالف :

هذا الشخص يستند إلى نصوص على حاله هذه نوردها هنا :
وقام بإيراد بعض النصوص التي ظنّ أنها أدلة قاطعة وبراهين ساطعة فيما ذهب إليه وهي :
1- قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز عندما راودته عن نفسه في قوله تعالى:
(وَ?سْتَبَقَا ?لْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ?لْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُو?ءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيم
قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِين)
2- جدال إخوة يوسف عليه السلام عندما أُتهموا بسرقة صواع الملك وهو قوله تعالى:
فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ?لسِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ?لْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُون)َ)
3- حادثة جعفر بن أبي طالب والصحابة رضي الله عنهم مع النجاشي رضي الله عنه عندما طلب المشركون من النجاشي تسليم المهاجرين لهم.
4- قصة نبي الله موسى عليه السلام عندما قال له فرعون (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ)
5- قصة ابي بكر الصديق رضي الله عنه عندما أخرجه قومه وأجاره بن الدغنة . (( تم الرد تفصيلا على هذه الشبهات فى المنشورات السابقه

*** أقول وبالله التوفيق والسداد:

لا يصح تقرير مسألة من أصل الدين او إخراجها منه بمثل هذه النصوص المتشابهة في

هذا الباب, فمسألة التحاكم إلى الطاغوت قد بينها الله في كتابه أتم بيان وأحسن تبيان,

فالمسلم الذي يكقر بالطاغوت ويؤمن بالله يكفر بكل شرائع الطواغيت وأنظمتهم

وقوانينهم الوضعية, والمسلم الذي تُرفع فيه دعوى من أحد المشركين إلى المحاكم

الطاغوتية يستدعى لجلسة الحُكم لأجل أن يتحاكم إليهم ,فموقف المسلم من هذه

الدعوة الطاغوتية للكفر عدم الطاعة يقول الله تعالى ( وماكان قول المؤمنين إذا دعوا ..)

فالطاعة والتسليم واجبة في دعوة المسلم إلى الله ورسوله وحكمهما, وعدم الطاعة

والتسليم واجب في دعوة المسلم إلى الطاغوت وشرعه.

فلو كان ما قررتموه حق فلابد أن يكون قد سبقكم له السلف الصالح , وقد تتبعنا _

والحمدُ لله _ فلم نجد أن السلف الصالح قد قرروا ما قررتموه أو فهموا مافهمتموه ولم

يفهموا ما فهمتموه من النصوص, ولم يقل أحد أن هذه الوقائع كانت في مقام المحاكم

ولم يصرح عالم واحد منهم بأنه يُفهم من هذه النصوص جواز ذهاب الموحد لمحاكم

الطاغوت لجلسة الحكم وإجابته لأسئلة القاضي, فإن كان هناك من السلف من صّرح

بذلك فأوردوه لنا.

التعليقات المختصرة على من جوّز الذهاب لمحكام الطواغيت الكفرة

***قال المُخالف :

__بعض الإخوة سأل أحد المخالفين في جلسة نقاش في نفس الموضوع عن أنّه إذا تنازع مسلمٌ وكافر في قطعة أرض مثلاً, والأرض ملك للمسلم فقام المشرك برفع دعوى إلى الطاغوت بحجة أن الأرض له ,فأستدعى المسلم وهو معه جميع الأوراق التي تثبت أن الأرض ملكاً له ماذا يفعل ؟؟ هل يذهب ويجادل خصمه ويقدم أوراقه الثبوتية للمحكمة الكافرة ؟؟ فأجاب المخالف بنعم يجوز له أن يذهب ويُثبت بأنه المالك للأرض وأن خصمه كاذب.

فقلتُ له : ماهو التحاكم إذاً إن لم يكن هذا تحاكم ؟؟ وهل هذا الفعل جائز؟؟

قال : نعم .

فقلت له : لماذا تشترط للذهاب الإستدعاء ؟؟ ولماذا لاتذهب بمجرد وقوع النزاع ؟؟وهل

الأفعال المباحة يشترط لفعلها ؟؟ وماهي الدليل على أن هذا الفعل لايجوز إلا بالشرط

؟؟ وكيف يكون الفعل جائز ثم غير جائز إلا بالشرط ؟؟


=====================

***** ((( الخلاصه ))) *****

إن كل ما أورده المخالفون من وقائع ونصوص لانخالفهم فيها على جواز دفع الصائل الشرعي بالدفاع عن النفس والعرض في كل مقام مالم يكن مقام تحاكم وقد ضبطنا في ثنايا هذه الرسالة متى يكون المقام مقام تحاكم ومتى لايكون,وهذا يُعرف بالنظر لأركان التحاكم والقرائن المحيطة بواقع الحادثة, فلانتحرج البتة في التأسي بالأنبياء عليهم السلام في كل أحوالهم إلا ما نهانا الله عزوجل,أما تصّور واقعهم على خلاف ماهو عليه ثم تجويز الباطل على مقتضى ذلك التصّور الفاسد فنبرأ إلى الله منه.

***تساؤلات ولوازم

السؤال الأول :
هل الحكم عبادة ؟

السؤال الثاني :
ماهو مناط تكفيركم للمتحاكم للطاغوت بغير إكراه؟

السؤال الثالث:
هل حضور المدعّى عليه لجلسة الحكم وإجابته أسئلة القاضي مختاراً لاتدخل في صور التحاكم ؟

السؤال الرابع:
هل تشترطون الإرادة القلبية لتكفير المتحاكم إلى الطاغوت عملياً؟

السؤال الخامس :
وماهو برهانكم لتكفير الذي يرفعُ شكواه إلى الطاغوت بغرض رد المظالم ويحتج بأنه لم يرُد التحاكم للطاغوت ؟

السؤال السادس:
هل لايكون المدعّى عليه متحاكماً إلى الطاغوت إذا أجاب الدعوة من غير إكراه إلا بتصريحه انه يريد التحاكم؟

السؤال السابع:
ماهو مالفرق العلمي بين مدعّى عليه كافر بتلبية دعوة الطاغوت لجلسة الحكم وبين مدعّى عليه ليس بكافر بتلبية دعوة الطاغوت لجلسة الحكم؟

السؤال الثامن:
هل تشترطون لذهاب المدّعى عليه أن يظهر عدم إرادته للتحاكم بإنكاره على الطاغوت ؟ وأنه ليست الجهة الشرعية التي يُحق لها أن تفصل في القضايا ؟ وإن كان كذلك ما هو دليل الشرط؟ وماحكم مخالف الشرط ؟ أي من يذهب بغير الإتيان بالشرط ؟

السؤال التاسع:
وهل تحصرون المتحاكم في المدعّي فقط ؟ اي الذي يرفع الشكوى للحاكم او القاضي؟

السؤال العاشر:
وإن كان هناك مدعّى عليه يكفر بتلبيته لدعوة الطاغوت لجلسة الحكم وإجابته لأسئلة القاضي وضحوا لنا ما هي لنا ما هي صورته؟

السؤال الحادي عشر:
قلتم إنكم تتمسكون بظاهر النصوص على تجويزكم أين ظهر لكم أن هذه الوقائع كانت وقائع محاكم وجلسات تحاكم؟؟ أين دلّ ظاهر النصوص على ذلك؟؟ أم أنه من فقه الباطن؟؟ وهل أستدعي يوسف عليه السلام عندما أجاب بقوله (هي راودتني ...)؟؟ ولماذا تشترطون على الذهاب والإدلاء بالأقوال الاستدعاء؟؟ أين ذلك في ظاهر النصوص؟؟ وما هو دليل هذا الشرط؟؟ وما حكم من يذهب ويرد التهمة عن نفسه بدون أن يستدعى ؟؟ وما دليل كفره على حسب مذهبكم ؟؟

السؤال الثاني عشر:
ماهو ظاهر قول يوسف عليه السلام (وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم )؟؟ وكيف تقولون _على حسب تمسككم بالظاهر _بأنه لم يكن مستأنفاً لقضية ؟؟ وما هي طريقة الاستئناف اليوم؟؟ وما الفرق بينها وبين ما طلبه يوسف عليه السلام ؟؟

السؤال الثالث عشر :
فهمتم من النصوص التي استدللتم بها أن واقعها كان واقع محاكم طاغوتية فمن سبقكم بهذا الفهم من السلف الصالح؟؟ وأين كان ذلك؟؟ ومن قال بأنه يجوز للمسلم الذهاب لمحاكم الطواغيت في جلسة الحُكم من السلف ؟؟وهل خفى على السلف من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى القرن السابع والثامن الهجري مافهمتموه من الآيات؟؟ أوردوا لنا صريح أقوالهم على ذلك إن كنتم على نهجهم وفهمهم حقاً؟؟

تم بعون الله


الارجــاء لادين له

$
0
0


ماهى اقامه الحجه؟ ومالفرق بينها وبين الاستتابه؟
وهل اقامه الحجه تعنى استيفاء الشروط وانتفاء الموانع

والجواب :

المقصود بقيام الحجة هو بلوغ النص الشرعي من الكتاب أو السنة بوجوب عمل ما أو تحريم عمل ما للمكلف بلوغا حقيقيا أو بلوغا حكميا (أي الوجود في مكان يتمكن فيه المكلف من سماع الحجة) .

وهي تختلف باختلاف نوع المسألة التي نتكلم عليها فالحجة في أصل الدين والشرك غير الحجة في مسائل الشرائع الظاهرة غير الحجة في باب المسائل الخفية .

ومن أنواع اقامة الحجة استتابة المرتد ولكن الاستتابة ليست كما يظن البعض من أجل الحكم على من أتى بالردة بأنه مرتد ولكن تكون الاستتابة لمن حكمنا عليه بأنه مرتد لإنزال حد الردة عليه فهي بمثابة المراجعة والانذار الأخير للمرتد قبل قتله .

أما صور اقامة الحجة المختلفة بحسب طبيعة المسألة فهي:
_________________________________________

1- في مسائل أصل الدين واتيان الشرك بالله فالحجة هي السماع بالرسول وبلوغ القرآن والسماع به وهذه الحجة تفيد في لزوم العذاب على الشرك الذي اقترفه العبد أما التسمية فهو مشرك بمجرد فعله للشرك سواء كان جاهلا أو متأولا أو مقلدا لأنه أتى بما يخرجه عن حد التوحيد ويدخله في حقيقة الشرك .

قال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (الإجماع منعقد على أن من بلغته دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يؤمن فهو كافر ولا يقبل منه الاعتذار بالاجتهاد لظهور أدلة الرسالة وأعلام النبوة) الدرر10/247
وقال الشيخ حمد بن ناصر (قد أجمع العلماء أن من بلغته دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم أن الحجة عليه قائمة) الدرر 11/72.

قال ابن القيم في طريق الهجرتين : "والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له والإيمان بالله وبرسوله واتباعه فيما جاء به فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم وإن لم يكن كافرا معاندا فهو كافر جاهل " .

2- أما الحجة في المسائل الظاهرة فهي أحد الطرق الآتية :
______________________

1- العلم حقيقة بالنص الشرعي
2- البلاغ عن أي طريق من الطرق
3- وجود دعوة أودعوه قائمة
4- الوجود في مكان به علماء أودعوه
5- التمكن من الوصول للحجة

والدليل :
قال تعالى (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله)

وقال تعالى (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة فيها كتب قيمة)،

وقال ابن تيمية: إن القرآن حجة على من بلغه... فكل من بلغه القرآن من إنسي وجني فقد أنذره الرسول صل الله عليه وسلم) الفتاوى 16/149

وقال: على قوله تعالى (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) والحجة قامت بوجود الرسول المبلغ وتمكنهم من الاستماع والتدبر لا بنفس الاستماع ففي الكفار من تجنب سماع القرآن واختار غيره، الفتاوى 16/166

وقال (حجة الله برسله قامت بالتمكن من العلم فليس من شرط حجة الله علم المدعوين بها ولهذا لم يكن إعراض الكفار عن استماع القرآن وتدبره مانع من قيام حجة الله عليهم) كتاب الرد على المنطقيين ص113 في المقام الثالث ،

وقال أيضا: ليس من شرط تبليغ الرسالة أن يصل إلى كل مكلف في العالم بل الشرط أن يتمكن المكلفون من وصول ذلك إليهم ثم إذا فرطوا فلم يسعوا في وصوله إليهم مع قيام فاعله بما يجب عليه كان التفريط منهم لا منه) ( بتصرف ) الفتاوى 28/125).

ملاحظة 1 :
ــــــــــــــ

حد المسائل الظاهرة هو ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله (العلم علمان: علم عامة لا يسع بالغا غير مغلوب على عقله جهله مثل الصلوات الخمس وأن لله على الناس صوم شهر رمضان وحج البيت إذا استطاعوه وزكاة في أموالهم وأنه حرم عليهم الزنا والقتل والسرقة والخمر وما كان في معنى هذا مما كلف العباد أن يعقلوه ويعلموه ويعطوه من أنفسهم وأموالهم وأن يكفوا عنه ما حرم عليهم منه وهذا الصنف كله من العلم موجود نصا في كتاب الله موجودا عاما عند أهل الإسلام ينقله عوامهم عمن مضى من عوامهم يحكونه عن رسول الله صل الله عليه وسلم ولا يتنازعون في حكايته ولا وجوبه عليهم وهذا العلم الذي لا يمكن فيه الغلط من الخبر والتأويل ولا يجوز فيه التنازع) الرسالة ص 359،357

ملاحظة2 :
ـــــــــــــــ

يكفي لقيام الحجة مجرد بلوغها للمكلف ولا يشترط في أصل الدين والمسائل الظاهرة أن يفهمها الفهم الموجب للانتفاع بها واستيعابها استيعابا كاملا والإحاطة بها من جميع جوانبها .
قال تعالى (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام)
وقال تعالى (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون )

وقال تعالى (وأُوحي إلى هذا القرآن لأُنذركم به ومن بلغ) وقال تعالى ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله).

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب (مع أن أكثر الكفار والمنافقين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم كما قال تعالى (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون) الآية ثم ضرب أمثلة لأناس قامت عليهم الحجة لكن لم يفهموها مثل: الخوارج، والذين اعتقدوا في علي بن أبي طالب رضى الله عنه، وغلاة القدرية، ( تاريخ نجد ص 410).

3-الحجة في المسائل الخفية (كـ/مسائل القدر والصرف والعطف )هو بلوغ الدليل الشرعي للمكلف وإزالة الشبهة
___________________________

1-قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله – في شرح العمدة : "وفي الحقيقة: فكل رد لخبر الله، أو أمره فهو كفر، دق أو جل، لكن قد يعفى عما خفيت فيه طرق العلم وكان أمرا يسيرا في الفروع، بخلاف ما عظم أمره وكان من دعائم الدين، من الأخبار والأوامر، يعني: فإنه لا يقال قد يعفى عنه"

2-وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله - : "فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام والذي نشأ ببادية بعيدة، أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتى يعرف ؛ وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه فإن حجة الله هو القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة، ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وبين فهم الحجة فإن أكثر الكفار والمنافقين من المسلمين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم كما قال تعالى : (( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا)) وقيام الحجة نوع، وبلغوها نوع وقد قامت عليهم وفهمهم إياها نوع آخر وكفرهم ببلوغها إياهم وإن لم يفهموها. إن أشكل عليكم ذلك فانظروا قوله : صل الله عليه وسلم في الخوارج (( أينما لقيتموهم فاقتلوهم )) وقوله : (( شر قتلى تحت أديم السماء )) مع كونهم في عصر الصحابة...".

- أما استيفاء الشروط وانتفاء الموانع فهو التحقق من توفر الشروط الشرعية في المكلف ليكفر ويؤاخذ على فعله وقد يحدث هذا التحقق أثناء عملية اقامة الحجة وقد يحدث قبلها .

- ومن هذه الشروط :
_______________

1- أن يكون بالغًا
2- أن يكون عاقلاً
3- أن يكون مختارا للفعل غير مكره

ونلاحظ أن هذه الشروط والموانع سهلة بسيطة لا تحتاج لكبير جهد ووقت لاستيفائها وليست بالصعوبة التي يدعيها أهل الارجاء والتجهم ليلغوا بها أحكام الكفر والإيمان كما يتمنون.

- ونلاحظ أيضا أن التأويل والجهل لا يعدان من موانع تكفير من نقض أصل دينه بالشرك خاصة لأن التوحيد والاسلام له حقيقة واحدة يناقضها تماما الشرك بالله تعالى فإذا أشرك المكلف مع الله آلهة آخرى فقد انتفت حقيقة التوحيد عنه وثبت له حقيقة الشرك واسم الشرك سواء كان ما فعل جهلا منه أو تأولا والنصوص متضافرة على ذلك والإجماع قد انعقد على ذلك .

والحجة تشترط على المشرك لإنزال العقوبة عليه من قتل والجزم له بالخلود في النار من غير امتحان في العرصات على قول بعض أهل العلم وليس اقامة الحجة شرطا ليسمى مشركا بعد بلوغها إليه إذ هو مشرك بمجرد صرف عبادة لغير الله تعالى .
__________________________________

قال الشيخ أبا بطين في "الدرر" [10/401]، قال:
(ونحن نعلم أن من فعل ذلك – الشرك - ممن ينتسب للإسلام، أنه لم يوقعهم في ذلك إلا الجهل، فلو علموا أن ذلك يبعد عن الله غاية الإبعاد وأنه من الشرك الذي حرم الله لم يقدموا عليه، فكفرهم جميع العلماء ولم يعذروهم بالجهل كما يقول بعض الضالين؛ إن هؤلاء معذورون لأنهم جهال).

قال الشيخ أبا بطين في"الدرر السنية" [12/72 – 73]، وفي"مجموعة الرسائل"[1/659]، [1/659]، قال: (فالمدعي أن مرتكب الكفر متأولا أو مجتهدا أو مخطئا أو مقلدا أو جاهلا معذور، مخالف للكتاب والسنة والإجماع بلا شك، مع أنه لا بد أن ينقض أصله، فلو طرد أصله؛ كفر بلا ريب، كما لوتوقف في تكفير من شك في رسالة محمد صل الله عليه وسلم

يقول الامام ابن القيم في كتابه الماتع طريق الهجرتين في معرض كلامه حول طبقات المكلفين(الطبقه السابعة عشر)
_____________________________________

طبقة المقلدين وجهال الكفرة وأتباعهم وحميرهم، الذين هم معهم تبعا لهم، يقولون؛ إنا وجدنا آباءنا على ذلك، ولنا بهم أسوة، ومع هذا فهم متاركون لأهل الإسلام، غير محاربين لهم، كنساء المحاربين وخدمهم وأتباعهم، الذين لم ينصبوا أنفسهم لما نصبت له أولئك، من السعي في إطفاء نور الله وهدم دينه وإخماد كلماته، بلهم بمنزلة الدواب.

قال ابن القيم: وقد اتفقت الأمة على أن هذه الطبقة كفار، وإن كانوا جهالا مقلدين لرؤسائهم وأئمتهم، إلا ما يحكى عن بعض أهل البدع؛ أنه لم يحكم لهؤلاء بالنار، وجعلهم بمنزلة من لم تبلغه الدعوة، وهذا مذهب لم يقل به أحد من أئمة المسلمين لا الصحابة ولا التابعين ولا من بعدهم، وإنما يعرف عن بعض أهل الكلام المحدث في الإسلام.

(ويقول الامام ابن القيم)

(والإسلام؛ هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان بالله وبرسوله واتباعه فيما جاء به، فان لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم، وإن لم يكن كافرا معاندا، فهو كافر جاهل، فغاية هذه الطبقة؛ أنهم كفار جهال غير معاندين، وعم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفارا، فإن الكافر من جحد توحيد الله )
______________________

شيخ الاســلام يرد علي الجهميــة قديمآ وحديثآ

$
0
0


شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن تيميَّة . ت : 728هـ .
_______________________________

قال في "مجموع الفتاوى"
__________________

(( فهؤلاء القائلون بقول جهم والصَّالحي قد صرَّحوا بأَنَّ سبَّ الله ورسوله : والتكلُّم بالتَّثليث وكلّ كلمة من كلام الكفر ليس هو كفراً في الباطن ولكنَّه دليل في الظَّاهر على الكفر ويجوز مع هذا أَنْ يكون هذا السابُّ الشاتِم في الباطن عارفاً بالله موحداً له مؤمناً به فإذا أُقيمَتْ عليهم حجَّةٌ بنصٍّ أو إجماعٍ أَنَّ هذا كافرٌ باطناً وظاهراً . قالوا : هذا يقتضي أَنّ ذلك مستلزِمٌ للتَّكذيب الباطن وأَنَّ الإيمان يستلزم عدم ذلك : فيقال لهم : معنا أمران معلومان :
(أحدهما) : معلومٌ بالاضطرار من الدِّين . و(الثاني): معلوم بالاضطرار من أنفسِنا عند التأمُّل .
أمَّا "الأول" : فإنَّا نعلم أَنَّ من سبَّ الله ورسولَه طوعاً بغير كَرْه ، بل من تكلَّم بكلمات الكفر طائعاً غير مُكْرَهٍ ، ومن استهزأ بالله وآياته ورسوله فهو كافرٌ باطناً وظاهراً ، وإِنَّ من قال : إِنَّ مثل هذا قد يكون في الباطن مؤمناً بالله وإِنَّما هو كافرٌ في الظَّاهر ، فإنَّه قال قولاً معلوم الفساد بالضَّرورة من الدِّين وقد ذكر الله كلماتِ الكفَّار في القرآن وحكم بكفرهم واستحقاقهم الوعيد بها ولو كانت أقوالهم الكفريَّة بمنزلة شهادةِ الشُّهود عليهم ، أو بمنزلة الإقرار الذي يغلط فيه المقِرُّ لم يجعلهم الله من أهل الوعيد بالشهادة التي قد تكون صِدْقاً وقد تكون كَذِباً ،بل كان ينبغي أَنْ لا يعذِّبهم إلاَّ بشرط صِدْق الشَّهادة وهذا كقوله تعالى :{ لقَدْ كَفَرَ الذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ } {لقَدْ كَفَرَ الذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْن مَرْيَمَ } وأمثال ذلك .

وأما "الثاني" : فالقلب إذا كان معتقداً صدقَ الرَّسول ، وأَنَّه رسول الله ، وكان محِبَّاً لرسول الله معظِّماً له ، امتنع مع هذا أن يلعنَه ويسبَّه فلا يُتَصَّور ذلك منه إلاَّ مع نوعٍ من الاستخفاف به وبحرمَتِه ، فَعُلِم بذلك أنَّ مجرَّد اعتقاد أَنَّه صادق لا يكون إيماناً إلاَّ مع محبَّته وتعظيمه بالقلب )) .

وقال أيضاً : (( قوله : { مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَليْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللهِ وَلهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ . ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ . أُوْلئِكَ الذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُوْلئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ .لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الْخَاسِرُونَ }

، فقد ذكر تعالى من كفر بالله من بعدِ إيمانِهِ وذكر وعيدَه في الآخرة ، ثم قال: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ } وبَيَّن تعالى أَنَّ الوعيد استحقوه بهذا .
ومعلومٌ أَنَّ باب التَّصديق والتَّكذيب والعلم والجهل ليس هو من باب الحبِّ والبُغْضِ ، وهؤلاء يقولون إِنَّما استحقُّوا الوعيدَ لزوال التَّصديق والإيمان من قلوبهم ، وإِنْ كان ذلك قد يكون سببه حبَ الدُّنيا على الآخرة ، والله سبحانه وتعالى جعل استحبابَ الدُّنيا على الآخرة هو الأصل الموجب للخُسْران . واستحباب الدُّنيا على الآخرة قد يكون مع العلم والتَّصديق بأَنَّ الكفر يضرُّ في الآخرة ، وبأَنَّه مالَه في الآخرة من خَلاق .

و "أيضاً"فإِنَّه سبحانه استثنى المكْرَه من الكفار ، ولو كان الكفر لا يكون إلاّ بتكذيب القلب وجهله لم يُسْتَثْنَ منه المُكرَه ، لأَنَّ الإكراه على ذلك ممتنعٌ فعُلِمَ أَنَّ التَّكلُّم بالكفركفرٌ إلاَّ في حال الإكراه .

وقوله تعالى : { وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا } . أي : لاستحبابه الدُّنيا على الآخرة ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً ، يبيع دينَه بعَرَضٍ من الدُّنيا ) فمن تكلَّم بدون الإكراه ، لم يتكلَّم إلاَّ وصدرُه منشرحٌ به )) .
وقال : (( فإن قيل : فقد قال تعالى : { وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا }قيل : وهذا موافقٌ ، لأوَّلها فإِنَّه من كفر من غير إكراهٍ فقد شرح بالكفر صدراً ، وإلا ناقض أول الآية آخرها ، ولو كان المراد بمن كفر هو الشَّارح صدرَه ، وذلك يكون بلا إكراه ، لم يستَثْنِ المكرَه فقط ، بل كان يجب أن يستثنى المكرَهُ وغير المكرَهِ إذا لم يشرح صدرَه، وإذا تكلَّم بكلمة الكفر طوعاً فقد شرح بها صدراً وهي كفرٌ ، وقد دلَّ على ذلك قولُه تعالى
: { يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّل عَليْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ . وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ }

فقد أخبر أَنَّهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم : إنَّا تكلَّمْنا بالكفر من غير اعتقادٍ له ، بل كنا نخوض ونلعب ، وبيَّن أَنَّ الاستهزاء بآيات الله كفرٌ ، ولا يكون هذا إلاَّ ممَّن شرح صدره بهذا الكلام ، ولو كان الإيمانُ في قلبه منعَه أنْ يتكلَّمَ بهذا الكلام )) .

وقال في "الصارم المسلول" : (( من قال بلسانه كلمةَ الكفرِ من غير حاجةٍ عامداً لها عالماً بأَنَّها كلمة كفرٍ فإِنَّه يكفرُ بذلك ظاهراً وباطناً ، ولأنَّا لا نجوِّز أَنْ يقال : إِنَّه في الباطن يجوز أَنْ يكونَ مؤمناً ، ومن قال ذلك فقد مَرَق من الإسلام ، قال سبحانه: { مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَليْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللهِ وَلهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ومعلومٌ أَنَّه لم يُرِدْ بالكفر هنا اعتقاد القلب فقط، لأَنَّ ذلك لا يُكره الرَّجل عليه، وهو قد استثنى من أُكْرِه ولم يُرِدْ من قال واعتقد ، لأَنَّه استثنى المُكرَه وهو لا يُكرَه على العقد والقول ، وإِنَّما يُكرَه على القول فقط ، فعلِم أَنَّه أراد من تكلَّم بكلمة الكفر فعليه غضبٌ من الله وله عذابٌ عظيم وأَنَّه كافرٌ بذلك إلاَّ من أُكرِه وهو مطمئنٌّ بالإيمان ، ولكن من شرح بالكفر صدراً من المُكرَهين فإِنَّه كافرٌ أيضاً ، فصار من تكلَّم بالكفر كافراً إلاَّ من أُكرِه فقال بلسانه كلمةَ الكفر وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان، وقال تعالى في حقِّ المستهزئين : لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ )) .

وقال أيضاً :
(( وقال سبحانه : { وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ . وَإِذَا دُعُوا إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ . وَإِنْ يَكُنْ لهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِليْهِ مُذْعِنِينَ . أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَليْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ . إِنَّمَا كَانَ قَوْل الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } فبيَّن سبـحانه أَنَّ من تولَّى عن طاعة الرَّسول وأعرض عن حكمِه فهو من المنافقين ، وليس بمؤمنٍ ، وأَنَّ المؤمن هو الذي يقول : سمعنا وأَطعنا ، فإذا كان النِّفاق يثبُتُ ، ويزولُ الإيمان بمجرَّد الإعراض عن حكم الرَّسول وإرادة التَّحاكم إلى غيرِه، مع أنَّ هذا ترك محضٌ ، وقد يكون سببه قوَّة الشَّهوة ، فكيف بالتنَّقص والسبِّ ونحوه ؟ )) .

وقال أيضاً :
(( ولا فرقٌ بين من يعتقد أَنَّ الله ربَّه ، وأَنَّ الله أمره بهذا الأمر ثم يقول : إِنَّه لا يطيعه ، لأَنَّ أمره ليس بصوابٍ ولا سدادٍ ، وبين من يعتقد أَنَّ محمَّداً رسول الله وأَنَّه صادقٌ واجبُ الاتباع في خبره وأمره ، ثم يسبّه أو يَعيب أمرَه أو شيئا من أحواله ، أو تنقَّصه انتقاصاً لا يجوز أَنْ يستحقَّه الرَّسول ، وذلك أَنَّ الإيمان قولٌ وعمل ، فمن اعتقد الوحدانيَّة في الألوهيَّة لله سبحانه وتعالى، والرِّسالة لعبده ورسوله ، ثم لم يُتْبِع هذا الاعتقاد موجَبَه من الإجلال والإكرام - الذي هو حالٌ في القلب يظهر أثره على الجوارح ، بل قارنه الاستخفاف والتسفيه والازدراء بالقول أو بالفعل - كان وجود ذلك الاعتقاد كعدمه ، وكان ذلك موجباً لفساد ذلك الاعتقاد ، ومزيلاً لما فيه من المنفعة والصَّلاح ، إذْ الاعتقادات الإيمانية تزكِّي النفوس وتصلِحها ، فمتى لم توجب زكاة النفس ولا صلاحها فما ذاك إلاَّ لأَنَّها لم ترسخْ في القلب ، ولم تصِرْ صفةً ونعتاً للنَّفس ولا صَلاحاً ، وإذا لم يكُنْ علم الإيمان المفروض صفةٌ لقلب الإنسان لازمةٌ له لم ينفعه ، فإِنَّه يكون بمنـزلةِ حديث النَّفس وخواطر القلب ، والنجاة لا تحصل إلا بيقينٍ في القلب ، ولو أَنَّه مثقال ذرَّة . هذا فيما بينَه وبين الله،وأمَّا في الظَّاهر فيُجري الأحكامَ على ما يظهِره من القول والفعل )) .

وقال أيضاً : (( إنَّ من سبَّ الله أو سبَّ رسوله كفر ظاهراً وباطناً ، سواءً كان السابُّ يعتقد أَنَّ ذلك محرَّم ، أو كان مستحلآ له ، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده ، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنَّة القائلين بأنَّ الإيمانَ قولٌ وعملٌ …

وكذلك نُقِلَ عن الشافعيّ أَنَّه سُئِل عمَّن هَزَلَ بشيءٍ من آياتِ الله تعالى أَنَّه قال : هو كافرٌ ، واستدلَّ بقول الله تعالى : { قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ؟ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } وكذلك قال أصحابنا وغيرهم : من سبَّ الله كفر، سواءً كان مازحاً أو جادَّاً لهذه الآية وهذا هو الصواب المقطوع به …. ويجب أَنْ يعلم أَنَّ القول بأَنَّ كفر السَّابِّ في نفس الأمر إِنَّما هو لاستحلاله السبَّ زلَّة منكَرةٌ وهفوةٌ عظيمةٌ … وذلك من وجوه :

أحدها : أَنَّ الحكاية المذكورة عن الفقهاء أَنَّه إِنْ كان مستحلاًّ كفر، وإلاَّ فلا ، ليس لها أصلٌ ، وإِنَّما نقلها القاضي من كتاب بعض المتكلِّمين (اي انه كلام المتكلمين )الذين نقلوها عن الفقهاء ، وهؤلاء نقلوا قول الفقهاء بما ظنُّوه جارياً على أصولِهم ، أو بما قد سمعوه من بعض المنتسبين إلى الفقه ممن لا يعدُّ قوله قولاً ، وقد حكينا نصوص أئمة الفقهاء وحكاية إجماعهم عمن هو من أعلم الناس بمذاهبهم ، فلا يظنُّ ظانٌ أَنَّ في المسألة خلافاً يجعل المسألة من مسائل الخلاف والاجتهاد ، وإِنَّما ذلك غلطٌ ، لا يستطيع أحدٌ أَنْ يحكي عن واحدٍ من الفقهاء أئمةَ الفتْوى هذا التفصيل البتَّةَ .

الوجه الثاني : أَنَّ الكفر إذا كان هو الاستحلال فإِنَّما معناه اعتقاد أَنَّ السبَّ حلالٌ ، فإِنَّه لمَّا اعتقد أَنَّ ما حرَّمه الله تعالى حلالٌ كفَرَ ، ولا رَيْبَ أَنَّ من اعتقد في المحرَّمات المعلوم تحريمها أَنَّها حلال كفر ، لكن لا فرق في ذلك بين سبِّ النَّبيِّ وبين قذف المؤمنين والكذب عليه والغِيبة لهم إلى غير ذلك من الأقوال التي علم أَنَّ الله حرَّمها ، فإِنَّه من فعل شيئاً من ذلك مستحلاًّ كفرٌ ، مع أَنَّه لا يجوزُ أَنْ يُقال : مَنْ قذفَ مسلماً أو اغتابه كفر،ويعني بذلك إذا استحلَّه .

الوجه الثالث : أَنَّ اعتقاد حلِّ السَّبِّ كفر ، سواء اقترن به وجود السبِّ أو لم يقترن ، فإذاً لا أثر للسبِّ في التَّكفير وجوداً وعدماً ، وإِنَّما المؤثِّر هو الاعتقاد ، وهو خلاف ما أجمع عليه العلماء .

الوجه الرابع : أَنَّه إذا كان المكفِّر هو اعتقاد الحلِّ فليس في السبِّ ما يدلُّ على أَنَّ السَّابَّ مستحلٌّ ، فيجب أنْ لا يكفَّر ، لاسيَّما إذا قال "أنا أعتقد أَنَّ هذا حرامٌ ، وإِنَّما أقول غيظاً وسفَهاً ، أو عبثاً أو لعباً "كما قال المنافقون : { إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ }.
وكما إذا قال : إِنَّما قذفت هذا وكذبت عليه لعباً وعبثاً ، فإن قيل لا يكونون كفاراً فهو خلاف نصِّ القرآن ، وإنْ قيل يكونون كفاراً فهو تكفيرٌ بغير موجبٍ إذا لم يجعل نفس السَّبِّ مكفِّراً ، وقول القائل : أنا لا أصدِّقه في هذا لا يستقيم ، فإنَّ التَّكفير لا يكون بأمرٍ محتملٍ ، فإذا كان قد قال : أنا أعتقد أنَّ ذلك ذنبٌ ومعصيةٌ وأنا أفعلُه ، فكيف يكفر إن لم يكن ذلك كفراً ؟
ولهذا قال سبحانه وتعالى : { لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } ولم يقل قد كذبتم في قولكم إِنَّما كنَّا نخوض ونلعب ، فلم يكذِّبهم في هذا العُذر كما كذَّبهم في سائر ما أظهروه من العذر الذي يوجب براءتهم من الكفر لو كانوا صادقين ، بل بَيَّن أَنَّهم كفروا بعد إيمانهم ، بهذا الخوض واللعب )) .اهـ
Viewing all 589 articles
Browse latest View live


<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>